سياسات زيادة الضرائب

سياسة اقتصاد

هل هذا الوقت المناسب لزيادة الضرائب؟

قررت حكومة آبي بتاريخ ١ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي رفع معدل ضريبة الاستهلاك من ٥٪ إلى ٨ ٪ كما كان مقرراً وذلك اعتباراً من أبريل/نيسان القادم. وفيما يلي أُقدم تفسيراً سياسياً حول دوافع الحكومة إلى اتخاذ هذا القرار.

فخلال الأشهر الأخيرة، أقر رئيس الوزراء آبي مرارا بأنه سيعطي حكمه النهائي بشأن زيادة الضرائب بعناية فائقة مع الأخذ بعين الاعتبار تأثيرات تلك الزيادة على الاقتصاد ومعدل التضخم. وفي نهاية أغسطس/آب المنصرم، قام آبي بتنظيم سلسلة اجتماعات نقاشية لدراسة الأثر المحتمل لهذه الزيادة، حيث جلبت هذه الاجتماعات اهتمام العديد من الناس الذين خمنوا أن رئيس الوزراء قد ينقح الجدول الزمني لرفع معدل الضريبة- خاصة بعد أن أظهر بعض المستشارين السياسيين علناً التردد في رفع الضريبة.

ومع ذلك يبقى السؤال لماذا قرر رئيس الوزراء آبي في النهاية رفع نسبة الضريبة إلى ٨ ٪؟ لعل السبب الرئيسي، بالطبع، هو الوضع الحالي للاقتصاد الياباني. حيث كانت نسبة ٣٫٨٪ وهي معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المعلن في ٩ سبتمبر/أيلول جيدة جداً على أساس سنوي. ومع هذا الانتعاش الاقتصادي، تضاءلت المخاوف من أن زيادة الضرائب قد تُكوّن أثراً سلبياً على الاقتصاد.

الاقتصاد ليس كل شيء 

مع ذلك، من الممكن الإشارة إلى عدة أسباب سياسية لقرار زيادة الضرائب.

كان السبب الأول متمثلاً في الاشكالات المحتملة حول جداول الأعمال في الدورة القادمة للبرلمان. فاذا ما أرادت الحكومة إعادة النظر في الجدول الزمني لزيادة الضرائب، فإنها ستحتاج إلى تقديم مشروع قانون جديد في الدورة التي تبدأ في منتصف اكتوبر/تشرين الاول. وخلال هذه الدورة، تخطط حكومة آبي لتقديم عدد من مشاريع القوانين الهامة إلى أعضاء البرلمان، بما في ذلك مشروع قانون لتعزيز القدرة التنافسية الصناعية لليابان، ومشروع آخر لتحرير مشاريع الكهرباء، وآخر لإنشاء نسخة يابانية من مجلس الأمن القومي. ولربما يكون تقديم حكومة أبي مشروع قانون إضافي لإعادة النظر في الجدول الزمني لزيادة الضرائب، إهداراً كبيراً للوقت، بالإضافة لكونه عائقاً لتمرير بعض التشريعات والقوانين الأخرى.

اما السبب الثاني فيعود إلى ضرورة المحافظة على الاتساق مع السياسات السابقة للحزب الليبرالي. حيث التزم الحزب الليبرالي بزيادة الضرائب في سلسلة من الانتخابات الوطنية السابقة: كالانتخابات العامة في ٢٠٠٩، وانتخابات مجلس الشيوخ/ المستشارين في ٢٠١٠، والانتخابات العامة في ٢٠١٢. كما دعم مشروع قانون لرفع ضريبة الاستهلاك في شهر أغسطس/أب ٢٠١٢. وإذا ما عدَّل آبي الجدول الزمني، فإن ذلك يمكن أن يثير تساؤلات حول النزاهة السياسية في الحزب الليبرالي وحكومة آبي وربما يتعرض الحزب ومصداقيته للتآكل حتى بين صفوف مؤيديه.

والسبب الثالث يأتي من خلال توضيح قضية الآثار السلبية لزيادة الضرائب على الاقتصاد، حيث أصبح من السهل اتخاذ تدابير اقتصادية جديدة. ففي نفس اليوم الذي أقرت فيه حكومة آبي قانون رفع ضريبة الاستهلاك، قرر مجلس الوزراء تنفيذ سلسلة من السياسات للتخفيف من الأثر السلبي لزيادة الضرائب على الاقتصاد.

وبهذا تعتمد سلسلة السياسات تلك على ثلاث ركائز. الأولى هي التدابير الاقتصادية التي تبلغ ٥ تريليون ين، والتي ستجمعها الحكومة بحلول ديسمبر/كانون الاول وتعمل على تنفيذها في ميزانية تكميلية جديدة. والركيزة الثانية هي الإعفاءات الضريبية المختلفة، بما فيها تلك التي تستثمر في الآلات والمعدات ونفقات البناء لتدعيم المباني ضد الزلازل. أما الركيزة الثالثة والأخيرة فتتمثل في الرواتب لذوي الدخل المحدود ولأولئك الذين يشترون منازل جديدة.

وبالإضافة إلى هذه السياسات، فقد أكد آبي أن الحكومة ستنظر في التخلص من الضريبة المحددة على إيرادات الشركات المؤقتة المخصصة لإعادة الإعمار في المناطق التي ضربتها كارثة ١١ مارس/آذار. فمن المحتمل جداً أن آبي سيستخدم صلاحياته كرئيس للوزراء من أجل إلغاء هذه الضريبة، والتي ستخفض معدل الضريبة على الشركات اعتبارا من ٣٨ ٪ إلى ٣٥،٦ ٪. (لاحظ أن الاعفاءات الضريبية، والرواتب، والقضاء على ضريبة الشركات ستكون كلها جزءا من التدابير الاقتصادية المقبلة والبالغة ٥ تريليون ين).

كما اصبح من المؤكد أن هذه السياسات ستعمل على تخفيف أثر ارتفاع معدل ضريبة الاستهلاك. أيضاً، وسوف تكون الإعفاءات الضريبية والإنفاق على الإنشاءات، التي من شأنها أن تدرج في تدابير ديسمبر/ كانون الأول الاقتصادية، بمثابة اضفاء سمعة حسنة مستحقة لساسة الحزب الليبرالي بين الدوائر الفردية. ولعل رفع الضريبة اصبح الآن أمرا واقعياً. وكما أشرت أعلاه، فانَّ مراجعة الجدول الزمني لهذا الارتفاع كان بمثابة مغامرة خطرة لكلاً من حكومة آبي والحزب الليبرالي؛ كما انَّ التمسك بالجدول الزمني وتزويد مدفوعات جانبية في نفس الوقت كان خياراً سياسياً أفضل.

التطلع إلى الأجندة التشريعية القادمة

والآن بعد أن قررت حكومة آبي التمسك بالجدول الزمني لزيادة الضرائب وكذلك تمهيد الطريق لخفض معدل الضريبة على الشركات، فسيكون البند التالي على جدول أعماله التأكد مما إذا كان قادراً على تحقيق سياسات أخرى لتحفيز نمو الاقتصاد الياباني.

فهنالك العديد من الامور المدرجة وأوّلُها، تحقيق المزيد من الخفض في معدل ضريبة الشركات الفعلية. حيث انَّ آبي نفسه حريص على خفض المعدل الفعال بشكلٍ أكثر، وكذلك القيام بسَّنِ تشريعات تتجاوز القضاء على ضريبة الشركات المؤقتة. وقد أعرب عن هذه الرغبة في المؤتمر الصحفي عندما أعلن قراره برفع ضريبة الاستهلاك. ثُّم يأتي ثانياً، الإجراءات الواجب اتخاذها إلى جانب السياسات الضريبية المتعلقة بسياسات آبي الاقتصادية أو ما أصبح يطلق عليه آبينوميكس أو استراتيجية النمو. قد أعلن المقر الرئيسي لإنعاش الاقتصاد الياباني بتاريخ ١ أكتوبر/ تشرين الأول أيضاً مجموعةً من السياسات المستهدفة على المدى القصير (الرابط باللغة اليابانية). وتشمل الاعتمادات المذكورة أعلاه ضريبة فضلا ًعن إدخال مجالات النمو الاقتصادي الاستراتيجي الوطني، وتعزيز حوكمة الشركات، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية اليابانية. وقد يكون السؤال حول ما إذا كان آبي قادراً على ممارسة السلطة بما فيه الكفاية لتحقيق عملية التحرر اللازمة أم لا. وثمة تحد آخر يواجه آبي، وهو فيما إذا كان بإمكانه تمرير كل التشريعات والقوانين اللازمة على البرلمان في الدورة القادمة لتفعيل هذه السياسات. كما أن علينا أن نضع في عين الاعتبار حقيقة الأمر بأنه من الصعب للغاية بالنسبة للحكومة السيطرة على جدول الأعمال والجدول الزمني للبرلمان، كما سبق وأن أشَرتُ اليه ووصفته في فقرات سابقة.

(المقالة الأصلية باللغة الإنكليزية، في ١ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٣)

 

السياسة ضريبة الاستهلاك الحزب الليبرالي النظام الغذائي شينزو آبي