خطوة لغزو الفضاء على الطريقة اليابانية

علوم تكنولوجيا

انجاز اليابان الباهر في محاولتها الثانية

إبسيلون -١ الصاروخ الفضائي الذي انطلق في ١٤ سبتمبر/أيلول ٢٠١٣. © جاكسا (منظمة بحوث الفضاء اليابانية)

نجحت طوكيو في إطلاق جيل جديد من الأقمار الصناعية على متن الصاروخ الجديد ابسيلون الذي تم إطلاقه في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم السبت ١٤ سبتمبر/ أيلول، من قبل منظمة بحوث الفضاء اليابانية (جاكسا) في مركز أوتشينورا الفضائي في محافظة كاغوشيما. وقد حمل الصاروخ خلال مرحلته الأولى نظام سبرينتا-أ، وهو تلسكوب مخصص لمراقبة ورصد الغلاف الجوي للكواكب عن بعد، إلى نقطة تقع في مدار فوق أمريكا الجنوبية، حيث تم فصل القمر الصناعي عن الصاروخ في وقت لاحق بعد مرور نحو ٦١ دقيقة من عملية الإطلاق. وذلك تمهيداَ لهذا القمر الصناعي الذي يحمل اسم هيساكي، للدخول في مداره والقيام بمهمته المتمثلة في مراقبة الكواكب الأخرى في النظام الشمسي من مدار الأرض.

وقد جرت عملية إطلاق الصاروخ لوضع القمر الصناعي في المدار المحدد من قبل دون حدوث عوائق هذه المرة. فقد كان هناك محاولة سابقة لإطلاق الصاروخ الفضائي ابسيلون في ٢٧ اغسطس/ أب الماضي، ولكن تم إلغاء العملية حيث لم يتحرك الصاروخ من منصة الإطلاق بعد أن ألغت أجهزة الكمبيوتر تلقائياً عملية العد التنازلي قبل ١٩ ثانية فقط من الإطلاق. ولعل السبب في ذلك كان خطأ في التوقيت وفارقاً زمنياً لايتعدى ٠٫٠٧ ثانية فقط بين منظومة الاستشعار الموجودة على متن الطائرة وأجهزة الكمبيوتر داخل المحطة. ثُّم أعلن المسؤولون في جاكسا في وقت لاحق أنه لم يكن هناك أي مشكلة في تمركز الصاروخ ابسيلون على منصة الإطلاق، ولكن أجهزة الكمبيوتر أخذت على عاتقها اعتراض هذه المحاولة الجديدة منخفضة التكلفة إلى الفضاء، ولسبب وجيه. فقد أشار الدكتور موريتا ياسوهيرو، وهو أستاذ في معهد جاكسا لعلوم الفضاء والملاحة الفضائية والمسؤول الرئيسي عن تطوير مشروع ابسيلون، أن فريقه لم يكن يتوقع اعتراض أنظمة السلامة على هذا القدر الضئيل من الزمن، وعلق أحد المراقبين بقوله ”لا يمكنك معاينة فترة  ٠٫٠٧ ثانية كمقدار زمني ضئيل يمكن تجاهله بأمان. فخلال تلك الفترة من الزمن، يكون سطح الأرض قد انتقل ٣٠ مترا إلى الشرق عند نقطة الانطلاق“.

طريقة أبسط للوصول الى الفضاء

التقطت الصورة من ابسيلون -١ فوق سطح الأرض. © جاكسا

ابسيلون هو صاروخ مُكَوّن من ثلاث طبقات مدعوم بمعززات تعمل بالوقود الصلب. مقارنة مع الوقود السائل المستخدم في الصواريخ الحاملة الفضائية من طراز H-IIA وH-IIA، والتي تُعتبر من المركبات الرئيسية في أسطول الصواريخ الياباني على مدى العقد الماضي أو أكثر، في حين يعد ابسيلون مركبة صغيرة، حيث يصل ارتفاعه إلى ٢٤٫٤ متر (مقارنة مع أكثر من ٥٠ مترا لنموذجي مركبات H-II) وتبلغ حمولته مجرد ١٫٢ طن متري (مقارنة ب ١٠ آلاف طن متري لمركبة H-IIA و ١٦٫٥ طن لمركبة H-IIB). وعلاوة على ذلك، تأتي تكلفة الإطلاق أيضا في مرتبة أقل حيث تصل إلى نصف تكلفة المركبات الأكبر حجما، وهذه ميزة مهمة سيما وانّ اليابان تسعى لتصبح لاعبا أكثر قدرة على المنافسة في سوق إطلاق الاقمار الصناعية العالمية. وقد كلفت عملية الإطلاق ٥٫٣ بليون ين، وتأمل جاكسا في خفض هذا المبلغ إلى حوالي ٣ مليارات ين.

كما استخدمت جاكسا بشكل مكثف الذكاء الاصطناعي وأنظمة كمبيوتر أخرى في هذه المنصة الجديدة، مما سمح بتوظيف طاقم من الموظفين وبشكلٍ أصغر بكثير من الطواقم اللازمة لإطلاق صواريخ H-II. كما تم خفض الوقت اللازم لتحضير عملية الإطلاق لأسبوع واحد فقط، أي حوالي سدس الفترة اللازمة سابقا. وفي مقابلة في محطة جاكسا، يوضح الدكتور موريتا بالقول ”نحن نخطط لزيادة تحسين الذكاء الاصطناعي للصاروخ بحيث يمكن التحكم بمتطلبات السلامة خلال الرحلة تلقائيا، والتحديد بشكل مستقل لكلٍ من المدار ونقطة التمركز، بالإضافة الى خاصية التدمير الذاتي عندما يواجه الصاروخ شيئا غير عادي خلال الرحلة. واذا ما استطعنا تحقيق ذلك، فلن يكون هناك حاجة لاستخدام رادار التتبع باهظ التكلفة، وسنكون قادرين على زيادة تبسيط المرافق في المحطة“.

وهكذا فانّ التقدم في هذه المجالات يحمل أخباراً سارة بالنسبة لبرنامج الفضاء الذي يأمل في خفض التكاليف وزيادة الموثوقية في محاولة لجذب الزبائن بعيدا عن عمالقة صناعة الفضاء مثل اريان سبيس في أوروبا، وستارسيم التابعة لروسيا الاتحادية، وخدمات الإطلاق الدولية وهو مشروع مشترك بين الولايات المتحدة وروسيا. حيث يعتبر هؤلاء من المنافسين الكبار لجاكسا، التي يتوجب عليها العمل بميزانية تعادل واحد على عشرة فقط من حجم ميزانية وكالة الفضاء الأمريكية ناسا. ولكن لدى جاكسا سجل حافل من النجاحات المتزايدة بما في ذلك عودة المسبار هايابوسا إلى الأرض في يونيو/ حزيران ٢٠١٠ بعد نجاحه في الهبوط على سطح النيزك ”إيتوكاوا“ وجمع عينات منه، وذلك الإنجاز يعتبر الأول من نوعه بالنسبة للبشرية جمعاء.

قلق من التقدم الياباني 

وقد عبر جيران اليابان في شرق آسيا عن قلقهم إزاء الإمكانيات العسكرية لمنصة ابسيلون حيث أنه سيكون من السهولة تحويلها إلى صاروخ عابر للقارات، خاصة أن العملية يمكن أن تنتج بتكاليف أقل نسبياً، وتدار بواسطة مجموعة صغيرة من الموظفين. وقد تأججت هذه المخاوف إزاء إقرار التشريعات المعدلة في يونيو/ حزيران ٢٠١٢ لفتح الطريق لجاكسا لمتابعة البرامج الفضائية العسكرية. ومع ذلك، تركز الوكالة، في الوقت الحاضر، على توسيع أداء ابسيلون باعتباره منصة إطلاق تجارية منتجة كليا في اليابان.

وربما هنالك مراقبون آخرون من المرجح أن يكونوا غير راضين عن إطلاق الصاروخ ابسيلون وهم تلاميذ المدارس في اليابان. فقد كان موعد الإطلاق المقرر أصلا في أغسطس/أب وهو الوقت الأفضل بالنسبة اليهم حيث كان من الممكن لهم تدوين عملية الإطلاق في تقارير العطلة الصيفية، وتلك هي إحدى واجبات مقررات مادة العلوم في المدارس (تبدأ السنة الدراسية اليابانية في ابريل/نيسان، وعادة ما تتضمن العطلة الصيفية واجبات منزلية يتم تسليمها في بداية الفصل الثاني في وقت مبكر من سبتمبر/أيلول). وكان الأطفال يأملون بكتابة تقارير مثيرة متعلقة بإطلاق صاروخ ياباني جديد لكنهم وجدوا أنفسهم مضطرين للجوء لمواضيع اخرى في اللحظة الأخيرة.

(عن مقالة أصلية من Nippon.com صيغت بتاريخ ١٧ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٣)

الفضاء الذكاء الاصطناعي