مستقبل كرة القدم اليابانية بعد الخروج من المونديال

ثقافة

”رقم واحد في العالم“ ما زال هدفاً بعيد المنال

اللاعب الكولومبي ”جاكسون مارتينيز“ يسجل الهدف الثالث في مرمي اليابان (الصورة من جيجي برس)

انتهت المشاركة الخامسة للمنتخب الياباني في المونديال الذي شارك فيه للمرة الخامسة على التوالي. حيث كان المنتخب الياباني قد لعب في المجموعة C وخسر مباراتين وتعادل في مباراة أخرى، ليخرج مبكراً برصيد نقطة واحدة فقط من منافسات المونديال وبشكل مخيب للآمال. ولا يمكننا بأي حال من الأحوال مقارنة مشاركة المنتخب الياباني هذه المرة بمشاركته في النسخة الماضية بجنوب أفريقيا والتي تخطي حينها مرحلة دوري المجموعات بنجاح ليصل لدور الـ١٦، كما لا يمكن مقارنتها أيضا بمشاركته بالنسخة التي أقيمت بشكل مشترك في اليابان وكوريا الجنوبية عام ٢٠٠٢. أصيبت الجماهير بخيبة أمل وإحباط شديد بعد الخروج المبكر للمنتخب الياباني بسبب الآمال العريضة التي كانت معلقة في هذه المرة بالذات على لاعبي المنتخب الياباني الذين يلعبون لأندية أوربية شهيرة مثل ”هوندا كيسوكي“(ميلان)، و”كاجاوا شينجي“(مانشيستر يونايتد)، وكذلك ”ناجاتومو يوتو“(إنترناسيونالي ميلانو). وعلي الرغم من ذلك الشيء الذي لا أريد نسيانه وهو أن المشاركة في هذا المونديال جاءت بعد تصريح اللاعبين لأول مرة عن سعيهم للمنافسة على لقب كأس العالم. لقد وضع المدير الفني للمنتخب الياباني ”البرتو زاكيروني“ هدفا كبيرا لم يسبق له مثيل لتحقيقه في البرازيل، فيا ترى ما الذي قدمه، ما الذي شعر به، ما الذي حصل عليه؟

مهمة انتحارية غير مسبوقة للاعبي المنتخب الياباني

المنتخب الياباني لدى وصوله طوكيو بعد خروجه من دوري المجموعات (الصورة من جيجي برس)

لعبت اليابان في دوري المجموعات ضد ساحل العاج يوم ١٤ يونيو/حزيران. وعلى الرغم من تقدم اليابان من خلال ”هوندا“ الذي أحرز هدفه الثالث في بطولات كأس العالم التي شارك بها، لكن سرعان ما تراجع المنتخب الياباني بشكل سلبي للدفاع عن هذا الهدف وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى هزيمة اليابان ١ـ٢. فقد أصيب المرمي الياباني في الشوط الثاني بهدفين متتاليين في الدقيقتين ١٩ و٢١ وهذا ما تسبب باهتزاز المنتخب الياباني بشكل كبير، وانتهت المباراة بهزيمة المنتخب الياباني. أما في المباراة الثانية أمام اليونان يوم ١٩ يونيو/حزيران فقد انتهت بالتعادل السلبي بدون أهداف، ولم تستطيع اليابان الفوز بالمباراة بالرغم من لعب اليونان بـ ١٠ لاعبين بعد طرد لاعب اليونان ”كاتسورانيس“ بعد حصوله على البطاقة الصفراء الثانية. ثم هزم المنتخب الياباني بشرف في الجولة النهائية ضد كولومبيا بنتيجة ١ـ ٤ يوم ٢٤ يونيو/حزيران، والتي كان يأمل أن يفوز بها بفارق هدفين. وظهر بوضوح الوجوم والذهول على وجوه اللاعبين بعد انتهاء المباراة وهم واقفين على أرض الملعب بعد تأكدهم من الخروج من دوري المجموعات. حيث جلس ”ناجاتومو“ مُفترشاً أرض الملعب لفترة دون أن يستطيع النهوض، حتي جاء صديقه في ”الإنتر“ اللاعب الكولومبي ”فريدي جوارين“ وحضنه وربت على كتفيه، بحيث استطاع بعدها أخيرا أن يستعيد توازنه. أما نجم الفريق ”هوندا“ فقد كانت نظراته تائهة ثم صرخ عدة مرات في الهواء. لقد كانت التوقعات والآمال المعلقة على الفريق كبيرةً للغاية وهو ما انعكس على اللاعبين في عدم قدرتهم على تصديق ما حصل وتقبل الأمر الواقع.

الافتقار للقوة البدنية والتركيز النفسي

مما لا ريب فيه أن اختلافاً بدا في مجريات المباريات الثلاثة ولعل ضعف الجانب النفسي كان التحدي الأكبر والمشترك فيها جميعاً. سيما في المباراة الأولى ضد ساحل العاج حيث وقع غالبية اللاعبين ضحية للتوتر. وقال الكثير من اللاعبين بعد المباراة ”لم نستطع لعب كرة القدم الخاصة بنا“ وهي ترادف عبارة ”لم نستطع التحرك كالمعتاد“. ويكون ذلك من خلال الضغط على الخصم من الخطوط الأمامية مثل قطع الكرة في مكان مميز، وزعزعة الخصم بالتحركات السريعة والقوة البدنية والتمريرات المتقنة، كالهجوم بمجموعة من اللاعبين وإحراز الأهداف. وربما يكون هذا الأسلوب في اللعب ممتعاً للجماهير كما أنه أيضا ممتعٌ  للاعب ذاته في نفس الوقت. لكن هذا الأسلوب يتطلب لياقة بدنية عالية، وكنتيجة لذلك نستطيع أن نقول أن اللياقة البدنية للفريق الياباني لم تكن كافية في مونديال البرازيل. علماً بأنّ عدد الكيلومترات التي ركضها المنتخب الياباني أعلى من الفرق الثلاث الأخرى، لكن مع ذلك كان يجب أن تكون أعلى من ذلك. وقد لا تكفي ”القوة“ وهي الكلمة التي طالما ذكرها وأكد عليها ”زاكيروني“ المدير الفني للمنتخب الياباني، لكن في الواقع افتقر المنتخب الياباني للمهارات والقوة أمام المرمي. كما قال اللاعب ”كاجاوا“ الذي عُلقِّت عليه آمال كبيرة والذي لم يسجل أهدافاً في أية مباراة من مباريات المونديال بحزنٍ شديد : ”لقد هزمنا أنفسنا. لقد افتقر الفريق للقوة البدنية والنفسية التي تساعده على لعب الكرة الخاصة به في تلك المناسبة التي تُقام مَّرةً  واحدةً  كل ٤ سنوات“. أما ”ناجاتومو“ الذي كان من اللاعبين الجيدين على المستوى الفردي فقال وهو يشعر بخيبةِ أملٍ بالغة : ”كنا نفتقر للقوة والدقة عند امتلاكنا الكرة حيث لم يكن هنالك قدر كافٍ من التفاهم والوعيٌ المشترك بين اللاعبين. لأنّ المشكلة تكمن في التردد وليس التمركز“.

لم يكن كل شيء سلبيا

”زاكيروني“ يعلن استقالته من تدريب المنتخب الياباني (الصورة من جيجي برس)

هذا وأعلن المدير الفني للمنتخب الياباني ”البرتو زاكيروني“ عن استقالته بعد الخروج من المونديال حيث صرح : ”إن  لدى هذا الفريق هويةً وطريقةً مٌميّزة في اللعب ويجب أن يحافظ عليها“ لكن السؤال هل حقا يمتلك الفريق الياباني هوية خاصة به؟ - فأنا أعتقد أن نصف اللاعبين سيجيب بـ ”نعم“ والنصف الآخر سيجيب بـ”لا“ -  وقد أكد كابتن المنتخب الياباني ”هاسيبي ماكوتو“ بالقَول : ”لم نستطع أن نخرج كل الخبرات والمهارات التي تراكمت خلال الـ ٤ سنوات الماضية هذه المرة. لكن التساؤل هو هل سنتلمس طريقاً وأسلوباً جديداً، أم سنستمر في نفس الاتجاه. وحسب رأيي الشخصي أعتقد أنه على اليابان أن تستمر في نفس الاتجاه عند النظر إلى ا لـ ١٠ أعوام  أو الـ ٢٠ عاماً القادم“ - كما وافق اللاعب ”إندو ياسوهيتو“ الأكثر مشاركة مع المنتخب الياباني برصيد ١٤٦ مباراة و ٣ كأس عالم على رأي ”هاسيبي“ قائلاً :”لا أعتقد أن كل شيء كان سَّيئاً بسبب النتيجة النهائية هذه المرة. لقد استوعبنا جيداً هذا الأسلوب خلال الـ٤ سنوات الماضية وأعتقد أننا حققنا تقدماً لا بأس به في هذا الاتجاه. سيما وأنّ  المنتخب الياباني يتميز بنقل الكرة بشكل سلس وسريع  أثناء الهجوم. وهذا أمرٌ لا شك فيه“.

وضع أساس كرة القدم الهجومية

وقد ترك المنتخب الياباني نتائج رائعة أثلجت الصدور على مدى السنوات الأربع الماضية حيث فاز بكأس آسيا، كما فازً في مباراة ضد فرنسا وأُخرى ضد بلجيكا خارج اليابان، وفاز أيضاً على المنافس الأول له وهو المنتخب الكوري ٣ مرات وتعادل معه مَّرةً واحدة. وبالرغم من الشعور بالحزن وخيبة الأمل على ضياع حلم المونديال فأن ذلك يعني أيضاً وفي نفس الوقت أن هناك حلم كان يُرَاوِدُنا وأننا عشناه بِحَقّ. وعلى الرغم من ظهور منتخب اليابان أو ”زاك ـ جابان“ على المسرح العالمي بالشكل المطلوب والمرجو، إلاّ أنّ لاعبي المنتخب شَعَرَوا رغم الهزيمة التي أَلّمّت بهم أن عليهم الاستمرار وجعل كل ما مروا به من خبرات وتجارب الركيزة الأساسية التي يجب أن يبنوا عليها مستقبل المنتخب الياباني. ويرفع ”هوندا“ رأسه قائلا : ”يجب أن نفكر في طريقة جديد، ولكن في نفس الوقت لا يوجد لدينا أي نية في تغيير هدفنا بأن نصبح الفريق رقم واحد على مستوى العالم“. وعندما ذهبت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠٠٥ للقيام بتغطية إخبارية في نادي سلتيك الاسكتلندي الذي يلعب له اللاعب ”ناكامورا شونسوكي“، كان يجلس هناك الموسيقي القدير ”رود ستيوارت“ في مقاعد المتفرجين، وكان يلعب كرة القدم ولديه مقعدٌ دائم لمشاهدة مباريات نادي سلتيك. وقد ذهبت إليه بعد انتهاء المباراة وسألته عن انطباعه الشخصي فأجابني بلطف : ”ناكامورا كان لديه العديد من المهارات الفردية الجيدة“. لكن في الحقيقة لم يقدم اللاعب ”ناكامورا“ مهاراتٍ فردية. وتعّجبت من ذلك الأمر فقمت بسؤال صحفي محلي حيث أجابني: : ”إن ما يعني أن هذا اللاعب أو ذاك قَّدمَ مهاراتٍ فنّية هو مصطلح دائم يُستخدم عندما تريد أن تصف لاعب بأنه كان جيدا ليس أكثر“. وقد تختلف رؤية المشجعين للعب الجيد، أو للعب الذي يودون مشاهدته من بلد لآخر. فَعلى سبيل المثال، كما توجد دول تحب اللعب الخشن العنيف، توجد دول ايضاُ  تحب المهارات العالية أكثر من أي شيء.

 وهكذا يتعين على اليابان أن تهدف إلى وتُركز على الأسلوب الهجومي الذي تم بناءه في الأربع سنوات الماضية وتقوم بتثبيته على نحوٍ أكبر، وجعل ذلك الأسلوب الركيزة الأساسية التي تبني أنشطتها عليها. وعلاوة على ذلك يجب التغلب على نقاط الضعف الموجودة بالفريق، وزيادة تنوع الشكل الهجومي للفريق الياباني. وبطبيعة الحال لا بد من اكتساب مهارات الإدارة من أجل تحقيق الفوز. حيث يمتلك اللاعبون اليابانيون أهدافاً كبيرة تشاركهم بها الجماهير والمشجعون على حد سواء خلال المباريات. وإنني شخصياً لأعتقد أن ما حدث في مونديال البرازيل هو نوعٌ من الميراث الفريد يمكن ”لكُرَةِ القدم اليابانية“ أن تبني عليه المستقبل.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بتاريخ ٣٠ يونيو/ حزيران ٢٠١٤، الصورة في أعلي الصفحة:  من مباراة اليابان وكولومبيا التي انتهت بهزيمة اليابان حيث يهم اللاعبون بمغادرة أرض الملعب)

اليابان البرازيل زاكيروني المونديال هوندا كيسوكي