ما هو وضع المرأة اليابانية في سوق العمل؟

مجتمع التعليم الياباني هو وهي اللغة اليابانية

نتأمل في هذا المقال الذي يعد بمثابة الجزء الثاني لما ذكرناه في المقال الأول من استكشاف التغيرات التي طرأت على المجتمع الياباني من خلال إلقاء الضوء على عملية البحث عن حال ووضعية الفتيات الجامعيات بخصوص البحث عن عمل. في حين يشار إلى أن لديهن ميولاً بأن يصبحن ربات بيوت، لكن هل هذه الفكرة صحيحة. فكلمة ”طالبة جامعية“ (بالمعنى الواسع تعني طالبة جامعية، أو طالبة بجامعة للفتيات بالمعنى الضيق للكلمة) كان لها وقع شديد خلال فترة ازدهار اليابان الاقتصادي ”الفقاعة الاقتصادية“ وتبعث على الإحراج والضيق. ولكن في اليابان الحالية الفروق بين الجنسين في مجال العمل ليست بالقليلة، فلعلّ هناك ضرورة للقيام بتجميع المشاكل والمخاوف الخاصة بلطالبات.

عند ذكر كلمة طالبة بجامعة للفتيات لدى الأجيال الأكبر سنا فهي تعني فتاة تعمل بإحدى الشركات الكبرى، والتي سوف تتفرغ لمنزلها وتصبح ربة منزل بشكل كامل بعد الزواج، وتلك الصورة أو الفكرة المحافظة أو التي تنتمي لفكر عصر شووا ربما لا تزال قوية ومسيطرة على تلك الأجيال. وقد تفاجأتُ، وكوني أنتمي إلى جيل ”الفقاعة الاقتصادية“ الذي عاش في بداية إقرار قانون تكافؤ فرص العمل بين الجنسين وعملتُ كمديرة في قسم التوظيف في جامعة للبنات لنحو ثلاث سنوات، بالتغيرات التي شهدها في السنوات الأخيرة. فقد تعدت تواجهات السنوات الأخيرة مخيلتي.

في هذه المقالة أريد أن أتناول بالتحليل متوسط ميول واتجاهات طالبات الجامعات الخاصة بالعاصمة طوكيو وليس الصورة بشكل كامل.(*١)) حيث أريد أن أنظر في التغيرات التي طرأت على جيل بنات جيل ”نموذج ربات البيوت في أواخر عصر شووا“ والنظر في التغيرات الاقتصادية والاجتماعية من خلال تلك الخلفية.

(*١) ^ معدل التقدم للجامعات لمدة ٤ سنوات في اليابان عام ٢٠١٣ بالنسبة للفتية ٥٤٪ و٤٥.٦٪ بالنسبة للفتيات (وتصل النسبة إلى ٥٥.٢٪ بإضافة الكليات لمدة سنتين

اختفاء الموظفات

كان في الماضي يتم اختيار الوظيفة التي تتناسب مع النموذج أمرا كافيا حيث يقوم الرجل بدور رب الأسرة ويعمل من أجل توفير قوت العائلة، أما الزوجة فتقوم بدعم الأسرة والقيام بالواجبات المنزلية وتربية الأطفال. قبل إقرار قانون تكافؤ فرص العمل بين الجنسين في عام ١٩٨٦، كان يتم إسناد الوظائف العامة(*٢) للفتيات في غالبية الحالات حتى ولو كانت خريجة جامعة طوكيو المرموقة أو إحدى الجامعات الكبرى. لكن في الوقت الحالي الوظائف العامة المتوفرة قليلة وتصبح أقل في حالة الشركات الكبرى التي تتمتع بالشعبية. مما يعني أنه مرونة أشكال التوظيف في الوقت الحالي فقد قامت العديد من الشركات الكبرى بالحد من التوظيف في الوظائف العامة، وتقوم باستبدال ذلك بالاعتماد على الموظفين المؤقتين الذين يتم توظيفهم عن طريق شركات التوظيف. ويتبقى من الوظائف العامة المطلوبة تلك الوظائف التي تحتاج إلى قدرات خاصة مثل التحدث بلغتين مختلفتين ومندوبي المبيعات والتي تعد وظائف عامة عالية المستوى.

في مكان عملي الذي لديه سمعة بأنه مدرسة موظفات المكتب للشركات الكبرى، فنسبة التعيين في الوظائف العامة تستحوذ على نسبة ٢٠٪ من الوظائف. علاوة على ذلك فهناك منافسة شرسة مع العديد من الشركات ذائعة الصيت مثل البنوك العملاقة. واستحوذت الفتيات على أكثر من ٥٠٪ من الوظائف الشاملة دون أدنى تمييز بين الرجل والنساء. فعلى أقل تقدير إذا حكمنا على الوضع من خلال جامعتي التي تم التخرج منها، ففي ظل المنافسة الشرسة في الوقت الحاضر تطلب الشركات من الموظفين الدائمين نتائج محددة تظهر تميزهم بغض النظر عن الجنس، فالموظف الذي لا يحقق النتائج المرجوة من ربح للشركة لا تقوم الشركة بدفع العلاوة له، ويبدو أنه هناك اتجاه لتغطية ذلك بالاعتماد على الموظفين المؤقتين. وهذا يرتبط بانخفاض الوظائف العامة المتاحة وزيادة الوظائف الشاملة على ما أعتقد.

(*٢) ^ الوظيفة العامة تشير إلى الموظفات العاملات بالمكتب، حيث يوجد تصور قوي بأنهن يقمن بتقديم الشاي أو تحضير نسخ الأوراق المطبوعة، لكن في الواقع هناك حالات ليست بالقليلة يقمن فيها بأعمال متقدمة وعلى الرغم من ذلك فإن المرتبات الممنوحة إليهن محدودة كما أن الترقيات تصبح بطيئة لهن مقارنة بالرجال.

الانتقال من وضع خطة للعمل إلى وضع خطة للحياة

في ظل تلك الظروف فإن الفتيات لديهن مخاوف عديدة عند البحث عن عمل في الوقت الحالي. الخيارات المتاحة أكثر من اللازم. العمل بوظيفة عامة في إحدى الشركات الكبرى، أم العمل بوظيفة شاملة بإحدى الشركات الصغيرة أو المتوسطة أو العمل في إحدى الشركات الاستثمارية. عمومي أم اختصاصي. وبالنسبة لسكان الأقاليم المختلفة هل يعملن بموطنهن المحلي أم ينتقلن للمدن الكبرى للعمل بها. بالطبع تضع الفتيات تلك الخيارات أمامهن بشكل متواز، ويوجد منهن عدد ليس بالقليل يقدم على التقديم في الوظائف التي وقعن في غرامهن منذ الطفولة مثل العمل كمضيفة طيران أو مذيعة وغيرها من الوظائف التي تستهويهن.

وبسبب كونهن طالبات في جامعة للفتيات تقول نصف الطالبات الجدد ”أريد العمل بوظيفة عامة بعد التخرج في إحدى الشركات الشهيرة، ثم بعد أن أرزق بطفل سأصبح ربة بيت وأكرس وقتي وجهدي لتربيته وبعد أن يكبر الطفل أريد أن أعمل في وظيفة بدوام جزئي“. لكن عندما يتقدمن في دراستهن تتقلص وتقل تلك الأصوات والآراء بشكل سريع. ”لا أعلم إذا كنت سأستطيع الزواج وأحصل على شريك حياة أم لا، أو ربما أتزوج وأنفصل عن زوجي لذلك أريد أن أكون في وضعية تسمح لي بالعيش وحدي من الناحية الاقتصادية والمادية“، ”إذا تم تسريح زوجي من العمل في عملية إعادة هيكلة مكان عمله، أو أن تفلس الشركة التي يعمل بها سيصبح الوضع صعبا“ وغيرها من الأسباب وراء هذا الرأي. لا أدري ربما يقلن هذا تحسبا وخوفا من الواقع القاسي. في الواقع يوجد بداخل الأسر اليابانية أمثلة لمن مر بتلك التجارب وهي حالات ليست بالنادرة. كما أن وسائل الإعلام تقوم بعرض قضية فقر الأمهات العازبات وهو ما يعطي الشعور بأن الأمر لا يخص الآخرين بل أنه أمر قريب يمكن حدوثه.

لقد تغير وعي الوالدين أيضا. في الماضي كانت هناك أصوات ليست قليلة بين الآباء والأمهات تقول ”ابنتنا مرتاحة لذلك ليس هناك داعي لأن تجتهد. إذا وفقها الحظ أتمنى أن تعمل بالمكتب في إحدى الشركات، ثم تصبح ربة بيت بعد الزواج“. هذا بالضبط نموذج للتفكير في عصر شووا. ولكن منذ صدمة انهيار بنك ليمان براذرز ارتفعت أصوات الآباء والأمهات المشاركون في لقاءات التوظيف التي تستهدف الآباء لتقول ”لا يهم إذا كانت الشركة من الشركات الكبرى ذائعة الصيت أو لا، المهم أن تجد وظيفة تستطيع من خلالها العيش وتوفير قوت يومها مدى الحياة“.

وكما تناولت الموضوع بالمناقشة في المرة الأخيرة، أن ركود الاقتصاد الياباني والتقدم السريع في انخفاض عدد المواليد وشيخوخة المجتمع ربما أدت إلى تغيير طريقة العمل. هناك حاجة ملحة لعمل المرأة في المجتمع الياباني فحتى على مستوى السياسات والاستراتيجيات الحكومية، والمعاناة بسبب النقص في اليد العاملة على مستوى الشركات، أيضا على مستوى دخل الأسرة الذي يأخذ منحنى للهبوط. ونتيجة لذلك يصبح الاختيار ذو النفع مختلفا بين اختيار المشي على خطى الأمهات ليصبحن ربات بيوت، أو الاستمرار في العمل مدى الحياة. لذلك من الضروري التفكير في خطة حياة حيث يجب وضع الزواج وتربية الأطفال في الاعتبار وما إذا سيمكن التوفيق بينهم وبين العمل أم لا.

هل كون الفتاة ربة منزل دليل على الثراء؟

في كثير من الأحيان يقع بين يدي مواضيع وأخبار حول ميل الفتيات الصغيرات نحو أن يصبحن ربات بيوت. ولكن هل تلك الأخبار حقيقية وهذا هو الواقع؟ وعندما سألت بخصوص تلك النقطة كانت هناك أصوات كثيرة تقول ”البقاء في المنزل أمر ممل، أريد أن أستمر بالعمل في وظيفتي الممتعة“، حيث يندر وجود الطالبات اللاتي يردن أن يصبحن ربات بيوت. فكلمة ”القيام بالأعمال المنزلية“ أصبحت من الماضي السحيق وماتت ودفنت. فهناك اتجاه قوي سائد بأن الطالبات اللاتي يمرحن ويعملن بشكل جزئي أثناء فترة الدراسة الجامعية أكثر من التركيز على التحصيل الدراسي يكون لديهن الحماس والشغف للعمل بعد التخرج.

في جيل الأمهات كانت ربة منزل هو شكل مستقبلي للفتيات واقعيا ومن الممكن تحقيقه. لكن في السنوات الأخيرة دخل الرجال أخذ في الانحدار بشكل واضح، ولم يصبح أمر عمل الزوجة من الأشياء النادرة. ”ربة منزل؟ بالطبع إذا كانت تسمح الظروف الاقتصادية بذلك“. حيث أصبح يعتقد أن كلمة ”ربة منزل“ بالنسبة للأجيال الشابة تحمل معنى أن الزوجة من الأثرياء بشكل قوي. وأصبح أمر أن تصير الزوجة ربة منزل مقصورا على العائلات المتيسرة من الناحية المادية، وقد يكون الآن أمر يصعب الوصول إليه.

وفي كل عام أسأل الطالبات عن هدفهن في العقد الثالث والرابع من العمر حتى يرسمن خططهن الوظيفية المستقبلية على المدى المتوسط والطويل. ونتيجة لذلك كانت الصورة الغالبة التي رسمتها الطالبات هي: بالإضافة للعمل في مجالات متنوعة، الزواج من شريك حياة لديه دخل مرتفع إن أمكن، وسعي للعمل بوظيفة ذات شأن والقيام بالأعمال المنزلية وتربية الأطفال. كما كان هناك رأي لبعضهن ”أريد أن أكون امرأة جميلة مهما كان عمري“. إنها حقا امرأة خارقة.

العمل والأسرة...هل يمكن الاحتفاظ بهما معا؟

لكن هناك العديد من العوائق التي تقف في طريق المرأة لتستطيع التوفيق بين العمل والمنزل بمتطلباته. هل الشركة التي تسعى إليها توفر الدعم اللازم؟ هل توجد بالشركة من توفق بين العمل والمنزل من الزميلات الأكبر سنا؟ هل من الممكن أن تحظى بالتعاون من الوالدين؟ وفي حال ما كانت المرأة من الأقاليم فبينما يريدها الوالدان أن تعود إلى موطنها المحلي يكون من الصعب عليها التخلي عن حياة المدينة الجذابة. لكن تكاليف الحياة بالعاصمة طوكيو باهظة للغاية. لذلك يوجد عدد غير قليل من الطالبات تأخذ قرارا صارما بالبحث عن وظيفة شاملة حتى تستطيع الحصول على مرتب يمكنها من البقاء والعيش بطوكيو دون الاعتماد على أحد“ (بالطبع توجد فتيات محظوظات حيث يقوم الوالدان بالاستمرار في دفع الإيجار لها حتى بعد التخرج). لهذا السبب، هناك طالبات يخترن العمل في موطنهن المحلي وليس طوكيو، ولكنهن يقعن في حيرة حيث يصطدمن بقلة الوظائف في الأقاليم المحلية والمعاملة السيئة وهيمنة أجواء محافظة تعطي الأولوية للرجال قبل كل شيء بعكس المدينة.

وغني عن القول أن على الشركات والدولة اعداد وتوفير بيئة عمل مناسبة للمرأة. ولكن في هذه اللحظة، وفي خضم هذه التغيرات السريعة هناك حاجة لأن تكون السيدات استراتيجيات في البحث عن عمل أكثر من الرجال.

(كتب المقال بتاريخ ١ مايو/ أيار ٢٠١٦، ونشر بتاريخ ١٠ مايو. صورة العنوان: خريجات جامعة طوكيو اللواتي حضرن حفل التخرج في ٢٥ مارس ٢٠١٦. جيجي برس)

التعليم الفتيات جامعة زواج توظيف الشركات اليابانية عمل