القيادة الصينية الجديدة: استشعار الأزمة والإحجام عن التحرك

سياسة

كشف الحزب الشيوعي الصيني عن تشكيلة القيادة الجديدة في نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٢، واختار الحزب شي جينبينغ كزعيم جديد لقيادة الصين خلال العقد المقبل. يعمل الصحفي توميساكا ساتوشي في هذه المقالة على تقييم طبيعة النظام الجديد كما يتضح من الطاقم الجديد لأعضاء اللجنة الدائمة في المكتب السياسي.

اختتم الحزب الشيوعي الصيني مؤتمره الثامن عشر في الرابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٢. وقد عقدت لجنته المركزية المنتخبة دورتها العامة الأولى في اليوم التالي وانتخبت أعضاء المكتب السياسي المركزي للحزب الشيوعي الصيني. وبهذا يكون قد بدأ نظام شي جين بينغ، الأمين العام الجديد للحزب.

كما تنافست أجهزة الإعلام من شتى أنحاء العالم لتكون السباقة في كشف النقاب عن الأعضاء الجدد في اللجنة الدائمة التي تعتبر الهيئة الأكثر نفوذا في صنع القرار في الصين. وكما كان متوقعا، احتفظ كلٌّ من شي جين بينغ (٥٩ عاما) وليكه تشيانغ (٥٩ عاما) بمقعده، فيما تم انتخاب خمسة أعضاء جدد لينضموا للفريق الجديد: تشانغ ده جيانغ (٦٦ عاما)، يوي تشنغ شنغ (٦٧ عاما)، ليو يون شان (٦٥ عاما)، تشانغ قاو لي (٦٦ عاما)، وانغ تشى شان (٦٤ عاما). وهكذا يكون قد تقلص عدد أعضاء اللجنة الدائمة من تسعة إلى سبعة أعضاء.

وقد قامت العديد من الصحف اليابانية بتحليلات حول التشكيلة الجديدة وأشارت بأن تلك التشكيلة تعتبر انتصاراً ساحقا لمن يسمون بعصبة شانغهاي وهي إحدى فصائل الحزب الشيوعي الصيني، حيث يعتبر ستة من الأعضاء السبعة الجدد حلفاء لجيانغ تسه مين، الامين العام للحزب الشيوعي الصيني بين عامي ١٩٨٩ وحتى ٢٠٠٢. ولكن هل هذا هو المعنى الحقيقي وراء تعيين هذا الكادر الجديد للقيادة؟

تحليل ساذج من اليابان

تابع المراقبون في اليابان عملية اختيار الموظفين الجدد في المؤتمر الثامن عشر للحزب الوطني الحاكم وذلك لمعرفة أي من الفصائل في القيادة العليا سيخرج بأكبر قدر من التمثيل النيابي. حيث يتم عادة اتخاذ القرارات السياسية من خلال المشاورات الجماعية المتأثرة بحكم الأغلبية وبالتالي فإن الافتراض السائد هو أن معرفة وجهة سير الصين في العقد المقبل تكمن في معرفة أيّ الفصائل ستستحوذ على أكبر عدد في التمثيل النيابي.

وقد سارعت وسائل الإعلام اليابانية لإصدار حكمها ما إن ظهرت نتائج عملية الانتخاب. وأبلغنا حينها أن المشاعر القاسية تجاه اليابان في اوساط الحزب سوف تصبح أكثر قسوة من الآن فصاعدا. وكان المنطق في ذلك ينطوي على أن اللجنة الدائمة للحزب تتكون في معظمها من أتباع جيانغ تسه مين، الذي يقال أنه يكره اليابان لأسباب شخصية. ولذلك يمكن توقع أن تقود الحكومة الجديدة مسارا من السياسات المتشددة تجاه اليابان.

ولكن في الواقع، ألا يصح القول أن العلاقة الفاترة حاليا بين اليابان والصين بدأت بغض النظر عن أعضاء اللجنة الحالية؟ لقد ظهر التوتر في العلاقات الثنائية للبلدين في شهر سبتمبر/ ايلول عام ٢٠١٢ وأصبح واضحا للعيان. في ذلك الوقت سعت وسائل الإعلام اليابانية لشرح التغيير بالقول إن نفوذ جيانغ في الحزب الشيوعي الصيني قد نما بقوة وأن الموقف الجديد هو دليل على النفوذ الكبير الذي ما زال يحتفظ به. ولكن إذا كان هذا هو الحال، فإن ذلك يعني أن جيانغ قادر تماما على الحصول على ما يرغب به بغض النظر عن تكوين مجلس الحزب، وأنه لم يكن هناك حاجة لتنصيب عدد أكبر من أتباعه في اللجنة الدائمة.

زوبعة في فنجان

ينظر عدد لا بأس به من وسائل الإعلام اليابانية حاليا إلى الأمين العام للحزب شي جين بينغ كعضو من عصبة شنغهاي، ولكن في الفترة الماضية وليس منذ زمن بعيد كان ينظر اليه كعضو من فصيل الأمراء، وهم أبناء أبطال الثورة الذين أسسوا الحزب الشيوعي الصيني. وهذا جعله رفيقا لبو شيلاى، الرئيس السابق لحزب تشونغ تشينغ وعضو سابق في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي. كانت الفكرة في ذلك الوقت أن السياسات الحكومية في الصين تتشكل من خلال مسابقة ثلاثية الزوايا بين كل من فصيل جيانغ، وفصيل الأمراء، وفصيل رابطة الشباب بقيادة (هو جينتاو)، الأمين العام بين عامي ٢٠٠٢ وحتى ٢٠١٢.

مع ذلك وبشكل من الأشكال، لم تعد هذه الصورة المرسومة عن التنافس بين الفصائل قادرة على تقديم تفسير متوافق مع التطورات السياسية الفعلية التي تجري على أرض الواقع، وأكبر دليل على ذلك هو سقوط بو شيلاي المفاجئ من السلطة. وإزاء هذه الخلفية، يجب اعتبار التقارير التي تتنبأ أنه من الآن فصاعدا ستحكم حركة جيانغ الصين كما تشاء غير مسؤولة وبعيدة عن الواقع. وأنا الآن سأجرد نفسي من النظرة التحليلية للصين التي تعتمد على مبدأ (الفصائل أولا) لألقي نظرة جديدة على المشاكل التي تواجه الحزب الشيوعي الصيني كمؤسسة.

إن أي تعديل في التشكيلة القيادية سيؤدي إلى تضارب المصالح ونشوء الخلافات. ومع ذلك فإن السؤال الرئيسي يتمحور على مقدار الأهمية التي ينبغي وضعها على ما يحصل من تعديلات حكومية عند دراسة مسار السياسات الصينية في المستقبل. مهما كان الوضع قبل خمس سنوات، فقد حل الرأي العام محل الحزب الشيوعي كممثل رائد في البلاد. وكل هذه القضايا التي تتناول تنافس رجال الدولة على المناصب العليا مبالغ فيها وليست إلا زوبعة في فنجان الشاي.

القضاء على الفساد على رأس جدول الأعمال

في هذا السياق، ما هو الأمر الذي كان أكثر بروزاً في مؤتمر الحزب الشيوعي الثامن عشر؟ اعتقد أنه كان موقف الحزب الشيوعي الصيني تجاه الإصلاح الداخلي، موقفاً له تأثير قوي على ثقة الشعب الصيني الذي يضعها في الحزب الحاكم في البلاد.

ففي اليوم الأول من مؤتمر الحزب، ألقى الأمين العام المنتهية ولايته هو جينتاو خطابا افتتاحيا حيث لمس بخطابه القضية الأكثر حيوية في المؤتمر محذراً بقوله ”اذا فشلنا في التعامل مع الفساد بشكل جيد، فإنه من الممكن أن يكون قاتلا للحزب، بل قد يتسبب في انهيار الحزب وسقوط الدولة“. أكد أيضاً شي جين بينغ في أول مؤتمر صحفي له ولدى توليه المنصب الجديد من هو جينتاوعلى ضرورة اجتثاث الفساد. هنا يمكننا القول أن هذه القضية أصبحت الاهتمام المشترك في الحزب.

وقد أبرز رئيس مجلس الدولة الصيني ون جياباو أيضا المشكلة نفسها. في ختام المؤتمر الشعبي الوطني الذي عقد في مارس/ آذار عام ٢٠١٢ حين صرح قائلا ”بدون نجاح الإصلاح الهيكلي السياسي، فإنه من المستحيل بالنسبة لنا إتمام عملية الإصلاح الهيكلي الاقتصادي. وقد يؤدي ذلك إلى فقدان المكاسب التي حققناها في هذا المجال“. وهذا بالطبع تعبير عن الإحساس بالأزمة الناجم عن السياق نفسه.

ويمكن الاطلاع على مزيد من الأمور التي تدل على استشعار الحزب للأزمة في التدابير الأمنية التي وضعت قبل فترة وجيزة من افتتاح مؤتمر الحزب في بكين. وقد سمعنا الكثير من التعليقات إزاء الصرامة غير المعهودة من قبل. فقبُيل انعقاد المؤتمر، صدرت أوامر لشركات سيارات الأجرة في المدينة لإزالة مقابض نوافذ الركاب بحيث لا يمكن فتحها، وهو إجراء يهدف إلى منع الناشطين المناهضين للحكومة من توزيع منشورات تنتقد الحزب. كما تعرض الناس الذين يتنقلون في بكين بواسطة المترو إلى التساؤل وتفتيش الأمتعة، وكذلك اولئك الذين دخلوا المدينة بالقطار حيث اضطروا للوقوف على أربعة حواجز تفتيش أمنية. كما اضطر الزبائن في متاجر الألعاب إلى إظهار هوياتهم الشخصية عند شراء طائرات الهليكوبتر التي يمكن التحكم بها عن بعد.

إقصاء رئيس الحزب في إقليم قوانغدونغ

كان من الواضح أن قيادة الحزب كانت على حذر شديد من الأزمة. عند معاينة اختيار الموظفين في مؤتمر الحزب من هذا المنظور، ولعله من المقلق رؤية المعاملة الممنوحة ليانغ وانغ، رئيس الحزب في إقليم قوانغدونغ. وهو عضو المكتب السياسي الذي قيل أنه موضوع على لائحة مرشحي اللجنة الدائمة في الحزب والذي تم إقصاءه في نهاية المطاف.

فليس من قبيل المصادفة أن وانغ يانغ كان المسؤول عن إقليم قوانغدونغ على مدى السنوات الخمس الماضية. هذا الإقليم هو في نهاية الأمر مختبرٌ يتم فيه اختبار الأفكار الجديدة وذلك لموقعه في الساحل الجنوبي البعيد عن مركز السلطة، والذي يضم بعضا من المدن الصينية الرائدة، ومكان مناسب لاختبار الإصلاحات التي من شأنها أن تواجه مقاومة إذا أجريت في بكين. وخلال فترة إدارته لهذا الإقليم، أطلق وانغ عددا من المبادرات الجريئة التي وضعت المقاطعة في طليعة الإصلاح السياسي.

بعد وقت قصير من وصوله في أواخر عام ٢٠٠٧، دفع وانغ بمفهوم (فكر التحرير) إلى الواجهة. وقد شدد بحدة في الكلمة التي ألقاها في ديسمبر/ كانون الاول على ضرورة توسع رقعة الإصلاحات في الصين. مع الاعتراف بأن الإصلاح يمكن أن يؤدي إلى سلوك دموي، كما أصدر دعوة لصون عبارة جيهفانغ شيانغ والتي تعني الفكر التحرري، حيث كرر استخدام هذه العبارة ٢٢ مرة في خطابه.

الإصلاحات التي طرحها وانغ تمتد على مساحة واسعة بدءا من تقديم انتخابات مباشرة لكبار المسؤولين المحليين في الحكومة. وقد عمل على إصلاح مجلس شعب إقليم قوانغدونغ ولجنة المقاطعة الخاصة بالمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، كما عمل على تنظيم القضاء. وأنشأ إضافة إلى ذلك نظاما لمنع الفساد. وكان أول من ناقش إصلاحات فئات الوظائف في الخدمة المدنية كما تطرق إلى فكرة تغيير النظام الانتخابي لرؤساء الأحياء ورؤساء البلديات بشكل يضمن لنسبة مئوية معينة من المرشحين عدم الحصول على اصوات كافية من الناخبين. وفي مناسبات متكررة، وعلاوة على ذلك، أعلن أن وسائل الإعلام تلعب دورا هاما في رصد السلطات.

ولعل احد إنجازاته قد تكون السبب في إقصاءه. فقد استخدمت الشرطة القوة لقمع اضطرابات تمثلت باحتجاجات القرويين في ووكان الذين انتفضوا ردا على الاستيلاء على أراضيهم من قبل المسؤولين المحليين. وقد ظهر الغضب الشديد على السكان المحليين وتصاعد الخلاف إلى مستوى أعمال شغب وشلت حركة القرية لبعض من الوقت. ثم وافق وانغ في نهاية المطاف على اجراء انتخابات جديدة في القرية، وتم انتخاب زعيم الاحتجاجات كرئيس جديد للحزب في القرية. وقد انتشر خبر الانتفاضة الناجحة في جميع أنحاء العالم، مما وضع القادة المركزيين في الحزب الشيوعي الصيني في موقف محرج. وقد قيل وخصوصا كبار السن منهم، انهم انقلبوا فجأة على وانغ. يقول بعض كبار القادة في بكين أن احتجاجات ووكان تحولت الى حالة من الاضطراب بسبب فشل السلطات المحلية اظهار عزيمة كافية لصد مثيري الشغب. وبهذه الطريقة، كان وانغ متهما بارتكاب خطا سياسي نموذجي. وبسبب الشكوك التي أثارها كإداري سياسي تم إقصاءه كواحد من الأعضاء السبعة في اللجنة المركزية.

انتقاء القادة المتمسكين بالقيم التقليدية

في حين أن الصين لا تنشر إحصاءات رسمية عن حوادث الشغب، يعتقد أن هناك سنوياً ما يقارب ٢٠٠ ألف حادث جماهيري، وهذه التسمية هي تعيين شامل على الاحتجاجات والاشتباكات التي تنطوي على ثلاثة أشخاص أو أكثر. في ظل هذه الظروف، فإن هناك حدودا للرد الذي يعتمد على اخماد الاحتجاجات من خلال عرض القوة بحزم. لم يمضِ على الإدارة الجديدة لشي جين بينغ سوى أسبوع واحد، عندما ظهرت أعمال شغب كبيرة في فوجيان وتشجيانغ وتم تدمير سيارات الشرطة وندد بالقادة المحليين بشدة.

في مثل هذه المواقف، لا ينبغي أن نُدهش عند رؤية أعضاء الحزب وهم يخشون أزمة يمكن أن تتطور إذا لم يتم تنفيذ إصلاحات جادة بها. كانت هذه رسالة هو جينتاو في تقريره السياسي الذي ذُكر سابقا، فعندما تحدث مراراً وتكراراً عن ضرورة تحرير العقول والتفكير بإبداع. فان هذا لا يعني، مع ذلك، أن الشعور بالأزمة قد تنامى بحدة الى درجة استجواب القيم التقليدية للحزب الحاكم. وحتى أنه حذر من أزمة في خطابه، فقد تحدث هو جينتاو عن دور الحزب بشكل إيجابي للغاية وأعرب عن ثقته الكاملة في المسار والنظرية والمنظومة الاشتراكية.

وقال وباختصار أن الحزب كان على الطريق الصحيح ويمكن المضي قدما بسلام كما كان من قبل. ما يمكننا رؤيته هنا حزبا ذو نزعة تميل إلى عدم التصرف حتى مع استشعار أزمة وشيكة. في الواقع، قد يكون هذا هو جوهر الإصلاح الشامل لقيادة الحزب. إن ظاهرة التناقض الذاتي هذه واضحة حيث تظهر جليا في المجتمع الياباني، فالفجوة بين الأجيال قدمت لنا جيلا شبابيا شاعر بوجود أزمة ما وجيل قديم متراخ لا يعير اهتماما للمشاكل.

وفي جو من الاستياء العام من عدم المساواة الاقتصادية، اختار الحزب الشيوعي الصيني تزويد نظام شى جين بينغ الجديد بمجموعة من القادة الذين رفضوا عودة يسارية إلى عهد ماو تسي تونغ من جانب إضافة الى الذين رفضوا أيضاً الإصلاحات الجذرية التي اقترحها يانغ وانغ من جانب آخر. ربما يتوجب هنا القول أنه في نهاية المطاف تم اختيار نوع من التوازن الذي يضمن الحفاظ على القيم التقليدية.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية ، ٢٢ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٢، عنوان الصورة: الأمين العام الجديد شي جين بينغ يلقي خطابا في ١٥ نوفمبر/تشرين الثاني ، ٢٠١٢، المصور : مارك رالستون / وكالة الصحافة الفرنسية/ وكالة جيجي للأنباء)

السياسة الصين