الانتخابات العامة والآمال المعلقة على حكومة ”أبي“ الجديدة

سياسة اقتصاد

القوة المدمرة لنظام الدوائر الانتخابية ذات المقعد الواحد

تم عقد الانتخابات العامة لمجلس النواب في ١٦ ديسمبر/ كانون الأول من هذا العام. وكما أشارت كل التوقعات فقد حصد الحزب الليبرالي ٢٩٤  مقعد من مقاعد البرلمان، وليس ذلك فحسب بل إذا أضفنا إليهم ٣١ من مقاعد حزب كوميتو الجديد المتحالف معه فيكونا قد حصدا سوياً  ٣٢٥ مقعدا من مقاعد البرلمان الـ ٤٨٠ وهو ما يمثل أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان. من ناحية أخرى، فإن الحزب الديمقراطي قد حصل على ٥٧ مقعداً فقط من أصل٢٣٠ مقعدا كان يسيطرعليها، وهُزم أيضاً ثمانية وزراء بالإضافة لوزير شؤون مجلس الوزراء ”أوسامو فوجيمورا“ وممثل الحزب ” يوشيتو سنغوك“. وأدركوا بعد فوات الأوان حجم القوة التدميرية لنظام الدوائر الانتخابية ذات المقعد الواحد. وبالإضافة إلى ذلك حصل حزب ”نيبون إيشين نو كاي“ على ٥٤ من مقاعد البرلمان وحل في المركز الثالث.

وكما صرح رئيس الحزب الليبرالي  شينزو ابي ”أعتقد أن الثقة في الحزب الليبرالي لم تعد بشكل كامل“. أعتقد أن ذلك الانتصار الساحق للحزب الليبرالي يرجع لحد كبير إلى خيبة الأمل الكبيرة تجاه إدارة حكومة الحزب الديمقراطي على مدار أكثر من ثلاث سنوات. ومع ذلك، في نفس الوقت الآمال معقودة على البرجماتية المحافظة للحزب الليبرالي.

الحكم الواقعي للشعب على قضيتي حادث المفاعل وزيادة الضرائب

من القضايا التي أثرت في الرأي العام الياباني خلال تلك الانتخابات مواضيع مثل الإيجابيات والسلبيات لاستخدام الطاقة النووية، زيادة الضرائب، مفاوضات الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) والمشاريع العامة أيضا. فكان على الشارع الياباني المشاركة في هذه الانتخابات في ظل هذه القضايا العالقة، وأعتقد أنه يمكننا بسهولة معرفة اختيار الشعب من خلال الهزيمة الساحقة التي مني بها الحزب الديمقراطي في الانتخابات.

كما يمكن أيضاً القول بأن سياسات الأحزاب الثلاثة (الشيوعي والإشتراكي وحزب الغد) متوافقة في معارضتها لاستخدام الطاقة النووية والزيادة في الضرائب وأخيراً المفاوضات الخاصة بالشراكة عبر المحيط الهادئ وكان جديرا بها أن تحصل على أصوات الجماهير إلا أنها فازت بمقاعد أقل في البرلمان الياباني مثل حزب اليابان الغد ٩ مقاعد فقط (لاحظ قبل الانتخابات المقاعد ٦١)، الحزب الشيوعي الياباني ٨ مقاعد فقط، الحزب الاشتراكي الياباني مقعدين فقط. وكانت هذه الأحزاب تدعو بالأصل للعودة إلى فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي وهي فترة قوة الاقتصاد الياباني لكن دون أن تقدم استراتيجية واضحة، لذلك فإن ما يمكن أن نستخلصه من هزيمة تلك الأحزاب وعدم تحقيقها نجاحاً في الانتخابات النيابية هو أن الشعب الياباني اتخذ قراره وانحاز للاختيار الواقعي.

ومن هذا المنطلق يمكن القول أن القضايا سالفة الذكر كان لها التأثير الأكبر في تحديد اختيارات المواطنين في الانتخابات. وبناء على ذلك فإن على الحكومة الجديدة تحديد السياسة العامة والتوجهات الخاصة بها. فقد أعلن الحزب الليبرالي في موضوع الطاقة ”إقامة أفضل مزيج بين مصادر الطاقة في غضون ١٠ سنوات“ وفي نفس الوقت سيقوم باستئناف عمل محطات الطاقة النووية بعد إقرار هيئة الرقابة والسلامة النووية بأمنها وسلامتها. نظرا للتقدم الهائل التي يحدثه الغاز الصخري (ثورة الغاز الصخري) فمن الحكمة أن تضع الحكومة وقتا طويلا (نحو ١٠ سنوات) في تطوير سياسة للمزج بين مصادر الطاقة المختلفة، وأيضاً موضوع إعادة تشغيل محطات الطاقة النووية المتوقفة بعد التأكد من سلامتها هو أمر مفروغ منه بطبيعة الحال.

أما بخصوص موضوع زيادة الضرائب الاستهلاكية فقد اتفقت عليه الأحزاب الثلاثة: الحزب الديمقراطي، الحزب الليبرالي، حزب كوميتو الجديد. فبالنسبة لزيادة الضرائب حتى ٨٪ والتي من المقرر لها أبريل/ نيسان ٢٠١٤ قال رئيس الحزب الليبرالي شينزو أبي أن تحديد الشكل النهائي لتلك الزيادة سيتم البت فيه بناء على الوضع الاقتصادي خلال الفترة من أبريل/ نيسان حتى مايو/ أيار ٢٠١٣. وهو ما يعني بعبارة أخرى تصحيح الميزانية وإيجاد سياسات لجعل المشاريع الحكومية أكثر فاعلية من أجل تعزيز الاقتصاد بحلول الربيع المقبل.

مفاوضات الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP): تحرير التجارة والإصلاحات الهيكلية

وتبقى قضية الشراكة عبر المحيط الهادئ عالقة. فقد تعهد الحزب الليبرالي أنه لن يدخل في مفاوضات الشراكة عبر المحيط الهادئ في حالة إلغاء التعريفات الجمركية دون ضمانات واضحة. ومع ذلك فهذا لا يعني عدم الموافقة تماما. سوف تبدأ في مفاوضات الشراكة عبر المحيط  الهادئ بشكل جاد وعملي العام القادم. وبالإضافة إلى ذلك ستبدأ مفاوضات اتفاق الشراكة الشاملة للاتحاد الأوروبي (EU) مع الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك من المرجح  اتخاذ خطوة إلى الأمام لإنشاء منطقة للتجارة الحرة والتي ستشمل ما يقرب من ٥٠٪ من أجمالي الناتج المحلي الإجمالي (GDP) في العالم. إن الإصلاح الهيكلي للاقتصاد الياباني وتحرير التجارة أمر ضروري للغاية إذا ما أراد الحزب الليبرالي الإيفاء بتعهداته في ”استعادة ٥٠ تريليون ين من الدخل القومي“. كذلك اختيار عدم المشاركة في وضع القواعد التجارية في القرن ٢١ أمر لا يليق باليابان واستراتيجيتها. لذلك أيضاً فالآمال معلقة بشكل كبير على قيادة ”أبي“ في المرحلة القادمة.

عمل ”آبي“ على إنشاء ”مجلس لإحياء الاقتصاد الياباني“ في الحكومة اليابانية كما أنشأ تحت هذا المجلس ”مجلس المنافسة الصناعية“ وأيضا اقام ”المجلس الاقتصادي الاستراتيجي الدولي“ وعمل على إعادة تفعيل ”مجلس السياسات الاقتصادية والمالية“. أما حكومة الحزب الديمقراطي فلم تستطع تحقيق أي تقدم من الناحية الاقتصادية على الرغم من إنشائها للمكتب الوطني الإستراتيجي لتوحيد السياسات الإقتصادية وظل مجلس السياسات الاقتصادية في حالة من السبات العميق. وبالإضافة إلى ذلك فإن مجلس العلوم والتكنولوجيا لم يكن يفعل أي شيء في الواقع، وتم وضع سياسات العلم والتكنولوجيا والابتكار على الرف دون أي تحرك إيجابي. (تم تقديم مشروع قانون لإعادة تنظيم مجلس العلوم والتكنولوجيا في الدورة الاستثنائية لمجلس النواب مشروع في اجتماع لمجلس الوزراء يوم ٩ نوفمبر/ تشرين الثاني، لكن مع حل مجلس النواب ألغي كل شيء). ونأمل من الحكومة الجديدة أن تتمكن من بناء إستراتيجيات نمو متينة يمكن الإعتماد عليها، فهناك ملفات ساخنة يجب اتخاذ قرارات حاسمة فيها و بنفس الوقت متوافقة مع سياسة حظر القيود مثل سياسة الطاقة، مفاوضات الشراكة عبر المحيط، السياسة الاقتصادية الخارجية، سياسات العلم والتكنولوجيا والابتكار، وذلك لتفادي ما كان يحدث في الماضي حيث كانت تبنى استراتيجية نمو جديدة في كل عام.

الآمال معلقة على حكومة ”أبي“

تجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام العالمية بما في ذلك الإعلام الكوري الجنوبي والصيني والأمريكي أعربوا عن قلقهم من ”الانجراف نحو التطرف اليميني“ في المواقف اليابانية. أنا لا أتفق معهم في هذا القلق أو تلك المخاوف بالضرورة، لا بل أراهن على التيار المحافظ العقلاني في الحكومة الجديدة. أنا أوافق على مبدأ تعديل الدستور، ولكن لا أعتقد أن الوقت مناسب لذلك الآن. وبالإضافة إلى ذلك، لا أتوقع أن قضية السيادة على جزر سينكاكو (أو حتى قضية تاكيشيما، والأقاليم الشمالية) سوف يتم حلها على المدى الطويل. ما هو مطلوب الآن، يجب أن تعزز اليابان سيادتها على الجزر وكذلك ضمان مراقبة صارمة وفعالة عليها، وأيضاً تعزيز قوات خفر السواحل، وفي نفس الوقت بذل المزيد من الجهود من أجل إقناع المجتمع الدولي بموقف اليابان. وذلك بإيجاد سبل لحل المشكلة واحتوائها سريعاً ووضعها جانباً دون أن تؤثر على الجانب الاقتصادي.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، ١٧ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٢)

استراتيجية النمو ضريبة الاستهلاك الحزب الليبرالي قوات الدفاع الذاتي الإنتخابات الحزب الديمقراطي الضرائب السياسات الإقتصادية