التطلع لعام ٢٠١٥ ومجموعة من المناسبات التاريخية

سياسة تاريخ اليابان

المناسبات السنوية وخلق ذكريات جديدة

لقد كانت السنوات التي تنتهي دائما بالرقم ٥ لها دلالات في العديد من الأحداث الرئيسية في تاريخ اليابان الحديث. وسأقوم هنا فقط بطرح بعض الأمثلة البارزة، التوقيع على معاهدة شيمونوسيكي في عام ١٨٩٥، بعد نهاية الحرب الصينية اليابانية ١٨٩٤ ـ ١٨٩٥. وبعد عشر سنوات في عام ١٩٠٥ انتهت الحرب الروسية اليابانية مع توقيع معاهدة بورتسموث. نهاية الحرب العالمية الثانية بهزيمة اليابان في عام ١٩٤٥. وفي عام ١٩٥٥ تم تأسيس الحزب الليبرالي ولم شمل الحزب الاشتراكي الياباني، يبدأ بذلك ”نظام ١٩٥٥“ الذي استمر لفترة طويلة، والذي وضع أثناء قيادة الحزب الليبرالي للحكومة والحزب الاشتراكي الياباني الذي كان يمثل حزب المعارضة الرئيسي وقتها. وشهد عام ١٩٦٥ تطبيع العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية. ويحمل هذا العام ٢٠١٥ في طياته الذكرى السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية، والتي تلقى اهتماماً كبيراً في جميع أنحاء العالم ــ وخلق مستوى أكبر من المعتاد من التوتر المتعلق باحتفالات الذكرى السنوية للأحداث التاريخية في شرق آسيا.

إن المناسبات التاريخية هي الأوقات التي يتم فيها بالطبع تذكر الماضي، ولكنها يمكن أيضا أن تكون بمثابة فرص للحكومات والمجتمعات على إعادة تقييم التفسيرات القائمة بينهما من الناحية التاريخ. وتهدف هذه التسمية الرسمية لأيام الذكرى ليس فقط في إحياء ذكرى الأحداث الماضية وتأكيدا لوجهات النظر القائمة للتاريخ، ولكن أيضا تهدف لخلق ذكريات جديدة، وبالتالي فإن الأنشطة التذكارية والاحتفالات الأخرى تميل إلى أن تكون أكثر حول جدول أعمال الحكومة الحالية والمجتمع حول التاريخ نفسه.

أنا هنا أود أن أركز على الأيام التذكارية العشرية الرئيسية التي تشمل اليابان، الصين، وتايوان القادمة في عام ٢٠١٥. حيث أن وضع علامة استفهام أمام الاحتفالات بإحياء الذكرى ربما يعكس أيضاً النماذج الوطنية والاجتماعية المعاصرة.

٧ مايو/ ٩ مايو ١٩١٥

ما هما هذان التاريخان ؟ فقط قبل ١٠٠ عام في ١٨ شهر يناير/كانون الثاني ١٩١٥ قدمت اليابان للحكومة الصينية ما أصبح يعرف باسم ”الواحد وعشرون مطلباً“ وكانت هذه نقطة تحول كبرى نحو الأسوأ في العلاقات اليابانية ـ الصينية. وقد قاومت الحكومة الصينية المطالب في البداية، ولكن في ٧ مايو/أيار قدمت اليابان نسخة منقحة من تلك المطالب في شكل إنذار، ويوم ٩ مايو/ أيار أذعنت الصين للمطالب اليابانية. وخلال بقية النصف الأول من القرن العشرين وضعت الصين واحداً من تلك التواريخ لإحيائه كيوم للإذلال الوطني.

وقد تضمنت المطالب اليابانية العديد من البنود التي بدت مفرطة وغير عادية حتى إلى القوى الغربية في هذا الوقت، مثل سيطرة مشتركة على الشرطة الصينية، وقد تعرض هذا المطلب للمعارضة ليس فقط من الصين ولكن أيضا من الغرب. سحبت الحكومة اليابانية بعض المطالب ردا على الانتقادات التي وجهت لها، ولكن المشاعر السلبية تجاه اليابان استمرت في النمو والغليان داخل وخارج الصين. وبلغ نهج اليابان تجاه الصين حدا من القسوة مقارنة بموقف القوى الغربية، وقامت بضغط هذه المطالب من جانب واحد في وقت كان الشعور القومي بين الصينيين في تنامي سريع. ونتيجة لذلك، فكر الشعب في اليابانيين كغزاة ومحتلين.

وقد دخلت الصين في عدد من المعاهدات والاتفاقيات مع اليابان لتنفيذ قبولها للمطالب المنقحة ووضعها حيز التنفيذ. وغطت محتويات تلك المعاهدات والاتفاقيات العديد من الأمور المختلفة، ولكن كانت النقاط الرئيسية تأكيد وتوسيع المصالح في منشوريا حيث ربحتها اليابان في حربها عام ١٩٠٤ـ ١٩٠٥ مع روسيا والاعتراف بسيطرة اليابان على الامتيازات الألمانية في مقاطعة شاندونغ في بداية الحرب العالمية الأولى.

وقد صدرت المطالب الواحد والعشرون بينما كانت الحرب العالمية الأولى مستعرة. وكان على رأس الحكومة اليابانية في ذلك الوقت رئيس الوزراء أوكوما شيغينوبو، مع كاتو تاكاأكي وزيراً للخارجية وهيوكي إيكي كسفير لليابان إلى الصين. وعندما نستعرض التاريخ الحديث للعلاقات اليابان مع الصين، والحروب الصينية ـ اليابانية من ١٨٩٤ـ١٨٩٥ و١٩٣٧ـ١٩٤٥ تبرز بطبيعة الحال بوصفها المعالم الرئيسية، ولكن يرى الكثيرون أيضا إنذارا ١٩١٥ كعلامة فارقة ونقطة تحول رئيسية نحو تدهور العلاقات الثنائية بين اليابان والصين. كما أن تبني من جانب واحد هذا النوع من النهج تجاه الصين تسبب جعل الدول الغربية تشعر بالحذر حول الصعود الياباني. لا توجد مناسبات خاصة خططت للاحتفال بالذكرى المئوية للمطالب الحادية والعشرون هذا العام، ولكن كما ذكرت أعلاه، في فترة ما قبل الحرب تذكر الصينيون هذا الحدث من خلال إحيائه كيوم للإذلال الوطني في ٧ أو ٩ مايو/ أيار.

٣ سبتمبر/ أيلول ١٩٤٥

يصادف يوم ٢٢ يونيو/حزيران هذا العام الذكرى الخمسين لتوقيع معاهدة العلاقات الأساسية بين اليابان وكوريا الجنوبية، والتي طبعت العلاقات الدبلوماسية بين طوكيو وسيؤول. ويوم ٧ يوليو/تموز هو الذكرى السنوية لحادث جسر ماركو بولو الذي وقع عام ١٩٣٧، والذي ينظر إليه حاليا على أنه الفتيل الذي أشعل الحرب الصينية اليابانية من ١٩٣٧ـ١٩٤٥. كما أن يوم ١٥ أغسطس/آب سيوافق الذكرى السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية. ولكن التاريخ الذي توليه الصين اهتماماً خاصاً هذا العام هو ٣ سبتمبر/أيلول. فقد قبلت اليابان شروط إعلان بوتسدام في ١٤ أغسطس/آب، وفي اليوم التالي تم بث خطاب مسجل عبر الإذاعة من قبل الإمبراطور شووا (هيروهيتو) والذي أعلن فيه نهاية الحرب للشعب الياباني. وفي ٢ سبتمبر/أيلول مثل كل من وزير الخارجية شيغيميتسو مامورو ورئيس أركان الجيش أوميزو يوشيجيرو اليابان في توقيع وثيقة الاستسلام على ظهر السفينة يو إس إس ميسوري في خليج طوكيو. وقد تم توقيع الوثيقة أيضا من قبل مسؤولين يمثلون أربعة سلطات للحلفاء ــ الولايات المتحدة، الصين، بريطانيا، والاتحاد السوفيتي ــ وحلفاء آخرين هم أستراليا، كندا، فرنسا، هولندا، ونيوزيلندا.

”يوم الانتصار على اليابان“، وهو اليوم الذي استسلمت فيه اليابان وانتهت الحرب العالمية الثانية، والذي يحتفل به في بعض البلدان في يوم ١٥ أغسطس/آب وفي بعض الآخر في ٢ سبتمبر/أيلول بما في ذلك الولايات المتحدة. ولكن الحزب الوطني الشعبي الصيني عقد مراسم للاحتفال به في العاصمة وقت الحرب المتمثلة في تشونغتشينغ يوم ٣ سبتمبر/أيلول، حيث يحتفل بهذا اليوم بوصفه يوم النصر في الصين. والاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية الأخرى اختارت أيضا يوم ٣ سبتمبر/أيلول. وعندما أسس الشيوعيون جمهورية الصين الشعبية في ١٩٤٩، احتفلوا في البداية بيوم ١٥ أغسطس/آب كيوم للنصر، ولكن في نهاية المطاف قاموا بتوحيد التاريخ مع السوفييت وتم تغييره ليصبح ٣ سبتمبر/أيلول.

وفي عام ٢٠١٤ صوت مجلس الشعب الوطني الصيني لاختيار ٣ سبتمبر/أيلول ليكون ”يوم النصر للشعب الصيني في حرب المقاومة ضد العدوان الياباني“. وتخطط الصين هذا العام لإحياء الذكرى السنوية السبعين للانتصار مع أحداث مختلفة ، بما في ذلك عرض عسكري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من بين كبار الشخصيات في الحضور. ويعتقد أن وجود بوتين المخطط له أن يكون في مقابل حضور الرئيس الصيني شي جين بينغ في الحفل المقرر عقده في موسكو يوم ٨ مايو/ أيار للاحتفال بانتصار روسيا على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية .

كما ذكر أعلاه، فإن جمهورية الصين التي تحكم الآن تايوان، حددت أيضا يوم ٣ سبتمبر/ أيلول كيوم للنصر، وفي الخمسينات أعيدت تسميته ليوم القوات المسلحة. وأشارت الإدارة الحالية للرئيس ما يينغ جيو أنه ستجرى بعض العروض في الذكرى السبعين هذا العام، وأنه قد يختار ٣ سبتمبر/ أيلول كموعد للاحتفال.

٢٥ أكتوبر/ تشرين الأول ١٩٤٥

يعد يوم ١٨ سبتمبر/أيلول هو الذكرى السنوية لحادثة موكدين عام ١٩٣١، ويحتفل بيوم ١ أكتوبر/تشرين الأول في الصين كيوم وطني، في حين أنه في تايوان تحتفل جمهورية الصين بيوم ١٠ أكتوبر/تشرين الأول كيوم وطني لها. ولكن تاريخ الخريف الذي أود أن ألفت الانتباه إليه هنا هو ٢٥ أكتوبر/تشرين الأول . عدد قليل من اليابانيين يعي ذلك، لكن هذا التاريخ هو ذكرى هامة بالنسبة لتايوان. وإن لم تكن الكبرى مثل ذكرى ٢٨ فبراير/شباط لحادثة ٢.٢٨ عام ١٩٤٧ أو ذكرى ١٥ أغسطس/آب لنهاية الحرب العالمية الثانية، حيث يمثل تاريخ ٢٥ أكتوبر/تشرين الأول نقطة تحول تاريخية كبيرة لهذه المستعمرة اليابانية السابقة، وهو التاريخ الذي انتهى فيه الحكم الاستعماري الياباني لتايوان رسميا في عام ١٩٤٥ مع التوقيع على الوثيقة من قبل أندو ريكيتشي الحاكم الياباني العام لتايوان، وتسليم الجزيرة لجمهورية الصين وقبول هذا التنازل من قبل زعيم الحزب الوطني الشعبي الصيني تشين يى نيابة عن الحلفاء.

لذلك على عكس كوريا، حيث انتهى الحكم الاستعماري الياباني في ١٥ أغسطس/آب ١٩٤٥، ظلت تايوان تحت الإدارة اليابانية خلال ٢٥ أكتوبر/تشرين الأول. ولسنوات عديدة بعد انتهاء الحرب، تم الاحتفال بهذا اليوم كعطلة تدعى يوم التحرير، لكن منذ عام ٢٠٠١ لم يعد عطلة وطنية.

من أجل توعية جمهور أوسع بالتاريخ

كما يصادف هذا العام الذكرى السنوية السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية، وتواريخ الذكرى مثل تلك المذكورة أعلاه من المحتمل أن تكون موضع اهتمام متجدد. وهذا يشكل تحديا للدبلوماسية اليابانية فيما يتعلق بالتاريخ. وكثيرا ما يتحدث مسؤولون حكوميون عن ”الاستجابة بشكل مناسب“ للمشاكل المتعلقة بالتاريخ و”التعامل بشكل مناسب“ معها. ولكن هناك حاجة إلى إعادة النظر فقط في نوعية الاستجابات أو غيرها من التدابير الأخرى المناسبة. وبصرف النظر عن الردود على المستوى الحكومي، من المهم أيضا النظر في وعي الجمهور بشأن القضايا التاريخية. في شرق آسيا اليوم، حيث يستمر التفاعل بين الدول ينمو بشكل أكثر حيوية، فإنه سيكون من الصعب للغاية حث الجميع على اعتناق نفس وجهة النظر بخصوص الماضي، ونحن بحاجة إلى النظر فيما إذا كان من الضروري فعل ذلك من عدمه. ولكن يمكننا على الأقل التعود على وجهات نظر تاريخية من تلك الموجودة في الدول المجاورة من خلال النظر في احتفالات الذكرى السنوية التي يحتفلون بها.

نحن في اليابان ننظر إلى مرور ٧ عقود منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على أنها بدأت في ١٥ أغسطس/آب ١٩٤٥. ولكن تركز الصين على يوم ٣ سبتمبر/أيلول كيوم للانتصار على اليابان، في حين احتفلت تايوان بيوم ٢٥ أكتوبر/تشرين الأول كيوم للتحرير بالنسبة لها. يجب أن نقبل هذا النوع من التنوع في القضايا المتعلقة التاريخ، ولكن في نفس الوقت أعتقد أننا وجيراننا جميعا بحاجة إلى إلقاء نظرة أوسع على القضايا التاريخية. وكلما تمت الاحتفالات الخاصة بالمناسبات تمشيا وتوافقا مع رؤية كل دولة أو حكومة ومجتمع سيذيد ذلك من خطر وحدة النزعة القومية لكل دولة. نحن بحاجة إلى التدرج مزاعمنا ومشاعرنا المتعلقة بهذه الاحتفالات بالذكرى من خلال محاولة تحسين فهمنا لوجهات نظر جيراننا.

(النص الأصلي باللغة اليابانية بتاريخ ١٦ مارس/ أذار ٢٠١٥، الترجمة من الإنكليزية.)

اليابان الحزب الليبرالي دبلوماسية الحرب الصينية اليابانية الحرب الروسية اليابانية الحرب العالمية الثانية تاريخ شرق آسيا