صعوبات تهدد مستقبل فن الكابوكي بعد رحيل اثنين من أعلامه

مجتمع ثقافة

يعاني فن الكابوكي من صعوبات في التعافي بعد وفاة اثنين من الممثلين الرواد وهما إيتشيكاوا دانجورو وناكامورا كانزابورا. وقد شكلت هذه الخسارة المزدوجة ضغطا على الممثلين الشباب للعب دور بارز بشكل أكبر، بينما تساور بعض الناس الشكوك حول ما إذا كان لدى الممثلين الشباب المؤهلات الكافية. يقارن خبراء في فن الكابوكي بين الأزمة الحالية وكيف تغلبت الكابوكي على تحديات مماثلة في الماضي.

في الثالث من فبراير/ شباط ٢٠١٣، فارق فنان الكابوكي الكبير إيتشيكاوا دانجورو الحياة بشكل غير متوقع عن عمر ناهز ٦٦عاماً وذلك قبل شهرين فقط من افتتاح مسرح كابوكيزا، أول مسرح كابوكي في طوكيو تمت إعادة بنائه مؤخراً. وقد أُدخل دانجورو فجأة المستشفى في ديسمبر/ كانون الأول، في الوقت الذي كان يؤدي فيه عرض ’’كاؤو ميسه‘‘ أو ’’إظهار وجه‘‘ إحتفالاً ببداية السنة المسرحية على مسرح ’’ميناميزو‘‘ أكبر مسارح الكابوكي في مدينة كيوتو. وبالرغم من معاناته من بعض المشاكل الصحية، جاء موت دانجورو بمثابة صدمة للكثيرين ممن اعتقد أنه كان يتماثل للشفاء وذلك أثناء تحضيره لأولى عروضه المسماة  ’’كوكيرا أوتوشي‘‘ بمناسبة افتتاح مسرح كابوكيزا في أبريل/ نيسان من هذا العام.

فقدان دانجورو خسارة كبيرة

Shōchiku Co., Ltd. لا يجوز إستخدامها بدون موافقة.

كان دانجورو الممثل الثاني عشر الذي اتخذ من إيتشيكاوا دانجورو اسماً فنياً، وأخذ على عاتقه بأن يقدم للجمهور فن كابوكي من نوع ’’أراغاتو‘‘ أو ’’عملا خاما‘‘ والذي كان رائده في القرن السابع عشر دانجورو الأول. وهذا النوع من الكابوكي هو أكبر من أن تحيطه حياة فنية كاملة، حيث يتميز بالمبالغة في الحركة والكلام ويشكل الأساس لنمط فن الكابوكي الذي كان سائدا في حقبة إيدو( طوكيو في الوقت الحاضر). تملكت دانجورو إنسانية وموهبة فنية كانت أكثر من مجرد تقنية فقط، الأمر الذي جعل منه ممثل كابوكي لايشق له غبار. كانت عروضه تجسيداً حقيقياً لمفهوم أن ’’الفن ينبع من الفنان‘‘. وبهذا المعنى يكون دانجورو أصبح تجسيدا لفن الكابوكي في الوقت الحالي.

لقد تركت وفاة فنان الكابوكي العظيم شعوراً لدى الكثير من الناس بأن فن الكابوكي قد فقد أحد أعمدة قوته. ومما زاد في المأساة أن وفاة دانجورو أتت بعد وقت قصير من وفاة فنان كابوكي آخر شهير وهو ناكامورا كانزابورو والذي توفي في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٢. ناكامورا كان أصغر بعشر سنوات من دانجورو وعرف عنه إرشاده لفناني الكابوكي الشباب. ولعل هذه المأساة المزدوجة استدعت من جديد مخاوفاً قديمة على مستقبل فن الكابوكي. فعلى مدار العشرين سنة الماضية، كانت هنالك مخاوف حول مستقبل الكابوكي والذي ازدهر بفضل ممثلين موهوبين حققوا شعبية كبيرة بين الناس، إلا أن وقت قيام الجيل التالي بلعب دور ريادي يقترب بسرعة وهذا يتطلب بذل المزيد من الجهود والمساعي الحثيثة.

وبشكل مشابه لدانجورو، الذي كان في منتصف عقده السادس عند وفاته، هناك الكثير من الفنانين الذين أثروا ولمعوا في الكابوكي وهم في العقد السادس أو السابع من أعمارهم مثل أٌنويه كيكوغورو وماتسوميتو كوشيرو وناكامورا كيتشيئمون وكاتاوكا نيزائيمون وناكامورا بايغيوكو وباندو تاماسابورو. وعلى الرغم من أنهم مازالوا بصحة جيدة عقليا وجسديا وأن متوسط الأعمار في اليابان الآن أكثر من ٨٠ سنة، فليس هناك أدنى شك بأنهم أصبحوا بأعمار متقدمة. وهذا الأمر ينطبق على فناني الكابوكي الذين شحذوا خبراتهم على مدى سنوات من الممارسة، وهم بالتالي ليسوا بمنأى عن الشيخوخة وقريبا سيتعيّن عليهم التخلي عن أماكنهم لفنانين من جيل الشباب. من الناحية الموضوعية، وفاة دانجورو مؤخرا هو المثال الأبرز عن أن تغير حراس الكابوكي أصبح ضرورة ملحة. لقد كانت تلك المأساة مَجازاً القذيفة العُظمى الأولى التي ضربت قلعة الكابوكي.

هل يمكن للممثلين الشباب الإرتفاء إلى مستوى الحدث؟

تكمن المشكلة فيما إذا كان الممثلون من الجيل الأكثر شبابا يمتلكون القدرة على بناء فن الكابوكي والحفاظ عليه من أجل فناني المستقبل. وعلى الرغم من أن فن الكابوكي فقد ناكامورا كانزابوروالذي كان أقل بجيل فقط من دانجورو والعظماء الآخرين المذكورين أعلاه، إلا أنه لايزال هنالك بعض فناني الكابوكي المعروفين جيداً والذين هم في متوسط أعمارهم ولديهم القدرة على قيادة الجيل القادم. ولربما يكون باندو ميتسوغورو (مواليد ١٩٥٦) أحد هذه الأمثلة، لكن الحقيقة تشير إلى أن العديد من هؤلاء الممثلين غير معروفين جيداً لدى الجمهور بعد.

لكن إذا توقفنا قليلاً لنلقي نظرة تأمل إلى تطور فن الكابوكي والعملية الضرورية لنمو هذا الفن، فمن الواضح أننا لن نشعر بالرضا. هنالك العديد من الممثلين الموهوبين في جيل الشباب مثل إيتشيكاوا سوميغورو وإيتشيكاوا إن نوسوكيه، بالإضافة إلى بعض الممثلين الأصغر سناً إلى حدٍ ما مثل إيتشيكاوا إيبيزو وهو ابن دانجورو وسيأخذ نفس اسمه الفني إضافة إلى أنويه كيكونوسوكيه وأنويه شوروكو وغيرهم، ولكنهم ليسوا مؤهلين بعد لاستلام زمام الأمور من أسلافهم.

لكننا وصلنا إلى اللحظة المناسبة لاختبار مدى براعة الممثلين الشباب. فخلال شهر مارس/ آذار وقبيل افتتاح مسرح كابوكيزا، ستقيم أربعة مسارح في طوكيو عروضا تبرز من خلالها نجوم الكابوكي في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم. وكذلك أيضا خلال عروض ’’كوكيرا أوتوشي‘‘ التي ستجرى على مسرح كابوكيزا الجديد والتي ستستمر لفترة طويلة، وقد وضعت خططاً لإجراء عروض لمدة ثلاثة أشهر ابتداء من يوليو/ تموز ولغاية نهاية سبتمبر/ أيلول حيث يأخذ فيها ممثلون شباب أدوار البطولة وذلك بعد عروض يجريها ممثلون متميزون يتربعون حاليا على عرش نجومية الكابوكي والتي تمتد بدورها لمّدة ثلاثة أشهر اعتباراً من شهر أبريل/ نيسان. وهناك خطط أخرى أيضا لكي يلعب صغار الممثلين دورا قياديا في عروضا تُجرى في مسارح أخرى.

والسؤال الذي سيدور في خلد الناس هو مدى براعة المملثين الشباب في إظهار مواهبهم في تلك العروض وهل سيكون بمقدورهم الضرب على وتر الجماهير الحساس.وربما تشكل عروض عام ٢٠١٣ تلك فرصة مثالية لاختبار مستقبل الكابوكي، ومن المحتمل أن تنال تلك العروض اهتماما أكبر في أعقاب وفاة دانجورو. وفي مواجهة هذا التدقيق، سيكون بمقدور الممثلين الشباب إظهار مدى التقدم الذي تم احرازه إلى الآن وعرض مواهب الجيل الصاعد والجيل القادم، كما أنها ستذهب أبعد من ذلك في تهدئة المخاوف حول مستقبل الكابوكي.

أقيمت جنازة إيتشيكاوا في ٢٧ فبراير/ شباط ٢٠١٣ بطوكيو. وحضر الجنازة ٢٥٠٠ شخص. الصورة من Nippon.com.

مسرح كابوكيزا الجديد من أجل جيل جديد

مسرح كابوكيزا الذي بني من جديد أو عمليا ’’أعيد افتتاحه‘‘هوخامس أكبر مسارح الكابوكي التي تحمل هذا الاسم، حيث تم افتتاح مسرح كابوكيزا الأول عام ١٨٨٩. ويحل المسرح الجديد محل مسرح كابوكيزا الرابع، وهو معبد كان يعتبر من أكثر مسارح الكابوكي شعبية حيث أعيد بنائه في مناسبات منفصلة بعد أن احترق بفعل الكوارث الطبيعية والحرب.

وكان مسرح كابوكيزا الرابع مبنيًاً من الخرسانة، وقد دمجت فيه الأجزاء التقليدية بمهارة مما أدى إلى مزيج فريد من التراث والحداثة. ولاقى هذا التصميم استحسان عشاق الكابوكي على نطاق واسع بالإضافة للعديد من الناس الذين ينظرون إليه على أنه صرحا بارزا من معالم طوكيو. ثم أُغلق هذا المسرح وهدم قبل نحو ثلاث سنوات بسبب ضعف مقاومة البناء آنذاك، والآن بني مسرح كابوكيزا الخامس الجديد على أنقاضه، مع تصميم يماثل تقريبا ما كان عليه المسرح القديم باستثناء بعض المعالم العصرية. وتثير الفترة التي تسبق افتتاحه مزيجا من الأفكارالمتأثرة برحيل دانجورو، فالمسرح الجديد حلَّ مكان المسرح القديم، بالإضافة لتسليم راية قيادة عالم الكابوكي من جيل إلى الجيل الذي يليه.

ومن وجهة نظر تاريخية أوسع، تمتلك الكابوكي تاريخا وتقاليدا عريقة تمتد إلى أكثر من أربعة قرون. وخلال هذه السنوات الطويلة، حصل تغير في الحرس من بين فناني الكابوكي الرائدين عدة مرات. مرّ على الكابوكي منذ القدم وحتى الآن أوقات أثارت فيها وفاة ممثل كابوكي رائد نقاشات صاخبة حول أزمة الكابوكي، ولكن كان الممثلون الشباب يرتقون في مثل تلك الأزمات إلى مستوى الحدث ويقومون بنقل التقاليد عبر إقامة عروض عصرية تتناسب والزمن الذي اعقب نهاية الحرب العالمية الثانية وهي الفترة التي شهدت بناء مسرح كابوكيزا الرابع في عام ١٩٥١، سبق تلك الفترة وفاة العديد من نجوم الكابوكي في فترة ماقبل الحرب ولذلك أطلق بعض الناس تحذيرا من انهيار الكابوكي. ولكن في الواقع كان هناك جيل من الشباب الموهوبين الذين كانوا يقبعون في ظلال فناني الكابوكي اللامعين، وقد ارتقى أداء الممثلين الشباب وحافظوا على الكابوكي في فترة مابعد الحرب.

وعلاوة على ذلك، قام الممثلون الشباب الذين سطع نجمهم بعد الحرب العالمية الثانية بنقل فن الكابوكي إلى أنحاء العالم عبر تقديم عروض في الخارج في حين أن أسلافهم كانوا يقدمون عروضا في اليابان فقط وذلك نظرا للصعوبات التي تزامنت مع تلك الفترة. وفي نهاية القرن العشرين، ضم جيل مابعد الحرب العالمية الثانية بدوره جيل الممثلين الشباب إلى جانب صفوف المسنين لتسليمهم الراية. وقد قام دانجورو الذي رحل مؤخرا وآخرين بصناعة نجوم الجيل القادم، سيما وانهم من الذين نجحوا في بناء مشهد كابوكي مزدهر في الفترة من نهاية القرن الماضي وحتى الآن. ويتضمن هذا الجيل الممثلين الذين أبدعوا أنشطة غير مسبوقة لم يتمكن الجيل السابق من تصورها ومن هؤلاء الفنانين الشباب ماتسوموتو كوشيرو التاسع الذي أدى عروضا موسيقية جنبا إلى جنب مع الكابوكي وإيتشيكاوا إنوسوكيه الثالث الذي كان نشطا في الأوبرا وناكامورا كانزابورو الثامن عشر الذي أنشأ فرقة كابوكي متنقلة قدمت عروضا في الولايات المتحدة وأوروبا.

وقد تمكن فن الكابوكي من الاستمرار إلى الوقت الحاضر متنقلا من جيل إلى آخر ومن حقبة إلى أخرى وذلك عبر تلك الأساليب المشار اليها ومن خلال التمسك بتقاليده اضافة الى إبداع أفكار جديدة في آن واحد معا. ويقف هذا الفن الآن مرة أخرى على مفترق طريق بين جيلين، فإذا تمكن الممثلون الشباب وذوي الأعمار المتوسطة اليوم من تطوير قدراتهم بشكل كامل وتولي المسؤولية من أسلافهم، فإن التذمر من المخاوف حول مستقبل الكابوكي سيتلاشى كالضباب بلا شّك.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، ١٩ فبراير/ شباط ٢٠١٣)

 

مجتمع الفن كابوكي