أشهر مسلسل في اليابان

مجتمع ثقافة

حققت ’’الرواية المتلفزة‘‘ التي عرضتها قناة NHK مؤخرا نجاحا باهرا. وقد استمر بث هذه الدراما الصباحية وبطلاتها من وجوهٍ مألوفة في البيوت اليابانية لمدة أكثر من نصف قرن. يقوم صحفي تلفزيوني بمراجعة لبعض أكثر النماذج شعبية من هذه الدراما ويدرس كيفية تغيرها وسر شعبيتها الكبيرة.

مسلسل أما تشان

حققت الدراما الصباحية ’’أما تشان‘‘ أو (الغواصة الصغيرة) والتي تعرض في فترات قصيرة على القناة العامة لهيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية NHK نجاحا على مستوى اليابان، تدور أحداث المسلسل الذي يأخذ طابعا كوميديا في منطقة توهوكو شمال شرقي جزيرة هونشو والتي شهدت الجزء الأكبر من الدمار الذي خلفته كارثة تسونامي في مارس/آذار ٢٠١١ . وكان هذا المسلسل سببا في إصدار العديد من الكتب والمقطوعات الموسيقية الناجحة، كما أصبح مصطلح جيجيجي jejeje والذي يعني ’’ماذا‘‘ في لهجة أهل محافظة إيواتيه شعارا شائعا.

تحكي قصة المسلسل عن فتاة شابة تحلم بأن تصبح نجمة غناء البوب وتتضمن عددا من المشاهد التي تحاكي صناعة الترفيه اليابانية في ثمانينات القرن العشرين، وقد شكلت موضوعا مثاليا لمحبي الأوتاكو الذين جعلوا من مسلسل أما تشان أحد المواضيع التي تحظى بأهمية كبيرة في مواقع المحادثة اليابانية على الشبكة العنكبوتية.

لعبت نونين رينا شخصية أكي بطلة مسلسل أما تشان. انتقلت أكي الفتاة الخجولة من طوكيو إلى بلدة ريفية في محافظة إيواتيه مع والدتها للتدرب كي تصبح غواصة ’’أما‘‘ مثل جدتها. وغدت أكي محبوبة لدى أهل القرية قبل أن تعود إلى طوكيو حيث كافحت لتحقيق نجاح في مكان أكثر تنافسية (يبث على قناة NHK العامة من الساعة صباحا بين ٨:٠٠ و٨:١٥ من الاثنين إلى السبت وفي أوقات أخرى/ الصورة مقدمة من NHK).

و قد كنت كتبت بالفعل عدة مرات عن مسلسل أما تشان في مجلات أخرى. وفي هذه المقالة أريد أن أعود للوراء وأتمعن في هذه الظاهرة من وجهة نظر أوسع. دعونا نبدأ بنظرة تاريخية عن الدراما الصباحية ذاتها التي تبث على قناة NHK.

الأعمال الدرامية الصباحية تأسر المشاهدين

بدأ عرض الدراما الصباحية أو نافذة ’’رواية متلفزة‘‘ كما تسميها قناة NHK رسمياً في عام ١٩٦١. حمل المسلسل الأول اسم ’’موسوميه تو واتاشي‘‘ أو (ابنتي وأنا) وهو مستوحى من رواية كتبها شيشي بونروكو، وكانت تعرض لمدة عشرين دقيقة يوميا من الساعة ٨:٤٠ وحتى ٩:٠٠ صباحا وعلى مدى خمسة أيام في الأسبوع. واستمر بثها كاملا حوالي سنة واحدة تقريبا.

ومنذ البداية كان الوقت الزمني يعرض على الشاشة حتى ترى أعين الناس الوقت أثناء مشاهدة الحلقة اليومية. ويبدو أن هذه العادة قد أخذت عن الإذاعة. فالأعمال الدرامية الإذاعية كانت تذاع مرتين في اليوم، مرة في الصباح وأخرى في المساء. وإنني لأتذكر الاستماع لها مع عائلتي عندما كنت طفلا، وأثناء البث كانت هناك إذاعة منتظمة تبث مرور الوقت بالدقيقة. وكما يبدو فانَّ الأعمال الدرامية الصباحية الجديدة تحقق نسبة أكبر من المشاهدة وعلى نحوٍ أكثر من بدايات الدراما. وهكذا أصبحت هاياشي ميتشيكو أول شخص يصل إلى مراتب النجوم من خلال الشكل الجديد للدراما في مسلسل ’’أوزوشيو‘‘ أو (الدوامة، ١٩٦٤). وقد كنت في الصف الثاني في ذلك الوقت ولكني لا أزال أحمل بعض الذكريات الغامضة عن جلوسي لمشاهدة حياة الروائية هاياشي فوميكو بصورة درامية وذلك قبل الذهاب إلى المدرسة كل صباح. وكان لهاياشي ميتشيكو حضورا لطيفا جدا أمام الكاميرا وقد اختيرت السنة التالية لاستضافة المسابقة الغنائية لنهاية العام ’’كوهاكو أوتا غاسّين‘‘ أو (مسابقة الأغنية الحمراء والبيضاء)،و ربما كان التكريم النهائي في تلفزيون ياباني.

مسلسل أوهاناهان عملاً يجسد عصراً كاملاً

لعل التحول الكبير الذي طرأ على الشكل الجديد للدراما حدث في عام ١٩٦٦ عندما تحول مسلسل ’’أوهاناهان‘‘ أو (الآنسة أوهانا) إلى ظاهرة وطنية. وانني أتذكر أستاذي في الصف الرابع وكيف كان متعلقا بكل ما في الكلمة من معنى بهذا المسلسل وقد اعتاد على مشاهدة حلقة الإعادة بعد الظهيرة في القاعة الدراسية خلال استراحة الغداء.

الفنانة كاشيياما فوميه في مسلسل أوهاناهان (عرض في عام ١٩٦٦). بطلة العمل هانا تمر بأحداث كبرى من تاريخ اليابان المعاصر ولكنها لم تفقد أبدا نظرتها المرحة عن الحياة وذلك على الرغم من المآسي التي أصابتها ومن بينها فقدانها زوجها الذي كان ضابطا في الجيش خلال الحرب (الصورة مقدمة من الـ NHK).

وقد عادت نغمة الحنين الدافئة مرة أخرى من جديد قبل بضع سنوات عندما استخدمت في إعلان ’’الكلب المتكلم‘‘ التجاري لشركة الهواتف المحمولة سوفتبنك الذي انتشر في كل مكان. كما حققت نسخة من هذه النغمة مع كلمات أداها باشو تشيئكو نجاحا وذلك في مسابقة ’’كوهاكو أوتا غاسّين‘‘. وأهم من أي شي آخر، لقد كانت هذه الدراما العمل الذي صنع نجومية الفنانة الشابة كاشيياما فوميه التي لعبت دور البطلة الجميلة.  ولعله من غير المبالغ فيه القول بأنَّ مسلسل أوهاناهان أسر أفئدة اليابانيين. حيث تقدم مقالة من دليل تلفاز معاصر مؤشرا عن مدى شعبية هذا المسلسل: ’’أكد موظف في شركة طوكيو للمياه للـ NHK أنه عند الساعة ٨:١٥ صباحا أي عند بداية عرض أوهاناهان هناك انخفاض مفاجئ في مستوى استخدام المياه. كما تنخفض مقاييس المياه في مدينة طوكيو وهناك ارتفاع مفاجئ في ضغط تدفق المياه.‘‘ فالأمة بأسرها توقف ما كانت تقوم به لمتابعة هذه الدراما. بهذا المعنى، من الممكن أن أوهاناهان هو الدراما التلفزيونية المكافئة لدراما الـNHK الإذاعية ’’كيمي نو نا وا‘‘ أو (ما اسمك؟) التي بثت بين عامي ١٩٥٢ و١٩٥٤. وقد غدت شعبية هذه الدراما أسطورية. فقد ذُكر أن الحّمَامَات العامة والمحلات والأسواق في أنحاء البلاد كانت تفرغ من الناس عند بثها، وذلك لأن النساء اليابانيات كن يسرعن في العودة للمنازل للاستماع لآخر حلقة. على الرغم من النجاح الذي حققه مسلسل أماتشان، إلا أنه من الصعوبة بمكان تخيل أية دراما تلفزيونية تجمع الناس لهذا الحد في هذه الأيام.

الأعمال الدرامية الصباحية بوابة النجومية

أصبح تاكاهاشي كوجي الذي لعب دور كاشيياما، الزوج تعيس الحظ، نجما كبيرا أيضا. وقد انهالت على المنتجين رسائل من محبينه يرجونهم عدم السماح بقتل هذه الشخصية في الحرب. يروي مسلسل أوهاناهان قصة حياة امرأة تعيش خلال فترة طويلة من التاريخ الياباني الحديث. اتخذت العديد من الأعمال الدرامية الصباحية هذا النهج الذي يصور الأفراح والمآسي في مجرى الحياة الشخصية على مدى عدد من السنين. وقد اكتسبت العديد من الممثلات اليابانيات المشهورات الشهرة بداية من خلال ظهورهن في الدراما الصباحية. وعلى مر السنين، اشتهرت الممثلة أوتاكي شينوبو في ’’ميزويرو نو توكي‘‘ أو (زمن الضوء الأزرق، ١٩٧٥) والممثلة ماتسوشيما نانكو في ’’هيماواري‘‘ أو (أزهار عباد الشمس، ١٩٩٦) والممثلة تاكيؤوتشي يوكو في ’’أسوكا‘‘ الذي بث عام ١٩٩٩. وماتزال الأعمال الدرامية الصباحية بوابة مهمة لنجاح الممثلات الشابات.

الدراما الصباحية تركز على شخصية فتيات في ربيع العمر

عملت بين عامي ١٩٧٩ و١٩٨١ مراسلا أغطي برامج قناة NHK في البرنامج التلفزيوني الأسبوعي ’’شوكان TV غايدو‘‘. وإذا ما عدت بذاكرتي إلى الوراء فسوف أصاب بالدهشة من الكم في عناوين الدراما التي كانت تحتوي على اللاحقة ’’تشان‘‘ وهو مصطلح للتحبب وعادة ما يستخدم للنساء والأطفال. فعلى سبيل المثال ’’ما نيه تشان‘‘ أو (أختي الكبيرة ما، ١٩٧٩) ومسلسل ’’ناتشان نو شاشينكان‘‘ أو (استوديو صورة ناتشان، ١٩٨٠) ومسلسل ’’أوتييه تشان‘‘ بث عام ١٩٧٨ ومسلسل ’’تشوتشان‘‘ بث عام ١٩٨٧ ومسلسل ’’نون تشان نو يومي‘‘ أو (حلم نون تشان، ١٩٨٨) ومسلسل ’’جون تشان نو أوينكا‘‘ أو ( هتافات ثلاثة من أجل جونتشان، ١٩٨٨) .ونحو ذلك. وحاليا مسلسل أما تشان. ربما قصد المؤلف كودو كانكورو بعنوانه هذا في جعله أكثر محاكاة محببة أو احترام  لدراما من هذا النوع حققت نجاحا في الماضي. ينضم هذا المسلسل إلى سلسلة طويلة من الأعمال الدرامية التي تعتمد في بطولتها على فنانات شابات مرحات بشكل مستمر، واستخدام كلمة ’’تشان‘‘ في العنوان يضع هذا المسلسل بشكل حازم في صلب تاريخ صناعة الترفيه اليابانية في فترة ما بعد الحرب.

مسلسل أوشين الأكثر شعبية على الإطلاق

وعلى الرغم من أن مسلسل أوشين (بث عام ١٩٨٣) لا يحتوي على اللاحقة ’’تشين‘‘ أو ’’سان‘‘ في عنوانه إلا أنه أصبح الدراما الصباحية الأكثر شعبية على الإطلاق. ومن نواح عديدة كانت هذه الدراما التي كتبها هاشيدا سوغاكو محببة أكثر من جميع المسلسلات الصباحية، وقد بثت على مدار عام بينما كانت الدراما الصباحية تعرض عادة على مدى ستة أشهر فقط. واجتذب هذا المسلسل في أوج شهرته أكثر من ٦٠٪ من إجمالي المشاهدين. لقد كان هذا إنجازا مذهلا بالفعل في الوقت الذي كانت فيه مسجلات الفيديو منتشرة على نطاق واسع. دفع هذا المسلسل الفنانة الطفلة كوباياشي أياكو التي لعبت دور أوشين الصغيرة إلى أن تصبح نجمة وطنية. بينما حققت الفنانة تاناكا يوكو التي لعبت دور أوشين الشابة نجاحا استمر لفترة طويلة بسبب أدائها الرائع في هذه الدراما الصباحية.

كوباياشي أياكو: الفتاة الصغيرة بطلة أوشين (بث عام ١٩٨٣). ولدت في أسرة ريفية فقيرة وأرسلت للعمل في سن السابعة. وبعد مواجهتها للعديد من المصاعب حققت نجاحا في نهاية المطاف فقد أصبحت مديرة لأعمالها التجارية الخاصة. (الصورة مقدمة من NHK).

لقد كانت هذه بداية فقاعة اقتصادية، فترة تذكرنا عموما بالواجهة والتزايد والاستهلاك المتباهي. ولعل من المفارقات أن هذه القصة المتواضعة والداّلة على العمل الشاق والفقر في حقبة خلت قبل أكثر من ٥٠ سنة حصلت على شعبية جدا وفي مثل ذلك الوقت. في الواقع، فإنني بالكاد أجزم أن هذا يمكن أن يكون جزءا من السبب وراء شعبية المسلسل. فربما يمثل مسلسل أوشين رد فعل أو موازنة مقابلة للتحول إلى المادية في ثمانينات القرن العشرين مثل تقديم سلطة خضراء بهدف تحقيق توازن مع الصلصات الغنية من الطبق الرئيسي. لقد مضى الوقت الذي كانت فيه الدراما الصباحية جزءا لا يتجزأ تقريبا من حياة كل اليابانيين. كما لم يعد من الممكن القول إن اليابان تضبط ساعتها وفق توقيت الدراما الصباحية. فالتقييمات حاليا مُستقرةً بشكل عام بحدود ٢٠٪. ومع ذلك لايزال هناك جمهور لهذه المسلسلات وهناك دلائل على أن جاذبية الأعمال الدرامية تتزايد في السنوات الأخيرة. فلربما أصاب السأم الناس من رؤية نفس التشكيلة من الوجوه المألوفة على البرامج الإخبارية وحلقات النقاش والتي تشكل معظم ما تقدمه المحطات التجارية. كما انه هناك عامل آخر ايضاً حيث يمكن أن يكون طول مدة حلقات المسلسل مدعاةً لذلك: فما الذي يا تُرى يمكن أن يكون أفضل لمتابعي القنوات التلفزيونية في هذه الأيام سيما اولئك الذين لديهم مدىً محدداً من الاهتمامات، وبشكلٍ أكثر من أن يكون مجرّد  دراما يمكن مشاهدتها على شكل حلقات يومية لمدة ١٥ دقيقة للحلقة الواحدة!

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، ١٢ أغسطس/آب ٢٠١٣)

توهوكو