التنين الصيني يبتلع المارد الياباني

سياسة اقتصاد

 كل عام وانتم بخير بمناسبة العام الجديد وأتمنى لكم كل الأماني الطيبة، كما أشكركم على متابعة موقعنا وأتمنى من كل قلبي أن تستمروا في متابعتنا وتشجيعنا خلال هذا العام.

إتجاه الاقتصاد العالمي نحو التغيير

أود أن أكتب في بداية العام الجديد عن بعض القضايا الكبرى الهامة على المدى الطويل.

أولا وقبل كل شيء أريد منكم أن تنظروا إلى الجدول في الأسفل والذي يوضح حصص البلدان الرئيسية المختلفة في الاقتصاد العالمي.

الناتج المحلي الإجمالي العالمي (GDP) لإقتصاديات الدول والجماعات الرئيسية المختلفة

الوحدة :٪

عام ١٩٩٠ عام ٢٠٠٠ عام ٢٠١٠ عام ٢٠١٨ (التوقعات)
جميع أنحاء العالم ١٠٠ ١٠٠ ١٠٠ ١٠٠
الدول المتقدمة (الاقتصادات المتقدمة) ٨٠ ٧٩٫٩ ٦٥٫٧ ٥٨٫٥
الدول السبع الصناعية الكبرى (G7) ٦٥٫٤ ٦٦ ٥٠٫٥ ٤٤٫٧
الولايات المتحدة ٢٦٫٧ ٣١٫٤ ٢٣٫٤ ٢٢٫٢
اليابان ١٣٫٩ ١٤٫٥ ٨٫٦ ٦٫١
الإتحاد الأوروبي ٣١٫٥ ٢٦٫١ ٢٥٫٦ ٢٢٫١
الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية ٢٠ ٢٠٫١ ٣٤٫٣ ٤١٫٥
دول آسيا الناشئة (دول آسيا النامية) ٤٫٨ ٦٫٨ ١٤٫٩ ٢٠٫٤
الصين ١٫٧ ٣٫٧ ٩٫٣ ١٤٫٢
بلدان رابطة دول جنوب شرق آسيا الرئيسية (ASEAN-5) ١٫٣ ١٫٥ ٢٫٥ ٣
الهند ١٫٥ ١٫٥ ٢٫٧ ٢٫٦

تم إعداد جدول الناتج المحلي الإجمالي لكل بلد (دولار أمريكي) والتوقعات الإقتصادية العالمية بناء على دراسة صندوق النقد الدولي باللغة اليابانية (IMF) في (أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٣ ).

بالطبع يمكن قراءة هذا الجدول بطرق متنوعة ومختلفة. على سبيل المثال زادت حصة الدول الآسيوية الناشئة من ٤٫٨ ٪ عام ١٩٩٠ إلى ٦٫٨ ٪ عام ٢٠٠٠، ثم تصل الى ١٤٫٩٪ عام ٢٠١٠، لتصل بعد ذلك إلى ٢٠٫٤ ٪ عام ٢٠١٨ طبقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي (IMF)، من هذا المنطلق وبالتركيز على تلك النقطة يمكننا التطرق لموضوع ”صعود آسيا“ على مستوى الاقتصاد العالمي. بالإضافة إلى ذلك يمكننا أيضاً الممكن أن نلاحظ أن إنخفاض حصة اليابان بشكل تدريجي حيث كانت  ١٣٫٩ ٪ عام ١٩٩٩ ثم ١٤٫٥ ٪ عام ٢٠٠٠، ٨٫٦ ٪ عام ٢٠١٠ لتصل في النهاية الى ٦٫١ ٪ عام ٢٠١٨، مما يدل على التراجع النسبي لقوة اليابان. ومع ذلك، عند مراجعة المناقشات التي جرت مؤخراً كان هناك طريقتان رئيسيتان لقراءة هذ الموضوع.

صعود البلدان الناشئة وارتفاع أسهمها

 يمكننا ملاحظة التناقص التدريجي للحصة السوقية للدول الصناعية السبع الكبرى (اليابان، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، ألمانيا، فرنسا، ايطاليا، كندا) من ٦٥٫٤٪ عام ١٩٩٩ الی ٦٦ ٪ عام ٢٠١٠، ثم نتوقع أن تهوي بشكل كبير لتصل الى ٤٤٫٧ ٪ عام ٢٠١٨. لكن في الناحية الأخرى نجد أن الحصة السوقية للدول الصاعدة كانت ٢٠٪ عام ١٩٩٩ ثم ٢٠٫١ ٪ عام ٢٠٠٠ لتصل بعد ذلك عام ٢٠١٠ الى ٣٤٫٣ ٪ ثم ربما ستنمو بشكل سريع لتصل ٤١٫٥٪ عام ٢٠١٨، السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي التأثيرات التي ستحدثها هذه الدول على النظم السياسية والإقتصادية العالمية.

لقد تم تداول خلال الأعوام الـ ١٠ الماضية كلمة ”بريكس“ والتي تعبر عن الدول صاحبة أسرع نمو اقتصاي بالعالم (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا) والتي أصبح الضوء مسلطاً عليها في الفترة الأخيرة ويدور حولها العديد من النقاشات، لكن منذ العام الماضي اختفى الزخم الذي تميزت به اقتصادات الدول الصاعدة. ولكن ستواصل دول الإقتصادات الصاعدة بالنمو والصعود في المستقبل حتى عام ٢٠٢٠ وربما تصبح الحصة السوقية الخاصة بالدول الصناعية الكبرى من نصيب تلك الإقتصادات الصاعدة بل وربما تتعداها أيضاً. ومن هذا المنطلق وكردٍ على صعود ونمو الاقتصادات الناشئة يجب اعادة النظر في نظام الحكومة العالمية وهو ما يشكل تحدياً عالمياً رئيسياً الآن .

الصين ودول شرق أسيا

القراءة الثانية للجدول السالف ذكره تتمثل في إنحفاض الحصة السوقية للولايات المتحدة الأمريكية حيث كانت ٣١٫٤٪ عام ٢٠٠٠ لتنخفض بعد ذلك الى ٢٣٫٤٪ عام ٢٠١٠، حتى تصل الى ٢٢٫٢٪ عام ٢٠١٨.  بينما زادت نسبة الصين من ١٫٧٪ عام ١٩٩٠ الى ٣٫٧ ٪ عام ٢٠٠٠ وحققت نمواً سريعاً لتصل الى ٩٫٣٪ عام ٢٠١٠ وستصل إلى ١٤٫٢٪ عام ٢٠١٨. وكما ذكر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر عام ١٩٧٠ أن التوسع والنمو في الاقتصاد يتبعه من دون أي شك توسيع في القوة العسكرية والجيش. وإذا إستمرت الصين في النمو الإقتصادي المتسارع مع زيادة النفوذ العسكري في المستقبل ستصبح قوة كبيرة يمكن أن تجابه قوة الولايات المتحدة الأمريكية.

وتختلف درجة الإحساس بالخطورة من النمو المتسارع للمارد الصيني من مكان لأخر ومن دولة لأخرى. لكن يوجد رأي يقول أن دول جنوب شرق أسيا مهددة بقوة بسبب صعود الصين القوي على نحو متزايد في شرق آسيا. لن أذكر البيانات بالتفصيل حتى لا أشتت انتباهكم لكن أستطيع أن أقول أن الحصة السوقية للصين بلغت ٣٨ ٪ في عام ٢٠١٠ في دول شرق آسيا (اليابان، الصين، كوريا الجنوبية، رابطة دول جنوب شرق آسيا ”آسيان“ ١٠ دول، الهند)، ومن المتوقع أن تصل إلى ٥١ ٪ عام ٢٠١٨. بالطبع من المفهوم جيدا أن قوة الدول لا تقاس فقط بحجم الناتج المحلي الإجمالي، ولكن اقتراب المرحلة التي ستمثل فيها الصين نصف إقتصاد دول شرق آسيا، وصعود الصين المتسارع في شرق آسيا يمثل أحد التحديات السياسية والاقتصادية الكبيرة في المنطقة.

ومع ذلك مايزال ينظر للصعود المتسارع للصين على أنه أمر يخص دول شرق آسيا، وأعتقد أن التعامل مع القضايا الدولية سيعتمد بشكل كبير على كيفية التعامل مع صعود الإقتصادات الناشئة. وأعتقد أن درجة الإختلاف والتباين بين نظرة شرق أسيا والعالم ستتقلص الى حد ما في السنوات المقبلة حتى بلوغ عام ٢٠٢٠.

زيادة في البلدان التي تنظر الى أن الصين تشكل تهديدا

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية القوة الكبرى على أنقاض تلك الحرب كما يقول كارل بولاني في ”حضارة القرن ١٩“، وقادت الولايات المتحدة عمليات إعادة الإعمار ”حضارة القرن ٢٠“. وقد تأسس نظام القرن الـ ١٩ على نظام ميزان القوة، معيار الذهب الدولي، السوق ذاتية التنظيم (اقتصاد السوق)، ودولة ليبرالية قائمة على ”حضارة القرن ١٩“،وهو يختلف تماما عن نظام القرن الـ٢٠ المبني على ”سلام الولايات المتحدة الأمريكية“ واستناداً إلى معيار الدولار واقتصاد السوق والحرية الديمقراطية.

بعد عمليات الاصلاح والانفتاح التي بدأت منذ عام ١٩٧٨، قامت الصين بالإتجاه اعتماد سياسة إخفاء الموهبة وانتظار الوقت المناسب مع الإنتقال إلى اقتصاد السوق الاشتراكي والاقتصاد الاشتراكي. ومن ناحية أخرى، فإنها شاركت في ”حضارة القرن ٢٠“ لقبول معيار الدولار و ”سلام للولايات المتحدة“ على الصعيد الدولي، وحققت الصين من خلال ذلك نمواً إقتصادياً هائلاً وصحب ذلك توسيع للنفوذ السياسي وتعزيز للقوة العسكرية. ولما كانت حصة الصين في الاقتصاد العالمي قليلة لم يخلق ذلك أية مشكلة.

لكن حصة الصين في الاقتصاد العالمي أكثر من ١٠٪، وستقفز لتصبح أكثر من ٢٠٪ عام ٢٠٢٠. وبناء على هذه الخلفية من النمو الإقتصادي الكبير والمتسارع ستقوم الصين بزيادة قوتها العسكرية، وتوسيع نفوذها السياسي في المستقبل، كما هو حاصل على الأرض في شرق آسيا الآن، وأعتقد أن الدول التي تشعر بالتهديد جراء صعود الصين في زيادة مستمرة.

ماذا يجب أن تفعل اليابان

اذا كيف يجب على اليابان التعامل مع تلك الأوضاع الجديدة في ظل تلك التغيرات العالمية والإقليمية. يجب على اليابان أن تحافظ على توازن القوى في شرق آسيا وآسيا المحيط الهادئ، والشيء الأكثر أهمية هو المساهمة في وضع قواعد النظام الدولي في القرن ٢١ في ضوء تلك التغيرات المتسارعة من حولها. وللقيام بذلك يجب المبادرة في التعاون السياسي والتعاون الأمني، ​​إحياء الاقتصاد الياباني، وتعزيز التحالف بين اليابان والولايات المتحدة في مجال الأمن والعلاقات الدبلوماسية، كذلك من المهم التعاون مع البلدان الشريكة الأخرى على مستوى تعزيز الأمن والعلاقات الدبلوماسية.

وقد قام رئيس الوزراء شينزو آبي خلال العام المنصرم ببذل كل جهد ممكن لمواجهة تلك التحديات. لكن للأسف الشيء الوحيد الذي لم يوفق فيه والمخيب للآمال هو الزيارة التي قام بها لضريح ياسوكوني في نهاية العام الماضي. ونتيجة لذلك، تعرضت اليابان للعديد من الإنتقادات من الغرب وأسيا (بالإضافة للصين وكوريا) كونها أعطت انطباعاً متزايداً بانحيازها لليمين المتطرف. لم تعد تلك الزيارة على اليابان بأية مكاسب سياسية أو دبلوماسية. الآن يجب على اليابان العمل مع العالم والدول الإقليمية التي تعتبر اليابان من حيث المبدأ دولة ”اقتصاد السوق“ و ”الديمقراطية الليبرالية“، والمساهمة في تعزيز النظام السياسي والاقتصادي الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، ٦ يونيو/كانون الأول ٢٠١٤)

النمو الإقتصادي الصين الآسيان