تقديم معلومات عن اليابان في نقطة تحول تاريخية

سياسة اقتصاد

نظام جديد الدولية ؟

نشرت رواية جول فيرن (حول العالم في ثمانين يوم) في عام ١٨٧٢. وقد تزامن ذلك مع زيارة بعثة ”ايواكورا“ التي كانت تقوم بجولة حول العالم من قبل مجموعة من وزراء الحكومة الذين غادروا اليابان في ديسمبر كانون الاول ١٨٧١ وعادت في سبتمبر/آيلول ١٨٧٣. وقد كان الطريق الذي سلكته البعثة هو تقريبا نفس الطريق في رواية جول فيرن، وهي حقيقة جديرة بالإشارة اليها. في وقت مبكر من عام ١٨٧٠ اصبح من الممكن السفر في جميع أنحاء العالم دون مغامرات محفوفة بالمخاطر وذلك بفضل التقدم الكبير في مجال التكنولوجيا والبنية التحتية، ولا سيما الانتهاء من شق قناة السويس بمصر، وبدء خدمة الباخرة عبر المحيط الهادئ، وإنشاء الشبكة العالمية لكابلات التلغراف. وكانت الدورة التي اتخذتها كل من الشخصيات الخيالية في رواية فيرن وأعضاء بعثة ايواكورا كانوا الأقرب للمنطق بناء على تلك التطورا. وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، قدمت بريطانيا السلع العامة الدولية على طول هذا الطريق، واخذت في بناء امبراطورية على امتداد العالم لها، سارت عملية الاستعمار على قدم وساق، وغزت خريطة العالم بأراضيها الاستعمارية التي تقع تحت سيادة التاج البريطاني.

في عصرنا الحالي ومع تقدم عملية العولمة التي اتخذت أشكالا مختلفة وولدت ردود فعل معاكسة منذ أواخر القرن العشرين، حولت هذه العولمة العالم بشكل جذري من خلال تمكين نقل كميات ضخمة من البيانات والحركة السريعة لروؤس الأموال، وبالتالي دمج الأنشطة الاقتصادية في جميع أنحاء العالم وبشكل يغير العالم بشكل درامي. وتحاول الاقتصادات الناشئة مواكبة هذه الموجة من العولمة وتحاول أن تصبح قوى اقتصادية كبرى. الصين تعد مثال حي على ذلك، بعد أن حققت التنمية بوتيرة جيدة منذ عام ١٩٩٠. ونتساءل هنا هل صعود الصين وقوى أخرى جديدة سيعيد تشكيل النظام الدولي وإحداث تغييرات في الحدود الدولية مثل تلك التي حدثت في أواخر القرن التاسع عشر؟ أعتقد أننا الآن عند نقطة حاسمة في هذه العملية الجديدة من التحول.

الصين تسعى لركوب موجة التغيير الجديدة

ركبت اليابان موجة التحول العالمي في وقت مبكر خلال الفترة الأخيرة من القرن التاسع عشر. حتى بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، تمكنت اليابان من الابقاء على دورها الريادي في شرق آسيا، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى الاضطرابات التي حدثت في الصين الجارة المنتصرة. وصلت سلالة كينغ في الصين ذروة قوتها في القرن الثامن عشر، بعد ذلك شهدت البلاد ركودا اقتصاديا وديموغرافيا، وكانت حركتها بطيئة في التكيف مع موجة التغيير العالمي التي ركبتها جارتها اليابان المجاورة. وكانت انتصارات اليابان في الحرب الصينية اليابانية من ١٨٩٤-١٨٩٥ والحرب الروسية اليابانية في العام ١٩٠٤ـ١٩٠٥ رمزا لتحول الهيمنة في شرق آسيا من دولة تشينغ في الصين الى الإمبراطورية اليابانية. حازت الصين أخيرا على الاعتراف الدولي باعتبارها واحدة من دول الحلفاء التي برزت بوصفها المنتصر من الحرب العالمية الثانية، ولكن نتيجة للحرب الأهلية اللاحقة داخل الصين والحرب الكورية لم تستطيع التمتع بثمار النصر.

أما الآن فهل تستطيع الصين الحفاظ على ركوب الموجة الحالية من التحول العالمي بنجاح؟ الصينيون أنفسهم يبدو أنهم في حيرة بعض الشيء بخصوص ”عظمة“ بلادهم والنفوذ في العالم كثاني قوة اقتصادية، وأيضا بخصوص عدم قدرتهم على التنبؤ بمشاكلهم الداخلية وعلاقاتهم الخارجية. وفي الوقت نفسه، كانت هناك دلائل على وجود تباطؤ في الاقتصادات الناشئة بشكل عام منذ العام الماضي. وعلاوة على ذلك، من المتوقع ان السكان في سن العمل في الصين بدأ فعلا بالتناقص، وهكذا يبدو من المؤكد أن النمو السريع الذي حدث خلال العقدين الماضيين سيحل محله التوسع المطرد في وتيرة أكثر اعتدالا في السنوات المقبلة. لذلك ربما يبدو من الضروري جني أي مكاسب ممكنة الآن من وجهة النظر الصينية، حتى في الوقت الذي تدرس فيه احتمال تجاوز الولايات المتحدة اقتصاديا في مرحلة ما في المستقبل. يمكننا أن نرى هذا النوع من التفكير ينعكس في النهج الذي تتخذه الصين لعلاقاتها الدولية : بناء العلاقات الاستراتيجية التعاونية مع الولايات المتحدة وأوروبا، وفي الوقت نفسه الاعتراف وتعزيز نفوذها الخاصة داخل شرق آسيا.

موقف صعب لليابان

بالنسبة لليابان فالموقف الحالي للصين هو مصدر قلق خطير للغاية. الصين تتخذ موقفا أكثر تشددا من ذي قبل نحو البلدان المجاورة، ليس فقط فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والأمن ولكن أيضا في المجال الاقتصادي. في الماضي على الرغم من أن الحكومة في بكين شددت على أن الشؤون الاقتصادية جزء من سياساتها الخارجية، وكان هناك تزايدا في التركيز على العلاقات الاقتصادية التعاونية، مما ساعد على ضمان الاعتدال في المواقف الدبلوماسية والسياسية. لكن الآن بعد أن أصبح اقتصاد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم فقد صار سلاحا جديدا في يدها لمنع البلدان التي لديها مستوى عال من الاعتماد الاقتصادي على الصين عن اتخاذ مواقف قوية ضدها.

قوة الصين في شرق آسيا بما في ذلك قوتها العسكرية العظيمة تسمح لها بشكل أو بآخر محاولة احداث تغييرات من مختلف الأنواع وتحدي الوضع الراهن. المواجهات في جزر سينكاكو وبحر الصين الجنوبي من الأمثلة البارزة على ذلك، كما يبرز ايضا إعلانها المفاجئ لتحديد منطقة الدفاع الجوي واسعة النطاق (ADIZ) في بحر الصين الشرقي. في نفس الوقت تعمل الصين على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول المحيطة وبالتالي ترسيخ نفوذها أكثر في المنطقة والعالم. من وجهة نظر الصين اليابان هي واحدة من هذه ”الدول المحيطة“، جنبا إلى جنب مع دول مثل كوريا الجنوبية وفيتنام والفلبين. أما من موقف اليابان فهو مماثل للبلدان الثلاثة كوريا الجنوبية وفيتنام والفلبين وهذا الموقف متمثل بأنها : على خلاف مع بكين حول قضايا الإقليمية ولكن تحتاج إلى أن تأخذ في اعتبارها علاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع الصين.

في الواقع على الرغم من انحياز سيول إلى بكين بسبب قضية كوريا الشمالية، وسعي السلطات الشيوعية في هانوي إلى تحقيق علاقات جيدة مع رفقائها الأيديولوجيين في بكين رغما عن المشاعر المضادة للصين من الشعب الفيتنامي. فإن مانيلا تأخذ في بعض الأحيان مواقف قوية تجاه الصين، ولكن بالنسبة للحال في الفلبين فهو مختلف حيث انه من الصعب الحفاظ على مثل هذا الموقف في غياب قوة الدولة. بالنسبة اليابان فهي تعد البلد الوحيد في المنطقة الذي يتمتع بالقوة الاقتصادية والقوة الوطنية الشاملة للوقوف في وجه الصين. وهذا ما يجعل وضع السياسات الاستراتيجية لطوكيو أكثر صعوبة.

المعلومات الواردة من اليابان كغذاء للفكر العميق

إن النظام الدولي وخطوط الحدود الموجودة حاليا في شرق آسيا بما في ذلك التقسيم بين الشمال والجنوب من شبه الجزيرة الكورية وتقسيم الصين بين البر الرئيسى وتايوان بدأت تفقد صلابتها. والتحدي المباشر للنظام الدولي قادم من الصين، ولكن يرتبط الزخم من أجل التغيير بالتطورات العالمية. اليابان هي الدولة الوحيدة في مجموعة السبع التي تقع بجوار الصين، كما أنها واحدة من البلدان القليلة في محيط الصين التي لديها القدرة على الوقوف في وجهها. بسبب وضعها المميز، تمر اليابان بمرحلة من الوقت يصعب فيها شرح سياستها للبلدان الأخرى تجاه الصين. كما انها أيضا تميل إلى أن تكون مستهدفة من قبل الحملات السلبية التي تتعلق بالقضايا الإقليمية والتاريخية.

في هذا النوع من نقاط التحول التاريخية لدينا خيارات مختلفة للاختيار من بينها، ونحن قد نحتاج إلى المضي قدما عن طريق التجربة والخطأ إلى حد ما. كما انه من المهم بالنسبة للأشخاص خارج الحكومة التحدث حول تلك القضايا، ويجب أن نعمل بشكل أكبر في الحوار عبر الحدود والتبادل على كافة المستويات. ما يجب أن نلاحظه في هذا الصدد هو أن المعلومات التي يتم استخدامها والرجوع اليها خارج اليابان وتستخدم كأساس لمناقشاتهم أثناء النظر في القضايا المتعلقة باليابان تعاني من نقص حاد في الكم وعدم دقتها في أحيان أخرى .

إن العالم الآن يعطي اهتماما كبيرا لمنطقة شرق آسيا بما فيها اليابان بالطبع، بلدنا يحتاج لبذل المذيد من الجهود لنقل مزيد من المعلومات حول نفسه وتوضيح النقاط التي يصعب فهمها. ولكن لا ينبغي لنا أن نقوم فقط بتقديم المعلومات ”الصحيحة“ التي من شأنها أن تجعل القضية بشكل حاسم في صالح اليابان. أعتقد أننا بحاجة إلى نقل جوانب مختلفة وعرض التنوع الموجود داخل بلدنا. وهذا يتطلب بعض الرعاية على كل حال. عندما يسمع الناس التصريحات المتطرفة من اليابانيين فهم عرضة أن يأخذها الطرف الأخر على أنها تمثل اليابان بالكامل. داخل اليابان نحن قادرون على الحكم بشكل حدسي تقريبا على فهم الآراء والفكر داخل المجتمع الياباني. ولكن الناس خارج اليابان تفتقر إلى السياق الذي يستند عليه هذا الحكم. لذلك لا يكفي ببساطة القيام بتقديم معلومات متنوعة كما هي فقط. وأعتقد أننا يجب أن تقدم المعلومات التي يمكن أن تكون بمثابة غذاء لفكر عميق من مختلف الأنواع في هذا المنعطف التاريخي.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية)

الصين الحرب الصينية اليابانية الحرب الروسية اليابانية الحرب العالمية الثانية