هل تحول زاكيرونى إلى الأسلوب الهجومي في اللعب؟

ثقافة رياضة

الفوز على زامبيا قبل المونديال

هوندا (إيه سي ميلان) يحرز هدف الفوز في الشوط الثاني في مباراة زامبيا. الصورة من جي جي برس.

في إطار استعداداته للمشاركة في نهائيات كأس العالم لكرة القدم للمرة الخامسة له على التوالي، اختتم المنتخب الياباني معسكره التدريبي الأخير في ولاية فلوريدا الأمريكية بلَعبِ مباراة ودية مع نظيره الزامبي والحائز على بطولة كأس أفريقيا لعام ٢٠١٢. حيث جرت تلك المباراة في ٦ من شهر يونيو/حزيران الجاري استطاع المنتخب الياباني خلالها أن يحول تأخره إلى الفوز ليرفع بذلك رصيده من الفوز إلى خمس مباريات متتالية منذ فوزه على المنتخب البلجيكي. ويخوض”ألبرتو زاكيروني“ الذي تولى قيادة المنتخب الياباني في خريف ٢٠١٠ تجربة المونديال للمرة الأولى في مراحله التدريبية.  فما هي الطريقة التي اتبعها  ”زاكيروني“ مع المنتخب الياباني خلال السنوات الأربع الماضية؟

لماذا لا يشعر”زاكيرونى“ بالرضا رغم الفوز؟

ومعلومٌ أن المباراة التي أقيمت بين المنتخبين الياباني والزامبي كانت قد انتهت بأكثر من نصف دستة أهداف، حيث فاز المنتخب الياباني بنتيجة ٤ - ٣. وشهد الشوط الأول من المباراة بداية غير موفقة للمنتخب الياباني حيث خرج متأخراً بهدفين مقابل لا شيء. ولكن هوندا ورفاقه استطاعوا أن يقلبوا الطاولة على المنتخب الزامبي ويحولوا الخسارة إلى فوز لتنتهي المباراة بفرحة الفوز المشوبة بالقلق. وقد سجل للمنتخب الياباني كيسوكي هوندا لاعب فريق ميلان هدفين بينما سجل شينجي كاجاوا لاعب فريق مانشيستر يونايتد هدفه الثاني على التوالي بعدما سجل في مباراته السابقة. وبعد غياب عن التهديف استمر لخمس سنوات استطاع يوشيتو أوكوبو الذي فاجئ الجميع بدخوله ضمن قائمة اللاعبين أن يسجل الهدف الرابع. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هو كيف سمح المنتخب الياباني لمنافسه أن يبادره بالتهديف، ولماذا دخلت كل هذه الأهداف في مرماه؟ - فعَلى الرغم من أن تعبيرات وجه ”زاكيرونى“  لم توحِ بالرضا، ولكنه في نفس الوقت لم يبدو متشائماً على الاطلاق .فقد قال في تصريحه عقب انتهاء المباراة : ”إن خط الدفاع ليس جيداً وتنقصه بعض التعديلات الضرورية“. – ثم تابع زاكيرونى قائلاً ”أنا لست راضياً عن مباراة اليوم حتى بعدما استطعنا أن نحول الهزيمة إلى فوز وذلك لأننا لم نلعب بـ ”المنطق“ الخاص بنا. ولكن دعوني أقول أن كل مباراة هي قصة مختلفة وقصة اليوم انتهت مع مباراة اليوم“.

هل تخلى زاكيرونى عن طريقة اللعب الإيطالية الدفاعية ؟

"زاكيرونى" يتلقى باقة ورد قبل سفره إلى الولايات المتحدة.

ربما تكون كلمة ”المنطق“ التى استخدمها زاكيرونى في حديثه قريبةً في معناها من كلمة الالتزام بالتعليمات التي تستخدم بكثرة في عالم كرة القدم. وكما نفهم من اختيار زاكيرونى  لكلمة ”المنطق“ بدلاً من تعبير الالتزام بالتعليمات فإن زاكيرونى يعتمد في أسلوب اللعب على احترام إبداع اللاعبين وليس الزامهم بخطط صارمة.

ويعتمد منتخب زاكيرونى - الذي اشتهر في اليابان باسم ”Zac Japan“ - في خطته الدفاعية القائمة على فرض سياجٍ حول الفريق المنافس وحرمانه من الكرة ومن ثم الاتجاه نحو مرمى الخصم بأسلوب جماعي. لَّكِن في حالة اللعب بطريقة هجومية يصبح من السهل على الخصم اختراق خط الدفاع. وهي طريقة يصبح معها مرمى الفريق مهدداً بشكل كبير.ومن المثير للدهشة أن زاكيرونى وهو المدير الفني القادم من إيطاليا صاحبة طريقة اللعب الدفاعية المعروفة باسم الـ كاتيناتشيو لا يتورع عن المغامرة في اللعب.

زاكيرونى من الحلم الضائع إلى المجد

ولد ألبرتو زاكيرونى في الأول من شهر أبريل/نيسان عام ١٩٥٣ في إحدى المدن القريبة من البحر الأدرياتيكي بشمال إيطاليا. ومنذ صغره تعلق زاكيرونى بكرة القدم. لكنَّهُ أُصيب بمرض رئوي في سن ١٦ منعه من تحقيق حلمه في أن يصبح لاعب كرة قدم، لذا اتجه إلى سلك التدريب. وقد بدأ زاكيرونى مشواره التدريبي عام ١٩٨٢ وهو في سن ٢٩ من عمره مع أحد فرق دوري الدرجة الرابعة الإيطالية. بدأ بعدها بالتنقل من فريق إلى آخر وفي كل مرة كان يصعد إلى الدرجة الأعلى في ترتيب الدوريات الإيطالية. وقد كانت المرة الأولى التي صعد فيها زاكيرونى لدوري الدرجة الأولى والمعروف بدوري المحترفين عندما تولى قيادة نادي أودينيزي الإيطالي عام ١٩٩٥. واعتمد في خططه على تحصين منطقة الدفاع بشكل قوي ومن ثم تحقيق أقصى استفادة ممكنة من قدرات بيرهوف رأس الحربة الألماني، حتى استطاع أن يحصل على جائزة المقعد الذهبي كأفضل مدير فني في الدوري الإيطالي للمحترفين. ثم جاءت الخطوة التالية في سلم الإنجازات عام ١٩٩٨ وهذه المّرة من بوابة الميلان حيث استطاع أن يحقق معه لقب الدوري الإيطالي لهذا الموسم. وبذلك يكون زاكيرونى قد وصل إلى أعلى درجات السلم المهني وهو في ٤٦ من عمره ليواصل بعدها تنقلاته بين أندية دوري المحترفين.

الحرص على الحوار مع اللاعبين

زاكيرونى يعبر عن حماسه عقب وصوله إلى البرازيل

ومن الطبيعي أن زاكيرونى الذي قام بالتدريب لمدة ٢٥ عاما في الدوري الإيطالي وهو أحد أقوى الدوريات في العالم أن يستخدم نفس أسلوب اللعب في أية دولة حتى ولو كانت حديثة العهد في كرة القدم. لكن زاكيرونى لم يفعل بذلك عندما جاء إلى اليابان لأول مرة في خريف ٢٠١٠. ففي المؤتمر لصحفي الذي عقده عقب توليه مهام قيادة المنتخب الياباني، صرح زاكيرونى قائلاً ”إن تدريب المنتخب الياباني هو تحدٍ جديد بالنسبة لي“. ثم أضاف ”كوني أصبحت المدير الفني للمنتخب الياباني فاني أعتقد أنه ينبغي عليّ أن أشعر بإحساس اليابانيين قدر الإمكان“ ولربما يكون حديث زاكيرونى عن تغيير طريقته الدفاعية أمراً سهلا ولكن تطبيقه لهذا التغيير على أرض الواقع لن يكون كذلك. وقد ترسخ لديه يوماً بعد يوم شعورٌ بوجود فجوة في الفكر والتطلعات بينه وبين اللاعبين خلال السنوات الأربع الماضية. والحقيقة أن زاكيرونى لم يحاول أبداً فرض أفكاره على اللاعبين. لكنه بدلاً من ذلك اعتمد على المناقشة وتبادل الأفكار معهم وجهاً لوجه.

زاكيرونى بإحساس الياباني يختار أسلوب لعب هجومي

كما نجد هوندا المعروف بقوة شخصيته يقول ”لقد كانت أربع سنوات من الشد والجذب بلا راحة. فعلى سبيل المثال، في البداية لم يكن زاكيرونى متفهماً لأسلوب تحريك اللاعبين للكرة. وكنت على مدى الثلاث سنوات الماضية أتحدث معه دائماً عن رغبتي في اللعب بأسلوب هجومي أما الآن فنحن متفاهمين ومتفقين على أسلوب محدد للعب“.

وهكذا نجد أن زاكيرونى فضَّل الاستماع إلى أفكار لاعبيه بدلاً من اتباع الأسلوب الصارم في التدريب، وهذا على غير المعتاد في عالم كرة القدم حيث تعتبر تعليمات المدير الفني أوامراً يجب أن تنفذ. وعند الإعلان عن أسماء اللاعبين الذين تم اختيارهم لتمثيل اليابان في نهائيات كأس العالم اتضحت لنا نية زاكيرونى التي تُرَّكِز على اللعب بأسلوب هجومي. وكان أكثر ما حير زاكيرونى هو اختيار لاعبين خط وسط مدافعين وكان في حيرة من أمره هل يختار أربعة لاعبين أم خمسة، وفي النهاية استقر رأيه على أربعة لاعبين فقط على أن يستغل ذلك في زيادة أعداد المهاجمين. وكانت المفاجأة عندما أعلن عن اسم أوكوبو ضمن أعضاء المنتخب. وحول اختياره لثمانية مهاجمين (وهو أمر غير معتاد في عالم كرة القدم) دافع زاكيرونى عن وجهة نظره بقُّوة وقال إن اختياره جاء بناءً على فهمه لطبيعة الشخصية اليابانية، كما أنه أراد أن يرسل رسالة مفاداها أننا ذاهبون للفوز. وهذا بالطبع ليس معناه التقليل من شأن أهمية الدفاع، ولكن من المؤكد أن يستمر تطبيق ما تعهد به عندما عُين مديراً فنياً للمنتخب الياباني حين قال ”يجب أن يشعر بإحساس اليابانيين“. وإنني لأعتقد أن المونديال سيكون فرصة جيدة لنرى بلورة لمجهودات المدير الفني الإيطالي الذي حاول فهم اليابان والتعامل مع الشخصية اليابانية.

(النص الأصلي باللغة اليابانية بتاريخ ٨ يونيو/حزيران ٢٠١٤)

كأس العالم كرة القدم الرياضة البرازيل زاكيروني المنتخب الياباني