دور المرأة في المجتمع الياباني

سياسة اقتصاد مجتمع

كشف رئيس الوزراء شينزو آبي في شهر أبريل /نيسان عن استراتيجية النمو التي تم اعتمادها بشكل يتمحور حول دور أكثر فعالية للمرأة العاملة. تتفحص السيدة ايواتا كيمية الخبيرة في مجال العمالة ومديرة الأعمال السابقة، البنود الثلاثة من خطة رئيس الوزراء الياباني الرامية لإطلاق عنان الطاقات الكامنة للمرأة، وتقديم وصفة خاصة بها من أجل التغيير.

جعل رئيس الوزراء شينزو آبي من ”المشاركة الفعالة للمرأة“ جوهر استراتيجيته للنمو الاقتصادي وعنصراً أساسياً من عناصر السياسة الاقتصادية ذات المبادئ الثلاث والتي باتت تعرف باسم ”Abenomics“. هذا التركيز المكثف على المرأة العاملة أمر لم يسبق له مثيل في الحكومة اليابانية، ويتعين التهليل له بشدة. ولكن كيف ينوي آبي تحقيق هذا الهدف الجدير بالثناء؟ في ١٩ أبريل/ نيسان، اجتمع رئيس الوزراء مع ممثلي الصحافة ومجتمع الأعمال ليعلن عن ثلاث مبادرات تعزز دور المرأة ضمن القوة العاملة: الحد من النقص في مراكز رعاية الأطفال النهارية، وتمديد إجازة رعاية الطفل إلى ثلاث سنوات، وحدد هدفاً واحداً يتمثل بوجود مديرة تنفيذية واحدة على الأقل في كل شركة. وفيما يلي، أشارك ببعض أفكاري حول مزايا وعيوب هذه الخطة الأساسية.

الأولوية ملحة لمراكز الرعاية النهارية

يعد النقص في مراكز رعاية الأطفال النهارية المدعومة من الحكومة المشكلة الأكبر والأكثر إلحاحاً التي تعوق مشاركة المرأة في القوة العاملة، وهذا عنصر أساسي في البنية التحتية الاجتماعية لدينا. وقد وضع رئيس الوزراء هدفاً يتمثل بإنشاء ٤٠٠ ألف مركز رعاية إضافية للتخلص من قوائم الانتظار الطويلة التي تواجه في الوقت الحالي عدداً لا يحصى من الأسر اليابانية. ولكن يبدو هذا الرقم وكأنه هدف غير كاف، فوفقاً لإحصاءات مكتب مجلس الوزراء التي اجريت قبل عدة سنوات، حيث يُقدر حجم الفجوة بين العرض والطلب بحوالي ٨٥٠ ألف مركز رعاية.  

كما أن الإطار الزمني (خطة خمسية) لتحقيق هذا الهدف لا يصل إلى المستوى المطلوب. فقبل ثلاث سنوات، كان عدد الأطفال في قوائم انتظار مراكز الرعاية في مدينة يوكوهاما أكبر من أي مدينة أخرى في اليابان. ومع ذلك، فقد انخفض هذا العدد في ربيع هذا العام إلى صفر، وذلك بفضل جهود شاملة من قبل الحكومة المحلية. وإذا ما انتهجت الحكومات المحلية الأخرى في المدن الكبيرة مبادرة مجلس الوزراء ووضعت أولوية قصوى على توسيع دور المرأة في قوة العمل، فإنه ينبغي أن يتحقق هدف الحكومة في غضون ثلاث سنوات أيضاً. اليابان بحاجة إلى التحرك بأقصى سرعة ممكنة لحل مشكلة النقص الحاد في مراكز الرعاية النهارية.

التَّحلي بالواقعية فيما يخص إجازة رعاية الطفل

في حديثه أمام كبار رجال الأعمال في اليابان في شهر أبريل /نيسان الماضي، دعا آبي الشركات لتوسيع إجازة رعاية الطفل طوعاً لمدة ثلاث سنوات من ١٢ شهراً (على الرغم من أن مدة ١٨ شهر هي الحد الأقصى) وذلك حسبما يجيزه القانون. بالتأكيد علينا أن نرحب بأي تغيير من شأنه أن يوسع خيارات المرأة لتوقيت عودتهن للعمل، لا سيما بالنظر إلى النقص الحالي في خدمات الرعاية النهارية؛ عادة ما يسهل تأمين الأطفال ممن لم يتجاوزوا الثلاث سنوات من العمر سواء في مراكز الرعاية النهارية التي لديها شواغر أكثر للأطفال الأكبر سناً، أو في دور الحضانة. وبالتالي فإن وجود خيار لتمديد إجازة رعاية طفل واحد لمدة ثلاث سنوات تساهم بلا شك في طمأنينة المرأة العاملة. ولكن جعل مدة الثلاث سنوات المعيار في إجازة الرعاية قد يؤدي إلى نتائج عكسية من وجهة نظر المشاركة الكاملة في قوة العمل. ولعل أحد هذه القضايا هو تأثير ذلك على الوظائف النسائية. فالمسألة ليست بهذه البساطة حول ما إذا كانت المرأة تستطيع العودة إلى مكان العمل بعد أخذ إجازة، بل تكمن فيما إذا كان من الممكن لها أن تعود إلى ممارسة مهنةٍ مع فرص حقيقية للترقي.

في عالم الأعمال، يكون للإجازات الطويلة (عدة سنوات) عموماً تأثيراً سلبياً على آفاق الموظف. فلو افترضنا أن الشركات على استعداد لتزويد الموظفين العائدين ببرامج إعادة التدريب فإن تلك البرامج يمكن أن تساعد فقط في إعادتهم إلى السرعة والتعويض عن الزخم المفقود. وحتى في الشركات التي تقدم حالياً ما يصل إلى ثلاث سنوات من إجازة رعاية الطفل، فانَّ هناك عدد قليل جداً من النساء ممن يأخذن هذه الإجازة الطويلة، حيث يعود معظمهم إلى العمل في غضون عام أو نحو ذلك بسبب مخاوفهن المبررة على مستقبلهن. وثمة مسألة أخرى تتمثل في دور الأب. حيث يقول غالبية الآباء من الشباب الياباني اليوم أنهم يرغبون في أن يكون لديهم دوراً أكبر وانخراطاً أكثر في تربية الأطفال، ولكن عدد قليل جداً منهم يشعر بالحُرّية الكافية في اتخاذ قرار يمنحهم إجازة رعاية الطفل التي يستحقونها بموجب القانون. وبدلاً من تشجيع الرجال على الاستفادة من هذا البند، تبدو خطة آبي مُعززةً لرؤية ذات مظهر متخلف تبقى فيها المرأة في البيت وتكرس نفسها لتربية الأطفال بدوام كامل. وبالتأكيد هذه هي الصورة التي حركها آبي بعبارته الآسرة ”Sannen kan Dakko-Shihōdai“، أو ”ثلاث سنوات من عناق الطفل بالشكل غير المحدود“.

ولعل الوسيلة الأفضل لتشجيع المشاركة الكاملة للمرأة في قوة العمل ليست بتمديد إجازة رعاية الطفل إلى ثلاث سنوات ولكن بتسهيل الحصول على الرعاية النهارية وإتاحتها على نطاق واسع، وخاصة للأطفال الرضع أقل من ٢٤ شهراً من العمر، حيث هناك نقص كبير في مراكز الرعاية المقدمة لهم. وبذلك سوف يسمح للنساء بالعودة إلى العمل حينما يرونه مناسباً. وينبغي أن تركز الحكومة على خلق هذه الظروف في أسرع وقت ممكن.

الإجراءات والخطوات الإيجابية

فكرة الإدارة الثالثة المتمثلة في إطلاق عنان إمكانات المرأة واضحة بشكل رائع ومباشر: أي ما لا يقل عن امرأة واحدة في منصب إداري تنفيذي لكل شركة. فإذا التزمت الشركات بوضع المرأة في مجالس إدارتها، فسوف يتم الاستفادة بشكل أفضل من موظفاتها الإناث بشكل عام، وسوف ترتفع نسبة المناصب الإدارية التي تشغلها النساء لا محالة. وبعد مضي نحو ٢٧ سنة كاملة من دخول قانون المساواة في فرص التوظيف في اليابان حيز التنفيذ، لا تزال المرأة تشغل ما لا يزيد عن ١٠٪ من المناصب الإدارية على الصعيد الوطني. وحتى في الشركات التي توفر الفرص المتساوية في ظل القانون، لم تحقق المرأة أي شيء قريب من التكافؤ مع الرجال في مكان العمل. وإذا كنا لا نريد الانتظار إلى الأبد لإغلاق الفجوة بين الجنسين، فنحن بحاجة الى مزيد من الضمان القانوني لتكافؤ الفرص.

لتسريع التقدم، نحن بحاجة إلى تدابير خاصة تعزز بفعالية المساواة بين الجنسين في القوى العاملة.

أعتقد أنه يجب أن تبدأ الشركات باتخاذ ”إجراءات إيجابية“ للتغلب على الفوارق الراسخة بين الجنسين. وهذا يعني العمل نحو الأهداف الرقمية، التي يتم تحديدها من قبل كل شركة وفقاً لظروفها، مثل نسبة النساء الموظفات وحصصهن من المناصب الإدارية والتنفيذية. ولتحقيق تلك الأهداف، سيتوجب على الشركات بطبيعة الحال توفير ظروف عمل مرنة لاستيعاب الآباء العاملين. وإضافة إلى ذلك، فإنها سوف تحتاج إلى توفير الدعم الوظيفي من خلال نظم التدريب والتقييم المصممة خصيصاً، فضلاً عن النماذج المثالية من النساء والموجهين. وانني لأدعو الحكومة لاتخاذ الخطوة التالية نحو المساواة بين الجنسين عن طريق الاشتراط على كل شركة لصياغة خطة عمل إيجابية.

إعادة التفكير في أخلاقيات العمل اليابانية

تفتقد خطة رئيس الوزراء آبي عنصراً أساسياً آخراً لتحقيق الهدف من المشاركة الكاملة للمرأة ويتمثل بإحداث تغيير جذري في طريقة تفكير المجتمع تجاه موظفي الشركات الدائمين.

في ثقافة الشركات اليابانية، يعمل الموظفون الدائمون بشكل روتيني لساعات طويلة. كما يتقبل هؤلاء الموظفون إعادة التعيين ونقلهم إلى مواقع نائية دون إعتراض. قد يكون يناسب أسلوب العمل هذا الرجال المتزوجين من ربات المنازل، لكنه ليس أسلوب عملي مرن لامرأة مع أطفال. وهذا ليس من المستغرب، فمعظم الأمهات الجدد اللاتي لا يتمكن من العودة إلى وظائفهن غير قادرات على الالتزام بنفس مستوى العمل المطلوبة من الموظفين الدائمين ليصبحن في نهاية المطاف ”أمهات فقط“. وهذا ليس ما نعنيه عندما نتحدث عن المشاركة الكاملة. فلتمكين مشاركة القوة العاملة النشطة من قبل الأمهات، بما في ذلك دور أكبر في الإدارة الوسطى والعليا، يجب علينا تغيير هذه التوقعات الافتراضية ومفاهيم متأصلة في المجتمع وتعزيز أسلوب العمل بحيث يكون العمل لوقت إضافي هو الاستثناء وليس القاعدة.

ولعل تحقيق هذا على مستوى مكان العمل مسؤولية تقع على عاتق إدارة كل شركة، ولكن الحكومة يمكن أن تحرك الشركات في هذا الاتجاه مع مساعدةٍ من تدابير السياسة العامة مثل زيادة في أجور الساعات الإضافية القانونية. وكما سيستنتج القراء مما سبق، فانَّ هناك الكثير مما ينبغي القيام به لتحقيق المشاركة الكاملة للمرأة الذي خطط له رئيس الوزراء آبي في مركز استراتيجيته للنمو الاقتصادي. ولكن لا يمكن إنجاز كل المهام التي أشرت إليها فوراً. حيث انَّ الأولويات القصوى تتمثل بالتخلص من نقص مراكز الرعاية النهارية ووضع حد لساعات العمل الإضافية من حيث المبدأ. وأنا واثقة من أنه حالما يتم استيفاء ايجاد الحلول لهاتين المسألتين، فإن دور المرأة في مجتمع الأعمال الياباني سيتغير بشكل جذري.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، ١٠ يونيو/ حزيران ٢٠١٣)

 

شينزو آبي المرأة العاملة المرأة