أولويات السياسة الدفاعية اليابانية

سياسة

قام رئيس الوزراء شينزو آبي بزيادة ميزانية الدفاع للمرة الأولى منذ ١١ عاما، ودعا إلى مراجعة التوجيهات الدفاعية الأساسية في اليابان. وبالتالي كيف ينبغي لنا تقييم نهج الإدارة الجديدة في الدفاع والسياسة الأمنية؟

بعد فوز الحزب الليبرالي في انتخابات ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بدأ زعيم الحزب، شينزو آبي، ولايته الثانية كرئيس للوزراء (بعد أن شغل سابقا نفس المنصب لمدة عام في ٢٠٠٦-٢٠٠٧). وكانت إحدى الإجراءات التي قام بها بعد تشكيل حكومته الدعوة لمراجعة أمن اليابان وسياسات الدفاع. وبهذا يريد رئيس الوزراء الجديد معالجة بعض المسائل التي طرحت أثناء إدارته السابقة ولكن بقيت معلقة عندما تنحى لأسباب صحية. كما يعتقد رئيس الوزراء أن السياسات التي اعتمدت خلال السنوات الثلاثة الماضية من قبل حكومة الحزب الديمقراطي الياباني (٢٠٠٩-٢٠١٢) لم تكلل بالنجاح، وأنها تحتاج للمراجعة من جديد.

ولعل الرغبة في التعامل مع بنود أجندة سابقة تقع تحت تأثير الأفكار المتمثلة بإنشاء هيئة مماثلة لمجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة ومراجعة تفسيرات الحكومة للدستور التي تُمّكن اليابان من المشاركة في أنشطة الدفاع الذاتي الجماعية. كما تتمثل فكرة تصحيح المسار المحدد من قبل الحزب الديمقراطي الياباني بدعوة رئيس الوزراء من أجل إعادة النظر في توجيهات برنامج الدفاع الوطني التي وافق عليها مجلس الوزراء في ديسمبر كانون الاول عام ٢٠١٠ ولإلغاء برنامج الدفاع الحالي متوسط الأجل للسنوات المالية (٢٠١١ -٢٠١٦).

هل يمكن لليابان الحفاظ على زيادة طويلة الأجل في الإنفاق الدفاعي؟

إنه لمن غير المنصف القول أن سياسات الأمن والدفاع التي اعتمدت خلال السنوات الثلاث من قبل حكم الحزب الديمقراطي الياباني قد لاقت فشلاً ذريعاً، وتبيّن بأنَّ الحكم على توجيهات برنامج الدفاع الوطني الحالية وبرنامج الدفاع المتوسط الأجل لا يتوافق مع متطلبات الظروف الراهنة. صحيح أنه خلال حكم رئيس الوزراء هاتوياما يوكيو (سبتمبر أيلول ٢٠٠٩ إلى يونيو حزيران ٢٠١٠)، تدهورت العلاقات وبشكل خطير بين اليابان والولايات المتحدة بسبب الارتباك الذي تسبب به رئيس الوزراء والناجم عن خطة نقل منشأة محطة فوتينما الجوية في أوكيناوا وسعي إدارته لمفهوم ”مجتمع شرق آسيوي“ التي بدت وكأنها تحاول استبعاد الولايات المتحدة. ولكن بعد تنحي هاتوياما، استعادت العلاقات الثنائية أساساً متيناً وحققت تقدماً مطرداً.

حيث شملت التطورات البارزة التي وضحت ذلك عملية الانقاذ (Tomodachi) وبرنامج الإغاثة وهما اللذين اضطلع بهما الجيش الامريكي في أعقاب الزلزال الكبير الذي ضرب شرق اليابان في مارس / آذار ٢٠١١، وتأكيد الولايات المتحدة بأن تتم تغطية جزر سينكاكو بموجب معاهدة الأمن بين اليابان والولايات، والاتفاق الذي تم التوصل إليه في أبريل/ نيسان ٢٠١١ عند انعقاد قمة ثنائية لبناء ”التعاون الدفاعي الحيوي“، واعتماد لجنة الأمن الاستشارية بين اليابان والولايات المتحدة في يونيو حزيران ٢٠١١ على مجموعة مؤلفة من ٢٤ هدف استراتيجي مشترك.

وصحيح أيضاً، وكما تلاحظ إدارة آبي الجديدة، فأن البيئة الأمنية لليابان أصبحت أكثر قسوة خلال السنوات القليلة الماضية بسبب تطورات مثل إطلاق كوريا الشمالية قمراً صناعياً (والذي كان عمليا بمثابة اختبار صاروخي) وأنشطة السفن الصينية الرسمية في المياه المحيطة بجزر سينكاكو لكن توجيهات برنامج الدفاع الوطني الحالية تعالج مثل هذه المخاوف إلى حد ما. فعلى سبيل المثال، تتضمن هذه التوجيهات إشارات إلى الدفاع الصاروخي الباليستي والرد على أي هجوم تتعرض له الجزر اليابانية، وقد تم اعتماد هذا أصلاً في نسخة عام ٢٠٠٤، حيث تم تجميعها عندما كان الحزب الليبرالي في السلطة (برئاسة رئيس الوزراء كويزومي جونيشيرو). ولا يستطيع أحدنا إلا الشك بأن الدافع وراء الدعوة الحالية لإعادة النظر في هذه الوثائق في هذه المرحلة ليس بصيرة سياسية أكثر من كونها رغبة في وضع الإدارة السابقة في صورة سيئة.

وهذا لا يعني أنه لا توجد مشاكل مع الوضع الراهن. فمنذ اعتماد توجيهات برنامج الدفاع الوطني الحالية وبرنامج الدفاع متوسط الأجل، تم إدراك ضرورة زيادة ميزانية الدفاع من أجل تحقيق الأهداف المنصوص عليها في هذه الوثائق. وقد استقرت ميزانية الدفاع اليابانية في أواخر التسعينات بشكل أساسي، وبلغت هذه الميزانية ذروتها عام ٢٠٠٢، حيث أخذت تتناقص بعد ذلك، وهذه الميزانية غير كافية لإنجاز المهام المنصوص عليها في توجيهات برنامج الدفاع الوطني الحالية. لذا قررت إدارة ابي الحصول على زيادة قدرها ٤٠ مليار/ بليون ين في الإنفاق الدفاعي في إطار مشروع الميزانية للعام المالي القادم. وهذا تطور ايجابي. لكن السؤال يبقى حول امكانية رفع ميزانية الدفاع على المدى الطويل في مواجهة العجز المالي الضخم للحكومة والارتفاع المتواصل والمتعذر تغييره لنفقات الضمان الاجتماعي.

الحاجة إلى مزيد من التنسيق في السياسة العامة

هناك مشكلة أخرى تتمثل في الطريقة التي يتم بها صياغة توجيهات برنامج الدفاع الوطني وغيرها من سياسات الدفاع. فعندما تم اعتماد هذه التوجيهات الدفاعية في البداية في عام ١٩٧٦، كانت مصممة لتعبر عن الطابع الأساسي لقدرات الدفاع الياباني وتعيين إطار الارتقاء بها. بعد ذلك بدأت الحكومة اعتماد برامج الدفاع المتوسطة الأجل وبناء قوة دفاعية في مواجهة توترات الحرب الباردة، ولكنه لم يتم إعادة النظر في هذه التوجيهات لسنوات عديدة.

وقد تغير هذا مع نهاية الحرب الباردة. حيث تم تنقيح توجيهات برنامج الدفاع الوطني ثلاث مرات منذ عام ١٩٩٥، والآن سيتم مراجعتها مرة أخرى. مما يعكس حقيقة أن الحكومة استطاعت تحديد هذه التوجيهات باعتبارها وسيلة للتعبير عن سياستها الدفاعية. لكنه في نفس الوقت يجعل العلاقة بين توجيهات برنامج الدفاع الوطني من جانب وبرنامج الدفاع المتوسط الأجل من جانب آخر غير واضحة.

كما أن عملية تنقيح توجيهات برنامج الدفاع الوطني لا تزال تتبع تقليداً سابقاً وجود لجنة من الخبراء من خارج الحكومة مهمتها إعداد التقرير، والتي هي بمثابة الأساس لوضع مجموعة جديدة من المبادئ التوجيهية. ولعل هذا النهج غير فعال لصياغة سياسة دفاعية في مواجهة البيئة الأمنية سريعة التغير والتغيير في وقتنا الحاضر. ينبغي أن تكون مراجعة سياسات الدفاع عملية مستمرة.

وبالتالي فإن مراجعة توجيهات برنامج الدفاع الوطني الحالية وبرنامج الدفاع متوسط الأجل أمر جيد، طالما أنها تتم بشكل صحيح. لكن النقطة الأساسية تتمثل في تأمين الاتساق بين هذه المبادئ التوجيهية وغيرها من عناصر السياسة الدفاعية اليابانية. بالفعل قامت كل من اليابان والولايات المتحدة بصياغة مجموعة جديدة من المبادئ التوجيهية للتعاون الدفاعي على جدول الأعمال. وقد بدأت لجنة خبراء جديدة النظر في إنشاء هيئة مثل مجلس الأمن القومي الأميركي وفي فكرة السماح لليابان بممارسة حق الدفاع الذاتي بالمشاركة الجماعية حيث تتطلب كل هذه القضايا المتعلقة بموقف الدفاع الياباني الاهتمام والعناية، وبشكل عام فإنه من المناسب بالنسبة لهم معالجتها. ولكن في البيئة المحيطة اليوم، والتي تتميز بازدياد حدة التوتر مع كل من كوريا الشمالية والصين وروسيا، إلى جانب الاحتكاك الذي لم يحل بعد مع كوريا الجنوبية حول المسائل الإقليمية والتاريخية، فانّ هناك خطر من أن تناول كل هذه القضايا في الوقت نفسه سيؤدي إلى الارتباك؛ وبالتالي هناك حاجة ملحة للتعامل مع هذه القضايا بإمعان وبالسرعة الواجبة.

مطلوب على وجه السرعة: اتفاق رفيع المستوى معني بالأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ

وهناك قضية أكثر جوهرية وهي استراتيجية إدارة آبي العامة للسياسة الخارجية. فمنذ ولايته الأولى، أكد رئيس الوزراء آبي على ضرورة الالتزام بـ ”الدبلوماسية ذات المنحى القيم“، مما يعني التركيز على التحالف بين اليابان والولايات المتحدة المكمل بتعزيز العلاقات مع نظراء مثل كوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا وأستراليا والهند. ومنذ ذلك الحين، دفعت كوريا الشمالية قدما في برامجها الاستفزازية لتطوير أسلحة نووية وصواريخ بالستية، في حين أن الصين مازالت تكثف حملات شديدة الوطأة فيما يتعلق بالشؤون الخارجية. وربما يبدو أن هذه التطورات قد سهلت عملية تقبل توجهات آبي السياسية. لكن حتى اليوم، فإن زيادة دور اليابان فيما يتعلق بالأمن في شبه الجزيرة الكورية هو مسألة حساسة، أما فيما يتعلق بالخلافات البحرية بين اليابان والصين، فتبدو الولايات المتحدة ودول أخرى حريصة على تجنب سيناريو اندلاع إشكالات رهيبة غير مقصودة نتيجة للأعمال العدائية.

وفي ظل هذه الظروف، فإن بلدانا أخرى قد تواجه صعوبات في تفسير، من منظور استراتيجي دولي، عما يعنيه آبي عندما يتحدث عن استعادة ”دوراليابان القوي“. ولعل ماهو مطلوب على وجه السرعة في هذه المرحلة هو اتفاق رفيع المستوى مع الولايات المتحدة ودول أخرى بشأن السلام والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ينبغي تأكيد ذلك قبل أن تتناول اليابان تفاصيل جدول أعمالها فيما يتعلق بالأمن والدفاع.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، ١٢ فبراير/ شباط ٢٠١٣)

 

 

الصين كوريا الشمالية كوريا الجنوبية سينكاكو مجلس الأمن القومي اللجنة الاستشارية الأمن الحزب الليبرالي الديمقراطي