٢٠ عاماً على وفـاة تيريزا تينغ سيـدة الغنـاء في آسيـا

سياسة ثقافة

بيع ٣ ملايين أسطوانة بعد وفاتها

لقد مرَّ ٢٠ عاماً على وفاة المطربة ”تيريزا تينغ“ ملكة الغناء في آسيا والتي كانت للعديد من أغانيها شعبية طاغية في ثمانينيات القرن الماضي باليابان. وتوفيت تيريزا تينغ في ٥ مايو/أيار ١٩٩٥ فجأة إثر نوبة ربو في منتجع ”شيانغ ماي“ في تايلاند. وما زالت أغانيها تحتل الصدارة في طلب الأغاني في الكاراوكي، وقد حقق إجمالي الإيرادات لألبومات الـ CD والـ DVD في اليابان بعد وفاتها ما يقرب من ٣ ملايين نسخة. فلا يوجد مطرب أجنبي عشقه اليابانيون مثلها على الإطلاق. ولا بد أن هناك أسباب أخرى لشعبيتها غير قدراتها الغنائية ورقة مظهرها.

الصورة مقدمة من يونيفرسال ميوزيك جابان

تأثرت ”تيريزا تينغ“ بوالدتها التي كانت تعشق الموسيقى، فقد كانت على دراية بالأغاني الصينية التقليدية منذ نعومة أظفارها. وربما كان ذلك سببا في فهمها الجيد لأهمية كلمات الأغاني. ”كلمات الأغاني“ في الأصل كانت عبارة عن كلمات مختصرة من ”أدب الأغاني القصصية“. ففي الصين، كانت كلمات الأغاني تنعم بمرتبة تحت مرتبة ”الشعر“، ولكن في عصر أسرة ”سونغ“، وبعد أن أحس الناس بمدى العاطفة التي تحملها تلك الكلمات وصل فن كلمات الأغاني إلى أسلوب خاص من الكمال على يد الأدباء المشهورين ثم وصلت إلى درجة أدبية عالية كاملة.

وألبوم ”Dàndàn yōuqíng“(عام ١٩٨٣) لـ ”تيريزا تينغ“ يعد من أعظم الأعمال الفنية حيث وضع فيه الملحنون المعاصرون ألحاناً لكلمات عصر ”سونغ“. فعندما تغني ”تيريزا تينغ“ كلمات كتبها الأدباء القدماء والتي تحمل في ثناياها شجن الحياة والحنين إلى الوطن، ينتابك شعور يختلج صدرك متجاوزاً الزمان والمكان.

عبقرية في الغناء الروائي وغناء العديد من الأغاني اليابانية باللغة الصينية

عندما غنّت تيريزا باللغة اليابانية، كانت تهتم أهمية خاصة بمعاني كلمات الأغاني وتتأكد عن طريق مترجمتها عدة مرات من مؤلف الكلمات والمنتج، كما أنها كانت لا تقدم على التسجيل أبداً إلا إذا صارت متأكدة تماماً من إتقان الأغنية. فأسلوب الغناء ”الروائي“ التي كانت تغني به، وهو أن يكون هناك تدرج في كلمات الغناء بعناية في تناغم مع اللحن، كان يجعل المستمع يشعر وكأنها كانت تغني له فقط، وبهذا امتلكت قلوب محبيها.

ونال أسلوب الغناء هذا حظه من التقدير، وبدأت الأغاني اليابانية التي غنتها تيريزا باللغة الصينية في التغلغل إلى الصين وتايوان وهونغ كونغ ودول جنوب شرق آسيا.

هناك العديد من الأغاني اليابانية التي تم ترجمتها وغنتها تيريزا باللغة الصينية بجانب أغانيها الناجحة. وأثناء معيشتها في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية لمدة سنة واحدة في عام ١٩٨٠، سجلت تيريزا العديد من الأغاني اليابانية بعد ترجمتها للغة الصينية. وسرعان ما أصبح ذلك في شرائط كاسيت وCD ثم أخذ في الانتشار في البلدان الآسيوية الأخرى.

وعندما زار رئيس الوزراء الأسبق ”كويزومي جونيشيرو“ فيتنام في عام ٢٠٠٢، غنى مع أعضاء مجلس الوزراء الفيتنامي أغنية ”الربيع في المنطقة الشمالية“ في حفل العشاء. وقد تناولت وسائل الإعلام المحلية هذا الحدث بشكل كبير. فبفضل ”تيريزا تينج“ التي نشرت الأغاني اليابانية في دول جنوب شرق آسيا، استطاع رئيس الوزراء الأسبق كويزومي تسليط الضوء على أغنيتها في الحفل. وحتى بالنسبة لي أنا أيضا فلن تتخيلوا إلى أي مدى أفادني غناء أغنية يابانية في الكاراوكي مع أصدقائي في كل من تايوان والصين وفيتنام وكمبوديا في تعميق علاقتي معهم.

هوية معقدة

وهنا أريد أن أضيف شيئا آخر فيما يتعلق بـ ”تيريزا تينغ“، وهو أن سلوكها قد جعل اليابانيين يفكرون في تنوع المجتمع الآسيوي وبالأخص المجتمع الصيني.

دخلت ”تيريزا“ عالم الفن في اليابان لأول مرة عام ١٩٧٤ وذلك بعد عامين من عودة العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية في مقابل قطع العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية الصين (تايوان).

ويرجع سبب تحدي دخول تيريزا عالم الفن الياباني كفنانة مبتدئة، بالرغم من أنها كانت من أشهر النجوم في تايوان وهونغ كونغ ودول جنوب شرق آسيا، إلى أنها كانت تدرك أنها لن تصبح نجمة آسيوية حقيقية دون أن تنجح في اليابان التي تتميز بكبر حجم السوق وارتفاع مستوى التنافس فيه وبالتالي لن يكون هناك مستقبلاً لها في السوق العالمي. ولكن عامة الشعب الياباني نظر إليها كواحدة من المطربين الآسيويين الذين جاءوا إلى اليابان للعمالة وتحقيق الربح.

وفي عام ١٩٨٩، عندما أثارت تيريزا مشكلة باستخدامها جواز سفر إندونيسي للدخول وتم ترحيلها، لم ينتبه معظم اليابانيين لخلفية هذه الواقعة وهي انعزال تايوان دبلوماسيا عن العالم.

غير أن وعي اليابانيين تجاهها بدأ يتغير منذ حوالى عام ١٩٨٢ بمجرد ورود أخبار إلى اليابان حول الصين التي تبنَّت سياسة الإصلاح الاقتصادي، مثل خبر ”أصبحت تيريزا نجمة لها شعبية كبيرة لدرجة يقال إن الشعب الصيني في النهار يسمع ما يقول دنغ شياو بينغ، وفي الليل يسمع ما تغني تيريزا تينغ“ أو خبر ”تستهدف حملة تلوث الروح من قبل المصلحة أغنية تيريزا <متى ستعود؟>“. فبدأ اليابانيون يلتفتون تدريجيا إلى جزئية الهوية المعقدة التي تكمن بداخلها.

”تيريزا تينغ“ أكبر شخصية ثقافية كان لها تأثير في الصين (الصورة مهداة من المؤلف )

”تيريزا تينغ“ وسفرها إلى باريس بعد مظاهرات ميدان تيانانمن

دخلت ”تيريزا“ عالم الفن في اليابان للمرة الثانية عام ١٩٨٤. وحتى عام ١٩٨٧ أي في خلال أربع سنوات أصدرت على التوالي أغانيها التي حققت نجاحاً كبيرا مثل ”الغفران“ والعشيقة“ و”اترك نفسك لتيار الزمان“ وحصلت على أكبر جائزتين للموسيقى في اليابان على مدى ٣ سنوات متتالية. وفي عام ١٩٨٥، شاركت في برنامج تلفزيوني على قناة هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية NHK لنهاية العام مسابقة غنائية باسم ”كوهاكو أوتا غاسّين“ (مسابقة الأغنية الحمراء والبيضاء)، والتي طالما كانت تحلم بالمشاركة فيها.

وفي الوقت الذي اقتربت فيه من ذروة عالم الفن في اليابان، أوقفت ”تيريزا“ نشاطها الفني فيما عدا التسجيلات فقط حيث بدأت تشعر بتساؤلات في نشاطها حتي ذلك الوقت. وشرح لي أخوها الأصغر ”جيم تينغ“ سبب ذلك وهو ”شعورها بالملل بعد حياة فنية طويلة“ ولكن على ما يبدو أنها كانت تستكشف ما تريد أن تفعله خصوصا بعد أن أصبح لديها متسع من الحياة عن طريق الجعالة الكبيرة التي حققتها في اليابان. وكان واحد من تلك الأشياء هو إقامة حفل موسيقي في البلد التي ولد فيها والديها. ولكن لم تأت الريح بما تشتهي السفن حيث وقعت مظاهرات ساحة تيانانمن في عام ١٩٨٩ فنقلت مقر معيشتها فجأة من هونغ كونغ إلى باريس.

وفي عام ١٩٩١، أتيحت لي الفرصة لسماع القصة من تيريزا تينغ نفسها أثناء إقامتها في باريس، وما زلت أتذكر قولها بأنها ليست في باريس الآن، هربا مما يحدث بل استعدادا ليوم تصبح فيه الصين ديمقراطية.

إدراكها لنفسها كمواطنة ”صينية“

ولدت ”تيريزا“ كجيل ثان في تايوان ممن نزحوا هربا من الصين مع جيش الحزب الشعبي نتيجة الحرب الأهلية ضد الحزب الشيوعي إلى تايوان بعد الحرب العالمية الثانية. وقد عانت لمدة طويلة من مشكلة اختلاف الهوية بين البلد التي ولد فيها أبويها وبين البلد التي ولدت فيها هي. ولكن، على ما يبدو أنها وضعت نفسها كـ ”صينية الأصل“ بغض النظر عن جنسية عندما بدأت تعيش في الخارج واتخذت من هويتها الثقافية الصينية التقليدية كدعامة لها في حياتها. كما ظلت تحلم بأن تقيم حفلة موسيقية خيرية في ساحة ” تيانانمن“ يوما ما. ومن أجل ذلك كانت تتدرب تدريبات صوتية ودرست التلحين وكانت تتأثر بكل ما هو جديد في الموسيقى وكانت تجتهد كثيرا.

وعندما جاءت إلى اليابان بعد انقطاع لفترة طويلة في عام ١٩٩٣، ذكرت في برنامج تلفزيوني ظهرت قائلة ”أنا صينية. أينما كنت وأينما عشت فأنا صينية“ عندئذ تمكننا نحن اليابانيون من إلقاء نظرة على مشاعر الشعب الصيني سواء في الصين أو تايوان أو هونغ كونغ أو المتناثرين في العالم على ما أعتقد. هذا هو ما كانت تريد أن تقوله بنفسها إلى جمهورها في ساحة ”تيانانمن“.

”تيريزا تينغ“ كانت بالنسبة لنا أكثر من مغنية مشهورة. فلها الفضل في نشر الأغاني الشعبية اليابانية في آسيا، كما قامت بربط آسيا باليابان عن طريق تلك الأغاني. وهي من علمنا مدى عمق مجتمعات صينية الأصل، المجتمع التايواني الذي ولدت فيه والمجتمع الصيني الذي ولد فيه أبويها ومجتمع هونغ كونغ الذي عاشت فيه حتى الممات وغيرها من المجتمعات الصينية في العالم. لن ينسى محبوها اليابانيون حياتها القصيرة المفعمة بالأحداث كما سيظل يعيشون مع صوتها المخملي.

(النص الأصلي كتب باللغة اليابانية بتاريخ ٢٨ مايو/ أيار ٢٠١٥. صورة العنوان: مقدمة من يونيفرسال ميوزيك اليابان)

اليابان الصين تايوان هونغ كونغ مغنية