مستقبل الجودو في اليابان

مجتمع ثقافة

تواجه رياضة الجودو في اليابان العديد من الأزمات بسبب انخفاض مستوى اللاعبين وكذلك ظاهرة العقاب البدني. وفي هذا المقال يعالج الكاتب عالم الاقتصاد الإجتماعي وصاحب المستوى الثالث في اللعبة هذه القضايا الملحة في عالم الجودو الياباني.

أزمات الجودو الأربع

تمر رياضة الجودو في اليابان الآن بأزمات صعبة تشمل (أزمة فنون اللعبة) و(أزمة منتخب اليابان للسيدات) و(أزمة العقاب البدني) و(أزمة السلامة) والتي تعتبر أربع تحديات رئيسية تقف أمام الجودو.

وتتمثل (أزمة فنون اللعبة) في صعوبة الجزم بتفوق اليابان في فنون الجودو على مستوى العالم. ونظراً لانتشار اللعبة في أوروبا بين السيدات، فقد أصبحت مصنفة مع الألعاب الأوليمبية (منذ دورة الألعاب الأوليمبية في برشلونة عام ١٩٩٢). حيث لم يستطع أي من اللاعبين على جميع المستويات آنذاك الفوز بأيّ ميدالية. ولكن الأن أصبح هناك الكثير من اللاعبين الذين حصلوا على الميداليات الذهبية في بطولات العالم والبطولات الأولمبية. بينما إتسم الوضع على مستوى الرجال منذ المشاركة في أوليمبياد عام ١٩٦٤، بحصول لاعبي اليابان على الميداليات الذهبية في كلتا البطولتين، وكان يعتبر بأنّه من الطبيعي الحصول على الميدالية الذهبية حتى وإن لم يكن اللاعب متميزاً.

لكن بالنسبة للرجال، لم يحصل أي من اللاعبين على أي من الميداليات الذهبية وكان ذلك للمرة الأولى في بطولة العالم التي أقيمت عام ٢٠٠٩ بهولندا. وبعدها كان نصيب اليابان صفراً من الميداليات الذهبية في ألعاب لندن الأوليمبية عام ٢٠١٢. (وكان مدرب المنتخب الياباني آنذاك هو شينوهارا شين إتشي).

العقاب البدني وسوء المعاملة

إعترفت الفرق المشاركة في أوليمبياد لندن في شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي المؤلفة من خمسة عشر فرداً وهّن أعضاء فريق منتخب السيدات للجنة الأوليمبية اليابانية بتعرضهن للعنف وسوء المعاملة من قبل المدرب سونودا ريوجي. وقد تقدم المدرب سونودا بعدها بإستقالته أثر تلك الفضيحة وتم تحويله إلى التحقيق، كما طلبت اللجنة من إتحاد الجودو تقديم اقتراحات من أجل اتخاذ خطوات جذرية في سبيل إصلاح وإعادة تأسيس رياضة الجودو.

هذا ويظهر العنف في صورة العقاب البدني وسوء المعاملة. علما بأنه تزدهر في اليابان ممارسة الأنشطة الرياضية منذ المرحلة الإعدادية وحتى الجامعة، سيما ما يتعلق بالجودو، ويندر عادة وجود ممارسين لهذه الرياضة خارج نطاق فرق النشاط الرياضي اما في المدارس القوية في ممارسة هذه اللعبة فغالباً ما يتعرض اللاعبين للعقاب البدني وسوء المعاملة من زعيم المجموعة. حيث يتعرض الخاسر للصفع على الوجه، أو لكلمات عنيفة وإهانات من قبيل ”أترك الجودو“ وحتى ”لا تذاكر“ ويتم التدخل حتى في الأمور الشخصية.

يعتقد الكثير من زعماء هذه الفرق الرياضية للأسف أن ”العقاب البدني يصنع فريقا قويا“. ولذلك فعندما يتقاعد أحد اللاعبين ممن تربوا على العنف والإهانات ويصبح قائداً للفريق يقوم بإستخدام العقاب البدني لتعويض وتنفيس ما تعرض له في السابق. مما سبب في تأصل تلك العادة السيئة والدوّامة المقيتة التي لا تنتهي.

وقاد قام المدرب ريوجي سونودا بنفس الشئ مع فريق اليابان للسيدات الذي كان يقوم بتدريبه لكن يجب الانتباه إلى إختلاف أبعاد كل من مشكلتي ”أزمة منتخب اليابان للسيدات“ و”أزمة العقاب البدني“. فمن بين الخمسة عشر لاعبة اللاتي أعترفن بهذه المشكلة، نجد من بينهن من لديهن الفرصة ليصبحن لاعبات في المنتخب الياباني ويقلن أنهن لم يتعرضن لأي عقاب بدني من أجل الوصول للمستوى الذي هن عليه الأن. وكذلك بين لاعبي فريق اليابان، يسعى اللاعبين من الجنسين للوصول إلى مستوى مماثل للمدرب أو حتى الوصول لمستويات أعلى (الأوليمبياد)، لذلك تم الإحتفاظ بالتقاليد التي تنص على علاقة نبيلة وطيبة بين المدرب ولاعبيه.

ولذا وجب تناول موضوع تصرف المدرب السابق سونود غير المسبوق والذي تسبب في صدمة جميع الفرق الرياضية. ففي لوائح الأوليمبياد من ضمن ”المبادئ الأساسية للأخلاق الأوليمبية“عبارة تنص على أن ”الهدف من الأوليمبياد، هو تشجيع بناء المجتمعات السلمية التي تعمل بجد على احترام الإنسان“ وهذاما يتعارض بوضوح مع فكرة العقاب البدني والإهانة أو سوء المعاملة.

عدم الإحساس بخطورة الموقف لم تكن الكثير من التفاصيل معروفة عن ”قواعد السلامة في الجودو“ حتى إرتفع صوت ”إتحاد مصابي لعبة الجودو على مستوى البلاد“. ووفقا لبيانات هذا الاتحاد فإنه خلال ٢٨ عاماً توفي ١١٤ طفلاً، بالإضافة إلى الكثيرين ممن تعرضوا إلى إعاقات تشمل الإدراك واولئك من الذين عانوا إعاقات حادة ومزمنة في الجهاز العصبي.

ولعل العامل المشترك بين كل تلك الأزمات، هو عدم إكتراث الإتحاد العام للعبة بها وعدم القيام بالتحقيق فيها بالشكل المناسب إلا بعد فوات الأوان. ولذا فإن ”الهزائم المأساوية“ في أوليميبياد لندن تم نسبها إلى ”سوء الحالة النفسية لدى اللاعبين“ كما قال المسؤول السابق عن لجنة الدعم بالإتحاد العام للجودو السيد يوشيمورا كازوه، من دون الإعلان عن نتائج أي تحقيق رسمي.

وفي شهر سبتمبر/ أيلول الذي أعقب أولمبياد لندن، اتصلت إحدى لاعبات المنتخب شاكية الإهانات والعنف من قبل المدرب السابق للاتحاد العام للعبة سونودا، لكن الاتحاد أعلن بدوره الابقاء على المدرب في منصبه. وقد اعتذر السيد سونودا وقتها، وتم التصالح واحتواء المشكلة. ولكن بعد فوز نفس اللاعبة في إحدى البطولات، صرح السيد سونودا بإن ”هذا الفوز يُعزى لتوجيهاته الصارمة للاعبة“. مما يعد تصريحاً يخلو من أى إدراك لخطأ العنف الذي مارسه عليها. لذك قام ١٥ لاعبة بتقديم شكوى من مجهول للإتحاد الأوليمبي. وقد تناقلت وسائل الإعلام المختلفة المحلية والعالمية هذه الشكوى بشكل واسع منذ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٣.

وبالنسبة لأزمة السلامة، فحتى قبل ظهور ”إتحاد مصابي اللعبة“ في وسائل الإعلام، كان الإتحاد العام للعبة يقوم بتغطية نفقات ”مساعدات في العلاج“ من ميزانيته. مما يعني وعي إتحاد اللعبة تماماً بطبيعة المشكلة ولكن دون إتخاذ أى تحرك إيجابي من أجل إيجاد حل جذري لتلك المشكلة.

الاهتمام بالفوز على حساب اللاعب

يمر عالم الجودو الأن بأزمة كبيرة، لكن اتحاد اللعبة ينظر للموقف على إنه مجرد ”تضخيم من وسائل الإعلام“. ومن غير المستبعد أنه لولا ”إتحاد مصابي اللعبة“ وتلك الشكوى المقدمة من منتخب السيدات، لما أدرك إتحاد اللعبة وجود أى أزمات أخرى بخلاف النتائج السيئة للمنافسات فقط.

وكانت إجراءات الاتحاد العام للعبة لمواجهة تلك الأزمات حتى وقت قريب، هي السعي من أجل ”نشر التعاليم والمبادئ الصحيحة للعبة الجودو“. حيث تقتصر تلك التعاليم الصحيحة لدى الإتحاد على طريقة المصارعة وكيفية جذب اللاعبين بعضهم البعض من الياقات والأكمام. وتسمى هذه الطريقة في فرنسا بالطريقة ”الكلاسيكية“، فعندما يلاقي اللاعب من لاعبي المنتخب الياباني، إنهم خصمه وغريمه يصارعه ممسكاً به من ظهره أو من فتحات أكمامه ولعل هذا بشكل عام يسري على ممارسي رياضة الجودو في البلدان الاخرى أما بالنسبة للاعبي الجودو اليابانيين فثمة جانب أخر ألا وهو أن الاتحاد يشدد أحياناً علي التمسك بالأصول والآداب الأصلية للجودو.

ولا يوجد أي علاقة مباشرة بين العقاب البدني وبين السلامة بالنسبة لهم. بمعنى أن الأزمة لا تتعدى كونها أزمة الامساك بالياقات أو بالأكمام وتدهور تقاليد اللعبة.

ويسود الإعتقاد بأن الاستخفاف بالعقاب البدني والسلامة يرجع إلى الاعتقاد بأنّه ”من الطبيعي حدوث ذلك لكونها لعبة قتالية“ وفي ظل هذا المناخ، يتعلق الأمر بطريقة تربية اللاعبين. ولأن النوادي الرياضية تتطلب مصاريفاً شهرية، يتعامل مدربي تلك النوادي بحذر بالغ لتفادي إصابات اللاعبين. وفي اليابان يبدأ النشأ من المرحلة الإبتدائية في ممارسة رياضة الجودو في النوادى والفرق الرياضية والتي تأخذ رسوماً رمزية تتراوح بين ١٠٠٠ إلى ٢٠٠٠ ين وإلا أصبحت سبباً لانتشار الإشاعات. ولذا لا يجد مدربيّ تلك الفرق للحفاظ على سمعتهم الجيدة سبيلاً سوى ”الفوز في المباريات“، وهذا بدوره لا يكفي لإدراكهم خطورة العقاب البدني وسوء المعاملة على سلامة الأطفال.

كما يقوم الاتحاد العام بالبحث عن الأطفال الأقوياء في اللعبة من خلال اجراء المباريات على مستوى اليابان من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة، حيث يقوم بدوره بتكوين منظومة هيكلية من أجل تنشئة هؤلاء اللاعبين المختارين وإرسالهم للمشاركة وتمثيل اليابان في البطولات الدولية المختلفة.

خلل في المنظومة

في الواقع، تعرض اتحاد لعبة الجودو في اليابان لأزمة إنقسام في ثمانينات القرن الماضي. فقد نشأ نزاع تمثل في خروج إتحاد لعبة الجودو للاعبي الجامعات عن الإتحاد العامة للعبة. وأثر ذلك النزاع الذي إستمر ٤ سنوات، تقرر فصل كياني الكودوكان (النوادي التعليمية للعبة) عن الإتحاد العام كشرط أساسي للتصالح فيما بينهما.

لكن بعدها، تولى أويمورا هاروكي مدير الإتحاد العام للعبة منصب مدير الكودوكان، جامعاً بين سلطتى المنظومتين التي كانتا انقسمتا في وقت سابق. حيث كان مَردُّ ذلك الى عدم القدرة على مستوى فنون القتال أو مواجهة الحوادث. والسبب الرئيسي في الجدل الدائر ربما يرجع لتلك الظاهرة. وقد تم تداول تقارير عن وجود نفقات غير مبررة. وتركزت الأنظار على أن مفتاح حل المشكلة يكمن في التخلص من السيطرة على كل السلطات.

وعلى الجانب الأخر، وبغض النظر عن الأزمات الحالية، يوجد في اليابان العديد من المسابقات التي تقام كل يوم، والتي تسمح بممارسة اللعبة في كافة أنحاء البلاد. وتبقى الأهمية الكامنة في طبيعة المدربين. حيث يؤمن الكاتب بالإمكانيات الكبيرة المتوفرة لتجاوز الأزمات الحالية في عالم الجودو وذلك بمجرد اتخاذ قرارات حاسمة بشأن تحديث المنظومة الخاصة باللعبة.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، ١٣ مارس/ أذار ٢٠١٣)