رسالة من اليابان للشرق الأوسط: ”خير الأمور أوسطها“

سياسة

حظيت آخر جولة قام بها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي لمنطقة الشرق الأوسط والتي تعد الزيارة الخامسة له خلال عامين باهتمام بالغ من جانب معظم الأوساط الرسمية والأهلية هنا في مصر.

وقد تفاوتت درجات تقييم المراقبين والخبراء والدبلوماسيين من كل الجانبين العربي والياباني لنتائج هذه الزيارة بين إعطائها درجة نجاح بنسبة مائة في المائة، وبين درجة تفوق هذه النسبة بطريقة أدهشتني شخصيا.

بعد مغادرة آبي لمصر بيومين، وبالتحديد في ظهيرة يوم الاثنين ١٩ يناير/ كانون الثاني التقيت مع نخبة من الوزراء والمسئولين المصريين وعدد من سفراء مصر السابقين في طوكيو وكتاب وصحفيين مهتمين بالشأن الياباني على مائدة غداء بالنادي الدبلوماسي بقلب القاهرة تكريماً للسفير الياباني في مصر ”كاغاوا تاكيهيرو“، بدعوة كريمة من سفير مصر الأسبق بطوكيو وهيب المنياوى.

نتائج إيجابية تفوق التوقعات

توجهت إلى السفير كاغاوا بسؤال مباشر حول تقييمه لنتائج زيارة آبي لمصر، فأجاب على الفور ”كانت زيارة ناجحة بنسبة مائة في المائة“، وعلق السفير ياسر مراد مساعد وزير الخارجية المصرية للشئون الآسيوية، على السؤال نفسه بقوله ”إن نتائج هذه الزيارة تفوق هذه النسبة“ لدرجة أن أحد الحاضرين قال معقباً على الإجابتين ”يمكن أن تكون بنسبة ٢٠٠٪“ مما أضفى حالة من الارتياح والسعادة والبهجة بشكل عام على أجواء حفل الغداء الذي تحول فيما بعد إلى ما يشبه المبارزة والمباراة في الاحتفاء بنجاح مهمة رئيس الوزراء الياباني في المنطقة، لخص مضمونها السفير وهيب المنياوي بأنه نجاح بكل المقاييس.

وقد صدّق على هذا التقييم الإيجابي للزيارة وكان شاهدا عليه، في أثناء حفل الغداء المذكور دبلوماسيون مرموقون مثل السفيرين الأسبقين لمصر بطوكيو ”نبيل فهمي“ الذى تولى منصب وزير الخارجية فيما بعد، و”محمود كارم“ ووزراء مصريون سابقون مثل الدكتور ”إبراهيم فوزي“ والدكتور ”عادل عبد الباقي“، ورئيس المجلس المصري للشئون الخارجية السفير ”محمد شاكر“، ونائبته ”السيدة أنيسة حسونة“، وصحفيون مصريون، في مقدمتهم الدكتورة ”هالة مصطفى“ والكاتبة الصحفية ”عائشة عبد الغفار“.

طي صفحة وتدشين عهد جديد

سألت مساعد وزير الخارجية المصرية السفير ياسر مراد عن سبب وصفه لنتائج الزيارة بأنها أكثر من ناجحة فقال ”طي صفحة، وبدء صفحة جديدة، ولتدشين عهد جديد في العلاقات الثنائية على جميع الأصعدة والمستويات بين مصر واليابان“.

وفي تصريحات خاصة لموقع بوابتك إلى اليابان nippon.com شرح السفير كاغاوا أسباب وصفه لنتائج زيارة آبي بأنها ناجحة بنسبة مائة في المائة بقوله ”لقد تعهدت اليابان بتقديم مساعدات اقتصادية وتنموية لمصر أثناء الزيارة بقيمة ٤٠٠ مليون دولار أمريكي، وذلك للمساعدة في مشروع توسيع مطار برج العرب الدولي، هذا المطار الذي يقع إلى جوار مشروع الجامعة المصرية - اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، والمناطق الصناعية الواعدة في الساحل الشمالي المصري“.

وأضاف كاغاوا ”إن المساعدات اليابانية الجديدة لمصر والتي سيتم تقديمها في شكل قروض ميسرة بالين وقيمتها تعادل ٣٦٠ مليون دولار سوف تسهم في مشروع تحسين شبكة الكهرباء، الطاقة المتجددة، النقل، التعليم، الصحة، والتخطيط. ولتبقى هذه المشروعات الثنائية شاهداً على عمق علاقات الصداقة والتعاون بين مصر واليابان، ولتضاف أيضاً إلى ما هو موجود بالفعل كدار الأوبرا المصرية، جسر قناة السويس العملاق ”كوبري السلام“ والذى يربط بين قارتي إفريقيا وآسيا، المتحف المصري الكبير، شبكة خطوط مترو الأنفاق بالقاهرة، ومستشفى أبو الريش للأطفال بصورة لم تحظى بها علاقات اليابان الثنائية مع أية دولة أخرى في العالم“. 

ونقل كاغاوا عن رئيس الوزراء آبي قوله ”ستقدم اليابان إلى مصر أحدث التقنيات الصديقة للبيئة خدمة لمشروعات البنية التحتية للنقل بما في ذلك مترو أنفاق القاهرة والطاقة المتجددة وإنتاج الكهرباء بالطاقة الحرارية، وذلك من أجل تطوير مصر، وهو ما يسهم بشكل كبير في توسيع أسس الاستقرار المتينة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط“.

استقرار مصر يقود لازدهار المنطقة

ونوه سفير اليابان في القاهرة إلى أن نجاح نتائج زيارة آبي لمصر لم يتوقف عند الشق الاقتصادي والتنموي فقط ولكن شمل مجالات التعاون والتنسيق والتفاهم على أعلى المستويات في النواحي السياسية والدبلوماسية والأمنية، انطلاقا من رؤية اليابان لمصر والتي تجلت في كلمت آبي أمام اجتماع اللجنة الاقتصادية اليابانية - المصرية المشتركة على هامش الزيارة بقوله ”إن مصر الصديقة لنا تبذل جهوداً جبارة نحو تحقيق الاستقرار، وإذا كانت مصر دولة تتمتع بالسلام والرخاء ويعيش فيها الشعب بأمان، فحتماً سيزدهر الشرق الأوسط بشكل كبير، وبناء على الوعي بهذه المسئولية، فأنتم تبذلون جهوداً حثيثة خطوة تلو الأخرى، نحو إرساء الديمقراطية بشكل يتناسب معكم بناء على التاريخ الطويل والتقاليد الممتدة وانطلاقا من حكمة ”خير الأمور أوسطها“ وإنني أدعم مثل هذه الجهود المبذولة من قبل بلدكم. فنيابة عن الشعب الياباني دعوني أصفق من صميم قلبي تحية لجهودكم الثمينة.“

خير الأمور أوسطها

بدأ آبي خطابه التاريخي والموجه بشكل خاص إلى منطقة الشرق الأوسط كلها في بدء جولته الأخيرة من القاهرة حسب وصف السفير كاغاوا، بتذكير شعوب المنطقة بالحكمة الخالدة القائلة ”خير الأمور أوسطها“. وقد قالها آبي باللغة العربية وسط تصفيق حار من مئات الحاضرين لاجتماع مجلس الأعمال المصري - الياباني موضحاً ”هناك قواسم مشتركة في نمط الحياة الأساسي يربط بقوة بين اليابان والشرق الأوسط لأن كلاً منا يولي أهمية للتقاليد والاعتدال“.

وتساءل آبي ”لماذا تستحق هذه الحكمة أن تسلط عليها الأضواء الآن؟“

وأجاب قائلاً ”الإجابة تكمن في إحساسنا بالخطر من تنامي الأفكار المتطرفة واستمرار الاضطرابات الإقليمية التي تعصف بالشرق الأوسط في الوقت الحالي“.

كما أكد آبي ”إن استقرار منطقة الشرق الأوسط هو الأساس في السلام والازدهار ليس لليابان فقط بل وللعالم كله. إذا تركنا انتشار الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل في هذه المنطقة، فستصيب المجتمع الدولي خسائر جسيمة لا تحمد عقباها“.

وأضاف ”إن استعادة الشرق الأوسط المستقر المبني على حكمة ”خير الأمور أوسطها“ والمليء بالديناميكية، والذى يعيش فيه الناس بأمان وسلام لهي الغاية التي يهدف إليها التعاون الياباني، وهذا هو الأمر الذى أتمنى بقوة أن يعرفه الجميع في مصر والشرق الأوسط بشكل عام“.

أقدم وأعرق الحضارات

وفي حديث نشرته صحيفة ”الأهرام“ اليومية المصرية في اليوم التالي لوصول آبي للقاهرة يوم السبت ١٧ يناير/ كانون الثاني أعرب آبي عن سعادته بزيارة مصر بعد مرور ٧ سنوات و٨ أشهر على زيارته الأخيرة لها، وأنه يجدد شكره وتقديره لما قدمته مصر- حكومة وشعباً- من دعم قوي لليابان عندما وقعت كارثة زلزال شرق اليابان الكبير في ١١ شهر مارس/ آذار عام ٢٠١١.

وخلال كلمته أمام اجتماع اللجنة المصرية - اليابانية المشتركة قال آبي ”قبل مغادرة اليابان هذه المرة نظرت إلى صورة قديمة، وهي صورة التقط لبعض اليابانيين لأول مرة أمام تمثال أبو الهول في الجيزة قبل ١٥١ عاماً وبالتحديد في 4 أبريل/نيسان عام ١٨٦٤“.

ثم أضاف ”لقد ظل اليابانيون معجبون خلال القرن ونصف القرن الماضيين بتاريخ مصر، وهو أقدم وأعرق بأضعاف المرات من تاريخ اليابان. الشعب المصري مخلص ويصنع بالصبر منتجات ذات نوعية عالية، وهو يؤمن بقيمة العمل، ويفخر بما ينجزه من النتائج. هذا ويتحلى الشعب المصري بمعنويات عالية فيما يتعلق بالعمل. ولذلك فمن دواعي سعادتنا وسرورنا أن نتعاون معكم في مشروع إنشاء المتحف المصري الكبير والجامعة المصرية - اليابانية للعلوم والتكنولوجيا.“

إمكانات هائلة بالمنطقة

وفي مساء اليوم الذي وصل فيه آبي لمصر التقيت مع عدد من كبار مساعديه ضمن الوفد المرافق على مائدة عشاء وكان يضم كلا من المتحدثة باسم وزارة الخارجية اليابانية كوني ساتو، نائبتها تاكاكو إيتو، كينوكو سونى نائب مدير العلاقات العامة بمجلس الوزراء، الدبلوماسي سوزوكي كينتا، والدبلوماسية ساواكو هوندا.

استمعت باهتمام شديد للشرح الوافي المقدم من الوفد بخصوص زيارة آبي للمنطقة والأهمية البالغة التي توليها اليابان لتوثيق العلاقات مع كل دول الشرق الأوسط لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام بما يعود بالمنفعة على العالم كله.

أشار المتحدثون اليابانيون إلى أن زيارة آبي لمنطقة الشرق الأوسط تعكس مدى حرص اليابان الشديد واحترامها العميق لشعوبها، وأوضحوا أن المنطقة لديها إمكانات هائلة، وأن الظروف التي تحيط بها تعد من أكبر التحديات التي تعرضت لها في العصر الحديث. كما نوهوا إلى ما ذكره آبي خلال زيارته لجدة قبل عامين بخصوص ضرورة إشاعة روح التسامح والانسجام والسلام والتعايش والتعاون بين شعوب منطقة الشرق الأوسط والعالم.

دعم ياباني للأردن وفلسطين

تحدث المسئولون اليابانيون عن أن جولة آبي تستهدف تقديم الدعم اللازم للأردن الذى يعاني من أوضاع مضطربة نتيجة لتدفق اللاجئين عليه من دول الجوار التي تشهد حروباً أهلية، وتقديم الدعم - كذلك - للفلسطينيين لتحسين مستوى معيشتهم، توفير الرعاية الصحية، تحسين شبكة توزيع المياه، وتقديم المساعدات إلى اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أثناء مراسم الاستقبال الرسمية

وعقب القمة اليابانية - الأردنية في عمان أوفى آبي بوعده وتعهد بتقديم ١٠٠ مليون دولار للمساعدة في مواجهة التدفق الهائل للاجئين من الدول المجاورة للأردن. كما أعلن عن مساعدات يابانية قيمتها ٢٨ مليون دولار في صورة مواد غذائية وغيرها للاجئين.

محاربة الإرهاب وحل الدولتين

وأثناء زيارته لإسرائيل أعلن رئيس الوزراء الياباني عن دعمه لمحاربة الإرهاب وطالب الجانب الإسرائيلي بوقف التصريحات والسلوكيات التي تؤدي لتصعيد الصراع في المنطقة. وأعرب عن إدانته وتعازيه حيال مقتل أربعة يهود في متجر في باريس في وقت سابق من الشهر الحالي، مؤكداً أن مثل هذا العمل الإرهابي يجب ألا يتم التسامح معه أبداً مهما كانت الأسباب.

وقبل توجهه إلى رام الله وفى كلمته الشاملة بالقاهرة، كان رئيس حكومة اليابان قد حدد بشكل قاطع موقف طوكيو من القضية الفلسطينية، قائلاً ”يؤلمنا جميعاً ما وصلت إليه عملية السلام في الشرق الأوسط، وما تواجهه من صعوبات. إن اليابان تؤمن بأنه سيأتي يوما تستطيع فيه الاعتراف بدولة فلسطين، ولتعجيل قدوم ذلك اليوم تطالب اليابان كلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني باستئناف المفاوضات من أجل تحقيق تقدم فيما يسمى بحل الدولتين“.

(صورة العنوان: رئيس الوزراء آبي أثناء استقبال الرئيس السيسي له بقصر الاتحادية بالقاهرة. الصورة من أفلو.)

مصر الشرق الأوسط الأردن شينزو آبي رئيس الوزراء الياباني لاجئون