تقرير عن دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي

مجتمع ثقافة لايف ستايل رياضة

في بداية الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي وجهت معظم وسائل الإعلام العالمية أنظارها إلى الأخطار المحتملة نتيجة الهجمات الإرهابية التي قد تحدث أثناء هذه المناسبة العالمية. وأضحى الرياضيون والمعجبين على حد سواء مهددين بالخطر بسبب سياسات روسيا تجاه الأقليات الجنسية وعوامل أخرى. أما الآن وبعد مرور اسبوع كامل على بدء مراسم الإفتتاح يبدو أن الفعاليات الرياضية تجرى بشكل طبيعي دون حوادث تذكر. سنتعرف في هذه المقال على الأجواء التي يعيشها الناس في سوتشي في ظل هذا الحدث الرياضي الذي يقام كل أربع سنوات.

تجربة فريدة من نوعها

الوجهة الرئيسية في سوتشي هي الحديقة الأولمبية على شواطئ البحر الأسود. وتضم هذه المنطقة الساحلية مجموعة من المنشآت الرياضية التي تحيط بساحة مركزية وتشبه في تنظيمها المتنزهات الترفيهية كمنتزه ديزني لاند. فبالإضافة إلى الإستاد الرئيسي الذي أقيم عليه حفلا الافتتاح والختام، يوجد حلبتين للهوكي وحلبة للتزلج على الجليد وحلبة تستضيف كل من فعاليات التزلج الفني على الجليد وتزلج المضمار القصير، كذلك هناك مركز للكيرلنج. ويوجد حول تلك المنشآت حلبة التدريب للمتزلجين الفنيين على الجليد ومنطقة مخصصة لمراسم التتويج ومركز الإعلام الرسمي للألعاب. أما بالنسبة لمسابقات التزلج على الثلج والمزلجة فهي تقام في منتجع كراسنايا بولينا في المنطقة الجبلية التي تبعد حوالي ٥٠ كم عن مركز المدينة.

تقع الحديقة الأولمبية على مقربة من القرية الأولمبية التي يقيم فيها الرياضيين والمدربين. وكانت شركة الدراجات (رويال دتش غازيل) قد أمنت أكثر من ٦٠ دراجة برتقالية لأعضاء الفريق الهولندي ليتمكنوا من التنقل في أنحاء المنشأة.

عندما تنظر إلى الحديقة الأولمبية من الأعلى فإنك تلاحظ أن شكلها نوعا ما دائري، وهي صغيرة لذلك يمكنك التنقل في أنحائها بسهولة ولن يستغرق منك الوصول إلى أي فعالية أكثر من ٣٠ دقيقة مشيا على الأقدام. ويمكنك رؤية العديد من الرياضيين الأولمبيين وهم يركضون في أنحاء الحديقة كما أن بعضهم (وخاصة الهولنديين المعروفين بأنهم شعب محب للدراجات الهوائية) قد جلبوا دراجاتهم الخاصة ليركبوها في سوتشي. تعم هنا أجواء السلام والطمأنية، كما أن الجو دافئ ومريح فقد وصلت درجات الحرارة في معظم الأيام إلى ١٥ درجة مئوية.

أما الأجواء داخل الصالات الرياضية فهي أكثر حدة وتوتر وذلك لاشتداد المنافسة بين عمالقة الرياضة في العالم. وعلى الرغم من وجود بعض العثرات في التنظيم إلا أننا لم نر أية مشاكل كبيرة كالمشاكل الأمنية التي قد تهدد سلامة الحشود. هذا وقد شكل عامل السلامة قلقاً كبيراً قبل بدء الألعاب فجعلت هذه المسألة دورة ألعاب سوتشي مختلفة عن الدورات السابقة.

لا يمكن الدخول بدون تصريح

اتخذ المنظمون الروسيون اجراءات أمنية صارمة ومشددة لضمان فرض الأمن والسلامة في كافة أرجاء سوتشي، فكل شخص موجود في الحديقة الأولمبية لديه بطاقة أو تصريح ولا يوجد أي شخص من العامة يستطيع دخول الحديقة بدون هذا التصريح.

كذلك فإن شراء بطاقة لحضور أية فعالية أو فقط لمجرد الدخول إلى الحديقة الأولمبية هي عملية معقدة تتضمن تسجيل معلومات جواز السفر وصورة شخصية لأغراض التعرف على هوية الشخص، وهناك حواجز أمنية في محطات القطار المحلية وبوابة الحديقة الأولمبية يتم خلالها معاينة وثائق الأشخاص للتأكد من هوياتهم.

إن هذه العملية مزعجة بشكل خاص لسكان سوتشي. فإذا لم يشتروا البطاقات الغالية الثمن لمشاهدة الحدث فإنهم لن يستطيعوا الدخول وستغلق أبواب الحديقة الأولمبية في وجهوهم. ولذلك فإن الألعاب الأولمبية في سوتشي ليست مكانا يستمتع فيه السكان المحليين بالأجواء الأولمبية وحتى أنه لا يمكنهم إلقاء نظرة من بعد على أبطال روسيا لدى صعودهم منصات التتويج إلا إذا دفعوا المال للحصول على هذا الإمتياز.

منطقة جنوب شرق آدلر في سوتشي التي تستضيف الفعاليات الجبلية وتضم مجموعة زاخرة من التحف التذكارية.

يقال أن تكاليف هذا الحدث قد بلغت ما يفوق الـ ٥٠ مليار دولار وهو الرقم الأغلى في تاريخ الألعاب الأولمبية وهذا يدل على عدم استعداد المنظمين على المخاطرة بعنصر السلامة والأمان خلال فاعليات دورة الألعاب. وتظل الشيشان التي لا تبعد أكثر من ٥٠٠ كم شرقاً مصدراً محتملاً للاضطرابات على الرغم من إنتهاء عملية القضاء على الإرهاب في عام ٢٠٠٩. كما كان هناك قلق من الجارة أوكرانيا التي تعاني من إضطرابات سياسية أيضاً. إن جميع الفعاليات الأولمبية مجتمعة في منطقتين صغيرتين على الساحل والجبل لذلك فقد سهل ذلك سير العمليات الأمنية. كما أن الحديقة الأولمبية التي تقع في مركز المدينة لها بوابة واحدة لدخول حاملي البطاقات مما يجعل من السهل التحقق من القادمين للحدث.

وعلى الرغم من ذلك هناك جوانب سلبية لهذه الإجراءات الأمنية الصارمة. إن ما يميز هذه التجربة الأولمبية هو كيفية تفاعل ومشاركة المجتمع المحلي المضيف والسماح للسكان المحليين والضيوف الأجانب بالاختلاط لإضفاء الروح على المكان حتى لو لم يكن لديهم بطاقات دخول. لا يوجد هذا النوع من التفاعل في سوتشي حيث تتميز هذه الألعاب بعمليتها وفعاليتها ولذلك لا يمكنك الهرب من الشعور بأنها خالية من الروح بمقارنة مع الأولمبيات السابقة.

البناء والكلاب

كانت العديد من الفنادق المخصصة للإعلام قيد الإنشاء لدى وصول الإعلاميين للتقرير عن الألعاب.

على الرغم من مضي اسبوع على بدء الألعاب الأولمبية إلا أنك إذا ألقيت نظرة على الحديقة الأولمبية وما حولها من منشآت فإنك ستجد أن أعمال الإنشاء والتحضيرات الأخرى ما تزال قائمة في العديد من الأماكن حتى الآن. فقد عانت الشقق الفندقية الجديدة التي بنيت للإعلاميين من نقص في المناشف ويعد الشخص الذي يستطيع الحصول على منشفة مرة كل ثلاث أو أربع أيام من المحظوظين. وأنا نفسي قد تمكنت مؤخراً من الحصول على الصابون وأكياس القمامة (لا يوجد سلة للقمامة في غرفتي) على الرغم من أنني أمكث في غرفتي منذ أكثر من أسبوع، وحصلت على بطاقة (الرجاء عدم الإزعاج) قبل أيام معدودة. حتى التحف الموجودة في الغرفة فهي رخيصة. كما أن العصا التي تعلق عليها ستائر الحمام ومقبض الباب كانا مكسورين. ولقد شهدت العديد من الصحافيين الذين اشتكوا من مشاكل مماثلة في أماكن إقامتهم.

وفي أحد الليالي علقت في مصعد الفندق لمدة ساعة كاملة. وحدث شيء مماثل للاعب فريق المزلجة الأمريكي وذلك بعد ثلاثة أيام من انحباس أحدهم (جوني كوين) في الحمام الذي كسر الباب وخرج من هذا المأزق. وهذا أمر مقبول إذا كنت تملك قوة الرياضيين الأولمبيين ولكننا نحن عامة البشر لا نملك هذا الخيار للخروج. وهذه الحوادث لم تكن بالنادرة بل أغلب الأشخاص في سوتشي عانوا من مشاكل أخرى مماثلة.

الكلاب الضالة في سوتشي تأخذ قيلولة تحت أشعة الشمس.

وما يلفت النظر في سوتشي هو عدد الكلاب الضالة التي تجول الشوارع. وقد شاهدت خلال زيارتي هذه العديد من شجارات الكلاب التي أدت إلى جرح احدى الكلاب المتعاركة بجروح خطيرة. وأعتقد هنا أنه يجب الحذر من خطر انتقال عدوى مرض الكلب. بالنسبة لي فقد حصلت على اللقاح المضاد قبل فترة ورغم ذلك فإن عضة الكلب ستكون مشكلة طبية كبرى. في أحد المرات كنت أمشي ومعي وجبة طعامي فإذا بكلب كبير يركض نحوي تمكنت من الهرب منه بالركوب بأحد الباصات ولكن تبقى الكلاب مسألة يجب الحذر منها في سوتشي.

إن مسألة الكلاب قد تحسنت أكثر من ذي قبل، فقد قال لي الأشخاص الذين جاؤوا في موسم عام ٢٠١٢ ـ ٢٠١٣ للمشاركة بمسابقات تجريبية أن عدد الكلاب الضالة هو ثلث ماكان عليه فيما مضى.

جهود المتطوعين

كما توجد السلبيات، توجد العديد من القصص الإيجابية في ألعاب سوتشي. وقد تكون جهود المتطوعين الرائعة مثال على الإيجابيات في سوتشي.

فالمتطوعون في كل مكان وتحس أنهم أكثر من عدد المعجبين في بعض الأحيان، وتجد البسمة على وجوههم طوال الوقت. وتتمثل مهام المتطوعين بالتحقق من الهويات الشخصية وتفتيش الحقائب والأشخاص وعلى الرغم من المسؤولية الهائلة الملقاة على عاتقهم تراهم يقومون باعمالهم بابتسامة دافئة مرتسمة على وجوههم. عندما جئت إلى سوتشي كنت أظن أن الروسيين صارمين وباردين إلا أن زيارتي هذه غيرت نظرتي تجاه الروسيين رأسا على عقب. وقد أحسست بالفعل أن السلام يبدأ بابتسامة.

كما أن الباصات هي دائما على الموعد ومريحة للركوب وخطوط سيرها سهلة الفهم. وهذا الأمر إيجابي للغاية خاصة بالنسبة لنا الإعلاميين الملزمين على العمل بجدول محدد. يجب على طوكيو التعلم من تجربة سوتشي وخاصة أنها روجت لتخطيطها الدقيق المحكم الذي اهلها للحصول على حق استضافة الألعاب الأولمبية الصيفية ٢٠٢٠. فعلى سبيل المثال يمكن أخذ فكرة تخصيص طرق خاصة بالحافلات الأولمبية لتفادي زحمة الطرقات التي قد تؤثر على صورة المدينة المضيفة. وأتمنى أن تدير طوكيو الأمور بنفس السلاسة والتنظيم الذي جرى في مدينة سوتشي.

لقد بلغنا منتصف فترة الألعاب الأولمبية ونأمل إن نستطيع إنهاءها بدون هجمات إرهابية أو أية حوادث أخرى. ونريد أن نرى الرياضيين وهم يبذلون قصارى جهدهم ليلهموا المتفرجين في أنحاء العالم. وهذه في النهاية ستكون المفتاح لكي يقيم العالم ألعاب سوتشي.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية)

الرياضة التزلج على الجليد الألعاب الأولمبية