الأمن الياباني وبناء الصين لجزيرة جديدة في بحر الصين الجنوبي

سياسة

إن جهود الصين الحثيثة لاستصلاح الأرض في بحر الصين الجنوبي تقوم بتحويل الشعاب المرجانية إلى جزر بمطارات ومهبط للطائرات. فبينما تقوم الصين ببذل ما في وسعها لمحاولة بسط سيادتها على البحر في ظل إجراءات أحادية الجانب، كيف ستقوم اليابان بالرد على هذا الإتجاه بالتعاون مع الولايات المتحدة والبلدان المجاورة لهذة المنطقة؟

الفيديو المذهل

في ٢١ مايو/ أيار، جذبت محطة الـ سي إن إن أنظار العالم عندما قامت ببث مقطع مأخوذ عبر طائرة دورية P8 التابعة للبحرية الأمريكية حول جزر اصطناعية تقوم الصين ببنائها فوق الشعاب المرجانية ببحر الصين الجنوبي. وبمرور تسعة أيام على هذا الحدث، وفي القمة الأمنية الآسيوية (حوار شانغري-لا) المنعقدة بسنغافورة، طالب وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر بالوقف الفوري لما تقوم به الصين من أنشطة بناء، الأمر الذي تلقاه الممثل الصيني أدميرال سون جيانغو - نائب رئيس أركان جيش التحرير الشعبي - بالرفض القاطع، ومع ازدياد التوترات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. وفي ٨ يونيو/حزيران صوتت مجموعة المؤتمر الدول السبع للمجتمع الدولي برفضها الشديد للأنشطة الصينية حول هذة الجزيرة مع إعلان القائد الذي أكد على أهمية ”الاستخدام القانوني والحر لمحيطات العالم دون أي عوائق“ مؤكدا أيضاً ”نحن نعارض بشدة استخدام الترهيب والإكراه، أو القوة، فضلا عن أي إجراءات أحادية الجانب التي تسعى إلى تغيير الوضع القائم، مثل استصلاح الأراضي على نطاق واسع“.

حاجة الصين لهذه الجزر

أشارت التقارير الإعلامية بأن الصين عازمة على تنفيذ الأعمال الاستصلاحية على سبعة شعاب مرجانية في جزر سبراتلي ببحر الصين الجنوبي. وبالحكم على الصور الفوتوغرافية الصادرة عن الحكومة الفليبينية والتي تعتبر أول دليل فعلي على تلك الأنشطة، فلا بد وأن العمل في هذا المشروع قد بدأ في أواخر عام ٢٠١٣. استمرت الصين في أعمالها بسرية تامة لما يقرب من عامين ولكن اللقطات الأخيرة وضعت أنشطتها في دائرة الاهتمام.

في السنوات الأخيرة، ادعت الصين سيادتها على معظم بحر الصين الجنوبي، بما في ذلك جميع الجزر التي تقع ضمن ”خط النقاط التسع“ التي رسمته حول المنطقة.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، ادعت كل من جنوب فيتنام والصين ملكيتهما لجزر البارسل بالمنطقة الشمالية لبحر الصين، ولكن في عام ١٩٧٤ وخلال المراحل الأخيرة لحرب فيتنام - قامت الصين بهزيمة قوات جنوب فيتنام في معركة جزر البارسل بحيث تحكمت وبسطت سلطتها الفعلية هناك.

في عام ١٩٨٨، بعد الاشتباك البحري مع فيتنام الموحدة، فرضت الصين سيطرتها على مجموعة من الشعاب المرجانية والصخور المتواجدة بجزر سبراتلي منطقة أرخبيل المتنازع بشأنها الواقعة جنوب جزر البارسل، علماً بأن كل من فيتنام، الفليبين، تايوان وماليزيا ما زلت سيطرتها واقعة على ١٣ جزر رئيسية لجزر سبراتلي، حيث أن كثير من الشعاب المرجانية والجزر الصغيرة المنتشرة بتلك المنطقة قد غمرتها مياه عند ارتفاع المد البحري، وعليه لم تستطع الصين بأن تستخدم خطوط الأساس لإقامة مياه إقليمية في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. ومع ذلك فقد اكتسبت الصين موطئ قدم على جزر سبراتلي وقاعدة هامة يمكن من خلالها تأكيد سيادتها على المنطقة.

ومع عدم تواجد أي قاعدة عسكرية في المنطقة المجاورة، كانت الصين بحاجة إلى قطعة كبيرة من الأرض، ولكن الاستحواذ العسكري على الأربعة جزر الرئيسية بحيث يوجد بهم مهابط ومدارج للطائرات (برغم صغر مساحتهم) يقعوا تحت سيطرة فيتنام، الفليبين، تايوان وماليزيا، كان يعد أمراً غير مقبول بصورة واضحة من قبل العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي. وفي إطار هذا السياق، قامت الصين بالتوصل إلى البديل، عن طريق البناء على تلك الشعاب المرجانية وتحويلها إلى جزر في محاولة ذكية لدعم مطالبتها بالسيادة المشروعة.

موازين القوى تميل إلى الصين

تؤوي منطقة سانيا بجنوب جزيرة هاينان قاعدة خلفية ولكنها لوجيستية وذات عمق مميز للتوسعات الصينية في بحر الصين الجنوبي. كما أنها بمثابة البوابة والمدخل لأكبر قاعدة بحرية بآسيا، ومزودة بكافة التجهيزات العسكرية الحديثة بالإضافة إلى قاعدة جوية. تقع جزيرة وودي (المعروفة في الصين باسم جزيرة يونزينغ) بجزر البارسل على بعد حوالي ٧٠٠ كم جنوب شرق سانيا، كما أن استصلاح الأرض ساعد في تحويلها إلى قاعدة متطورة تشمل مطاراً يمتاز بمهبط للطائرات بطول ٢.٥ كم بالإضافة إلى ميناء قادر على استقبال السفن الحربية العملاقة. إلا أن الصين ليس لديها مثل هذه القاعدة في مناطق وسط وجنوب بحر الصين الجنوبي كما أن تواجدها العسكري مقيد حاليا ومحدد فقط بانتشار محدود للسفن البحرية.

إن جهود الصين لاستصلاح الأراضي في جزر سبراتلي تتركز على منطقة فيري كروس للشعاب المرجانية بالإضافة إلى الست شعاب مرجانية حول هذة المنطقة بنصف قطر حوالي ٢٠٠ كم. إن مشروع الاستصلاح قد نتج عنه تقدم ملحوظ وقد شارف على الانتهاء. كما أن هناك احتمالية قوية بأن الصين سوف تقوم ببناء قاعدة جوية بمدرج طوله ٣ كم، ممر، موقف الطائرات، ومرافق لتخزين الوقود والذخيرة ذلك بمنطقة فيري كروس للشعاب المرجانية بالإضافة إلى الميناء الذي يستوعب السفن العملاقة. سوف تعمل الشعاب المرجانية الأخرى على حماية منطقة فيري كروس للشعاب المرجانية عن طريق مراقبة البحر المحيط، تقديم التحذيرات المبكرة بالإضافة إلى توفير الدعم الدفاعي.

عندما يتم استكمال كل المشروع، سوف تمتلك الصين تجهيزات بحرية و قاعدة جوية مميزة في جزر سبراتلي. بل وأكثر من ذلك، فبدلاً من نقطة واحدة بجزيرة وودي، سوف تمتلك خطاً يمتد شمالاً وجنوباً بطول ٩٠٠ كم بين كل من جزر وودي ومنطقة فيري كروس للشعاب المرجانية. هذا الأمر وحده يعد كافياً لترجيح كفة ميزان القوة العسكرية في منطقة بحر الصين الجنوبي لصالح الصين بشكل كبير. كما أن الموقف المتشدد مؤخرا لواشنطن تجاه الصين يعكس قلقاً بالغاً إزاء هذه النقطة.

إذا لم يكن المجتمع الدولي قادراً على منع بناء الجزر، فسوف تكون الخطوة القادمة في الأغلب هي استصلاح وبناء قاعدة في سكاربوروه شول التي تبعد حوالي ٢٠٠ كم من الساحل الغربي للفلبين والتي كانت تحت السيطرة الفعلية للصين حتى عام ٢٠١٢. ويعد هذا احتمالاً مقلقاً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي ليس لديها أي قواعد استراتيجية في تلك المناطق الشاسعة غرب محيط أوكيناوا، هذا نذير بالخطر، حيث أن القواعد بجزر وودي ومنطقة فيري كروس للشعاب المرجانية وسكاربوروه شول سوف تمكن الصين من بسط سيطرتها على منطقة المثلث الممتدة بطول ٦٥٠-٩٠٠ كم في كلا الجانبين.

منطقة التشغيل الموسعة للغواصات النووية الاستراتيجية

بالإضافة إلى تغيير موازين القوى بين الصين والولايات المتحدة بسط السيطرة في منطقة بحر الصين الجنوبي، فإن استمرار الصين في بناء الجزر يهدد بتوسيع رقعة مناطق التشغيل للغواصات النووية الاستراتيجية التابعة للصين الموجهة من سانْيا نحو المحيطين الهادي والهندي، هذا الاختلال في التوازن النووي الاستراتيجي يمكن أن يكون له تأثير خطير على الوضع الأمني العالمي.

كما أن العواقب السياسية والإقتصادية لهذا الأمر أيضاً مثيرة للقلق إلى حد كبير. إذا انضم المجتمع الدولي إلى مطالبة الصين أحادية الجانب في السيادة على البحر داخل خط النقاط التسع في تحد للمعايير الدولية، فإن ذلك من شأنه أن يقوض النظام البحري الدولي الذي عمل على دعم الازدهار العالمي. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى عدم استقرار المنطقة من جراء تعزيز ميول الصين المغامرة لتغيير الوضع القائم بالقوة. ويمكن أن يسمح للصين بأن تحد وتتحكم في حرية الملاحة البحرية في منطقة بحر الصين الجنوبي، مما يعد خرقاً للحقوق العالمية.

ماذا على اليابان أن تفعل؟

بالنظر إلى ما يتضمنه السرد السابق، فإن إنشاء قواعد عسكرية للصين في بحر الصين الجنوبي له آثار واضحة على اليابان تتجاوز مجال الأمن إلى كل مجالات النشاط. وبالرغم من أنه يمكن التصور جيداً بأن الصين سوف تكون مترددة في التخلي عن تعهداتها، مع الأخذ في الاعتبار الأهمية الاستراتيجية التي تعلقها على بحر الصين الجنوبي، يتعين على اليابان بأن توجه كل مساعيها وجهودها من أجل وقف تلك الأنشطة الغير قانونية.

إن تقييد مغامرة الصين التي لا تخدم سوى مصالحها الخاصة سوف يتطلب اتخاذ تدابير سياسية ودبلوماسية جنبا إلى جنب مع بناء القدرات العسكرية والدفاعية. الوجود العسكري الأميركي في المنطقة ودعم اليابان للقوات الأمريكية هي مفاتيح لهذه القدرات.

تقوم العسكرية الأمريكية بالفعل بحشد ونشر قواتها وهياكلها التنفيذية في المنطقة وتقوم بتعزيز العلاقات الأمنية مع دول آسيا والمحيط الهادي في إطار سياسة إعادة التوازن المتبعة من قبل الإدارة الحالية. كما وأن القوات الامريكية في كوريا الجنوبية يجب أن تكون على استعداد للرد على أي تطورات في شبه الجزيرة الكورية، فإن حدوث تغيرات في بحر الصين الجنوبي يجب أن يتم التعامل معها من قبل القوات المتمركزة في اليابان أو قوات يتم نشرها من قبل الولايات المتحدة نفسها. بالإضافة إلى تقديم دعمها الكامل لتواجد القوات الأمريكية بالمنطقة، ينبغي على اليابان أيضاً بناء الأطر المؤسسية التي تمكن قوات الدفاع الذاتي من التعاون بشكل كامل مع الوحدات العسكرية الأمريكية التي قد تقود أي عمل استراتيجي في حالة حدوث أزمة أو حالة طارئة.

جلب الصين إلى طاولة المفاوضات

وحيث أن قوات الدفاع الذاتي الياباني تمثل الدرع بالنسبة لرمح الجيش الأمريكي، يتطلب منها ذلك أداء موثوق منه في القيام بأدوار مزدوجة بحماية الأراضي اليابانية - من خلال امتلاك الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والدفاع عن الجزر - وكذلك المحافظة على ممر بحري آمن كخط دفاع ذلك لتأمين سلامتها وودعم الولايات المتحدة. إذا ما تطلب الأمر من القوات الأمريكية توجيه ضربة استرتيجية ضد الصين في بحر الصين الجنوبي أو بأي من المواقع الأخرى، سيكون التنسيق الاستراتيجي بين الولايات المتحدة واليابان حيوياً. يجب أن تفخر اليابان بقدرات قواتها للدفاع الذاتي من أجل حماية الأراضي اليابانية من أي تهديد صيني بالإضافة إلى قدراتهم المميزة في حماية الممرات البحرية غرب المحيط الهادي، وبالتالي تمكين القوات الأمريكية من العمل على مساحة أوسع. وهذا من شأنه زيادة مرونة استراتيجية وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون لاحتواء الصين، وخلق رادع أقوى. جرت مؤخراً عدة نقاشات داخل البرلمان الياباني وفي أماكن أخرى بخصوص مراقبة بحر الصين الجنوبي. يتعين هنا على الولايات المتحدة أن تستمر في لعب دورها الهام، لكن في ظروف محدودة حيث يتعذر على الولايات المتحدة القيام بدورها، فسيكون من المناسب لقوات الدفاع الذاتي أن تقوم بهذا الدور بالنظر إلى موقف اليابان اليوم ومستقبلها المتوقع.

ومن ضمن العوامل التي تساهم في التوسعات الصينية التي تتم في بحر الصين الجنوبي وجود أوجه قصور خطيرة في القدرات البحرية للبلدان الأخرى في المنطقة، خاصة الفلبين وفيتنام. هناك أيضا حاجة ملحة لجميع دول الجوار لزيادة الوعى في المجالين الجوي والبحري. بالنظر إلى مصادرهم المحدودة، تقع المسئولية على اليابان والولايات المتحدة لبناء آلية لجمع وتبادل المعلومات الرابطة لهذه المنطقة الشاسعة.

تنظر الصين إلى الولايات المتحدة باعتبارها العائق الرئيسي أمام تنفيذ أهدافها الأستراتيجية في المنطقة. كما أنها تعترض على ما تشير إليه كنوع من ”التدخل الخارجي“ في قضية ”محلية“ هي قضية بحر الصين الجنوبي وتحديداً لأنها تدرك ثقل قوة الولايات المتحدة، وتتوقع أن تتنافس معها في المستقبل. في حين أن جهودنا الرامية إلى حل القضية في بحر الصين الجنوبي يجب أن تركز على الحلول السياسية والدبلوماسية، فإن هناك حاجة إلى القدرات الدفاعية والعسكرية من أجل دعم تلك الجهود. فقط هي احتمالية تدخل القوات الأمريكية بالإضافة إلى تنامي القدرات الدفاعية للبلدان الأخرى في المنطقة سوف تجبران الصين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بعد طول انتظار لمناقشة قضية بحر الصين الجنوبي بجدية. يعد دور اليابان هاما جدا في دعم كل من الولايات المتحدة والقوى الأصغر بالمنطقة من أجل التوصل إلى تسوية واتفاق حول هذة المشكلة.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، ونشر في ٢٨ يوليو/ تموز ٢٠١٥. الصورة: يجري بناء الجزر في منطقة فيري كروس للشعاب المرجانية ونرى التقدم واضحاً في المدرج بالجهة اليسرى. تم التقاط الصور في بداية مايو/ أيار ٢٠١٥، الصورة مهداة من الجيش الفلبيني، من خلال جيجي برس.)

اليابان الصين الولايات المتحدة بحر الصين الجنوبي فيتنام الفليبين تايوان ماليزيا