فنان المانغا إينوي تاكيهيكو وتقديره للغاودي

ثقافة مانغا وأنيمي

فرصة للقاء خلال أولمبياد برشلونة

قد يتصور الملايين من قراء سلسلة المانغا ”سلام دنك“، ”المتشرد“، و”ريل Real“ أن المؤلف إينوي تاكيهيكو ليس لديه وقت لعمل شيء آخر سوى التفكير في القصص ورسم العمل الفني لإبداعات المانغا الخاصة به. وصحيح أيضاً أنه على مدى السنوات الـ ٢٥ الماضية وهب نفسه لنشاطاته الإبداعية، بحيث يمكنك الآن أن تجد أعماله في أي مكتبة في اليابان، كما في كثير من الدول في العالم.

لكن فنان المانغا الشهير، الذي ولد عام ١٩٦٧ في أوكوتشي بمحافظة كاغوشيما، تطرق كذلك عبر السنين إلى موضوعات خارج مجال القصص المصورة. فعلى سبيل المثال، فاجأ المعجبين عام ٢٠١٣، من خلال نشره كتاب بيبيتا، الذي يحتوي على رسومات ونصوص قصيرة مستوحاة من حياة وأعمال المهندس المعماري أنطونيو غاودي الإسباني (١٨٥٢-١٩٢٦).

ويجدر القول إنّ العلاقة بين مهندس كاتدرائية ساغرادا فاميليا (كنيسة العائلة المقدسة)، التي تعد واحدة من المعالم الكاثوليكية الأكثر زيارة على مستوى العالم، وبين الفنان الياباني الذي انطلق إلى الشهرة عام ١٩٩٠ من خلال سلام دنك، والتي هي سلسلة المانغا الخاصة به عن فريق لكرة السلة في المدرسة الثانوية تنبع في الواقع من الحب الكبير الذي يكنه إينوي لكرة السلة في الوقت الذي كانت فيه رياضة غير مهمة نسبياً في اليابان.

وفي عام ١٩٩٢، عندما كانت تتمتع سلام دنك بشعبية كبيرة، سافرإينوي إلى إسبانيا لمشاهدة فريق الرجال الوطني لكرة السلة الأمريكية المشارك في أولمبياد برشلونة. ويطلق عليه اسم ”فريق الأحلام“، وكان الفريق الأول الذي يمثل لاعبي الدوري الأمريكي للمحترفين كما كان يعتبر أعظم مجموعة من المواهب في كرة السلة تم تجميعها على الإطلاق. وشمل بعض اللاعبين الذين كانوا مصدر إلهام لـ سلام دنك، مثل مايكل جوردان، فضلاً عن العديد من اللاعبين المفضلين لإينوي شخصياً، مثل سكوتي بيبن، جون ستوكتون، وماجيك جونسون.

وقد قام إينوي أثناء مشاهدة المباريات في برشلونة، بزيارة بعض المباني الرئيسية التي صممها غاودي، والتي تعد ضمن الوجهات السياحية الرئيسية في العاصمة الكاتالونية. وحينما رأى كنيسة ساغرادا فاميليا للمرة الأولى، شعر بنوع من عدم الارتياح، وربما كان ذلك يرجع إلى آثار عاطفية ناجمة عن مشاهدة نجوم الدوري الاميركي لكرة السلة في الملعب في وقت سابق. ولكن مشاهدة العمل الرائع بموهبة مواطن كاتالونيا غاودي تركت انطباعاً قد آتى أكله بعد ٢٠ عاماً.

منظر لكنيسة العائلة المقدسة، والتي من المقرر استكمالها في عام ٢٠٢٦.

مقابلة حرفيي الكاتدرائية

عام ٢٠١١، عاد إينوي إلى برشلونة ثانيةً بناء على دعوة من مجلة نيكاي BP. ورافقه العديد من الخبراء، منهم المهندس المعماري الياباني تاناكا هيرويا، الذي وهب نفسه منذ أواخر السبعينيات لدراسة نسب وقياسات هندسة غاودي المعمارية. وكان الهدف من الرحلة هو اكتساب فهم أعمق لحياة وأعمال المعماري التجديدي العظيم.

ومن المعروف أن إينوي يكن الاحترام والإعجاب العميق للعمل الحرفي، وخلال زيارته كانت أكثر حواراته حماسة مع النحاتين، والحرفيين الآخرين المشاركين في العمل اليدوي الدقيق على الكاتدرائية، والذي من المقرر أن يكتمل في ٢٠٢٦.

كما كان أحد هؤلاء الحرفيين برونو جالارت الذي أسندت إليه مهمة نحت صلاة الرب في رواق المجد بأكثر من ٤٠ لغة. وقد أحس جالارت بارتباط خاص مع إينوي وطلب منه أن يكتب عبارة ”انجنا من الشرير“ باللغة اليابانية. وقد أدى ذلك إلى شعور إينوي بالدهشة والابتهاج بآنٍ واحد لهذا الأمر. ورغم أنه كان مترددا في البداية لكونه ليس مسيحياً، إلا أنه وافق، وفي ذلك المساء عاد مسرعاً إلى الفندق الذي يقيم فيه لكي يكتب الجملة اليابانية، التي سلمها إلى جالارت في اليوم التالي.

وقد تم تضمين هذا الحادث غير المتوقع في كتاب بيبيتا لـ إينوي، والذي يستمد اسمه من اسم الأنثى الوحيدة التي تظهر في سير غاودي، بصرف النظر عن أفراد الأسرة، فضلاً عن المعنى الكاتالوني للكلمة ألا وهو ”البذرة“. وفقاً لإينوي، كانت رحلته إلى إسبانيا بمثابة البذرة للعديد من التجارب غير المتوقعة التي ترد في الكتاب، المترجم إلى سبع لغات، منها الصينية، الإنكليزية، الفرنسية، والإسبانية.

رواق بوابة المجد.

اهتمام إينوي وغاودي المشترك بالأديان

ولعل لقاء إينوي مع حياة غاودي جعله أكثر وعياً بالخلفية الريفية للمهندس المعماري، الذي ولد في محافظة تاراغونا. حيث أن العديد من أفكار غاودي الرائعة، مثل شكل سلسال القوس لأبراج كنيسة العائلة المقدسة، كانت نتيجة لمراقبته الوثيقة للأشكال الطبيعية البسيطة في الريف.

وعلى غرار الكثيرين ممّن يدرس حياة غاودي، أصبح إينوي مدركاً للمعتقدات الدينية العميقة للمهندس الذي أمضى السنوات الأخيرة من حياته داخل كنيسة العائلة المقدسة. وعندما واجه انتقادات بسبب بطء عملية بناء الكاتدرائية، أجاب بعبارته المشهورة: ”موكلي [الله] ليس في عجلة من أمره.“ كما تشمل واجهات الكاتدرائية مجموعة من الروايات الإنجيلية ممثلة مع منحوتات من البشر وحيوانات ونباتات تتسم بالواقعية من جانب والتنوع من جانب آخر.

لقد أثارت الأيقونة المسيحية الغنية التي عُثر عليها في أعمال غاودي اهتمام إينوي بهندسة الشنتو المعمارية اليابانية، والتي تميل إلى تجنب التصوير الواقعي والزخرفة الزائدة.

وعلى وجه الخصوص، أصبح إينوي مهتماً بمعبد إيسي، أحد مراكز الشنتوية في اليابان. وقد قام عام ٢٠١٣ بزيارة المعبد للمشاركة في الاحتفالات المتعلقة بإعادة إعمار المباني الرئيسية في الملجأ، وهي طقوس تجرى كل عقدين من الزمن على مدار الـ١٤٠٠ عام الماضية. وكان ”أوشيرايشي موتشي“و أحد الطقوس التي شارك فيها إينوي، والذي هو عبارة عن موكب يضع فيه الناس حجارة بيضاء على المكان الذي سيبنى فيه المعبد الجديد.

وبعد زياراته لإيسي ومعابد أخرى في اليابان وعقده اجتماعات مع معماريين مشاهير أمثال فوجيموري تيرونوبو، قام إينوي بنشر ”شو“، الذي كان بمثابة نوع من المتابعة لكتابه الأول عن غاودي. وقد أُتيحت لي الفرصة لمرافقة إينوي مع طاقم التصوير خلال زياراته لمعابد مختلفة من أجل تصوير فيلم وثائقي قصير مدته ١٥ دقيقة باللغة اليابانية، تم تضمينه مع الكتاب كما أذيع أيضاً على قناة التاريخ اليابانية.

الرحلة الثالثة إلى برشلونة

كذلك في عام ٢٠١٣، رافقتُ إينوي في رحلته الثالثة إلى بلد غاودي. وكنت هناك لتصوير فيلم وثائقي مدته ساعة(*١) سوف يتم فيه تتبع إينوي في رحلته حول المناطق الريفية التي قضى فيها غاودي فترات طويلة من شبابه كي يتماثل للشفاء من التهاب المفاصل الذي عانى منه طوال حياته. بما في ذلك الوقت الذي قضاه غاودي في الريف والذي ساعده على شحذ قدراته الحادة على مراقبة الطبيعة. وخلال رحلة إينوي في جميع أنحاء محافظة تاراغونا، أدرك الدور الذي لعبته الظواهر الطبيعية هناك، مثل الأشجار الملتوية بفعل الرياح، الحلزونات، عظام الحيوانات، وكونها مصدر إلهام للأشكال والهياكل المعقدة وغير الاعتيادية التي تتميز بها عمارة غاودي.

وعلى الرغم من أنه لم يتم بعد كشف النقاب علناً عن واجهة رواق المجد الخاص بكنيسة العائلة المقدسة، إلا أننا دُعينا خلال رحلة إينوي لمشاهدة الجزء الذي نقشت عليه العبارة اليابانية التي كان قد كتبها على قطعة من الورق قبل عامين.

كان النقش بالقرب من أسفل البوابة المعدنية الهائلة. وهناك ركع إينوي كي يلمس تلك الرسالة، التي ستبقى لقرون باعتبارها دليلاً على وجود رسول كان قد ساعد في جمع مجالات متباينة من المانغا والهندسة المعمارية، وهما المعتقدان الدينيان الشنتو والمسيحية، وكذلك الثقافات الخاصة بكل من إسبانيا واليابان>

(نشر المقال الأصلي باللغة الإسبانية في ١٨ ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٥. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: المنظر الداخلي لكاتدرائية العائلة المقدسة في برشلونة)

(*١) ^ وقد عُرض الفيلم الوثائقي ”بيبيتا: إينوي تاكيهيكو يلتقي غاودي“ في الفعاليات التي أقيمت خلال عاميّ ٢٠١٣ و٢٠١٤ على التوالي احتفالاً بمرور ٤٠٠ عام على العلاقات بين إسبانيا واليابان، كما عُرض أيضاً في معرض ”إينوي تاكيهيكو حيث يُفسر عالم غاودي“ الذي أقيم في الفترة من يوليو/ تموز٢٠١٤ إلى يوليو/ تموز ٢٠١٥ في كل من طوكيو، كانازاوا، ناغاساكي، كوبي، وسينداي.

الهندسة المعمارية المانغا