الإنجازات الهامة لزيارة آبي للولايات المتحدة الأمريكية

سياسة

بينما يقول الكثير من المحللين إن زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الأخيرة للولايات المتحدة كانت ناجحة بشكل جيد، إلا أن ناكاياما توشيهيرو يصفها بالزيارة الغير مسبوقة ليس بسبب نوع العلاقة الشخصية التي تحظى بطابع خاص من قبل رؤساء وزراء يابانيين سابقين في تعاملاتهم مع الرؤساء الأمريكيين ولكن من خلال الالتزام المشترك لهذا النوع من الأطر الضرورية لبناء شراكة عالمية جديدة.

بتقديري شكلت زيارة رئيس الوزراء شينزو آبي الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية نجاحاً كبيراً.

ولعل البعض يجادل في ذلك مشيراً إلى أن الزيارة نجحت كمناسبة علاقات عامة فقط. ولكن استقبال الرئيس باراك أوباما لرئيس الوزراء آبي في هذه المناسبة يرقى لأن يوصف بأنه ”احتضان كامل“. وعلى الرغم من أن النتائج الملموسة للقمة قد لا تكون لبّت جميع التوقعات، ولكن بالنسبة لي، يبدو أن آبي حقق فيها كل ما بوسعه، إذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف التي كانت تقيده. فحسب نتائج آخر استطلاع للآراء، فإن صورة اليابان دوليا في تحسن ملحوظ مجددا، الأمر الذي يشكل تصحيحا لتراجع لفترة وجيزة أثار قلقا كبيرا بين الكثيرين هنا، وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار الشكوك المتنامية التي تكتنف الشؤون الشرق آسيوية. يبدو أن آبي بأدائه الواثق المدهش، هو التجسيد الحقيقي لهذا المسار الجديد المرحب به.

في زيارته السابقة للولايات المتحدة بدا آبي أنه يركز في خطابه الذي حمل عنوان ”عودة اليابان“ على استمالة المجتمع السياسي. أما في هذه المناسبة الأخيرة، فيبدو أن آبي كان يحاول الوصول إلى شريحة أكبر من الجمهور وهدفه الأشمل كان إعطاء صورة أن اليابان شريك جدير بالثقة.

ولكن ظروفاً خارجة عن سيطرة آبي هددت بتلاشي تأثير زيارته مثل اندلاع احتجاجات عنيفة في مدينة بولتيمور المجاورة والتي أسرت اهتمام البلاد. وخلال المناسبة، جاءت أولى تصريحات أوباما الجدية في العلن حول أعمال الشغب في بولتيمور خلال مؤتمر صحفي مشترك في البيت الأبيض أجراه مع آبي في ٢٨ أبريل/ نيسان، ما أدى إلى أن جزءاً صغيراً على الأقل من ذلك المؤتمر الصحفي احتل الصفحات الأولى في وسائل الإعلام الوطنية.

الرمزية والسياسة في زيارة آبي

بدا أن زيارة آبي التي استمرت أسبوعا انقضت بسرعة، ربما لأنها كانت مثمرة من ناحية الشكل والمضمون.

فمن الناحية الشكلية والرمزية، وضع تفاعل آبي مع أوباما نهاية المخاوف بعدم وجود تجاذب شخصي بين الزعيمين. كما ترك آبي أيضاً انطباعاً إيجابياً قوياً من خلال خطابه الذي ألقاه في الكونغرس باللغة الإنكليزية.

أما خارج واشنطن، فقد استوفى آبي بنشاط متطلبات مسار رمزي للعلاقات بين اليابان والولايات المتحدة ذات العمق ومتعددة الأوجه.

كما أحرزت الزيارة تقدماً من الناحية السياسية. فاجتماعات (اثنان زائد اثنان) بين وزيري خارجية ودفاع البلدين أثمرت عن اتفاقية حول أسس التعاون الدفاعي المشترك التي تم تطويرها. وجددت الحكومتان أيضا التأكيد على التزامهما باتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ ومن المقرر أن تسرّعا المفاوضات مع رؤية بالتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن اتفاقية تجارة حرة إقليمية وطموحة قبل نفاد الوقت.

شريك جدير بالثقة في أوقات عصيبة

في الحقيقة إن قلة من الزعماء اليابانيين في التاريخ القريب تركوا انطباعاً عميقاً مماثلاً على الأمريكيين. وربما رئيسا الوزراء اللذان سبقا آبي وتركا الانطباع الأكبر هما ناكاسوني يوسوهيرو (١٩٨٢-١٩٨٧) وكويزومي جونئيتشيرو (٢٠٠١-٢٠٠٦) مع استبعاد رئيس الوزراء هاتوياما يوكيؤ الذي ترك انطباعاً من نوع مختلف. فكلاهما عزز علاقته الشخصية مع الرئيسين اللذين سكنا البيت الأبيض في ذلك الوقت وهما رونالد ريغان وجورج دبليو بوش، على التوالي، لتحقيق تقدم في العلاقات الثنائية. ولكن إنجاز آبي كان ذا طبيعة أكثر ثباتاً. ففي زيارته الأخيرة، نجح في زيادة وعي الأمريكيين بأهمية اليابان كشريك من خلال تذكير واقعي كيف أن البلدين لا يستطيعان الاستغناء عن بعضهما الآخر.

والاختلاف واضح عندما نقارن المواضيع التي كانت محور اهتمام وسائل الإعلام خلال القمم الدبلوماسية التي جمعت ثلاثة زعماء يابانيين وأمريكيين. ففي حالة ناكاسوني، كان التركيز على كوخ ”هينوديه سانسو“ الجبلي المبني على الطراز الياباني والذي رسخ فيه ناكاسوني علاقته بريغان. أما في حالة كويزومي، فكان التركيز على مزرعة بوش في كروفورد بتكساس، وزيارته لنصب تذكاري للمطرب إلفيس بريسلي في غريسلاند بصحبة بوش. ولكن أسس دبلوماسية آبي تجاه الولايات المتحدة تمثلت في مسعاه من أجل ”تحسين التحالف الثنائي“ (من خلال التشريع الدفاعي الذي لا يزال قيد المناقشة وتعديل أسس التعاون الدفاعي الياباني الأمريكي) وفي ”بناء إطار عمل مبتكر لاقتصاد مفتوح بين اليابان والولايات المتحد“ (اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ لتحرير التجارة)، بالإضافة إلى إلقاء خطاب في جلسة مشتركة بالكونغرس الأمريكي من قبل رئيس وزراء ياباني لأول مرة على الإطلاق.

ويعكس هذا التطور إلى حد كبير الحاجات المتغيرة لكلتا الحكومتين في عالم محفوف بتحديات تواجه النظام الدولي بالإضافة إلى الشكوك حيال الظهور السريع للصين. وطبقا لذلك فقد تركزت زيارة آبي حول ما يمكن لليابان والولايات المتحدة أن تقوما به معا لمعالجة هذه المشاكل. ونتيجة لذلك، فقد كانت زيارة آبي أول زيارة لرئيس وزراء ياباني إلى الولايات المتحدة مبنية على افتراض وجود شراكة حقيقية بين اليابان والولايات المتحدة، وهو مفهوم تبلور تلقائيا خلال أسبوع من النقاشات والخطابات، وذلك بدلا من هوس اليابان في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية للسعي نحو المساواة مع الولايات المتحدة. ويعود الفضل في كثير من هذا المضمون الجديد في العلاقات اليابانية الأمريكية إلى مبادرة رئيس الوزراء آبي الخاصة، ولكنه أيضا نتاج سنوات من الجهد الدؤوب لكل من طوكيو وواشنطن بهدف تهيئة العلاقة الثنائية لوضع متغير في منطقة آسيا المحيط الهادئ وفي أنحاء العالم.

التعاون لإقامة نظام عالمي جديد

تعطي اليابان وقتا أطول وموارد أكبر في علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة أكثر من أي دولة أخرى في العالم. وداخل اليابان، لا ترتبط التقييمات المتعلقة بسياسة الحكومة نحو الولايات المتحدة الأمريكية بشكل حتمي مع وضع العلاقات الثنائية فحسب وإنما بالاتجاه الإجمالي للسياسة الخارجية في ظل مجلس وزراء محدد. وعندما يكون الوضع كذلك، فبإمكان المرء أن يتوقع أنه من النادر أن يحصل آبي أو أي رئيس وزراء آخر على موافقة بالإجماع من قبل الشعب الياباني تجاه أي مبادرة ثنائية. والتقييمات المحلية لزيارة آبي الأخيرة اشتملت على كل القضايا لأنها مشروطة بوجهات نظر مراقبين مستقلين حول أمور مثيرة للخلاف مثل مشاريع القوانين الأمنية التي يتم تداولها حاليا في البرلمان، ووجهة نظر آبي حول القضايا التاريخية، وعلاقات اليابان مع الصين وكوريا الجنوبية، والتواجد العسكري الأمريكي في أوكيناوا، ومن هنا جاءت المجموعة الواسعة من وجهات النظر التي طرحتها وسائل الإعلام. وفيما يأتي، أود أن أعرض تقييمي الخاص فيما يتعلق بالإنجازات الرئيسية للزيارة.

من وجهة نظر سياسية، تمثلت النقطتان المحوريتان في الزيارة الأخيرة، دون أدنى شك، في تعديل أسس التعاون الدفاعي الياباني الأمريكي واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ لتحرير التجارة. وعلى الرغم من أن هاتين المبادرتين تقعان في نطاقين سياسيين مختلفين (الأمن والتجارة على الترتيب)، إلا أنهما يمثلان جهدا مهما من قبل اليابان والولايات المتحدة لتطوير نظام لمنطقة آسيا - المحيط الهادئ في القرن الواحد والعشرين. ومن خلال الأسس الدفاعية المشتركة المعدلة واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، فإن البلدين يكافحان لبناء إطار سياسي واقتصادي يتطلع نحو المستقبل لدعم النظام الدولي بالاستناد إلى اللعب وفق القواعد، وفي نفس الوقت الاستعداد للعمل بخطوات ثابتة إذا تعرض النظام الحالي والأعراف السائدة لتهديد. وعلاوة على ذلك، فإن كلتا المبادرتين لها نطاق عالمي. وهذا ما يجب أن يكون، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن معظم التحديات الرئيسية التي تواجه العالم في وقتنا الحالي، على خلاف التهديدات في الماضي، تتخطى الحدود الجغرافية. وهذا هو السبب في أن الأسس الدفاعية وسعت نطاق استراتيجية التعاون.

إن توافق آبي وأوباما على تسريع المفاوضات الثنائية بشأن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ له تأثيرات عالمية أيضا، وذلك في الوقت الذي يُنظر فيه إلى اتفاقيات التجارة الحرة الكبرى على أنها مستقبل التجارة الدولية. ومن وجهة نظر استراتيجية، فإن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ هي اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى، وذلك مع تسارع الجهود لتدشين وشيك للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تدعمه الصين. فانهيار مفاوضات الشراكة عبر المحيط الهادئ قد يُعتبر هزيمة دبلوماسية لليابان والولايات المتحدة. ومن شأنه أيضا أن يحول تعهد إدارة أوباما ”بإعادة التوازن“ نحو آسيا إلى وعد فارغ.

وفي هذا السياق، فإن حصيلة زيارة آبي إلى واشنطن كانت مهمة للغاية من حيث أنها أكدت على التزام الحكومتين بالتعاون في خلق نظام دولي قوي.

إرجاء القضايا التاريخية

ولكن ماذا بشأن قضية المصالحة التاريخية والتي كان بعض المراقبين يحذرون من أنها قد تقضي على آمال آبي في إنجاز قمة مثمرة؟

تميل الانتقادات والشكوك المحيطة برئيس الوزراء آبي في الدول الغربية إلى التركيز على معتقداته المفترضة حيال سياسات وأعمال اليابان الإمبراطورية في شرق آسيا، وعلى وجه الخصوص اعتبارا من ثلاثينيات القرن العشرين. وقد أشار بعض الخبراء الأمريكيين في الشؤون الشرق آسيوية إلى أن مبادرات آبي الأمنية، التي تغلفها طبقة من البراغماتية، هي في حقيقة الأمر مدفوعة بوطنية ذات جذور عميقة.

وحتى الآن يبدو أن تصريحات آبي حول الموضوع هذه المرة مقبولة إجمالا، على الأقل بالمعايير الأمريكية. يبدو أن آبي كان مستعدا بعناية وحساسا تجاه الطريقة التي جُرّت بها واشنطن إلى الجدل المتصاعد على خلفية مصالحة تاريخية. وعلى الرغم من أن رغبة رئيس الوزراء بتجنب القضايا الخلافية كانت في بعض الأوقات واضحة بصورة مؤلمة، ولكني أعتقد أنه قال ما يجب قوله في سياق الحفاظ على علاقة بناءة مع الولايات المتحدة. وهذا لا يعني أن آبي بدد بشكل كامل غيوم الشكوك المذكورة آنفا. والاختبار الحقيقي، من وجهة نظر المتشككين الأمريكيين، سيكون في تصريحات رئيس الوزراء بمناسبة الذكرى السنوية السبعين على انتهاء الحرب العالمية الثانية المقررة في شهر أغسطس/آب هذا العام.

إن الرسالة المفتوحة التي قام بتوقيعها ١٨٧ مثقفا يابانيا والمنشورة في ٥ مايو/أيار، أي الأسبوع الذي تلى زيارة آبي، تؤكد شكوك أكاديميين غربيين فيما يتعلق بالادعاءات بوجهة نظر آبي ”اليمينية“ بشأن التاريخ الياباني. (وقد نُشرت قائمة إضافية من الأسماء في ١٩ مايو/أيار ليصل عدد الموقعين على هذه الرسالة إلى أكثر من ٤٥٠ شخص). وبينما تحافظ الرسالة على لهجة إيجابية بصورة أساسية إلا أنه من الواضح أنها تستند إلى هذه الشكوك ذات الجذور العميقة. ودون مبالغة، يجب على آبي ومؤيديه إدراك أهمية بيان موقع من قبل هذا العدد الكبير من المثقفين من خلفيات متنوعة.

وبالتالي فإن العلاقة اليابانية الأمريكية لم تتطور على مستوى واحد أو اثنين وإنما على مستويات متعددة. وعلى الرغم من أن تلك الأبعاد المختلفة تتقاطع بصورة حتمية، إلا أنها لا تتراكب مع بعضها بشكل دقيق. فالعلاقة التي تطورت في المجال الأكاديمي ليست هي نفسها العلاقة الثنائية السياسية أو الأمنية.

كما يجب علينا أن ندرك أن وجهات النظر الأمريكية حول اليابان تشكل طيفا واسعا من الوجهات، تماما مثل تباين وجهات النظر اليابانية حول الولايات المتحدة بصورة كبيرة. ومن بين الموقعين الأصليين على الرسالة المفتوحة، هناك قلة صغيرة جدا من المختصين في العلاقات الدولية أو الشؤون الأمنية. بالإضافة إلى أن الكثير من المختصين اليابانيين المرتبطين بمراكز بحوث أمريكية كبيرة اختاروا عدم التوقيع على الرسالة. وبالتأكيد، فإن عدد الموقعين على الرسالة يستحق، كما هو عدد الرافضين للتوقيع عليها، وقفة تأمل. ومن الأساسي تبني وجهة نظر متوازنة تجاه أي تقييم جاد للقضايا التاريخية وأهميتها بالنسبة لسياسة آبي الخارجية.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية في ٢١ مايو/أيار ٢٠١٥. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يتبادل المزاح مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد وصوله إلى العاصمة الأمريكية واشنطن في ٢٧ أبريل/نيسان. صورة رسمية من البيت الأبيض).

الولايات المتحدة شينزو آبي العلاقات اليابانية الأمريكية رئيس الوزراء الياباني الكونغرس الأمريكي باراك أوباما