العمل والاجتهاد... مادة فريدة في الدستور الياباني

مجتمع

لطالما فتنتنا وحيرتنا الشخصية اليابانية في طباعها وسلوكها المتفرد عن غيرها من الثقافات الأخرى، سواء كانت تلك الثقافات متقاربة معها جغرافياً، أو حتى بعيدة عنها ثقافياً وفكرياً.

ولطالما أيضاً ظللتُ أبحث وأفكر دائماً عن إجابات وتفسيرات لكثير من الأسئلة كانت ولا تزال تدور في خلدي منذ أن وطأة قدماي هذا البلد. أسئلة تطرح نفسها بنفسها علي في كل يوم يمر على في اليابان، وذلك من خلال ما تراه عيناي أو تسمعه أذناي داخل المجتمع الياباني.

لماذا يفعلون ذلك؟ وكيف استطاعوا أن يحققوا هذا الأمر؟ كيف تسنى لليابانيين تحقيق هذا التقدم الاقتصادي والحضاري وهذا النجاح المبهر من نوعه؟ ما هو سر هذا التقدم؟ كيف يفكر الياباني ويتعامل مع أمور حياته؟ وغيرها من الأسئلة.

دستور فريد من نوعه

حديث الْيَوْمَ عن الدستور الياباني، فهذا العام يوافق احتفال اليابان بالذكرى السنوية لمرور سبعين عاما على تأسيس وإصدار الدستور الياباني. ولما كان الدستور شيء هام في إثراء حياة الشعوب ومستقبلها، فلقد حرصت الدول منذ القدم على تخليده والاحتفال به. لكن ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو ما وجدته من تفرد واختلاف في هذا الدستور عن غيره من دساتير العالم. وحين تُذكر اليابان في مجلس أو محفل ما، تجد كثيرا منا من يتحدث معجبا أحيانا وناقدا أحيانا عن مدى إفناء الشخصية اليابانية لذاتها في العمل بصورة تفوق حد المعاير المتعارف عليها في الكثير من الثقافات والمجتمعات الأخرى بدول العالم المختلفة. والسؤال هنا...هل لهذا النمط السلوكي في العمل جذور أو أبعاد متأصلة تربطها بالدستور الياباني؟ أم أن الأمر لا يتعدى اختلاف لبعد سيكولوجي لثقافة متباينة عن غيرها من ثقافات العالم المتعددة. وما هو الشيء الفريد الذي يميز هذا الدستور عن غيره من دساتير العالم.

الدستور وواجبات المواطن

كثيرا ما نجد الحديث عن حقوق الشعب والمواطن حين نتحدث عن الدستور، لكن نادراً ما نجد من يتحدث عن واجبات المواطن التي يحددها الدستور. وهنا نجد الدستور الياباني قد حدد الواجبات التي تقع على عاتق المواطن في ثلاث نقاط كالتالي:

١- وهو أن يتحمل المواطن مسؤولية تعليم (التعليم الإلزامي) الأبناء المكفول بواسطة الدستور، أي أن يقوم الفرد بتعليم أبناءه والعمل على إتمام مرحلة التعليم الإلزامي.

۲- أن يقوم بتسديد كافة المستحقات الضريبية للدولة. علماً بأنه في حال عدم قيام المواطن بالحفاظ على احترام وأداء هذه الواجبات، يصبح معرضاً للمسألة أو للعقاب (غرامة مالية أو غيرها من الإجراءات العقابية).

 ۳ - النقطة الثالثة وهي بيت القصيد...العمل والاجتهاد (kinro)

: وهو أحد الواجبات الثلاث المقررة بالدستور الياباني، الذي يصبح بموجبه فرض على كل مواطن دون استثناء. أي انه حتى لو أنك إنسان مقتدر ولا تحتاج إلى أن تعمل وتكدح من أجل العيش، فبموجب هذه المادة الموجودة بالدستور يصبح واجب عليك العمل والاجتهاد من أجل الإنتاج وانتفاع المجتمع بك.

لست متخصصاً في علوم القانون أو الدستور، ولكن قلما وجدنا في دساتير العالم أمثال هذه المادة التي تضع العمل كواجب قومي وفرض على الإنسان. لكن يبدو أن العمل بالنسبة للعقلية اليابانية لا يمثل فقط وسيلة لكسب العيش والحصول على المال وتسديد الضرائب، ولكنه يتعدى ذلك ليرسخ لقيمة العمل والإنتاج في المجتمع. ومن حسن الحظ أن هذه المادة تختلف عن مثيلاتها من المواد الأخرى بالدستور في أنها لا تفرض على تاركها أو من لا يؤديها عقوبة أو مسؤوليّة جنائية.

الدستور العمل