أولمبياد لوس أنجلوس ١٩٣٢: انطلاقة يابانية كبرى

ثقافة رياضة

تحتفل اليابان في شهر أكتوبر/تشرين الأول هذا العام بالذكرى الخمسين لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي استضافتها طوكيو لأول مرة عام ١٩٦٤، وربما ليس معروفا للعديد من الناس أنه كان من المقرر استضافة العاصمة اليابانية لدورة الألعاب الأولمبية عام ١٩٤٠. على الرغم من أنها قد تفقد تلك الفرصة بعد اندلاع الحرب مع الصين في عام ١٩٣٧. وقد كان هدف استضافة اليابان لدورة الألعاب الأولمبية أحد الأسباب التي أرسلت من أجلها تلك البعثة الكبيرة إلى لوس أنجلوس عام ١٩٣٢ والتي شملت ١٣١ من الرياضيين، مقارنة مع ٤٣ رياضي فقط عام ١٩٢٨، وقد استطاعت البعثة تحقيق نجاح غير مسبوق.

وكان التوتر آنذاك قد تزايد بين اليابان والولايات المتحدة بعد احتلال الجيش الإمبراطوري الياباني منشوريا في شمال شرق الصين عام ١٩٣١. وكانت هذه خطوة كبيرة في الاتجاه المعاكس بعيدا عن التحركات الأولية نحو الديمقراطية في عشرينيات القرن الماضي إلى طريق العسكرة الشاملة. وقد ظهر التحيز ضد الآسيويين الموجود منذ سنين طويلة في الولايات المتحدة في شكل قيود مشددة على الهجرة خلال العقود السابقة.

وعلى الرغم من كل هذا، فقد تغلب أحد أعضاء الفريق الياباني على تلك العداوة ليصبح بطلا للألعاب الأولمبية.

البارون ”نيشي“

في اليوم الأخير من المنافسات كان مدرج لوس أنجلوس التذكاري مكتظاً عن بُكرة أبيه بالمشاهدين. وكما هو متعارف عليه وكتقليد لمثل تلك المنافسات فقد كانت مسابقة قفز الحواجز الحدث النهائي الذي يُعقد قبل حفل الختام. والذي جرى فيه إقصاء ٦ من الفرسان الـ ٨ الأوائل سيما وأن المضمار كان صعباً بشكل واضح. لذا فعندما انتهى الفارس الأمريكي ”هاري تشامبرلين“ الجولة بِفَارقِ ١٢ خطأ فقط، وتوقعت الجماهير المضيفة للمنافسات أن يكون ذلك كافياً لضمان الفوز بالميدالية الذهبية.

لكن الفارس الياباني ”نيشي تاكيئتسي“ بدأ في القفز فوق الحواجز الواحد تلو الأخر على حصانه ”أورانوس“. وقد تحلى برباطة جأش وخرج منتصرا بـ ٨ أخطاء. ”لقد فزنا“ هكذا صاح ”نيشي“ أمامَ الصحفيين الذين تجمعوا حوله بعد نهاية المنافسة، معترفا وشاكرا لحصانه. وفي اليوم التالي كانت الصحف مليئة بالثناء على ”البارون نيشي“، فعلى الرغم من كونه مجرد ملازم أول في الجيش، فقد كان أرستقراطيا حقيقيا تحت نظام النبلاء الذي استمر في اليابان لفترة قصيرة.

وقبل أن يحقق ”نيشي“ الفوز، فأنه قد أصبح بالفعل واحداً من المشاهير في لوس أنجلوس لثروته، ولذكائه الاجتماعي، ولتحدثه الإنكليزية بطلاقة، حيث قام برحلة عبر الولايات المتحدة وأوروبا قبل عامين. وقد أخذ سحر وتألق ”نيشي“ في التوهج حتى أنه دخل عالم نجوم السينما، وتواصل مباشرة مع ملوك هوليوود مثل ”دوغلاس فيربانكس“ و”ماري بيكفورد“. كما حصل أيضاً على المواطنة الشرفية في لوس أنجلوس قبل أن يعود إلى اليابان.

السباحون اليابانيون في المقدمة

وقد سلطت معظم وسائل الإعلام الأضواء على البارون ”نيشيو“ لكن في نفس الوقت عاد السباحون اليابانيون للوطن فائزين بنصيب الأسد من الميداليات، فقد حصلوا على خمس ذهبيات وأربع فضيات وبرونزيتين اثنتين في المنافسات الست التي جرت. حيث قام الفريق بتطوير أسلوب سباحة الزحف على طريقته الخاصة بناء على دراسة فيلم عن الفائزين بدورة ألعاب عام ١٧٦٨. و”الزحف الياباني“، كما أصبح معروفا بعد ذلك، والذي كان مناسبا لليابانيين الذين يتميزون بقصر القامة والرفس القوي للفريق الياباني.

ومن بين الفائزين أيضاً كان ”ميازاكي ياسوجي“ البالغ من العمر ١٥ عاما من محافظة شيزوكا، والذي فاز بذهبية ١٠٠ متر حرة في النهائي بعد أن قام بتحطيم الرقم القياسي العالمي المسجل باسم ”جوني يسمولير“ خلال نصف النهائي. وبعد ذلك بيومين، فاز بالميدالية الذهبية الثانية في منافسات ٤×٢٠٠ متر تتابع. كما جاء ”كيتامورا كوسو“ الذي كان أصغر سنا حيث كان يبلغ وقتها ١٤ عاما و ٣٠٩ يوماً في المركز الأول في سباق ١٥٠٠ متر حرة. وحتى يومنا هذا يظل أصغر سباح بالميدالية الذهبية.

وقد ذهبت ميدالية واحدة فقط من الميداليات الـ١٨ التي حصلت عليها اليابان لامرأة، وكان هذا أيضا في منافسات السباحة. فقد حلت ”مايهاتا هيديكو“ في المركز الثاني في سباق ٢٠٠ متر صدر خلف الأسترالية ”كلير دينيس“. و أصبحت أول يابانية على الإطلاق تفوز بميدالية ذهبية في برلين في عام ١٩٣٦، وقد سجل هذا الحدث في الذاكرة من خلال البث الإذاعي الحي في اليابان، على الرغم من فارق التوقيت بين الدولتين، فقد حث المذيع السباحة مرارا وتكرارا صائحاً ”مايدا جانبارى“ (هيا يا مايدا !).

المحاولات الأولى ليست ناجحة دائماً

وضمت أضخم بعثة رياضية يابانية في التاريخ حتى ذلك الوقت رياضيين يتنافسون للمرة الأولى في كل من رياضة الهوكي، وكرة الماء والجمباز. وقد نجح فريق هوكي بالعودة بالميدالية الفضية في أول ظهور له على الساحة، على الرغم من أنه يجب الإشارة إلى أن ثلاث منتخبات فقط شاركت في منافسات الهوكي وتمكن الفريق الياباني من الفوز على المنتخب في مباراته ضد الولايات المتحدة الأمريكية، خلافا لفريق كرة الماء الذي أنهى المنافسات في المركز الرابع من أصل مشاركة أربع فرق فقط. ولكن أداء فريق الجمباز كان الأسوأ من بين جميع الوافدين الجدد.

وعندما وصل لاعبو الجمباز الست إلى لوس أنجلوس، بدأوا على الفور التدريب على حصان الحلق، حيث بدا المنافس القريب منهم مندهشا. فالفريق الياباني كان يستخدم تقنيات قديمة عفا عليها الزمن منذ ما يقرب من ٣٠ عاما من هذا التاريخ، ولم يستطع الفريق تقديم الحركات والتقنيات الأكثر تطوراً التي كانت تستخدمها الفرق المنافسة الأخرى. ولم يستطع الفريق الياباني اكتساب الخبرة اللازمة للمشاركة في الوقت المناسب، فبدأت المنافسات وانتهت بأن أصبح الفريق الياباني أضحوكة ومحط سخرية.

لكن على الرغم من هذه السقطات، فقد مثل خروج اليابان من تلك المنافسات فائزة بمجموع ١٨ ميدالية مختلفة هو انجاز كبير مقارنة مع ٥ ميداليات فقط فازت بهم في الأولمبياد السابق عام ١٩٢٨. خاصة بالنسبة للسباحة التي تُعَّد ثلاثينات العصر الذهبي لها.

الختام

وفي ١٩ فبراير/شباط عام ١٩٤٥ بدأت القوات المسلحة للولايات المتحدة هجومها على جزر ”ايو جيما“ (يطلق عليها اليوم Ioto) وكان ”نيشي تاكيئتشي“ بطل لوس أنجلوس من بين الجنود اليابانيين الذين كانوا يدافعون عن الجزيرة، حيث كان يخدم في الجيش برتبة كولونيل. ويقال إنه عندما أصبحت هزيمة الجانب الياباني حتمية، نادى عليه الجنود الأمريكيين، للتعبير عن احترامهم لأدائه في الأولمبياد قائلين إن الاستسلام ليس وصمة عار. ولكن لم يأت الرد أبدا، فقد لقى ”نيشي“ حتفه في الأيام الأخيرة من القتال. (انقر هنا للحصول على PDF مع بعض القصص المثيرة للاهتمام حول ”البارون نيشي“ باللغة الإنكليزية)

(المقالة الأصلية باللغة الإنكليزية بتاريخ ٢٩ أغسطس/آب ٢٠١٤. الصورة: ”البارون نيشي“ وحصانه ”أورانوس“: أثناء مباريات الفروسية لقفز الحواجز في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية ١٩٣٢ في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، الصورة من جيجي برس)

اليابان الرياضة