فضية الأوبرا.. والعلاقات المصرية - اليابانية

سياسة ثقافة

تبدو للمراقبين أزمة مكتومة وبعض مظاهر البرود والجمود في الأفق في مسيرة العلاقات المصرية - اليابانية، خاصة، بعد اندلاع الموجة الثانية للثورة المصرية، وانحياز المؤسسة العسكرية لإرادة الشعب، وتصحيح المسار في ٣٠ يونيو الماضي.

ثوابت العلاقات المصرية - اليابانية، تؤكد، منذ إقامتها على المستوى الرسمي في القرن الماضي، أنها علاقات صداقة طيبة وودية على جميع الأصعدة والمستويات، كما تنظر طوكيو إلى القاهرة باعتبارها محور ارتكاز لعلاقاتها الدبلوماسية مع منطقة الشرق الاوسط، كما تنظر اليابان إلى مصر باعتبارها الشريك العربي الأساسي على الصعيدين الاقتصادي الثقافي، مما دفع اليابان إلى تنفيذ العديد من البرامج الثقافية وإقامة المعارض والعروض الشعبية والمنح الدراسية، وصولا إلى بناء دار الأوبرا المصرية.

تطورات العلاقات الثنائية بين مصر واليابان بعد ٣٠ يونيو/حزيران، وما صاحبها من مظاهر غير إيجابية وما يمكن وصفه بالأزمة الصامتة، سأتناولها بالتفصيل في الجزء الثاني من هذا المقال، غير أنى أبدأ أولا برصد ما شاهدته بنفسي من حدث ثقافي وفنى أهم منذ أسابيع قليلة بالقاهرة.

اليوبيل الفضي لدار الأوبرا

في العاشر من شهر أكتوبر الماضي، تلقيت دعوة كريمة من سعادة سفير اليابان بالقاهرة، توشيرو سوزوكى، لحضور الاحتفال بمرور ٢٥ عاما– اليوبيل الفضي- على افتتاح دار الأوبرا المصرية، وجاء مقعدي، في قاعة الاحتفالات الكبرى بالدار إلى جوار السيد هيديكى ماتسوناجا ، مدير مكتب الوكالة اليابانية للتعاون الدولي- جايكا- بالقاهرة.

معروف أن مكتب جايكا بالقاهرة قدم مساهمات مالية واقتصادية يابانية جليلة وساعد بشكل إيجابي للغاية في العديد من مشروعات التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مصر، ليس فقط في بناء دار الأوبرا، ولكن أيضا في بناء جسر السلام فوق قناة السويس الذى يربط بين قارتي إفريقيا وأسيا، ومستشفى الأطفال، والجامعة المصرية – اليابانية للتكنولوجيا في برج العرب بالإسكندرية، وصولا إلى المساعدات المالية الكبيرة لإقامة المتحف المصري الكبير.

شارك في إحياء الاحتفال باليوبيل الفضي لافتتاح الأوبرا العديد من الفنانات والفنانين المصريين والأجانب، وفى مقدمتهم، مغنية السوبرانو اليابانية،  من أصول عربية، مريم تامارى، وكانت ترتدى زيا من أحدث أعمال مصممة أزياء الزفاف المعروفة السيدة يومى كاتسورا.

فى الوقت نفسه، تزينت الأشجار في كل أنحاء الدار، وجرى استخدام جدرانها الخارجية كشاشات عرض كبيرة، ودوت أصوت الألعاب النارية في سماء القاهرة.

التعاون المصري الياباني

في كلمته بهذه المناسبة، أشاد السفير سوزوكي بالدور القيادي الذى قامت به دار الأوبرا المصرية في المشهد الثقافي منذ افتتاحها، وكرمز للصداقة بين البلدين.

وروى السفير قصة إنشاء دار الأوبرا المصرية قائلا: في الحقيقة أن هذا المشروع جرى طرحه منذ ٣٠ عاما عندما كنت أعمل كدبلوماسي شاب في سفارة اليابان بالقاهرة.

وأضاف: في ذلك الوقت، لم تكن هناك دار أوبرا حقيقية في اليابان، بينما كانت توجد عدة قاعات للحفلات الموسيقية ومسارح، وبالطبع كانت هناك أصوات قلق في اليابان تسأل: لماذا يجب أن تقوم اليابان ببناء دار أوبرا في الخارج بينما هي نفسها لا يوجد بها دار أوبرا؟ علما بأن المساعدات الاقتصادية اليابانية لمصر كانت تركز بصورة رئيسية في ذلك الوقت على إنشاء البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية وعلى تحسين الخدمات المعيشية للمواطنين.

واستطرد السفير سوزوكي قائلا: لذلك كان مشروع دار الأوبرا ينظر إليه باعتباره اختيارا غير عادى، ولكن بعد مناقشات طويلة، قررت الحكومة اليابانية السير في المشروع، لأن إعادة بناء الأوبرا المصرية سيساهم بالمعنى الحقيقي للكلمة في تنمية مصر اجتماعيا، باعتبار ان دار الأوبرا الخديوية المحترقة كانت تشكل أهم حجر أساس لمصر الحديثة.

واختتم السيد سوزوكي كلمته قائلا: إذا تأملنا أنشطة دار الأوبرا المصرية خلال ربع القرن المنصرم سنجد أن قرار المساعدة اليابانية في إنشائها كان صائبا تماما، مؤكدا انها قدمت فرصا عظيمة ليس فقط للفنانين المصريين بل أيضا للأجانب ومنهم العديد من اليابانيين.

العلاقات المصرية اليابانية بعد ٣٠ يونيو

هذه الاحتفالية الفنية والرسمية والشعبية بمرور ٢٥ عاما على إفتتاح دار الأوبرا المصرية لم تحجب ما تشهده سماء العلاقات المصرية- اليابانية من غيوم ملبدة وما يشبه الأزمة المكتومة.

الاتصال الثنائي الرسمي الأبرز بين الجانبين المصري والياباني، منذ ٣٠ يونيو/حزيران،  جرت وقائعه يوم ٢٤ سبتمبر/أيلول الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، بحضور وزير الخارجية المصري الدكتور نبيل فهمى، ونظيره الياباني السيد فوميو كيشيدا.

وقد جاء في البيان الرسمي، الصادر عن الاجتماع، ونشره موقع سفارة اليابان بالقاهرة ما يلى:

- الوضع في مصر:

في البداية، قال الوزير كيشيدا إن مصر حالياً تمر بمرحلة مصاعب في طريقها للحكم الديمقراطي وعبر عن توقعه أن تحقق الحكومة الانتقالية الأمن والاستقرار في أقرب وقت ممكن، وأن تسير في تطبيق خارطة الطريق وتحقيق التقدم في العملية الديمقراطية بشكل ثابت.

كما ذكر الوزير أنه يدرك أن التقدم بشكل ثابت في عملية تعديل الدستور هو إحدى الخطوات إلى الأمام بما يتفق مع خارطة الطريق، وأنه من المهم تحقيق تقدم في العملية السياسية الشاملة من أجل المصالحة الوطنية.

وقال إنه يتفهم أهمية ضمان الأمن ولكنه يأمل في الاستجابة المناسبة لمسائل تتعلق بحقوق الإنسان مثل ضبط النفس لأقصى حد وتجنب العنف، وإنه يتابع بعناية من وجهة نظر المصالحة الوطنية واستقرار المجتمع في المستقبل لأنه عرف الحكم الصادر (أمس) الذي أمر بحظر أنشطة جماعة الإخوان المسلمون.

ورداً على ذلك، ذكر الوزير نبيل فهمي أنه من المقرر طبقاً لخارطة الطريق المضي في صياغة الدستور الجديد وإجراء الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية، وأنه لا يوجد تغيير في الالتزام بخارطة الطريق، ولكنه يرجو أن تتفهم اليابان الوضع الحالي في مصر من مواجهة لأعمال العنف والأعمال الإرهابية ولحالة الانقسام بين القوى السياسية.

نشاط مصري على الصعيد الدبلوماسي

وذكر الوزير كيشيدا أنه مع الحفاظ على علاقات الصداقة التقليدية بين اليابان ومصر وتعزيزها، سيعمل -كصديق من زمن- على تقديم المساعدات اللازمة إلى مصر بالتعاون مع المجتمع الدولي بشكل مستمر - مع التأكد من التقدم في العمليات الديمقراطية - لكي تتجاوز مصر مصاعبها، وتتحقق الانتقال إلى النظام الديمقراطي بشكل سلمي وسلس واستقرار المجتمع الاقتصادي.

وذكر الوزير كيشيدا أيضاً أنه يود أن تشارك مصر بشخصيات رفيعة المستوى وفي مقدمتهم الوزير نبيل فهمي في "المنتدى الاقتصادي الياباني العربي الثالث" الذي من المقرر أن يعقد بطوكيو في شهر ديسمبر من العام الحالي.

وفي رده على ذلك، ذكر الوزير نبيل فهمي أنه سبق له أن عمل سفيراً لمصر في اليابان وأنه يدرك أهمية العلاقات اليابانية - المصرية، وأنه يقدّر مساعدات اليابان المستمرة منذ مدى طويل مثل  جسر السلام بقناة السويس والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا (E-JUST)، ومشروع إنشاء المتحف المصري الكبير، وغيرها، وأنه يتطلع إلى لقاء الوزير كيشيدا في القاهرة.

إلى جانب هذا الاتصال الثنائي الرسمي بين وزيري خارجية البلدين، سعت القاهرة إلى إبداء المزيد من الرغبة في ترطيب الاجواء وذلك من خلال قيام وزير الرياضة المصري، الكابتن طاهر أبو زيد باصطحاب براعم من الرياضيين المصريين إلى منطقة الأهرامات احتفالا بفوز طوكيو في استضافة أولمبياد ٢٠٢٠.

ولأول مرة في تاريخ الدبلوماسية، قام ثلاثة وزراء مصريون ( السياحة والطيران والأثار) بلقاء سفير اليابان  بهدف دعوة اليابان إلى تفهم احتياج مصر لتخفيف وإلغاء الحظر المفروض على سفر السائحين اليابانيين إلى مصر.

الضغط على القاهرة والدور الأمريكي

من وجهة نظر المراقبين في مصر، فإن ضغوطا يابانية تمارس على مصر، منذ شهر فبراير الماضي، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، للتوقيع على اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يتم بموجبه إقراض مصر بقيمة نحو ٥ مليارات دولار أمريكي.

وبعد الموجة التصحيحية للثورة في ٣٠ يونيو/حزيران الماضي، لا يرى الجانب الياباني في مصر سوى ما  يوصف بالمغالطات التي تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وتركز كذلك على  قيام الدولة المصرية بقتل الأبرياء من المتظاهرين المسالمين، فضلاً عن النقل الأعمى للميديا اليابانية عن إحدى الفضائيات، بما يشتمل عليه محتوى رسالة هذه القناة المغرض والمشبوه وغير المحايد وغير المهني من إضرار بالغ بالمصالح العليا المصرية وعدم احترام إرادة الشعب المصري في تصحيح المسار ووحدته وسلامة أراضيه.

تزامن مع ذلك قيام اليابان بسحب كل الخبراء اليابانيين وعائلاتهم من مصر ورفعت درجات الحظر على رغبة سائحيها في زيارة مصر، كما أوقفت زيارات مبعوثيها للقاهرة، بالإضافة إلى التلكؤ وعرقلة المشر وعات الكبرى التي يجرى إنشاؤها بالفعل بمساعدة اليابان.

هذه هي رؤية مراقبين بالقاهرة، ترى، ما مدى صحة هذه التحليلات، وما مدى اقترابها من تفسير حقيقة التطورات في العلاقات المصرية- اليا بانية الثنائية، بالذات بعد ٣٠ يونيو/حزيران، وهل من رؤية مماثلة في طوكيو لتفسير الموقف.

 

مصر اليابان العلاقات المصرية اليابانية