في الذكرى الرابعة لقيامها: مصير غامض لثورات الربيع العربي ..لماذا ؟!

سياسة

قبل ٤ سنوات قامت الثورات العربية للتخلص من الفساد والتردي الاقتصادي والظلم، ولكن عادت الثورات أدراجها ولم تحقق أي من أهدافها في معظم بلدان الربيع العربي بل دخلت معظمها في نفق مظلم لا يعلم إلى أين يؤدي وإلى متى سيستمر. نتعرف في هذا المقال على تحليل للأستاذ كمال جاب الله الكاتب بجريدة ”الأهرام“ المصرية في الذكرى الرابعة لاندلاع ثورات الربيع العربي في تونس، مصر، ليبيا، اليمن، وسوريا.

مصر تمتنع عن الاحتفال بذكرى يناير !

أكتب هذا المقال بمناسبة حلول الذكرى الرابعة لقيام ثورة ٢٥ يناير بمصر وسط أجواء كئيبة يغلب عليها الانقسام والفتنة والتوتر والحزن، ليس فقط بسبب إلغاء الاحتفال رسمياً بهذه المناسبة حدادا على وفاة ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز، ولا لقرار النيابة العامة بإخلاء سبيل نجلي الرئيس الأسبق حسني مبارك من تهم الفساد تنفيذاً لقرار محكمة الجنايات عشية الذكرى الرابعة للثورة. ولكن أيضاً بسبب تصاعد الجدل بين المصريين أنفسهم حتى هذه اللحظة حول أهمية هذا اليوم في تاريخهم، هل كانت ثورة أم انتفاضة، أم مؤامرة كما يدعى البعض؟!

الربيع العربي يتحول إلى مأساة

الحالة الكئيبة التي يمر بها المصريون والعرب عموماً عبر عنها كاتب بريطاني يدعى ريتشارد سبنسر في تقرير عن آخر التطورات بالدول العربية التي كان من المفروض أن تنعم بما يسمى بالربيع العربي نشرته صحيفة ديلي تليغراف الشهيرة يوم الجمعة ٢٣ يناير/ كانون الثاني أي قبل حلول ذكرى الثورة المصرية بيومين فقط تحت عنوان ”النصر الكارثي للربيع العربي“ جاء فيه:
”إن كلمة مأساة تبدو ملائمة لوصف الربيع العربي، وأن أحداثا مثل الزلازل والأعاصير هي أحداث كارثية، ولكنها تفتقر إلى ما يسمى بالمأساة، وفقا لمفهوم المسرح الإغريقي.“

ويضيف الكاتب:
”في يوم الأحد كان الاحتفال بالذكرى الرابعة للاحتجاجات الأولى في شوارع القاهرة والتي أدت فيما بعد للإطاحة بالرئيس حسني مبارك. وقد قيل لكل من الأنظمة المعنية، المتظاهرين، والحركات السياسية، من القادة الغربيين وغيرهم من قادة الدول الأخرى أن القرارات التي كانوا يتخذونها من شأنها أن تؤدي إلى كارثة. والتي لا يزالوا يتجرعون مرارتها حتى الآن.“

وإذا نظرنا على الأوضاع في بقية الدول العربية المعنية بما يسمى بالربيع العربي يقول ريتشارد سبنسر ”إن الأوضاع في مصر استقرت نوعاً ما، ولكن على حساب الآلاف الذين قتلوا والآلاف الذين عذبوا في السجون، إن مئات الآلاف من السوريين قتلوا ومئات الآلاف الآخرين سوف يقتلون قبل أن ينتهي الصراع في سوريا، أما ليبيا فتعاني من الانقسامات، بين القوميين والإسلاميين والفيدراليين وغيرهم. وفي اليمن تسيطر ميليشيات الحوثي الشيعية على القصر الرئاسي، فيما تسيطر القاعدة على بقية البلاد.“

الحكومة تعزز قبضتها الأمنية في العاصمة في ذكرى الثورة

وقد تطابقت رؤية المحللين في الخارج للحالة التي عاشتها مصر في الذكرى الرابعة للاحتفال بثورة ٢٥ يناير/ كانون الثاني مع حقيقة ما كان يحدث على الأرض في الداخل. فمن خارج مصر يقول ريتشارد سبنسر ”إنه في الذكرى الرابعة لثورة ٢٥ يناير/ كانون الثاني لن يحتفل بها سوى عدد محدود بينما يقبع الكثير ممن أطلقوا الشرارة الأولى للثورة في مصر في السجون. أما ميدان التحرير الذي انبثقت منه تلك الشرارة فسيبقى تحت حراسة مشددة من قوات الأمن ”التابعة للنظام السلطوي الجديد في مصر.“

وفي الداخل، تباينت مواقف الأحزاب والقوى السياسية في كيفية التعامل مع الذكرى الرابعة للثورة وهل هي مناسبة للاحتفاء والاحتفال أم مناسبة للاحتجاج؟

فقد أعد تحالف دعم الشرعية ورفض الانقلاب المعبر عن جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، العدة للتظاهر والاحتشاد والاحتجاج تحت شعار ”تقدموا للحرية والكرامة“، في حين رفضت قوى سياسية أخرى المشاركة خوفاً من اندلاع أعمال عنف.

من جانبها، أحكمت الدولة قبضتها الأمنية على عدد كبير من المباني والمنشآت الهامة، العامة منها والخاصة، والسفارات والكنائس بوسط العاصمة المصرية القاهرة وفي معظم أنحاء البلاد، بحجة التأمين والتصدي للأعمال التخريبية والفوضى والعنف، التي زعمت بأن جماعة الإخوان الإرهابية وحلفائها، تنوي وتهدد للقيام بها في ذكرى الثورة. وتمركزت آليات ومعدات عسكرية على المداخل المؤدية لميدان التحرير رمز الثورة بواقع مدرعتين على كل مدخل من مداخل الميدان.

إعادة تقييم يناير...ثورة أم مؤامرة ؟

ومهما حدث من انقسام بين عموم الشعب المصري في وصف ما حدث يوم ٢٥ يناير/ كانون الثاني وما تلاه، وهل كانت ثورة أم انتفاضة، أم مؤامرة كما يدعى البعض، مما أثر ويؤثر على قرارهم الموحد بالاحتفاء بالمناسبة من عدمه. إن الحقيقة المؤكدة هي أنه سياتي اليوم -ربما في وقت لاحق من وجهة نظري- الذي سيحتفل فيه المصريون بعيد الثورة كما ينبغي أن يكون عليه الاحتفاء الحقيقي خاصة بعد ما تعرضت له على مدى أربع سنوات من محاولات مستميتة لإجهاضها واختطافها، والتشهير بمن تصدروا المشهد وقتها وبالذات طليعتها من الشباب.

ووسط النفق المظلم الذي يخيم على مسار ثورة ٢٥ يناير/ كانون الثاني، بدا ضواء في نهاية هذا النفق. تمثل فيما تم إنجازه من خارطة المستقبل المعلنة في ٣ يوليو/ حزيران ٢٠١٣. فقد جرى على مدار العام الماضي تعديل الدستور إلى دستور عصري لإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة تصون حقوق وحريات كل المصريين. كما أجريت الانتخابات الرئاسية لتسفر عن فوز رئيس يمارس سلطاته باعتباره رئيساً لكل المصريين، وليس لفصيل واحد منهم. وتجري الاستعدادت للانتهاء من الاستحقاق الثالث والأخير من خارطة المستقبل، بإجراء الانتخابات النيابية في شهر مارس/ آذار المقبل. واستعادت البلاد جانباً ملحوظاً من استقرارها السياسي والاجتماعي والأمني. رغم وقوع أخطاء وتجاوزات وجرائم من جانب كل الحكام الذين توافدوا على السلطة منذ خلع مبارك في ١١ فبراير/ شباط ٢٠١١.

تونس تنجو من المصير المظلم

إن الوضع السياسي في تونس يبدو أفضل بكثير عما هو عليه الحال في مصر بإجماع المراقبين. فقد أفلتت تونس من المصير المقبض الذي مرت به كل من جارتها ليبيا بعد إسقاط العقيد القذافي، واليمن بعد تنحى على عبد الله صالح، وسوريا التي تغرق في بحر من الدماء نتيجة للحرب الأهلية المفروضة عليها وتهدد سلامة أراضيها ووحدتها.

فقد أنجزت تونس بالفعل وبأقل خسائر ممكنة مقارنة بمصر كل الاستحقاقات الواجبة لبناء الدولة الجديدة وهي تحتفل بمرور ٤ سنوات على قيام ثورتها المجيدة.

وأنا أكتب هذه السطور كان رئيس الحكومة التونسية المكلف يعلن حكومته التي تضم ٢٤ وزيراً و١٥ كاتب دولة (وزير دولة) بينهم ٩ نساء. ويؤكد أن برنامج حكومته نابع من البرنامج السياسي لحركة نداء تونس التي فازت بالأغلبية في انتخابات نيابية حرة ونزيهة، وعلى رأسها الباجي قائد السبسي الذي فاز هو الآخر في وقت سابق في انتخابات الرئاسة.

ويتساءل المراقبون، لماذا نجحت تونس في عبور النفق المظلم، فيما تعثرت مصر ودفعت وتدفع ثمناً غاليا حتى هذه اللحظة؟
وتأتي الإجابة منهم موضحة أن الصراع بين جميع القوى الفاعلة في تونس جرى من خلال العمل السياسي الديمقراطي السلمي وبأقل قدر من العنف وإهدار حقوق الإنسان. في الوقت نفسه مرت مصر بمرحلة مظلمة تحت حكم جماعة الإخوان المسلمين التي استهدفت تغيير هوية الدولة لتصبح دولة دينية، مما دفع الشعب إلى الثورة على هذا الحكم، والدخول في دوامة جديدة من العنف والإرهاب، واستخدام العصى الغليظة للأمن تحت شعار عودة الاستقرار.

الربيع يتحول إلى عاصفة هوجاء في سوريا واليمن وليبيا

على كل الأحوال، فقد مضى العام الرابع من عمر الثورات العربية مخيباً لآمال معظم الشعوب العربية ومخلفاً مرارات، وانقسامات، وحروب أهلية. ويكفي للدلالة على ذلك إلقاء نظرة سريعة على الأوضاع في سوريا واليمن وليبيا، حيث دخلت هذه البلدان الثلاثة في صراع مسلح وبات الوضع في سوريا أكثر سواداً وقد تحول نصف شعبها إلى نازحين داخل بلادهم أو لاجئين في الدول المجاورة.

وفي ليبيا، هناك حكومتان لا تعترف كل واحدة منهما بالأخرى، وتسعى الميليشيات المسلحة المؤيدة لكل منهما إلى حسم الصراع على السلطة بالقوة المسلحة.

ودخل اليمن في أزمة مفتوحة بعد أن سيطر الحوثيون على الحكم في معظم أنحاء البلاد، وأصبحت مدنه ومحافظاته ساحة للمواجهة المسلحة.

ويظل عام ٢٠١٥ مليئاً بالمفاجئات وبالتوقعات الدرامية المؤسفة لشعوب الدول العربية المنحوسة بما سمى بثورات الربيع، ولا يعلم إلا الله وحده كم هو الثمن الباقي دفعه من وحدتها وسلامة أراضيها.

(صورة العنوان لمتظاهرين يلوحون بأعلام مصر في ميدان التحرير بوسط القاهرة. الصورة بتاريخ ٢٧ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٢، AP/أفلو.)

مصر الربيع العربي تونس الشرق الأوسط سوريا اليمن الديمقراطية