الكلمات الدخيلة تهدد اللغة اليابانية

ثقافة اللغة اليابانية

لفت انتباهي في القطار وأنا في طريقي للجامعة كالمعتاد محادثة بين تلميذين في المرحلة الإعدادية، استعمل فيها واحد منهما كلمة ”nostalgic“ للسخرية من ملابس الآخر مما جعلني أفكر كم عمر هذا الصبي الصغير حتى يستعمل كلمة مثل ”nostalgic“، ومتى سيتوقف استعمال الكلمات الأجنبية في الحياة اليومية في اليابان.

وعلى صعيد آخر نشاهد ونسمع في الأخبار عن ياباني في الحادية والسبعين من عمره من مدينة ”ناغويا“ بمحافظة ”أيتشي“ قام في شهر يونيو/حزيران من العام الماضي برفع دعوى قضائية على هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية ”NHK“ طالب فيها بتغريمها مبلغ مليون ين ياباني تعويضاً عن الأضرار النفسية التي يسببه الإفراط في استعمال الكلمات الدخيلة في اللغة اليابانية. حيث أنه يعاني من الصعوبة في فهم الكلمات الأجنبية الدخيلة التي تتدفق بلا توقف في اللغة اليابانية. وبسبب حرصه الشديد على اللغة اليابانية أقام تلك الدعوى ليس بهدف الحصول على مبلغ التعويض، بل ليقوم بتوصيل رسالته لمحطة التلفزيون القومية الوحيدة فى البلاد  ”NHK“.

اللغة اليابانية حالة خاصة بين لغات العالم

الكلمات الدخيلة في اللغة اليابانية هي كلمات يرجع أصلها إلى لغات أجنبية وتكتب بصفة عامة بحروف ”الكاتاكانا“ وأقدمها كان من اللغة البرتغالية والهولندية أما الآن فمعظمها مأخوذة من اللغة الانكليزية.

على سبيل المثال كلمة ”Smart“ والتي تعني ”ذكي“ في اللغة الإنكليزية ولكن أصبحت تعني ”نحيف القوام“ في اللغة اليابانية الآن. كما أن اليابانيون يستخدمون كلمة ”Strawberry“ عندما يريدون التعبير عن علكة أو أيس كريم بنكهة الفراولة بينما يستخدمون كلمة ”ichigo“ عندما يريدون الإشارة إلى الفراولة كفاكهة فقط! أو الإشارة إلى حقل فراولة، مما يعني أن اليابانيين يميزون في استعمال تلك الكلمات حسب السياق أو الموقف الذي ذكرت به. ويمكنك أن تقيس على ذلك العديد من الكلمات في مجالات أخري.

فاستعارة اللغة اليابانية كلمات من لغة أخرى لم تكن موجودة بها أو أن تلك الكلمات تعبر عن مفاهيم خاصة بتلك اللغة الأخرى شيء مقبول ومنطقي. لكن أرى أنه لا داعي لاستعمال أو استعارة كلمات أجنبية في اللغة اليابانية طالما أن هناك البديل أو كلمات تكفي تماماً للقيام بالغرض في اللغة اليابانية. فهل فعلاً اللغة اليابانية باتت فقيرة وعاجزة عن توفير كلمات تستخدمها بدلاً من الكلمات الدخيلة التي لا يتوقف تدفقها على اليابان مثل أمواج التسونامي.

تتكون مفردات اللغة اليابانية من حوالي ٣٣٪ كلمات يابانية الأصل تسمى ”wago“ وحوالي ٤٩٪ كلمات من أصل صيني تسمى ”kango“ وحوالي ١٨٪ كلمات دخيلة من أصل أجنبي غير صيني. تحتل اللغة الإنكليزية الصدارة فيها حيث ينتشر استعمالها في كل المجالات مثل الانترنت وعناوين الأفلام. ولا أنكر أن استعمال كلمات دخيلة أو أجنبية يزيد من ثراء تلك اللغة ولكن في حدود، حيث أن الكلمات الدخيلة طوفان عارم يهدد اللغة اليابانية بشكل كبير.

هل اللغة اليابانية عاجزة عن توفير كلمات ؟

من الغريب أن كلمة ”دخيل“ تستعمل في مواضع أخرى في عالم النبات والأسماك عند التعبير عن الخطر الذي يهدد تلك الأنواع الدخيلة للأنواع اليابانية. ولكن لا ينطبق هذا الكلام على اللغة اليابانية بل يكاد الخطر أن يتلاشى بل لا يكون هناك خطر من الأصل عند التحدث عن الكلمات الدخيلة في اللغة اليابانية.

وهنا أتساءل هل استعمال الكلمات الأجنبية من الأناقة لهذه الدرجة! هل استعمال الكلمات اليابانية مخزٍ لهذه الدرجة؟ هل تبدو الكلمات الأجنبية الدخيلة أكثر جاذبية من اللغة اليابانية؟ لقد أسس مجمع اللغة اليابانية عام ٢٠٠٢ لجنة للتصدي لتلك القضية وقامت اللجنة باقتراح كلمات بديلة للكلمات الدخيلة لما يقرب من ١٧٦ كلمة. ولكن للأسف لم ترى محاولات تلك اللجنة النور ولم يكن لها أي صدى على الإطلاق.

ولنحاول تقريب الموضوع للقارئ بعرض بعض الأرقام. تضم الطبعة السادسة لأكبر معجم للغة اليابانية يحظى بشعبية كبيرة بين اليابانيين ما يقرب من ٣٤٠٠٠٠ مفردة بينما نجد أن قاموس الكلمات الأجنبية في اللغة اليابانية يضم ٥٦٣٠٠ كلمة أجنبية تكتب بالكاتاكانا بالإضافة إلى ٨٢٠٠ مفردة تعبر عن اختصارات تستعمل في اللغة اليابانية مما يدل على توغل الكلمات الأجنبية ومدى تأثر اللغة اليابانية بها.

أنا لا أزعم كما يروج البعض أن اللغة اليابانية ستندثر أو أنها لغة مهددة بالانقراض، ولكن بوصفي شخصاً عاشقاً للغة اليابانية أوجه رسالة إلى كل مواطن ياباني يغار على جمال لغته أن يعيد التفكير في مواطن جاذبيتها، وأن يحاول التقليل من استعمال الكلمات الدخيلة. لا شك أن دخول الكلمات الأجنبية يزيد من مرونة اللغة اليابانية، ولكن في نفس الوقت لدي قلق بالغ من الإفراط في استخدام تلك الكلمات دون داع. كما أدعو المسؤولين في وزارة التعليم بأخذ زمام المبادرة من أجل العمل على زيادة الوعي للتلاميذ بداية من المرحلة الإعدادية لاستخدام الكلمات اليابانية البديلة المتاحة، والتقليل من استخدام الكلمات الدخيلة. كما أقترح إدراج ذلك على شكل فوازير في برامج المنوعات اليابانية بهدف الحث على استعمال الكلمات اليابانية البديلة.

اللغة اليابانية