انهيار أسطورة ”سوني“

علوم تكنولوجيا اقتصاد

شركة "سوني" التي أنتجت العديد من المنتجات وعلى رأسها "الووكمان" تعتريها أمواج من الركود. استكشاف لأسباب تراجع العلامة التجارية "سوني" عنوان اليابان من منظور إدارة الشركات.

ما الذي يجري في شركة ”سوني“؟

يبدو أنّ تراجع شركة ”سوني“ لا يتوقف حسبما جاء في إعلان تصفية الحسابات في فبراير ٢٠١٤، حيث تم تعديل توقعات العجز للشركة بشكل كبير وذلك من مبلغ ٣٠ مليار ين إلى ١١٠ مليارات. ووفقاً لتوقعات الأرباح المجمعة للسنة المالية ٢٠١٣. وهذا نتيجة لعجز ٨ سنوات متتالية في قطاع الإلكترونيات لكل الشركات التي تقع تحت مظلة شركة ”سوني“ مثل شركة M3 ومبنى مقر الشركة الأساسي في أمريكا ومبنى NS مقر شيناجاوا ومركز بداية انطلاق ”سوني“ بالإضافة إلى انخفاض الأرباح الناتجة عن بيع أسهم شركة DeNA. لدرجة أن أصبح يُسخر من ”سوني“ بأن العمل الأساسي لها هو ”بيع الممتلكات“. وبالرغم من إصدار ”سوني“ للهواتف المحمولة ولعبة بلاي ستيشن ٤ (PS4) في مارس/ آذار الماضي إلا أن ذلك لا ينبئ بعودة الروح إلى شركة ”سوني“ ولا يوضح استراتيجتيها الأساسية، بل بالعكس فانّ كل التساؤلات تشير إلى سؤال واحد ألا وهو: إلى أين تتجه ”سوني“؟

ففي ٢٧ فبراير/شباط خفضت شركة Moody’s Investors Service للتصنيف الائتماني درجة الائتمان طويل الأمد لشركة سوني. تبَعَه تصنيف شركة Fitch Ratings, Standard وهذا ما دفع لجَعَلِ ”سوني“ تصل لمستوى المجازفة. وتم الحكم في الدوائر المالية والجهات النَقدية المعنية من أن ”سوني“ شَرِكَة غير صالحة للاستثمار. وليس من العدل إلقاء مسؤولية هذا التدهور على السيد ”هيراي كازو“ رئيس الشركة الذي تولى منصبه في أبريل/نيسان عام ٢٠١٢. فيا ترى متى بدأ التغير في شركة ”سوني“؟

فترة الذروة وشعار Digital Dream Kids

وبالنظر إلى مُنجزات الشركة وارتفاع الأسهم فلاشك أن العصر الذهبي لشركة ”سوني“ كان في عهد الرئيس الأسبق إديي نوبويوكي عام ٢٠٠٠. حيث أصبح في الـسابعة والخمسين من العمر. رئيسا لها وجاء العام التالي لتوليه ذلك المنصب ليكون ايضا الذكرى الخمسين على تأسيس الشركة. وقد قام عندئذ برفع شعارين وهما Regeneration وDigital Dream Kids. وكما يبدو فإن عملاء شركة ”سوني“ في المستقبل هم الأطفال الذين ولدوا وتربوا في عصر ”التكنولوجيا الرقمية“ ومن أجل تحقيق الشركة لحلم هولاء الأطفال توجب رفع الشعار Digital Dream Kids الذي كان يحمل في طياته الكثير من المشاعر القوية. وكخطوة أولى للدخول في عالم التكنولوجيا الرقمية أعلن السيد ”إديي“ عودة العمل إلى قطاع أجهزة الكمبيوتر وتم إصدار أول طراز من جهاز VAIO في الولايات المتحدة عام ١٩٩٦. وبالإضافة إلى ذلك، نادى بأهمية ربط تقنية المعلومات بالأجهزة المرئية والسمعية أي ربطها بالانترنت وعليه أنشأت ”سوني“ شركة اتصالات للإنترنت Sony Communications Network في نوفمبر/ تشرين الثاني عام ١٩٩٥(شركة So Net حاليا). ومن المعروف من مجموعة شركات ”سوني" مثل شركة CBS منذ عام ١٩٦٨(سوني ميوزيك حاليا). وشركة كولومبيا للأفلام (سوني بيكتشرز حاليا) منذ عام ١٩٨٩. وفي مجال الهارد / الاقراص الثابتة الصلبة فلشركة ”سوني“ باعٌ طويلٌ في مجال CD/MD والووكمان وأجهزة الألعاب وجهاز VAIO. وكاميرات الفيديو وشرائح الذاكرة ”الفلاش ميموري“. آنذاك ذلك الوقت وكانت ”سوني“ في مرحلة تستطيع فيها وصل الأجهزة المرئية والسمعية بأجهزة تقنية المعلومات عن طريق الانترنت ونستطيع القول بأن ”سوني“ كانت عندها المقدرة بذلك منذ النصف الثاني من التسعينيات قبل إصدار شركة ”أبل“ للآيبود في عام ٢٠٠١ حيث أن ”سوني“ كان مستعدة وكانت تتوفر فيها كل العناصر لتحقيق شعارها Digital Dream Kids.

عدم ظهور منتجات جديدة لها علاقة بالإنترنت

وهكذا ظهرت إنجازات السيد ”إديي“ خاصة في عام ٢٠٠٠ حيث حققت الشركة إنجازات لا سابق لها وفي بداية تولي السيد ”إديي“ منصب رئيس الشركة كان سعر سهم شركة ”سوني“ ٤٢٤٠ ين ولكنه وصل إلى ١٣٠٠٠ في ذلك العام. لكنّ منذ ذلك الوقت لم تصدر ”سوني“ أي منتج جديد له علاقة بالإنترنت يُمكن وصفه بأنه لا مثيل له. وأدى تأخرها في الدخول في إنتاج أجهزة التلفاز المسطحة إلى إنتاج أجهزة ألكترونية أخرى لم تحظ بأي تقييم.

وفي ٢٤ من أبريل/نيسان ٢٠٠٣ انخفضت الميزانية العمومية الموحدة بحوالي ١٠٠ مليار ين عن التوقعات السابقة، وبمجرد إعلان توقعاتٍ بانخفاض بنسبة ٣٠ في المئة في المبيعات بالمقارنة مع العام السابق بدأ المستثمرون من اليوم التالي عملية ”بيع سوني“. وحدث ان تدهورت أسعار تداول أسهم الشركة حتى وصل سعر السهم الواحد إلى ٣٢٢٠ ين وكان هذا ما سُمي بـ ”أزمة سوني“. وكان المنقذ الوحيد في ذلك الوقت إنتاج مسجل DVD مزود بقرص صلب تم طرحه في نهاية العام حيث اعتاد اليابانيون على تسجيل الكثير من البرامج التلفازية في تلك الفترة. لكّن ذلك لم يُعطِ شركة ”سوني“ الفرصة كي تتبوأ الريادة في مجال الإلكترونيات.

فخ النجاح وتضارب المصالح

وهنا سؤال يطرح نفسه لماذا لم تستطع ”سوني“ عام ٢٠٠٣ ربط منتجاتها الرقمية بالأنترنت بالرغم من توافر كل العناصر لديها في وقت مبكر وقبل شركة ”أبل“؟ واذا ما نظرنا إلى وضع ”سوني“ في ذلك الوقت سنستطيع أن نفهم أن نجاحها في الماضي هو جوهر فشلها. فقد كانت ”سوني“ أكبر شركات العالم في إنتاج أقراص CD هذا بجانب نجاحها في ووكمان CD/MD أيضا. وبالإضافة إلى ذلك، كان السيد ”أووغا نوريو“ المدير العام هو من أخذ زمام عملية ابتكار ووكمان CD/MD. وجاء الآيبود لينهي عصر ووكمان MD ويؤثر على مبيعات أقراص CD. كما كان لشركة سوني ميوزيك التي لها تعاقدات مع عدد كبير من المطربين المشاهير وعلى رأسهم مايكل جاكسون تضارب شديد في المصالح مع التوزيع عن طريق الإنترنت. سيما وأنها لم تعترف ببيع أغاني المطربين على الانترنت حيث أن الألبوم له مفهوم يعبر عن النشاط الإبداعي لذلك الفنان. هذا بجانب أن الألبوم يساعد على بيع أغاني غير مشهورة حيث يتضمن العديد من الأغاني. إضافة لأكبر مشكلة ألا وهي كيفية حماية الحقوق الفكرية وكان لها أيضا صراع كبير في إنتاج أجهزة التلفزيون ففي عام ١٩٩٦ نجحت ”سوني“ في تطوير التلفزيون العادي إلى تلفزيون مسطح وأصدرت سلسلة من تلك التلفزيونات وكانت أول خطوة في العالم نحو الشاشات المسطحة LCD.

وكان من البديهي أن في نهاية المطاف ستتمكن من تطوير شاشات مسطحة إلا أن ”سوني“ تركت رفع مبيعات منتجاتها بالتقنية التي كانت تمتلكها في ذلك الوقت إلا أنها ترددت في التحول إلى إنتاج الشاشات المسطحة حيث إنه استثمار ضخم وغير مؤكد. فنجاح ”سوني“ في تحويل التلفاز العادي إلى تلفاز مسطح كان سببا وراء تأخرها في التحول إلى إنتاج الشاشات المسطحة. ولعل تجربة نجاح ”سوني“ القوية خلال هذه الفترة تسبب في تضارب مصالحها مع الاتصال عبر الانترنت والاجهزة الرقمية كما أعاق الابتكار والإبداع لديها. وبعبارة أخرى فانّه كلما كانت الشركة محققة نجاحا كلما تأخر التحول عندها إلى منتج جديد ينكر الماضي وكلما تأزم الإبداع فيها وهذا هو السقوط في ”فخ النجاح“.

فشل الإصلاح الإداري

ولسخرية القدر، فقد قسم السيد إديي نظام الإدارة إلى نصفين: مديرين يشرفون على الإدارة ومديرين تنفيذيين يشرفان على المواقع العملية. وأدى ذلك النظام إلى توحيد القرارات بالرغم من تعارض المصالح بين الطرفين.

وعلى عكس ما تُوقع انتهت مشاريع إعادة الهيكلة بالفشل. ولم يتحقق أي تحسين للعجز في الميزانية في مجال الإلكترونيات. وكانت أسعار الأسهم في هبوط وبحدود ٣٠٠٠ ين. عام ٢٠٠٥ وآنذاك ارتفعت الأصوات المنتقدة من سوق الأسهم والموظفين والأشخاص الّذين تقاعدوا عن عملهم بالشركة كما تعالت الأصوات التي تطالب السيد إديي أن يتحمل المسؤولية عن هبوط أسعار الأسهم. وفي يونيو/حزيران ٢٠٠٥، تقاعد عن مركزه كرئيس للشركة والرئيس التنفيذي فيها. ومن الواضح أنه لم يتهرب من المسؤولية فحسب بل ارتكب خطأ في اختيار الخلف له أيضاً. فقد اختار السيد ”هاورد سترينجر“ خلفاً للرئيس. وكانت هناك أصوات غير راضية عن اداء قسم الإلكترونيات الذي استمر العجز في الميزانية فيه ايضاً ولو كان يُقصد بشعار ”اتحاد سوني“ اتحاد منتجات ”سوني“ من خلال شبكة الإنترنت، للاقت فكرته ترحيباً من الناس. ولكنه كان يهدف جَعلَ اتحاد ”سوني“ شَرِكَة بحَّدِ ذاتها. ولم تكن ”فكرة هندسية“ وهي ربط أجهزة الحاسوب بشبكة الإنترنت عن طريق النظام السلس. وفي نفس الوقت، تولى السيد ”ناكاباتشي ريوجي“ منصب مدير العمليات، وكان يعمل في مجال الهندسة ولكن لم يكن هناك أي جهود للاتحاد بينهما. وفي نهاية الامر، استقال كلاهما من منصبهما بعد تراكم العجز النهائي لأربع فترات على التوالي. ذلك الوقت قد هبطت أسعار الأسهم من ٣٠٠٠ ين إلى أقل من ١٠٠٠ ين بصفة مؤقتة وبالرغم من إلحاق الضرر بكثير من أصحاب الأسهم والمستثمرين إلا أن كل منهما حصل على مكافأة كبيرة.

غموض مسؤولية الإدارة والتنافر بين استراتيجية الإدارة والقدرة عليها

وربما تكمن مشكلة تدهور ”سوني“ في غموض مسؤولية الإدارة والتنافر بين استراتيجية الإدارة المنشودة والقدرة عليها. وهذه المشكلة تؤدي إلى خلق مشاكل في مجال التصنيع في اليابان. وكانت ”أزمة سوني“ بحاجة إلى إحياء قسم الإلكترونيات وربط أجهزة الحاسوب ببرامج الحاسب. ايّ ما يجعل شعاريّ اتحاد ”سوني“ وDigital Dream Kids يتحقق فعلاً وحتى لو كانت الرؤية ممتازة، فان ”سوني“ لم تكن مستعدة بما فيه الكفاية من أجل تحقيق رؤيتها. لعَدَم وجود أي تحمس لابتكار تكنولوجيا جديدة. وحسبما قرأت السيرة الذاتية لـ ستيف جوبز، لا بد من أن أفكر في ضرورة الربط بين الأجهزة بدون أي عوائق وبدون الاهتمام بكل الأجزاء التفصيلية عن عمليات الأجهزة. فعند تغير نماذج التكنولوجيا، يجب أن يأخذ من يتمسك باعتقاد ما أو شعار ما زمام المبادرة بتحقيق ذلك الهدف المنشود. لكن مع الأسف، هناك تنافر في شركات التكنولوجيا اليابانية بين استراتيجية الإدارة المنشودة والقدرة الإدارية لتحقيق ذلك.

تراكم العجز في ”سوني“ و”باناسونيك“

وبعد استقالة كل من السيد إديي والسيد سترينجر من منصبيهما، استطاعا اختيار خلف لهما في مجلس الإدارة، وحصل كل منهما على علاوة هائلة ومكافأة للتقاعد. وكان ذلك أمرا لا يُطاق بالنسبة لأصحاب الأسهم الذين تكبدوا خسائراً فادحة. وقد تمت الإشارة لذلك الأمر وانتقاده في الاجتماع العام لأصحاب الأسهم. وبالرغم من ذلك تولىّ كل منهما منصباً استشارياً بعد تقاعدهما. وحدثت ظروف مشابهة في شركة ”باناسونيك“ ايضاً حيث بلغ العجز إلى أكثر من ٧٠٠ بليون ين لمدة عامين متتاليين. ويقال إن السبب الرئيسي لهذا العجز يرجع الى سوء إدارة وحكم الرئيس السابق آناكامورا كونيؤو الذي كان يتولى منصب المستشار لمجلس الإدارة والذي ظل يتمتع بنفوذ كبير حتى بعد الاستقالة من منصبه في رئاسة الشركة. وكان من الطبيعي ان يكون عدم تقصي المسؤولية في العجز سبب الارتياب والشك في إدارة الشركات اليابانية. وللتعمق في فهم تفاصيل هذه المشكلة فلربما يجب تحليل العلاقات القائمة بين الأسباب والنتائج والاطلاع على المعلومات والوثائق الداخلية ولكن لا ينبغي لنا أن نرجع أسباب هذه المشكلة إلى شخص بعينه بل يجب أن نراها كمشكلة لإدارة الشركات والتي تعتري اليابان حاليا ولعل سرعة حلها سيؤدي إلى تطورات جديدة في الشركات اليابانية.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، بتاريخ ٢٠ مارس/أذار ٢٠١٤)

سوني