القهوة والهوية في سلسلة ستاربكس اليابانية

ثقافة لايف ستايل

في مقالته الطريفة التي تحمل عنوان ”الاسم على كوب قهوتي“ المنشورة في مجلة ”ذا نيو يوركر“ وصف ”سعيد صيرافي زاده“ كيف أن اسمه يُكتب بانتظام بطريقة خاطئة عندما يطلب قهوة في أحد مقاهي ستاربكس الأمريكية (حيث يكتب زال، سوول، ساغي، شي). ففي الولايات المتحدة يكتب معدو القهوة في ستاربكس اسم الزبون على كوب القهوة الخاص به. لم أفكر أبداً بهذا الأمر من قبل، وفي كل مرة أذهب إلى ستاربكس في سياتل أو لوس أنجلوس أو سان دييغو يظهر اسمي ”Pablo“ مكتوب بطريقة صحيحة على الكوب. ولكن آداب السلوك اليابانية تقتضي أن يتم النداء على زبائن مقاهي ستاربكس بنوع المشروب الذي طلبوه وليس بأسماء الزبائن. فهنا في اليابان أنت ”الزبون الذي طلب لاتيه طويلة“ أو ”زبون الفرابتشينو“.

وهو أمر منطقي. دعونا نفترض أن معد القهوة كتب اسم أحد الزبائن اليابانيين على الكوب: ”تاناكا“ أو ”سوزوكي“ على سبيل المثال. من الممكن أن يتواجد أكثر من شخص يحملون اسم ”تاناكا“ أو ”سوزوكي“ يقفون في طابور الانتظار، وهذا الأمر قد يؤدي إلى حدوث حيرة والتباس بين الزبائن. (تتم الإشارة إلى اليابانيين باسم العائلة في الحياة اليومية). علاوة على ذلك، تعد قضية الخصوصية أمراً بالغ الحساسية. فمعظم الناس لن يكونوا سعداء بخصوص الحاجة إلى الكشف عن أسمائهم في الأماكن العامة. ولأسباب ثقافية، فإن الكشف عن أسماء الزبائن عندما يطلبون قهوة قد لا يحظى بقبول حسن في اليابان.

قد تعتقد أن اليابانيين متشددين حيال مثل هذه الأعراف والعادات الاجتماعية، ولكن اليابان ليست البلد الوحيد الذي يبدي انزعاجاً جراء الاستهتار المفرط. وتناقش مقالة نشرها موقع ”BBC News“ عام ٢٠١٢ بعنوان ”هل ستخبر ستاربكس باسمك؟“ أن البريطانيين يعتبرون أن معاملتهم بصورة عفوية جدا في ستاربكس هو أمر محرج. فكل ما يريدونه هو الحصول على مشروبهم، فبالنسبة لهم ستاربكس ليس نادٍ اجتماعيا.

صعوبة فهم الأسماء الأجنبية

وبغض النظر عن السبب وراء ذلك، يعاملك معدو القهوة بستاربكس اليابان بصورة محايدة من خلال مناداتك باسم طلبك وليس باسمك. ولعل هذا الأمر نعمة للأجانب. فليس من غير المألوف أن يفهم اليابانيون الأسماء الأجنبية بصورة خاطئة. وعادة تُكتب الكلمات التي أصلها ليس يابانيا باستخدام رموز أبجدية تعرف بـ”كاتاكانا“. وتُحول الكلمات الأجنبية إلى أصوات يستطيع اليابانيون إدراكها، ولذلك فالأصوات غير اليابانية يتم تحويلها إلى يابانية. وهذه الممارسة هي مصدر لحكايات غريبة عددها أكبر من أن يتسع المجال للتفصيل فيها هنا. ويكفي أن نقول إن بعض الأسماء الأجنبية تتم كتابتها بطريقة مناسبة تماما بينما الأسماء الأقل حظا تتشوه بطريقة فظيعة.

محاولة لجعل نادل ياباني يستخدم الأسلوب الأمريكي في كتابة اسم الزبون على طلبه، أسفرت عن كتابة عبارة ترحيب ودية واسم مشوه (تابورو).

كانت هناك حالة واحدة فقط على مر السنين كنت دائما أُسأل فيها عن اسمي. ففي كل مرة آخذ فيلما للتحميض، كان الموظف يطلب اسمي ورقم هاتفي. وفي حالتي، وعلى الرغم من أن اسم ”Pablo“ الإسباني سهل النطق نسبيا بطريقة الكاتاكانا (بابورو) اكتشفت أن الموظفين قد لا يكونون جيدين جدا في فهمه. والسبب في حدوث هذا الأمر لا يزال غامضا. فهو ليس لأنني أخطئ في لفظ اسمي، أنا متأكد من أنه ليس لدي أي لكنة عندما ألفظه باللغة اليابانية. والأمر عائد أكثر إلى أن بعض الناس موهوبون جدا في تشويه لفظه.

أتذكر جيدا حادثة معينة عندما أخذت فيلما من أجل التحميض إلى سلسلة كبيرة لبيع الكاميرات في شينجوكو، أحد أحياء طوكيو، وسألني الموظف عن اسمي. وقد أجبت بثقة ”بابورو“ وهي الأصوات التي يتكون منها اسمي وفق اللغة اليابانية.

فسأل الموظف ”بابيلو؟“، وقد التبس عليه الأمر نوعاً ما.

فأجبت بأناة ”با - بو- رو“.

فأجاب ثانية ”بابارو؟“. اعتقدت أنني قد أكون لم ألفظ الرموز الصوتية بشكل مناسب، لذلك شرعت في تكرار اسمي هذه المرة بعناية مع ترنيم الأصوات ( با بو رو).

فقال الموظف ”بابرو؟ أوه فهمت، إنه بابيلو!“ وانفجر ضاحكا وهو يصفق بيديه.

طرق تجنب حدوث التباس

قبل عدة سنوات كان هذا الأمر يزعجني. وقد جربت استراتيجيات مختلفة لتجنب حالات سوء الفهم البغيضة. فعندما كنت أُسأل عن اسمي كنت أغيره إلى بيتر أو جون. وفي أحيان أخرى كنت أقول إن اسمي تاناكا (الأمر الذي يربك الموظفين بشكل أكبر: في الواقع لن يصدق أي شخص في اليابان أنك تحمل اسماً يابانياً إذا كان وجهك يبدو غربياً). ولكن حتى عندما نجحت هذه الحيل، لم أكن مرتاحاً بشكل كامل لأنني كنت مضطرا لاختلاق اسم ليس لي ولا يمت لي بأي صلة. لذلك بدأت بكتابة اسمي للموظفين برموز الكاتاكانا، وهي طريقة أثبتت فعاليتها. كما اكتشفت أن الناس يفهمون اسم بابلو بسهولة أكبر عند نسبته إلى اسم مشهور مثل ”بابلو، كما هو الحال في بابلو بيكاسو“. وهو ما أضاف لمسة فنية لهويتي وكان مُرضٍ جدا بالنسبة لي.

في الوقت الحالي أنا لا أكترث كثيراً بشأن ما إذا كان اسمي مفهوماً بشكل صحيح أم لا وهو ما يشعرني بالراحة والتحرر. كما أنه ليست هناك الكثير من المواقف التي يُطلب فيها اسمي. وإذا كان ضروريا، يُطلب منك بشكل عام ملء استمارة، على سبيل المثال عندما تطلب شيئا ما بخدمة التوصيل المنزلية، وبإمكان الموظفين أن يقرؤوا اسمك من على الاستمارة. إذا فهي ليست مشكلة.

على أية حال، لا أزال زبوناً دائماً لدى ستاربكس، وتجري الأمور بشكل جيد جدا في معظم الأوقات. لا أستطيع تخيل أن اتباع طريقة كتابة أسماء الناس على أكواب ستاربكس سينتعش في اليابان في أي وقت على المدى القريب. ولكن من يدري؟ فمع ازدهار السياحة، تغدو بعض الأماكن في طوكيو أكثر عالمية، إلى حد أنك قد تدخل إلى أحد مقاهي ستاربكس في شينجوكو وتجد نادلا غير ياباني يتلقى طلباتك، وهو شيء لم يكن ليخطر على البال قبل وقت طويل. كما أنه قد يأتي وقت يكون فيه الناس قادرين على طلب قهوتهم من ستاربكس من خلال هواتفهم الذكية والدفع إلكترونيا وأخذ المشروب من نافذة سريعة بدون الحاجة إلى التحدث إلى النادل على الإطلاق. وإذا حدث هذا الأمر، فمن المرجح أن يكون التعامل بالأرقام أفضل من الأسماء.

في الوقت الحالي، لا أزال أستمتع بالتفاعل البشري في مقاهي ستاربكس على الطريقة اليابانية. ادعوني فقط ”زبون الفينتي لاتيه“.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة الإنكليزية. صورة العنوان مقدمة من سيكيدو ريوسوكيه).

اليابان مقاهي