السياسة الخارجية وجولة آبي الأسيوية

سياسة

جولة أبي في جنوب شرق آسيا

قام رئيس الوزراء الياباني آبي شينزو بأول زيارة خارجية له منذ توليه السلطة في ١٦ يناير/ كانون الثاني واستمرت يومان لكل من فيتنام وتايلاند وإندونيسيا.

وقد التقى في تلك الزيارة برئيس وزراء فيتنام نجوين تان دونج ناقشا خلالها مواضيع مثل تطوير التعاون في مشاريع البنية التحتية مثل تخطيط الطرق السريعة وبناء محطات الطاقة النووية، وكذلك في مجال الاستثمارات التجارية وتنمية الثروة المعدنية، كما تطرق أيضاً لقضية جزر سينكاكو المتنازع عليها والنزاع الإقليمي في بحر الصين الجنوبي مع أخذ الضغوط الشديدة التي تمارسها الصين بعين الاعتبار أنه ”ينبغي أن تحل تلك الأزمة من خلال المفاوضات السلمية على أساس القانون الدولي“ وأقد أبدي رئيس الوزراء الفيتنامي تتطابقاً وتوافقاً تجاه هذا الطرح. كما شدد أبي بخصوص قضية بحر الصين الجنوبي ”إننا نعارض تغيير الوضع الراهن عن طريق القوة“ وأكد كذلك على أهمية التعاون في المجال السياسي والأمني. ​​وأضاف أيضا ”العلاقات بين الصين واليابان هي مهمة للغاية بالنسبة لليابان. لذلك يجب مواصلة التعاون معاً بهدوء للحفاظ على تلك العلاقات العميقة وتعزيز الاتصالات مع الصين وتقويتها“.

كما التقى آبي أيضاً برئيسة وزراء تايلاند شيناواترا في١٧ يناير/ كانون الثاني. وفي المؤتمر الصحفي المشترك أعرب رئيس الوزراء أبي عن اهتمام اليابان بدخول الشركات اليابانية لمشاريع البنية التحتية كمشاريع السيطرة على الفيضانات، وكذلك خطط إنشاء القطارات فائقة السرعة في تايلاند، وأيضاً تنمية المنطقة الاقتصادية بداوي بميانمار، كما أعرب عن أمله في عقد لقاء على أعلى مستوى لتبادل وجهات النظر بشأن قضية داوي مع كل من تايلاند وميانمار.

كما أجرى أبي محادثات مع الرئيس الإندونيسي سوسيلو بانبانج يودهونو في اليوم التالي ١٨ يناير/كانون الثاني. وفي المؤتمر الصحفي أكد أبي أن علاقة اليابان مع رابطة دول جنوب شرق أسيا (ASEAN) هي ”حجر الزاوية الأكثر أهمية“ بالنسبة لسياسة اليابان الخارجية. كما تحدث آبي عن ”المبادئ الخمسة الجديدة للسياسة الخارجية اليابانية“ التي تعد الأساس بالنسبة لليابان والقاعدة التي ستتحرك على أساسها تجاه رابطة دول شرق أسيا والسياسة الخارجية تجاه شرق أسيا بشكل عام. لذلك سأقتبس بعض المقتطفات من خطاب أبي الذي اضطر على إلغائه نظراً لأزمة الرهائن التي تفجرت في الجزائر واضطرعل أثرها للعودة على عجل إلى اليابان.

خمسة مبادئ جديدة للسياسة الخارجية أولا، تحقيق وضمان حرية الفكر، حرية التعبير، حرية الصحافة، والمحافظة على القيم العالمية لحقوق للإنسان في كل من الأراضي الواقعة على البحرين (المحيط الهندي والمحيط الهادي).

ثانياً، يجب المحافظة على الشريان الذي يربط بيننا وهو البحر، وعدم الإقدام على السيطرة عليه من خلال استخدام القوة، ولكن عبر القانون والقواعد الدولية المتعارف عليها.

إنني وبالإضافة لإلتزامي بتحقيق ما سبق ذكره أرحب بالخطوة التي قامت بها الولايات المتحدة بنقل محور تركيزها إلى دول آسيا والمحيط الهادئ.

ثالثاً، يجب أن تسعى السياسة الخارجية اليابانية للتعاون من خلال الاقتصاد الحر والمنفتح. حيث أن تدفق التبادلات التجارية و الاستثمارات والأيدي العاملة تعزز الروابط الإقتصادية بين البلدان المعنية، لذلك هناك ضرورة ملحة لترسيخ شبكة علاقات قوية ومتينة.

وقد واصلت اليابان الجهود والمساهمات باعتبارها قوة كبيرة لبناء الممر الاقتصادي في جنوب نهر ميكونغ والربط مع آسيا، وقد حان الوقت الأن لجني ثمار تلك الجهود.

رابعاً، ستواصل اليابان جهودها من أجل توطيد وتعزيز الروابط الثقافية.

خامساً، تشجيع التبادل بين أجيال المستقبل.

قبل ٣٦ عاماً، أعطى رئيس وزراء اليابان في ذلك الوقت السيد ”فوكودا تاكيو“ ثلاثة وعود لرابطة الأسيان. اليابان لن تصبح قوة عسكرية عظمي. إنشاء علاقات مبنية على الود والمحبة مع الأسيان. اليابان والآسيان، أن تصبح اليابان شريكاً على قدم المساواة. وهذه هي المبادئ الثلاثة.

السيدات والسادة، كما تعلمون أكثر من أي شخص فنحن نتبع ”عقيدة فوكودا“ بإخلاص شديد حتى يومنا هذا.

والآن، فاليابان ورابطة الأسيان هم شركاء بكل ما تحمل الكلمة من معنى، يمضون سوياً يداً بيد نحو العالم.

وأنا أؤمن أن الأسيان واليابان اللذان يربطهما البحر بالعالم يجب أن نعمل على الحفاظ على الحرية والانفتاح، وأن نتحرك وفقاً للقانون وليس منطق القوة وفرض الأمر الواقع.

التركيز على التعاون مع الآسيان وأستراليا

قبل جولة رئيس الوزراء أبي في جنوب شرق آسيا قام نائب رئيس الوزراء السيد ”تارو اسو“ بزيارة رسمية لميانمار في ٣ يناير/كانون الثاني، واجتمع خلالها مع الرئيس ثين سين، حيث كرر عزم اليابان على إسقاط جزء من الديون التي تبلغ ٥٠٠ بليون ين، كما أكد أيضاً على دعم تنمية منطقة تيراوا الاقتصادية.

وبالإضافة إلى ذلك، قام وزير الخارجية الياباني كيشيدا فوميو في الفترة من ٩ يناير/ كانون الثاني وحتى ١٤ من نفس الشهر بزيارة رسمية شملت كلاً من الفلبين، سنغافورة، بروناي، أستراليا. وقد صرح كيشيدا في الفلبين في لقاء مع صحيفة محلية  ”سوف نركز على تعزيز وتقوية العلاقات مع الآسيان“، وأكد على أهمية تعزيز التعاون مع الفلبين والدعم في مجال الأمن البحري حيث صرح: ”لن نتردد في تقديم الدعم والتعاون“. وقد أعرب أيضاً في بروناي التي تتولي رئاسة الأسيان في الدورة الحالية بأن اليابان ستقوم ببذل كل الجهود الممكنة لكي تساعد بروناي على القيام بمسؤوليتها على أكمل وجه والوصول الى نتائج مرضية. كما أجرى أيضاً محادثات مع وزير الخارجية بوب كار في أستراليا في ١٣ يناير/ كانون الثاني، تتطرقت لتعزيز العلاقات الثنائية في مجالات مثل الأمن، وأيضاً تسريع وتيرة المفاوضات في موضوع اتفاقية الشراكة الاقتصادية اليابانية الاسترالية (EPA).

أو بعبارة أخرى، قامت حكومة أبي وخلال أقل من شهر واحد من تشكيل تلك الحكومة بزيارة ٧ دول من أصل ١٠ دول من أعضاء الأسيان (فيتنام، تايلاند، إندونيسيا، ميانمار، الفلبين، سنغافورة، بروناي)  بالإضافة الى أستراليا، وقد أظهرت تلك الخطوات الحثيثة من محاولات اليابان لتقوية علاقاتها بالدول الحليفة وكذلك الأسيان الإطار الجديد للدبلوماسية الخارجية اليابانية. وتلقى تلك التغيرات في السياسة الخارجية ترحيباً واسع النطاق خاصة بعد حالة الجمود التي سادت لأكثر من ثلاث سنوات في ظل إدارة الحزب الديمقراطي.

احتواء الأزمة الصينية خارج التوقعات

وقد علقت بعض الصحف على جولة أبي لدول جنوب شرق آسيا، مثل ”صحيفة الشعب اليومية“ الصينية وصحيفة ”دونغ“ الكورية الجنوبية وقالت أن الهدف من تلك الجولة هو محاولة احتواء الصين وتطويقها من كل الجهات. لكن في ظل سيطرة عقلية سياسة القوة والانحياز أعتقد أنه من الصعب تحديد أو فهم السياسة اليابانية تجاه أسيا أو العلاقات الدولية لشرق آسيا في القرن الحادي والعشرين. فقد تم دمج الصين في الاقتصاد العالمي بشكل كبير، كما أصبحت الصين شريكاً تجارياً للعديد من بلدان شرق آسيا والمحيط الهادئ بما في ذلك اليابان نفسها حالياً، لذلك لا يمكن أبداً احتواء أوعزل الصين، وليس في مصلحة أي طرف من الأطراف أن يحدث ذلك. علي كل حال هذه ليست القضية الأساسية التي تشغل البال في المحيط الهادي/ شرق آسيا الآن.

ويعزي الي النمو الاقتصادي في ”الأسواق الصاعدة“ مثل الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا وتركيا  تغير في موازين القوى و توزع الثروات على مستوى العالم وأيضاً في المحيط الهادي/ شرق آسيا. خاصة الصعود المبهر والنهضة الصينية. لذلك، أعتقد أن القضية الأساسية الأن في شرق آسيا والمحيط الهادئ عن ماهية المبادئ و الأطر السياسية والاقتصادية التي يجب وضعها للاستجابة للتغيرات السريعة و المتلاحقة في توزع ا القوى و الثروات. تلك هي القضية الملحة و الأساسية حالياً.

فليس معنى بروز وصعود الصين أن تصبح هي القائد لبلدان شرق أسيا، وترسل البلدان المجاورة مبعوثون للصين مع كل تغيير للحكومة فيها من أجل السعي للحصول على مباركة الصين. اعتقد أن معظم البلدان لا تريد ذلك على الإطلاق. لذلك و قبل كل شيء يجب تحديد و وضع القواعد في شرق آسيا و إلا ستحدد الصين القواعد من جانب واحد وعلى البلدان المجاورة مجرد قبول تلك القواعد. وأيضاً ستحاول الصين استخدام منطق القوة لتحقق مآربها في كل مرة ينشب فيها صراع أو نزاع إقليمي مع دول الجوار.

لذلك يجب وضع القواعد وفقاً لمبدأ سيادة القانون على نحو يتسق مع القانون الدولي وبإجماع جميع الأطراف، ويجب على جميع الأطراف الامتثال لتلك القواعد. وهذا  أمر طبيعي لا يحتاج المناقشة. كما يجب تعزيز الاتصال بين أعضاء دول الأسيان وإرساء سيادة القانون وكذلك الانفتاح علي العالم.

يجب على اليابان أن تعمل وفقاً لهذه المبادئ من أجل إعادة ترتيب العلاقات في شرق أسيا وأسيا المحيط الهادي في القرن ٢١،  ويكون محورها التحالف الياباني والولايات المتحدة، مع التركيز على آسيان كمركز للتعاون الإقليمي. فضلاً عن التعاون مع البلدان الشريكة مثل أستراليا وغيرها من الدول. أيضا يجب حث الصين لتقوم بتحمل مسؤولياتها الدولية، تلك هي سياسة اليابان الخارجية التي برزت من خلال جولة رئيس الوزراء أبي  لبلدان جنوب شرق آسيا هذه المرة .

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية)

البنية التحتية الصين شينزو آبي فيتنام أستراليا الأمن سينكاكو أسو تارو