كيف يعيش سكان اليابان من المشردين ...؟

مجتمع

توجد في العديد من المدن اليابانية الكبرى أحياء فقيرة معروفة باسم ”دويا-غاي“. والكلمة ”دويا“ هي عبارة محترمة في عامية الشوارع اليابانية، فهي كلمة yado (نزل) معكوسة، وتعني مكان السكن الرخيص وقد يكون أقرب مرادف لهذه الكلمة في اللغة الإنكليزية عبارة ”skid row (بالعربية حارة الفقراء) ((”سكيد- رو“ هي منطقة حضرية رَّثة فيها حانات رخيصة وفنادق متهالكة يرتادها الفقراء والسكارى. وقد نشأ التعبير الحالي باللغة الإنكليزية في شمال غرب المحيط الهادئ من الولايات المتحدة)“ وفي كلا الحالتين، فإننا نتحدث عن أحد الأحياء الفقيرة الذي يسكنه الرجال بشكل حصري تقريباً. كما أن الأكثر شهرة بين هذه الأحياء في اليابان هو ”كاماغاساكي“ في أوساكا، ”سانيا“ في طوكيو، و”كوتوبوكي“ في يوكوهاما.

أرخص ”دويا“ في دويا-غاي ”كاماغاساكي“ في أوساكا والذي من الممكن تأجيره لأقل من ١٠٠٠ ين لليلة الواحدةو ملجأ أخيراً للرجال الذين يعانون من مصاعب الحياة. فربما يكونون قد فقدوا وظائفهم، أو فشل زواجهم، أو فقدوا منازلهم لعدم قدرتهم على دفع الإيجار، أو أنهم قد خرجوا للتو من السجن دون مكان يذهبون إليه أو مأوى يحتضهم. لكن ما زال بمقدورهم الذهاب إلى دويا-غاي. حيث بإمكانهم هناك استئجار غرفة رخيصة، دون الحاجة إلى تقديم اثباتات الهوية، الوديعة، نقود الشكر أو الضامن، وهي المطالب التي يمكن أن يكون من الصعب على مثل هؤلاء الرجال توفيرها. وكان بالإمكان سابقاً العثور على عمل، ليس بأجر جيد، ولكنه كافٍ للطعام والشراب، ودفع الإيجار في الغرفة.

ويبدو أن دويا-غاي هو ملجأ أخيراً للرجال الذين يعانون من مصاعب الحياة. فربما يكونون قد فقدوا وظائفهم، أو فشل زواجهم، أو فقدوا منازلهم لعدم قدرتهم على دفع الإيجار، أو أنهم قد خرجوا للتو من السجن دون مكان يذهبون إليه أو مأوى يحتضهم. لكن ما زال بمقدورهم الذهاب إلى دويا-غاي. حيث بإمكانهم هناك استئجار غرفة رخيصة، دون الحاجة إلى تقديم اثباتات الهوية، الوديعة، نقود الشكر( نقود الشكر (Reikin礼金):عبارة عن دفعة إلزامية لصاحب الملك الذي غالبا ما يكون نفس مبلغ الإيداع حيث يعتبر هذا المبلغ من المال بمثابة هدية لصاحب الملك ولا يتم إرجاعه بعد إلغاء عقد الإيجار) أو الضامن، وهي المطالب التي يمكن أن يكون من الصعب على مثل هؤلاء الرجال توفيرها. وكان بالإمكان سابقاً العثور على عمل، ليس بأجر جيد، ولكنه كافٍ للطعام والشراب، ودفع الإيجار في الغرفة.

ويبدو أن هنالك العديد من اليابانيين ممن لا يكاد يدرك وجود دويا-غاي. أما لأولئك الذين هم على دراية بها، فهي مرادف لقاع المجتمع. ويتم إحياء ذكراها من خلال ترديد قصائد شعرية مفعمة بالمشاعر الإنسانية ظهرت في ستينيات القرن الماضي مثل ”سانيا بلوز“ لـ”أوكاباياشي نوبوياسو“ أو ”كاماغاساكي نينجو“ (إنسانية كاماغاساكي) لـ”ميتوني إيجي“.

كوتوبوكي والكفاح من أجل البقاء في مرحلة ما بعد الفقاعة

يقع ”كوتوبوكي، دويا-غاي“ حيث أجري أبحاثي، وسط منطقة العقارات الممتازة في قلب يوكوهاما. وهو قريب من ملعب البيسبول (Yokohama DeNA BayStars)، ومنطقة التسوق موتوماتشي العصرية، والحي الصيني. وفي الواقع، فضلا عن كونها دويا-غاي، كوتوبوكي فهي أيضا نوعا ما حَيُّ كوري بمعنى أن معظم ملاكي الدويا هم من الكوريين. ومع ذلك، ترى دلالات خارجية قليلة من هذا وأنت تمشي في جميع أنحاء المكان.

الصورة اليسرى: الاستماع إلى خطبة مواعظ مسيحية في الشارع في كوتوبوكي. وإذا استمعت إلى نهاية الخطبة المشار إليها ، يمكنك الحصول على وجبة طعام مجانية. وهذا ما يسمى ”آمين دي رامين (قل آمين للحصول على وعاء من المعكرونة)“. اليمين: الرجال يصطفون للحصول على معونة غذائية من قبل متطوعين في كوتوبوكي.

هذا وإني أقوم بدراسة كوتوبوكي وغيرها من الدويا-غاي لنحو عشرين عاماً، وخلالها أظهرت هذه المناطق تحولاً جذرياً من المدن العمالية، إلى مدن الرعاية الاجتماعية.

وفي عام ١٩٩٣، عندما وصلت لأول مرة إلى كوتوبوكي، كان معظم الرجال الذين يعيشون هناك من العمال الذين يعملون باليومية حيث كانوا يستيقظون كل صباح في وقت مبكر جداً حوالي الساعة الرابعة أو الخامسة في الصباح، وكانوا يحاولون إيجاد عمل لهذا اليوم. هناك سوق العمل في الشارع في كوتوبوكي، يدعى يوسيبا، أو مكان التجمع، حيث ينتسب الموظفون في الغالب إلى واحدة من عصابات ”الياكوزا“ المحلية. كما أن هناك أيضا مَركزين اثنين لسوق العمل العام المعروض بشكل مياوم، يتم تشغيل واحد من قبل وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية والآخر من قبل الحكومة المحلية.

وفي منتصف التسعينات، كانت حياة عمال اليومية صعبة للغاية. لكن بعد نهاية فترة النمو الاقتصادي في بداية العقد، تراجع الطلب على العمالة المؤقتة. سيما وأن معظم فرص العمل لعمال اليومية موجودة في قطاع البناء والتشييد، الذي يتم تنظيمه في اليابان من خلال هرم تفصيلي من مقاولين، مقاولين من الباطن، ومقاولين فعيين من الباطن. وعمال اليومية هم في أسفل الهرم، ويتم الاستعانة بأيدي عاملة إضافية عندما يكون العمل في موقع البناء مشغولاً بشكل خاص. لذلك عندما سقطت قاعدة السوق العقاري الياباني، كان لذلك تأثير مدمر على الدويا-غاي. مع استمرار الوضع على هذا النحو في التسعينيات، واشتد الكفاح اليومي من أجل الحصول على عمل. حيث كان الرجال يقفون لساعات عدة خارج بوابة سوق العمل المعروض قبل افتتاحه في الساعة ٦.١٥، في محاولة للحصول على موقع متميز في الحشد الذي يحدث لحظة ارتفاع المصاريع المعدنية.

مع حلول نهاية العقد، كان هناك عدد قليل جداً من الأعمال حيث قد كف معظم الرجال عن الكفاح وكان هناك هدوء غريب في تبادل العمالة.

كما كان هناك المزيد والمزيد من الرجال الغير قادرين على دفع الإيجار في غرف الدويا الخاصة بهم، والذين انزلقوا تدريجياً إلى حياة التشرد. كان هناك العشرات من النائمين حول كوتوبوكي، ومئات آخرين في الشوارع المحيطة، في محطة كانناي أو في مأَوُي ملعب البيسبول.

القوانين المقدمة لدعم المشردين

هاماكازي، ملجأ عام للمشردين في كوتوبوكي

هناك في الوقت الحاضر وإلى حد ما عدد أقل من الرجال بدون مأوى يعيشون في شوارع يوكوهاما. وهذا جزء من اتجاه وطني: فقد انخفض عدد السكان المشردين الرسمي في اليابان من ٢٥٢٩٦ عام ٢٠٠٣ إلى ٧٥٠٨ عام ٢٠١٤.وهذا التحسن يعود جزئيا لإقرار قانونٍ لتقديم الدعم المشردين والى الاعتماد على الذات عام ٢٠٠٢، والذي كان سينتهي في غضون عشر سنوات ولكنه مُدِّد لمدة خمس سنوات أخرى أي لغاية عام ٢٠١٢.و تَقاسَمت الحكومات الوطنية والمحلية وبموجب هذا القانون كلفة بناء شبكة من ملاجئ المشردين في البلديات وبشكلٍ يهدف إلى الحصول على الناس من الشارع ومساعدتهم على العودة إلى العمل والسكن.

وربما يكون ”هاماكازي“ واحداً من تلك الملاجئ الملجأ الوحيد في اليابان الذي بني لهذا الغرض، وهو ملجأ دائم للمشردين في وسط كوتوبوكي وهو مبنى أبيض مؤلف من سبعة طوابق فيه ٢٥٠ سرير- ٢٣٠ للرجال، و٢٠ في طوابق منفصلة للنساء في غرف مشتركة مع ٤-٨ سريرا لكل منهما. والحد الأقصى للإقامة هي شهر واحد في الطوابق السفلى وستة أشهر في الطابق العلوي، والذي هو متوفر للأشخاص الذين حصلوا على وظيفة ويبنون مدخراتهم نحو الانتقال إلى مكان خاص بهم. ويسمح لهم قضاء فترات متعددة من الإقامة وذلك بالرغم من أن على المتقدم انتظار مدة شهر على الأقل قبل التقدم بطلب إعادة القبول إلى الطوابق السفلية. وهكذا فقد طور بعض الرجال نمط حياة دورية، بالتناوب شهريا بين هاماكازي وشهر في الشوارع.

داخل خيمة الرعاية في حملة البقاء الشتوية في كوتوبوكي عام ٢٠١٣. المؤلف في أقصى اليسار

ولكن هناك سبباً أكبر وراء الأرقام الإيجابية المتعلقة بأعداد المشردين في هذه الأيام، وهذا متمثل في الزيادة الكبيرة في عدد المستفيدين من حماية الضمان الاجتماعي. تم وضع هذا النظام للحفاظ على الوعد المنصوص عليه في المادة ٢٥ من الدستور الياباني، ”المعايير الدنيا للمعيشة الصحية والثقافية“ لجميع المواطنين. في الماضي، كان الرجال في دويا-غاي في كثير من الأحيان يُرفضون للاستفادة من الضمان الاجتماعي لعدم وجود عنوان دائم. وهذه السياسة، ليست محددة في قانون الضمان الاجتماعي ولكن تم اعتمادها من قبل الموظفين المحليين، وهي تحرم الناس الذين هم بأمس الحاجة إلى الرعاية من التقدم والحصول على الدعم من الدولة. 

وبعد حملة مكثفة من قبل اتحاد عمال في كوتوبوكي، تم إزالة شرط وجود عنوان دائم كشرط مسبق للضمان الاجتماعي في منتصف التسعينات. وكانت النتيجة زيادة كبيرة من المستفيدين من الرعاية الاجتماعية. حيث وَصَل عدد سكان كوتوبوكي الذين كانوا يعيشون في دويا حوالي ٦٥٠٠ نسمة. قبل عشرين عاما، وكان معظمهم من عمال المياومة. أَمَّا اليوم، فأكثر من ٨٠٪ يعيشون على الضمان الاجتماعي.

الرعاية الاجتماعية السخية قد تواجه تخفيضات

ويجدر القول إن الضمان الاجتماعي وفقا للمعايير العالمية نظامُ رعاية اجتماعية سَخِيّ يدفع للفرد حوالي ٨٠٠٠٠ ين في الشهر، بالإضافة إلى تغطية أجار قد يصل إلى حوالي ٥٠٠٠٠ ين ورعاية طبية وسنية مجانية. الرجال الذين يستخدمون أموالهم بعناية بإمكانهم البقاء في السكن والأكل. وليس هناك من شك في أن دويا-غاي أصبحت بيئة اجتماعية أكثر إنسانية مقارنة مع تلك الأيام عندما جرى التعامل مع عمال المياومة "كعمال متاحين" ليتم استخدامهم عند الحاجة وتركهم يموتون في الشارع عندما يتقدمون بالسن أو عندما يصبحون ضعفاء.

ولعل الـ ٥٠٠٠ شخص في كوتوبوكي الذين يستخدمون الضمان الاحتماعي ليس سوى غيض من فيض واسع من مستوى منخفض بلغ ٨٨٢٠٠٠ عام ١٩٩٥، فقد ارتفع عدد المستفيدين من الضمان الاجتماعي عاما بعد عام، ليصل إلى ٢.١٥ مليون شخص في يونيو/حزيران عام ٢٠١٤. وفي الوقت نفسه، تجاوز الدين القومي الآن ١٠٠٠ تريليون ين، كما يوجد محليا لدى مدينة يوكوهاما أيضا مشكلة دين عام جدية، وهذان الاتجاهان يسيران لإجبار تخفيضات في مدفوعات الرعاية الاجتماعية. وفي الواقع فرضت الحكومة في العام الماضي فقط سلسلة من التخفيضات للضمان الاجتماعي التي من شأنها الحد من المدفوعات بنسبة ١٠٪.

أما الآن، ومع ذلك، يتم رعاية السكان المسنين في كوتوبوكي بشكل جيد. كما ظهرت مراكز الرعاية بين الدويا، ويتم زيارة المسنين المستفيدين من الرعاية الاجتماعية في غرفهم، ويتم تقديم وجبات الطعام لهم، ونقلهم إلى مراكز الرعاية النهارية على كراسيهم المتحركة عند الضرورة. ومن المثير للإعجاب أن نرى مستوى الرعاية المقدمة هنا في الجزء السفلي من المجتمع في مدينة يابانية كبرى.

(المقالة الأصلية بتاريخ ١٠ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٤. الترجمة من اللغة الإنكليزية)

الرعاية الاجتماعية يوكوهاما