جريمة قتل تعري سياسة اليابان الاجتماعية وقصورها في التعامل مع قضية الهجرة

مجتمع هو وهي

فاجئت جريمة القتل الوحشي لطالب بالمدرسة الثانوية في مدينة كاواساكي اليابانية. ومع ظهور المزيد من المعلومات للنور حول الضحية والمهاجمين المزعومين، تم كشف انقسامات عميقة في نسيج المجتمع الياباني. هذا الحادث قد ألقى الضوء على أوجه القصور في قدرة اليابان على التعامل بشكل ملائم مع القضايا المتعلقة بالأسر ذات العائل الواحد، والفقر، والهجرة.

شباب غير قادر على الاتصال مع المجتمع

قتل أُيمورا ريوتا في فجر يوم ٢٠ فبراير/ شباط ٢٠١٥، على ضفة نهر تاماغاوا في كاواساكي بمحافظة كاناغاوا. فقد أجبر الصبي البالغ من العمر ١٣ عاما على السباحة عاريا في الماء البارد في فصل الشتاء القارس في النهر وكان وجهه وجسمه قد قطع عدة مرات. كانت رقبة الصبي مجروحة بجرح عميق وقاتل عن طريق آلة حادة. كان هناك مجموعة أربطة على الأرض في مكان قريب، وكان هناك كدمات على ركب ريوتا، مما يشير إلى أنه خضع لمعاملة وحشية وهو مكبل اليدين والقدمين وقد أجبر على الركوع.

ألقت الشرطة القبض على ثلاثة مراهقين دون السن القانونية كمتهمين بارتكاب جريمة القتل. واحد من الثلاثة، ”الطفل A“ حدد كزعيم للجريمة ووجهت إليه تهمة القتل. ويبلغ من العمر ١٨ عاما وكان يعيش مع والدته الفلبينية ووالده الياباني، بعد أن انقطع عن الدراسة في المدرسة الثانوية. الاثنان الآخران يبلغان من العمر ١٧ عاما، واتهما بإلحاق إصابات قاتلة بالضحية. أحدهما كان زميل دراسة من المرحلة الإعدادية لزعيم المجموعة والمتهم الآخر، الأصغر بعام التحق بمدرسة إعدادية مختلفة. كان هذا الطفل الأصغر سنا ابناً لأم فلبينية عزباء وأب ياباني.

كما عاش ريوتا أيضا في كنف أمه العزباء باعتباره الابن الثاني في أسرة مكونة من خمسة أطفال. وقد انتقل والده مع العائلة إلى نيشينوشيما في أرخبيل أوكي بمحافظة شيماني للعمل كصياد عندما كان ريوتا في الخامسة من عمره. وقد انفصل الوالدان عندما كان ريوتا في الصف الثالث من المرحلة الابتدائية، وانتقلت الأم مع أطفالها إلى كاواساكي بعد ذلك بعامين.

وانضم ريوتا عند دخوله المدرسة الإعدادية لفريق كرة السلة، لكنه توقف عن التدريب بعد بضعة أشهر، وقد بدأ في الخروج والتسكع مع مجموعة من الأولاد الأكبر سنا. بدأ الارتباط مع المجموعة التي يقودها الطفل A في ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٤ ثم توقف عن الذهاب إلى المدرسة في الشهر الذي تلى ذلك. وفي الصورة تم التقاطها في ذلك الوقت، كانت عين ريوتا وقد بدت باللون الأسود نتيجة التعرض للكم من قبل الولد الأكبر سنا.

من عام ٢٠٠٤ حتى عام ٢٠٠٨ - كنت مشتركا في إعداد تقارير بخصوص الأطفال الذين يعيشون في اليابان مع أبوين أجنبيين. وكان انطباعي الأول عندما سمعت حادثة قتل ريوتا وصلته بالأم الفلبينية هو أن مخاوفي قد تحققت. كنت قد لمست ذلك الجنوح لدى الأطفال من أبوين أجنبيين جزئيا نتيجة لخلل عميق الجذور في المجتمع الياباني وشبكة الأمان الاجتماعي الغير كافية بالمرة. وكنت قلقاً بشكل خاص إزاء ظروف الأطفال من أمهات فلبينيات.

كنت قد رأيت أن الأطفال الذين تربوا في أسر غير ناطقة باليابانية تواجه حاجز اللغة في الحياة اليومية، وكثيرا ما يجدون صعوبة في استكمال دراستهم، بينما تعلمت أيضا أن العنف الأسري هو في كثير من الأحيان جزء من المعادلة. اكتشاف آخر مثير للقلق كان أن المسؤولين عن تقديم المساعدة للأطفال بعيدين كل البعد عن الواقع الذي يواجهونه. كانت هناك حاجة لدعم من طرف ثالث ولكنه معدوم بالنسبة للأطفال الأكثر احتياجا لذلك.

إن قضية الأسر الفقيرة المكونة من أم عزباء بغض النظر عن الجنسية، لهي مشكلة عميقة تتفاقم في اليابان. يفتقر الأطفال من هذه الأسر لواجهة سليمة مع المجتمع بسبب عدم كفاية هياكل الدعم المتاحة. إن مقتل ريوتا بدا لي وكأنه دليل على الفشل الاجتماعي والسياسي بشكل واسع النطاق.

القادمون الجدد من الفلبينيات في كاواساكي

أصدرت أم ريوتا بيانا من خلال محاميها في أعقاب جنازة ابنها. لقد كانت تغادر للعمل كل صباح قبل أن يذهب ابنها للمدرسة، وتعود للمنزل في وقت متأخر، لذلك كان من الصعب أن تعرف كيف كان يقضي ريوتا وقته. أثار هذا البيان ردوداً متعاطفة من العديد من الأمهات العازبات والمؤيدين لها.

إن معدل الفقر النسبي بين الأسر اليابانية ذات العائل الواحد يبلغ ٥٤.٦٪، ونسبة ٨٥٪ من هذه الأسر تعولها امرأة. حوالي ٨٠٪ من الأمهات العازبات في اليابان تعمل خارج المنزل، وبعض منهن يعملن في وظيفتين أو أكثر من أجل تغطية نفقات المنزل، مما يحد من الوقت المتاح لهؤلاء الأمهات للتفاعل مع أطفالهن وتؤثر على قدرة تنشئة الأطفال أيضا.

وهناك عدة عوامل فاقمت من موقف الأمهات العازبات في اليابان، حتى أن عدد الأسر التي تعولها أم عزباء قد زاد. وكان الافتراض الضمني في سياسة العمل أن الرجال يقومون بالعمل من أجل إعالة البيت أو العائلة، وأن عمل الزوجات خارج المنزل ذو طبيعة التكميلية. وثمة مشكلة أخرى وهي زيادة نسبة العمل بدوام جزئي والعمالة الغير منتظمة في مجال العمل العام.

كما تجدر الإشارة موقع قتل ريوتا: حي كاواساكي بمدينة كاواساكي. باعتبارها منطقة صناعية، شهدت المنطقة تدفقا من أنواع كثيرة من السكان منذ فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية. في مايو/ أيار ٢٠١٥ شب حريق في الجوار في نزل منخفضة الإيجار في حي كاواساكي نتج عنه مقتل ١٠ أشخاص. وكان الضحايا من فئة العمال الذين دعموا الاقتصاد الياباني فترة النمو المرتفع في اليابان في ستينات وسبعينات القرن الماضي، لكنهم عاشوا من حياتهم في ظروف سيئة وكان الحريق في مكان لا يبعد كثيرا حيث كان ريوتا والطفل A يقضيان وقتهما.

إن حوالي ٥٪ من سكان الحي من الرعايا الأجانب. وتشمل هذه النسبة الأجيال القديمة التي نزحت لليابان من الكوريتين والمستعمرات اليابانية الأخرى وأبنائهم وأحفادهم، والقادمين الجدد الذين جاءوا بحثا عن لقمة العيش منذ ثمنينات الألفية المنصرمة.

في كنيسة القديس كلير كايزوكا التي تخدم المنطقة يقام قداس باللغة الإنكليزية بعد ظهر كل يوم الأحد. حوالي ٨٠٪ من ٢٠٠ إلي ٣٠٠ مؤمن يحضرون القداس هم من الفليبنيات. ومعظمهن قد دخلن اليابان في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات بتأشيرة ترفيه وتسلية، ثم قمن بالزواج من رجال يابانيين وأمن لأنفسهن الإقامة كزوجات ليابانيين. وكان اثنان من الشبان الثلاثة الذين اعتقلوا بتهمة قتل ريوتا أطفال لنساء من هذا النمط من الفلبينيات.

وقد جاء مقتل ريوتا بمثابة ضربة قاصمة للأمهات الفلبينيات اللواتي يسكن بحي كاواساكي. لقد تحدثت مع واحدة منهن والتي سأطلق عليها ”ماريا“ للحفاظ على هويتها. هي أم عزباء في الخامسة والأربعين من عمرها ولديها طفل في العاشرة من العمر.

”كانت صدمة“ قالت ماريا. ”لقد كنت أتلقى مساعدات عامة، ولكن كنت أعمل بجد لتجنب الاعتماد المفرط على الرعاية الاجتماعية. منذ حادث مقتل ريوتا قمت بتقليص ساعات العمل حتى أستطيع تناول العشاء مع ابني، وقضاء الوقت في الحديث معه، والتحقق من واجبه المنزلي. لقد أخفقت مع شقيقه الأكبر، وأريد أن تسير الأمور بشكل صحيح هذه المرة“.

ماريا تكافح لدعم ابنها ونفسها مع عمل منخفض الأجر والحد الأدنى من المساعدات العامة. إن محنتها شيء مألوف يبعث على الأسى بالنسبة للأمهات العازبات اليابانيات.

الترحيل للفلبين بسبب الانحراف

علمت من ماريا أنها فقدت والدها في عام ١٩٩٠ وجاءت إلى اليابان بتأشيرة ترفيه وتسلية للمساعدة في دعم والدتها، وشقيقتيها الأصغر سنا، وشقيقها الأصغر. وقد دخلت أختيها الكلية بفضل التحويلات المالية التي كانت تقوم بها من اليابان. عملت في البداية في اليابان في حانة لفلبينية ورزقت بطفل من رجل ياباني كانت قد التقت به هناك. كان الرجل في الخمسينات من عمره ولم يتزوج الإثنان. وبعد أن تجاوزت ماريا مدة تأشيرتها عادت إلى الفلبين. وعندما بلغ ابنها الثانية من عمره تركته مع أخته الصغرى وسافرت إلى اليابان مرة أخرى. وقد وجدت عملا في حانة أخرى، ودخلت في علاقة مع رجل ياباني يعمل كعامل بناء.

أم شريكها عارضت الزواج، وانتهى بها الأمر مرة أخرى من دون مؤهلات الإقامة القانونية. ولكن الشريكان قاما بتأسيس عملهما الخاص بمدخراتها ودخلا حياة العمل على مدار الساعة.

وقد تزوجت ماريا وشريكها عندما حملت في سن ٣٧ عاما في ابنها الثاني. وحصلت على تأشيرة زوجة مواطن ياباني وجلبت ابنها الأول لليابان. وقدمت له ماريا ليلتحق بالمدرسة الإعدادية، لكنه سقط في مستنقع حشد من المنحرفين المحليين، وهرب من المنزل مرارا وتكرارا، واعتقل مرارا وتكرارا للسرقة والجنح الأخرى. وتفقد ماريا الاتصال مع الصبي لفترات طويلة، فقط لمعرفة مكان وجوده عن طريق الشرطة.

وفي سن السابعة عشر أنجب الابن الأكبر لماريا طفلاً ولكنه اختلف مع الأم. وبسبب اعتقاله لقيامه بالسرقة تم ترحيله إلى الفلبين في وقت تجديد تأشيرته. كانت ماريا أيضا في الفلبين في ذلك الوقت مع ابنها الثاني. إن الأعمال التجارية التي اضطلعت بها مع زوجها انهارت في أعقاب الأزمة الاقتصادية لعام ٢٠٠٨، وكان زوجها قد اقترح التحاق الابن الأصغر بمدرسة في الفلبين لتعلم اللغة الإنكليزية. افتتحت ماريا صالون تجميل بمدخراتها من اليابان، وألحقت ابنها الأكبر للعمل في هذا المجال.

بعد خمس سنوات من الذهاب والإياب بين اليابان والفلبين، عادت ماريا إلى اليابان مع ابنها الأصغر في عام ٢٠١٤. وكانت حريصة على الصبي للاحتفاظ بما تعلمه من اللغة والعادات اليابانية. ولم تكد تعود حتى دفعها العنف المتكرر من قبل زوجها لطلب الطلاق.

صدمة مشاهدة الأم تتعرض للعنف

كان زوج ماريا كما علمت يسيء معاملتها جسديا يوميا طالما كانا معا. وعندما استؤنف العنف ضدها بعد عودتها إلى اليابان، حث ابن ماريا البالغ من العمر ١٠ سنوات والدته بهجر هذا الرجل. وكان الحاحه حاسما. وكان الابن الأكبر لماريا أيضاً حريصاً على أن تترك زوجها العنيف. حيث كان يشعر بالفزع إزاء العنف اليومي ضد والدته والذي كان يشهده بشكل دائم، وأنه أيضا قد تعرض للضرب من زوج أمه.

لم تقم ماريا بحماية أبنائها من غضب زوجها بل قامت برفع يديها عليهما في شقة الأسرة. حيث أن معاناتها على يد زوجها تركتها مع القليل من الصبر تجاه أي عصيان أو خطأ من ناحية الأولاد.

إن ”أختي التي اهتمت بابني الأكبر سنا في الفلبين تقول إنه كان دائما ودوداً وواضحاً مع الجميع هناك“، حسبما ذكرت ماريا. ولكن الصبي شعر بعدم الراحة بعد الخروج من بيته، وكان رد فعله على استمراره في العنف هو حرمانه من أفراد أسرته. كان الأشخاص الذين وجد نفسه معهم في نهاية المطاف فرقة محلية من المنحرفين. ماريا لمست المشكلة، ولكن لم يكن لديها أحد يمكن أن يساعدها.

”الناس في الفلبين يعتقدون أن الزواج من ياباني يعني حياة السعادة“، قالتها ماريا وهي تطلق تنهيدة. ”لم يكن لدي قلب أن أقول لأمي أو أخواتي ما كنت أمر به“. كما لم تقم ماريا بمناقشة مشاكلها مع معارفها من الفليبنيات في الحي. كان لديهن جميعا نفس أنواع المشاكل، وهن يفضلن التحدث عن مواضيع خفيفة وأكثر متعة عندما يلتقين مع بعضهن البعض.

الأطفال الذين لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم

إن العنف لا يولد سوى العنف، ويسرق احترام الذات ويولد مشاعر متبادلة من العار لكل من الضحية والجاني. الضحايا في كثير من الأحيان لديهم نقص أو فقدان في القدرة على التفاعل مع الآخرين والانسحاب من العالم. وفي أغلب الأحيان، فأولئك الذين قاموا بممارسة العنف المروع هم الأفراد الذين عانوا أو كانوا شهودا على العنف المنزلي. وقد ذكر زعيم العصابة في حادثة قتل ريوتا إنه كان ينتظر خارج المنزل كلما بدأ والديه يتشاجران حتى تهدأ العاصفة وتخف حدة الجدل بينهما.

العنف المنزلي هو أمر شائع ومثير للقلق بين الأزواج اليابانيين والزوجات من الدول الآسيوية الأخرى. وهناك الكثير من هؤلاء الرجال هم من العمال ذوي الياقات الزرقاء أو هم رجال أكبر بكثير من زوجاتهم، والكثير منهم من غير الأسوياء من الناحية الاجتماعية. فهم يميلون أن يكونوا من بيئات منزلية حيث لا يتم الاكتراث بالنساء أو تعامل على قدم المساواة مع الرجال. وهكذا نجد الزواج يملؤه التحيز الياباني تجاه غيرهم من الآسيويين وازدراء الرجال للنساء.

إن العلاقات بين الأزواج والزوجات تؤثر بالطبع على الالتزام بتربية الأطفال. إنهم يؤثرون أيضا على اكتساب الأطفال لمهارات اللغة اليابانية وقدرات التعبير عن الذات بشكل عام. بعض الأطفال الذين يولدون لأمهات أجنبيات ونشأوا في اليابان قد يبدو أنهم يجيدون اللغة اليابانية بطلاقة، ولكنهم يحتاجون إلى دعم دقيق في تنمية مهاراتهم اللغوية.

الرجال اليابانيون في كثير من الأحيان لا يشاركون بفعالية في تربية الأطفال والأزواج اليابانيين للعرائس الفليبنيات نادرا ما يتحدثون اللغة التاغالوغية أو الإنكليزية، لذلك يتكلمون عادة مع زوجاتهم باللغة اليابانية. الزوجات، وفي الوقت نفسه، نادرا ما يجيدن اللغة اليابانية وبالكاد يكن في وضع يمكنهن من مساعدة أطفالهن على بناء مفردات في تلك اللغة.

عند دخول المدرسة عادة ما يجد الأطفال صعوبة في المواكبة مع المدرسية بسبب الصعوبة في فهم ما يقوله الأساتذة. فهم يميلون لأن يكونوا متحفظين تجاه مناقشة مشاكلهم بصراحة مع أمهاتهم. أما بالنسبة للمعلمين ومديري المدارس، فيميلون أن يلومون الطلبة بسبب أدائهم الضعيف ومجهوداتهم الغير كافية أو على نقص أساسي في الكفاءة. قليل منهم يتكبدون عناء البحث عن دور محتمل للبيئة المنزلية في التأثير على الأداء الأكاديمي التلاميذ.

والمشاكل المذكورة والتي تبرز باستمرار في قصص الأطفال من أمهات فلبينيات وآباء يابانيين الذين تحدثت معهم. أحد الأطفال الذكور اختلى بنفسه في شقة عائلته بعد الانتهاء من المدرسة الإعدادية، ورفض التعامل مع الآخرين. حيث إنه لم يكن قادرا على التعبير عن مشاعره الداخلية العميقة باللغة اليابانية وفقد القدرة على التوصل إلى تفاهم مع مشاعره حتى بمفرده. وكان الفتى يريد الحصول على وظيفة ولكن لم يستطع الصمود أمام التفكير في التعامل مع الناس. لقد تطورت مشاعر قلق حادة بداخله، وفي يوم من الأيام، تفجرت فجأة وتحولت إلى عنف.

مثل أبناء ماريا، فإن الشاب قد رأى والدته تعاني من العنف مرارا وتكرارا على يد زوجها. وكان قد استسلم لاحتقار الذات بسبب عدم قدرته على حمايتها. وقد كبت الشاب الغضب الذي يشعر به تجاه والده. وأشار الشاب إلى التمييز الذي كان يعاني منه في المدرسة، ابتداء من المدرسة الابتدائية. لكنه لم يحتفظ بأي ذكرى قد تسبب له فورة من العنف. وهو لا يزال يناضل على عدم قدرته على التعبير عن تجاربه.

فتى آخر من الشباب الذين تحدثت معهم كان قد ولد في الفلبين. وقد طلقت والدته وانتقلت مع ابنها البالغ من العمر عامين للعيش في اليابان، حيث تزوجت من رجل ياباني. وصف الابن المعاناة التي كان يعيشها بسبب العنف الذي تعرض له من قبل زوج أمه وأفراد أسرة زوج الأم في الواقع. ولم تكن والدته قادرة على منع العنف، ووجد الصبي نفسه غير قادر على إخبار والدته عن البلطجة التي عاشها في المدرسة.

وقد تورط الفتى الفلبيني في أشكال من الانحراف الخطير في مرحلة المدرسة الإعدادية، لكنه اعتمد على نفسه وأكمل المرحلة الثانوية. الآن عمره ٢٤ عاما، ويعمل بوظيفة مشغل معدات بناء. وقد أظهر الفتى ثقة في مهاراته في التعامل مع معدات البناء، لكنه أسر لي أنه يناضل يوميا لإخفاء بركان الغضب الذي يغلي في داخله. سألته عن الهدف من غضبه، لكنه لم يتمكن من الإجابة على وجه التحديد.

عدم الرغبة في الطلاق!

السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تصبر الزوجات الفلبينيات على عنف أزواجهن. قالت ماريا أحد الأسباب التي تمنعهن من حزم أمتعتهن والرحيل هو تنشئة المرأة في الكنيسة الكاثوليكية والتي تحظر الطلاق بشكل عام. سبب آخر، أضافت ماريا، هو أن النساء لا يحبذن احتمالية تربية الأطفال وحدهن في أرض أجنبية.

”بعض الزوجات الفلبينيات لا يزلن لا يستطعن التحدث باليابانية حتى بعد أن عشن في اليابان لأكثر من ٢٠ عاما“ أشارت ماريا. ”السيدات في مثل ذلك الموقف يشعرن بالرعب والخوف الشديدين من فكرة بقائهن وحدهن كأم عزباء. مجرد التفكير في الحاجة إلى ملء استمارات الطلاق بأنفسهن يكفي لجعل بعضهن يتخلين عن الفكرة“.

وقد نسبت ماريا قرارها في طلب الطلاق لإقامتها في الفلبين. بعد التخلص من العنف الذي مورس ضدها، قد استعادت الاستقرار العاطفي لاتخاذ خطوة حاسمة. ماريا التي تركت عائلتها في سن العشرين، وجاءت إلى ليابان للعمل في حانة، اكتسبت القليل من القدرات العملية في التفاوض من أجل الحياة في المجتمع. وكان وقت عودتها للفلبين مرة أخرى شيئا يشبه بداية جديدة بعد معاناة طويلة. فمشاهدة أفراد أسرتها يقوموا بالتعامل مع متطلبات الحياة اليومية، بغض النظر عن فقرهم كان أمر ملهم. واكتسبت ماريا الثقة في الفلبين في أنه بامكانها التغلب على المصاعب وإدارة الأسرة بشكل مستقل عن زوجها أيضاً.

بالعودة مرة أخرى لليابان، استدعت ماريا الشرطة في يوم من الأيام بعد أن أسقطها زوجها أرضا من على الدرج. وقد علمت من الشرطة عن مركز الاستشارات التي تديرها المدينة لضحايا العنف المنزلي، وطلبت المساعدة هناك. المساعدة المتاحة من المدينة شملت المساعدات المالية والتي مكنت ماريا من استئجار شقة في بنفسها.

تفتقر الكثير من الزوجات الفلبينيات للقوة التي حشدتها ماريا لطلب المساعدة المتاحة من والكالات العامة. كما أن الكثير منهن غير قادرات على حشد الشجاعة اللازمة للتخلص من العنف.

الاتجاهات السائدة لمؤهلات الإقامة في البلد الأم

بلغ عدد الرعايا الأجانب المقيمين في اليابان ٢ مليون و١٢١,٨٣١ في نهاية عام ٢٠١٤، ليزيد بذلك بنسبة ٢.٧٪ مقارنة بالعام السابق. إن سياسة الهجرة اليابانية، ومعارضة الهجرة بشكل عام، أصبحت أكثر مرونة إلى حد ما من أجل استيعاب حاجة اليابان للأيدي العاملة. وهكذا نجد اتجاهات واضحة في مؤهلات الإقامة الأكثر شيوعا بين الجنسيات المختلفة من المقيمين الأجانب.

على سبيل المثال، تستوعب اليابان العمال الذين ينحدرون من أصول يابانية من أمريكا اللاتينية وأزواجهم مع تأشيرات ”إقامة طويلة المدى“. تلك التأشيرات متاحة للجيل الثاني والثالث المنحدر من أصول يابانية. ولدى حاملي التأشيرة الحرية في القيام بأي نوع من أنواع العمل في اليابان. وظائف المصنع بوساطة خدمات التوظيف هي خط شائع من العمل لهؤلاء المقيمين. إن عدد البرازيليين في اليابان، وبصورة رئيسية في إطار برنامج الإقامة طويلة الأجل لمن ينحدرون من أصول يابانية، بلغ نحو ٣١٧,٠٠٠ في عام ٢٠٠٧ لكنه تراجع بشكل حاد بعد أن ضربت الأزمة الاقتصادية العالمية اليابان في العام التالي. نحو ١٧٥,٠٠٠ برازيلي يقيمون في اليابان وفقا لآخر إحصاء العام الماضي ٢٠١٤.

تشكل الجالية الصينية أكبر جالية أجنبية مقيمة في اليابان إذ يبلغ عددهم نحو ٦٥٥,٠٠٠ صيني عام ٢٠١٤. وهم يقيمون في اليابان في إطار عدة مؤهلات متنوعة، مثل أحد الزوجين أو الطفل من ياباني، طالب، والمتدرب. أقام حوالي ١٠٠,٠٠٠ فيتنامي في اليابان في عام ٢٠١٤. وكان معظمهم يقيم في اليابان في إطارة تأشيرة متدرب أو طالب، مع أن بعضا منهم كانوا لاجئين إبان حقبة الحرب الباردة أو أبناء وأحفاد هؤلاء اللاجئين. والأفراد الذين سمح لهم بدخول اليابان كالاجئين غالباً يقيمون هناك في إطار برنامج الإقامة طويل الأجل نفسه الذي يتسع للمواطنين من أصول يابانية القادمين من الخارج.

إن البرنامج الرائد لليابان الخاص بالمتدربين هو برنامج تدريب فني. هذا البرنامج هو ظاهريا مبادرة في مجال التعاون الدولي ــ قاعدة لتبادل تكنولوجيا التصنيع اليابانية مع الدول النامية من خلال التدريب المهني للعمال الشباب. لكن في الواقع هذا البرنامج هو إلى حد كبير مجرد وسيلة لاستيراد اليد العاملة غير الماهرة لتكمل تقلص ونقص القوى العاملة في اليابان. كبار البيروقراطيين في اليابان لا يمكنهم فتح البلاد رسميا أمام تدفق العمالة غير الماهرة، لذلك يلجأون إلى حيلة لقبول العمال بقبولهم كعمال ”متدربين“.

وقد لاحظ المراقبون في اليابان والعالم أن تأشيرات المتدرب الصورية ما هي إلا تذاكر للسماح بممارسات العمل التعسفية. ولكن بعيدا عن تقليص برامج تأشيرات المتدربين فالحكومة اليابانية توسع البرامج. حيث أن المتعاقدين اليابانيين سوف يحتاجون إلى زيادة كبيرة في إمدادات الأيدي العاملة من وتيرة أعمال البناء المتسارعة استعدادا لأولمبياد طوكيو ٢٠٢٠. الحكومة اليابانية تتجه لاستيعابهم بإطالة فترات الإقامة قدر الإمكان في إطار برامج المتدرب. وتزيد الحكومة اليابانية من جاذبية تأشيرات المتدرب من خلال السماح لحاملي التأشيرات بالمغادرة والعودة لليابان خلال فترات إقامتهم.

لقد كانت اليابان موطنا لحوالي ٢١٨,٠٠٠ مواطن فلبيني في عام ٢٠١٤، وبلغت نسبة النساء حوالي ٨٠٪ من هؤلاء المقيمين. وبلغ عدد حاملي تأشيرات الترفيه والتسلية والتي كانت تعد إحدى الوسائل المفضلة لدى الفليبنيات لدخول اليابان، ٤٣٦ فقط. في المقابل، أقام ١١٦,٠٠٠ مواطن فلبيني في اليابان كمقيمين دائمين، ٤٠٠٠ كأزواج لمن لديهم الإقامة الدائمة، ٢٩,٠٠٠ كأزواج لمواطنين يابانيين، و٤٤,٠٠٠ كمقيمون إقامة طويلة المدى.

حان الوقت لسياسة هجرة حقيقية

لم تمتلك اليابان في الأساس سياسة للتعامل مع المقيمين الأجانب في عام ٢٠٠٤، عندما بدأت التحقيق في القضايا التي يواجهها هؤلاء المقيمين. وكانت الحكومات المحلية في طليعة سياسة الهجرة، وتقديم الدعم للمقيمين الأجانب اختلف إلى حد كبير من قبل كل محافظة ومدينة. وقد تحسنت المساعدات البلدية والمحلية للمقيمين الأجانب بشكل كبير في مختلف أنحاء البلاد. وتبنت العديد من الحكومات المحلية سياسات استباقية لرعاية المجتمعات متعددة الثقافات. وقد شملت مبادراتها ضمان التحاق الأطفال الغير يابانيين بالمدارس الحكومية، ورفع مستوى قدراتهم للتشاور مع المقيمين الأجانب حول تعليم الأطفال، وتوفير دروس تعلم اللغة اليابانية لتلاميذ المدارس الأجانب، ونشر المترجمين لمرافقة الأجانب المقيمين في العيادات الطبية والمستشفيات.

يمكننا أن نضع في الحسبان التحسينات التي لا يمكن إنكارها في البيئة للمقيمين الأجانب في اليابان. وفي الوقت نفسه، نحن بحاجة لملاحظة الفروق المتزايدة في الاتساع بين المحافظات والمدن. هذه الفروق واضحة خصوصا في توافر دروس اللغة من عدمه. اليابان بحاجة ماسة إلى تجميع سياسة موحدة لاستيعاب المقيمين الأجانب.

العديد من المهاجرين ساروا في حياتهم بشكل جيد في اليابان، بطبيعة الحال، على الرغم من الهياكل الأساسية الغير كافية للدعم. لقد بنوا سبل العيش ورفعوا عائلاتهم، وقام الجيل الثاني من الأجانب المقيمين في حالات عديدة باستكمال الطريق بنفس الطريقة ناجحة. وبالنظر بدقة، يمكننا تحديد القاسم المشترك في التجربة الخاصة بالأطفال الأجانب والتي ازدهرت في اليابان. يتمتع معظم هؤلاء الأطفال بفوائد المحبة من الآباء ومعلمي مدارس متفهمين. وهذه الفوائد قد استثمرها الأطفال مع ثقة في مجتمعاتهم. نحن بحاجة إلى أن نكون منتبهين على قدم المساواة، إلى تجربة الأطفال التي حققت نجاحا أقل في اليابان.

هذا التعليق يأتي من أحد الأفراد الذي عمل لسنوات بشكل مهني في تقديم الدعم للمقيمين الأجانب: ”يبدأ الأطفال التواصل استنادا إلى الطبقة الاجتماعية بدلا من الجنس أو الأصل العرقي. الأطفال الذين تم الاستغناء عنهم من قبل الروابط الاجتماعية، ولكن الخروج من المجموعة يمكن أن يكون صعبا أو مستحيلا“.

تلقى ريوتا القليل في طريق الدعم الروحي من والديه أو من المجتمع، مما أدى به للخروج عن المسار وينجرف إلى مدار المجموعة التي يرأسها الطفل A. إن الرسائل التي تركها مع أصدقائه على اللاين أثبتت مأساة دقيقة: ”عندما قلت أنني سأترك المجموعة، أصبحر العنف أسوء وأقسى. لا أستطيع أن أتحمل هذا العنف بعد الآن. ربما أقتل“.

وذكرت وسائل الإعلام أن ريوتا كان لديه أصدقاء حميمين في نيشينوشيما وكاواساكي. ربما لم يستطع الطفل A تحمل فكرة ترك ريوتا لمجموعته والعودة إلى طبقة اجتماعية أخرى. وقد قام بتوجيه ضرب مبرح لريوتا قبل نحو شهر من حادثة القتل. في ذلك الوقت، ذهب بعض أصدقاء ريوتا إلى الزعيم وحثوه على الاعتذار. ”لقد كنت أستشيط غضبا حقا“ قال الطفل A لأعضاء النيابة العامة، ”أن الكثير من الناس كان يهتمون كثيرا بريوتا“. ويبدو أن العنف القاتل الذي قام به الطفل A قد وجه بقدر ما ضد المجتمع الذي رفضه مقابل فرد آخر.

تفقد اليابان نحو ٢٢٠,٠٠٠ من المواطنين سنويا وذلك بسبب انخفاض معدل المواليد. والتدفق المتزايد للمقيمين الأجانب أصبح أمراً لا مفر منه. حيث تحتاج عملية استيعاب هذا التدفق أن تشمل التدابير اللازمة للتصدي لاحتياجات الأطفال غير اليابانيين. إن معاملة الأشخاص الذين ينتقلون إلى اليابان بشكل جيد هو أكثر من مجرد مسألة عرض للضيافة أو من احترام حقوق الإنسان. بل هو جزء من نهج الحس السليم لتعزيز الاستقرار الاجتماعي للأمة. لقد حان الوقت لليابان لصياغة سياسة هجرة حقيقية.

(النص الأصلي كتب باللغة اليابانية وتم نشره بتاريخ ٢٧ مايو/أيار ٢٠١٥، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مجموعة من الزهور والعناصر الأخرى وضعت في ذكرى أيمورا ريوتا بالقرب من الموقع الذي عثر فيه على جثته بجوار نهر تاماغاوا في كاواساكي بمحافظة كاناغاوا. تاريخ الصورة ٢٤ فبراير/ شباط ٢٠١٥. الصورة من جيجي برس.)

اليابان الفقر زواج تأشيرة آسيا مقيم عمل الهجرة