أهمية تعليم البنات في العالم الإسلامي

سياسة ثقافة التعليم الياباني اللغة اليابانية

بينما كنت أخطط أواخر العام الماضي تنظيم ندوة في مركز الدراسات الإسلامية المعاصرة الذي أعمل فيه طرأ على ذهني موضوع تعليم المرأة المسلمة وكنت أعلم عن أمر الفتاة ”نبيلة رحمن“ من مقالٍ نُشر في صحيفة ”جارديان“ البريطانية، وهي الفتاة التي قُتلت جدتها وأُصيبت هي وأخوتها بجروح جراء إحدى الهجمات الخاطئة من قصف طائرات بدون طيار تقوم بها الولايات المتحدة كأحد أطراف الحرب على الإرهاب في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية (FATA) بشمال غرب باكستان عام ٢٠١٢. وطبقا للمقال، ذهبت نبيلة عام ٢٠١٣ إلى واشنطن لتشرح مأساتها في جلسة استماع عامة أمام الكونجرس الأمريكي وبناءً على شهادتها طلبت وضع حد لغارات قصف الطائرات بدون طيار في تلك المنطقة، ولكن لم يكن هناك سوى ٥ أعضاء فقط من أصل ٤٣٥ عضو في الكونجرس ممن حضر جلسة الاستماع المذكورة وكما كُتب في المقال فإن هذا أظهر وجود عدم اكتراث ولامبالاة لدى الأمريكان تجاه ضحايا القصف الخاطئ لقواتهم. لكن من جانب آخر، كان الأمر مختلفا بالنسبة للفتاة مالالا يوسفزي، التي كانت قد أصيبت بالرصاص من عنصر في حركة طالبان الباكستانية (TTP) المعادية للولايات المتحدة لمناشدتها بأهمية التعليم وقد حصلت تلك الفتاة بعدئذ على جائزة نوبل للسلام، حيث قام الرئيس الأمريكي أوباما بمقابلتها في حفل استقبال حار في البيت الأبيض وهنا أكد المقال على هذا الاختلاف والتناقض في معاملة الفتاتين.

التعليم أبدى من الحرب...

إن نسبة التعليم في المناطق القبلية بباكستان منخفضة بشكل مريب حيث تصل نسبة تعليم الإناث هناك إلى ٣٪‏ فقط وبدون تعليم لا يمكن فتح آفاق المستقبل أمام الأطفال والشباب. كما أن غياب التعليم يجعل الشباب تتجه لكسب لقمة العيش من خلال الإنضمام إلى الجماعات المسلحة مما يعزز من تضخيم وقوة جماعات مثل حركة طالبان الباكستانية وغيرها. وقد صارت نبيلة غير قادرة على تلقي التعليم منذ أن هُجِرَ الأهالي قسراً في يونيو/حزيران خلال العام قبل الماضي في ظل ما يُعرف بعمليات تمشيط عسكرية كانت القوات الباكستانية آنذاك تقوم بها للبحث عن عناصر حركة طالبان الباكستانية هناك.

ولقد قمت بتنظيم ندوة من أجل تعريف اليابانيين بقضية الفتيات الباكستانيات اللاتي أصبحن غير قادرات على تلقي التعليم وسط الحرب الدائرة على الإرهاب وغارات قصف الطائرات بدون طيار الأمريكية التي يذهب ضحيتها المدنيون. فإذا ما تمكنت الفتيات من الحصول على التعليم فهذا من شأنه دفع عجلة تقدم المجتمع إلى الأمام، وكذلك تقليل نسبة المواليد المرتفعة الناجمة عن الزواج المبكر، والمساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار للمجتمع. ولذا أردت التأكيد على أهمية دعم تعليم الفتيات المسلمات من خلال خبرة الفتاة نبيلة رحمن.

جاءت نبيلة إلى اليابان في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي بمساعدة بعض المعارف بباكستان. وعندما قابلتها في الواقع وجدتها فتاة ساحرة تبدو هادئة ولكن قوية الإرادة وذكية ولها وجه ذو ابتسامة جميلة وجذابة.

وقد تحدثت نبيلة في الندوة بنبرة مسئولة وواعية قائلةً: ”لا تتوفر البيئة المناسبة لتلقى التعليم بشكل مضبوط في وطني. وأعتقد أنه بدلا من استخدام الأموال الطائلة في الحرب، فإنه ينبغي استخدام هذه الأموال في التعليم والمدارس. إن استمرار الانتقام وتبادل الهجمات بين أطراف النزاع لا يؤدي أبدا إلى حلول. وينبغي البحث عن حلول من خلال المحادثات فاللجوء إلى الحرب ببساطة لا يأتي أبدا من بعده السلام. أريد أن ينتشر التعليم.“

نبيلة رحمن تعتلي المنصة في الندوة. ١٦ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٥، طوكيو.

هكذا كان نداء نبيلة رحمن حول أهمية التعليم الذي تشابه مع مالالا يوسفزي وأصبح تعريفاً وتأكيداً للقضية داخل اليابان وصار يطلق عليها ”مالالا الثانية“.

التفكير في وطن دمرته الحروب من مدينة حققت حلم النهوض من جديد

في اليوم التالي للندوة، توجهت بمصاحبة نبيلة والمجموعة المرافقة لزيارة مدينة هيروشيما. حيث يُنظر إلى تلك المدينة أي هيروشيما في العالم الإسلامي على أنها مدينة قد حققت نهوضا وإعادة إعمار هائل وذلك بالرغم من تعرضها إلى دمار شامل بفعل القنبلة الذرية. ولقد رأيت أن جعل هذه الفتاة القادمة من المنطقة القبلية بباكستان، منطقة لا تهدئ ولا تنتهي بها الحرب، تشاهد مدينة هيروشيما بعينيها هو أمرٌ سيمنحها الأمل.

نبيلة رحمن وهي تمعن النظر إلى الصور في متحف هيروشيما التذكاري للسلام. ١٨ نوفمبر/ حزيران ٢٠١٥.

استمعنا إلى حديث السيدة أوغورا كيئكو في متحف هيروشيما التذكاري للسلام وهي إحدى الرواة باللغة الإنكليزية وواحدة ممن نجا من أهوال القنبلة الذرية. وكانت أوغورا عندما أُسقطت القنبلة تبلغ من العمر ٨ سنوات تماما مثل عمر نبيلة عندما تعرضت لقصف الطائرات بدون طيار. وقد بدأت أغورا حديثها مع نبيلة قائلة: ”دعينا نتصدى معا لكل الأشياء القبيحة التي تنتج عن الحرب.“

استمعت نبيلة إلى حديث السيدة أوغورا وقالت: ”وطني غارق في حرب لا تنتهي. ولكي نتخلص من استمرار هذه الحرب أريد أن أناشد المجتمع الدولي حول أهمية السلام. سيما وأن الحوار هو أهم شيء.“ وقالت السيدة أوغورا في نهاية حديثها: ”لا ينبغي حمل الضغينة والكره والحقد على الناس مهما تعرض المرء من معاملة فظيعة وقاسية. فلقد تعرض الناس في هيروشيما وناغاساكي إلى تجربة بائسة ومريرة جراء القصف بالقنبلة الذرية، ولكن لم يقدموا أبدا على الانتقام من أمريكا.“ وأتصور أن كلمات السيدة أوغورا هذه كان لها بكل تأكيد وَقعَا إيجابيا وصدىً وأثرا كبيرا على نبيلة التي ولدت وتربت وسط بيئة لا ينتهى فيها الإرهاب ودوامة العنف أو هجمات الانتقام المتبادلة بين الأطراف.

السعي لتوفير فرصة للتعليم في أقرب وقت ممكن

وبعد مقابلة نبيلة وسماع حديثها أصبحت أفكر فيما إذا كان من الصواب تركها تعود إلى بلادها وتحت نفس الظروف التي ما زالت لا تُمكنّها من تلقى التعليم هناك. لذا أردت أن أقوم بأي شيء من أجل مساعدتها وفي أسرع وقت لا سيما عند بالتفكير في المرحلة العمرية المناسبة لتلقى التعليم بالنسبة لها.

لي صديق اسمه أوزاوا إيجي كان يسبقني بسنة في نادي البيسبول في المدرسة الإعدادية، وهو عضو في مجلس النواب وقد شغل منصب وزير البيئة عندما تولى الحزب الديمقراطي الحكم. وقد قمت بمناقشته في موضوع تعليم نبيلة بعد عودتها إلى بلادها، فأخبرني أنه حتى لو تم بناء مدرسة بالقرب من المنطقة التي تسكن فيها نبيلة بمساعدات التنمية الحكومية، فإن ذلك سيستغرق وقتا طويلا حتى يتم تفعيل المشروع وقال لي إنه يريد أيضا أن تتلقى نبيلة فرصة للتعليم بأسرع وقت ممكن.

وبفضل تعاون النائب أوزاوا تم تأسيس حساب للتبرعات من أجل دعم تعليم نبيلة في نهاية شهر فبراير/ شباط من هذا العام. وقد تم أخذ حركة التبرعات اليابانية في الحسبان واستطاعت نبيلة الالتحاق بمدرسة في بيشاور تسمى ”المدرسة الذكية“ في ١٤ من مارس / آذار مع إخوتها وأخواتها الستة.

وكان اختيار ”Smart school“ بناء على رغبة والد نبيلة السيد رفيق، والذي يعمل مدرسا. ففي بيشاور يسكن أقارب السيد رفيق كما أنها مدينة تقع بالقرب من المنطقة القبلية وسيكون مجيء وذهاب العائلة والأقرباء سهلا ومريحا. كذلك في نفس المدرسة، والتي تقع في مدينة سكنية هادئة كثيرة الخضرة على حافة بيشاور، تعطى حصصا دراسية للغة الإنكليزية والتدريب العملي على الحاسب الآلي لذلك رأينا أنها المكان الأمثل لتنمية قدراتها.

أردت أن المتبرعين لدعم تعليم نبيلة ليتعرفوا على وضع نبيلة في المدرسة التي تذهب إليها، لذا قمت في بداية شهر أبريل / نيسان بزيارة المدرسة ومعي حساب أموال التبرعات. وكانت نبيلة وأخواتها قد استأجروا غرفة داخل المدرسة حتى يعثروا على سكن بالقرب من المدرسة.

كما تقول نبيلة: ”مهما تحدثت في أمريكا عن ضحايا قصف الطائرات بدون طيار هناك قليل ممن يستمع إلى حديثي وهذا ما جعلني أفكر ما إذا كانت هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور في العالم. ولكن اليابانيون استمعوا إلينا وعاملونا بكل أدب.“

”أكثر شيء ترك انطباعا في ذهني في اليابان هو المعبد الذهبي ”كينكاكوجي“ من حيث جمال حدائقه وروعة تصميمه. أنا ممتنة لدعوتكم لي لليابان ولإعطائي الفرصة لنقل رسالة أشكو فيها ويلات الحرب الأمريكية وأنادي فيها بأهمية تعليمي. أنا أعشق اليابانيين.“

نبيلة رحمن في المعبد الذهبي بكيوتو، ١٧ نوفمبر / تشرين الثاني عام ٢٠١٥.

هناك الكثير من الأطفال في حاجة لتلقى التعليم في الدول النامية. لا سيما في دول العالم الإسلامي بالشرق الأوسط والمهيمن فيها موجات من الصراع والمُتسم غالباً بالعنف. وأريد أن أوضح من خلال تقديم الدعم لتعليم الفتاة نبيلة التي ولدت عام ٢٠٠٤ لتتقاذفها ويلات الحرب على الإرهاب التي بدأت من ٢٠٠١ في المنطقة القبلية بباكستان، مَدَى أهمية منح هؤلاء الشباب مستقبلا من خلال التعليم، وما هو من الممكن أن تقدمه اليابان لخلق السلام بالأخص لأنها دولة لا تستخدم القوة العسكرية فيما يتعلق بقمع الإرهاب أو التصدي له. وأعتقد أني أريد فيما بعد زيادة تعميق النقاش الدائر حول هذا الموضوع أكثر داخل اليابان.

(المقال الأصلي باللغة اليابانية تُشر بتاريخ ٦ مايو/ أيار ٢٠١٦. صورة العنوان: نبيلة رحمن في إحدى الحصص الدراسية في المدرسة الذكية في مدينة بيشاور. تصوير لكاتب المقال في ٤ أبريل / نيسان ٢٠١٦)

التعليم هيروشيما المدارس