الانتخابات الأمريكية: ماذا ستفعل اليابان في حالة فوز ترامب؟

سياسة

انتهت المناظرة الرئاسية الأخيرة بين المرشحين لانتخابات الرئاسة الأمريكية بين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي كانت مسؤولة عن حقيبة الخارجية خلال الفترة الرئاسية الأولى للرئيس أوباما والمرشح الجمهوري رجل الأعمال ذو التصريحات المثيرة للجدل دونالد ترامب. لذلك فأنظار العالم أجمع تتجه بشدة نحو الانتخابات الأمريكية وما ستسفر عنه من نتائج وبالتالي معرفة من سيصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية. في هذا السياق يقدم لنا ناكاياما توشيهيرو الخبير في شؤون السياسة الأمريكية والعلاقات اليابانية الأمريكية رؤيته حول آثار السياسة الخارجية لكلا البلدين.

بعد انتهاء المناظرة الرئاسية الأخيرة بين المرشحين الرئاسيين كلينتون وترامب لا تزال هناك بعض الأسئلة التي تتعلق بالأسباب التي أدت إلى الوضع الحالي و كذلك الى العملية بِرُّمَتها. ولا تزال هذه القضية في اليابان ودول أخرى، مصدرا للحيرة والحرج.

فمن جهة الجمهوريين، وبعد مُشادّات كلامية بين صفوفهم اتسمت بالغوغائية برز سيد مُلاّك العقارات دونالد ترامب كمرشح الحزب الجمهوري علماً بأن الملياردير المتهور تخلى في تلك الأثناء، عن القواعد السياسية وكسر المحرمات الواحدة تلو الأُخرى وبحيث تكون المحصلة النهائية عبارة عن حزب جمهوري بديل بشكل يصعب التعرف عليه.

أما في الحزب الديمقراطي، فكان الأمر على نقيض ذلك، فقد اتجه السباق نحو نتائج متوقعة على نطاق واسع، بترشيح وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون. ومع أن مواجهة المرشح من ولاية فيرمونت السيناتور بيرني ساندرز كانت صعبة بشكل غير متوقع، حيث أجبرت كلينتون للاتجاه إلى دفة اليسار. إلا أنها ساعدت هيلاري، مع زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون، توجيه دفة الحزب الديمقراطي باتجاه الوسط مع برنامج إصلاحات ”الطريق الثالث“ الذي يشكل جوهر إرث كلينتون والذي أصبح الآن يبدو وكأنه قاعدة شعبية في الحزب تحولت إلى اليسار اسهمت في وضع هيلاري بمواقف أبعد من التيار الرئيسي لحزبها.

حتى بيل كلينتون نفسه، المعروف بقدرته على إرضاء الحشود من خلال حملته الانتخابية، أخذ لا يبدي الكثير من الحماس تجاه البرنامج الانتخابي. بينما كان أنصار بيرني ساندرز يكافحون تحت شعار ” feeling the Bern (أشعر بحماسة بيرني ساندرز)“، كلينتون من أجل توليد الحماس في هذا الحزب الذي قد تغير تغيرا بالغا منذ فترة التسعينات التي كانت تُمثل له آنذاك أوج أيام ما يُعرَف بمنهج الوسطية.

مشاهدة حطام القطار

ومن المعلوم أنّ الحملة الانتخابية تبدأ فعلاً عندما يحدد كلا الطرفين رسمياً مرشحهما بعد انعقاد المؤتمر الوطني لكليهما هذا الصيف، ويتوقع الكثيرون السباق الأبشع في تاريخ الانتخابات المعاصر في الولايات المتحدة. سيما وأنه يبدو أن أكثر من نصف الناخبين لديهم وجهة نظر سلبية تجاه المرشحين حيث يميل كل واحد منهما إلى استغلال عدم شعبية المرشح من الجهة الأخرى، مما يدل على أن الانتخابات ستكون قائمة على السمات الشخصية أكثر من التركيز على السياسة.

وقد تغيب - وراء هذه المسرحية المذهلة - المشاعر المتغيرة الخاصة بالناخبين والتي يمكن أن تترك آثارا هامة على علاقات الولايات المتحدة مع بقية بلدان العالم وخاصة مع دول شرق آسيا

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ظهر فجأة في اليابان مراقبو سياسة الولايات المتحدة بعد أن كانوا خفيين أو غير نشطين، وأنا واحد منهم. حيث أننا نحن في كل مكان، نحاول متابعة الأحداث عن كثب وربط القصة مع اليابان، وأصبح ذلك موضوعا للمحادثة المشتركة بين الناس. مما يعني أن ليس خبراء السياسة في أمريكا فقط وحيدين في انشغالهم مرة واحدة كل أربع سنوات. فهناك أعضاء من وسائل الإعلام الدولية ممن يغطون الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ويشيرون غالبا إلى الوجود الكبير (عدديا) للصحفيين اليابانيين. لكن مستوى الاهتمام في الانتخابات يتجاوز هذا العام أي شيء رأيته في الماضي.

كما يجب ألاّ ننسى أن اليابانيين تابعوا بشغف انتخابات عام ٢٠٠٨. وشاهدوا صعود باراك أوباما (الذي انُتخب في نهاية المطاف كأول رئيس أمريكي أفريقي في البلاد) باعتباره رمزا للأشياء الرائعة التي كانت الولايات المتحدة لا تزال قادرة على القيام بها. إلاّ أنّ مواقفهم تجاه انتخابات عام ٢٠١٦، البارزة مع صعود دونالد ترامب وما يُعرف ”ترامبيزم“ أي طريقة ترامب التي تعتمد الإفصاح عما يعتقد به بشكل مباشر وبدون تحفظات - أخذت تدل على أنها أقرب إلى مشاهدة حطام القطار حيث أصبحت أمريكا فيه تستعد لحرق الجسور وقطع العلاقات مع بقية دول العالم.

معضلة كلينتون

ولعل إحدى وجهات النظر اليابانية تقول بأنه ليس هناك مقارنة حقيقية بين كلينتون وترامب. ففي حين أشرفت كلينتون على سياسة إعادة التوازن نحو آسيا كوزيرة للخارجية خلال فترة أوباما الأولى، لم تكن لترامب أي خبرة في السياسة الخارجية ويبرهن تقريبا أنه ليس لديه اهتمام في الشؤون العالمية. ولكن حتى مع كلينتون، هناك أسباب تدعو للقلق بخصوص توجه السياسة الخارجية الأميركية. فقد أصبح الحزب الديمقراطي برُمَتِّه حذرا للغاية حول التدخل الأمريكي في الخارج كما أنه يزداد عدوانية تجاه اتفاقيات التجارة الحرة، وهذا التحول ملموس بالفعل في حملة كلينتون.

كانت سياسة الوسطية للتجارة الحرة والتي يعرف بها كلينتون نتاج فترة زمنية شهدت تصاعداً في الأفكار المحافظة وكانت استجابة الحزب الديمقراطي لهذه الأفكار والمراهنة على مواقف مماثلة أقرب إلى منصة الحزب الجمهوري. كما حدثت ظاهرة مماثلة على الرغم من كونها نقيض ذلك ابانّ عهد الرئيس الجمهوري دوايت أيزنهاور، الذي قاد حزبه بشكل أقرب إلى الديمقراطيين احتراما لشعبية برامج الصفقة الجديدة. ولكن مثلما تأرجح الحزب الجمهوري إلى اليمين كرَدّة فعل آنذاك على تلك التنازلات، فإن القاعدة الديمقراطية ترفض اليوم توسطية كلينتون وتتأرجح إلى اليسار. وبالتالي كيف سيتعامل معسكر كلينتون مع هذه الرياح المعاكسة؟

واليابانيون مرتاحون لكلينتون لأنهم يعرفونها ويعرفون فريقها الاستشاري الخاص بالسياسة الخارجية ولكن هُناك من يتساءل إلى متى يمكنها مقاومة تمرد القاعدة الشعبية التي تجري في حزبها. علماً أنه عادة ما يقال عن كلينتون أنها بالفطرة ”أكثر تشددا“ من أوباما، ولكن من الصعب الجزم بمعرفة ماذا يعني ذلك بشكل ملموس.

ومع ذلك، هنالك شيء واحد واضح حول كلينتون وهو موقفها الأساسي على الأهمية الحيوية للتحالف بين اليابان والولايات المتحدة للمصالح الأمريكية. مع معرفتها واسعة النطاق للسياسة في كل تفاصيلها من خلال خبرتها الطويلة في السياسة الخارجية كعضو في لجنة خدمات القوات المسلحة في الكونغرس وتبوئها منصب وزير الخارجية الأمريكية، كما أنهّا تدرك تماما مدى فائدة التحالف الثنائي. في الصين لذا تبدو أنه من غير المرجح أن تختلف جوهريا عن السياسة التي اتبعت تحت فترة أوباما الثانية ولن تُحدث أيّ تحول في المسار الرئيسي على الجانب الصيني.

والسؤال المهم هو إلى أي مدى يمكن أن يؤثر تغير المناخ داخل الحزب الديمقراطي على توجه كلينتون الأساسي تجاه اليابان وشرق آسيا. فخلال فترة عملها كوزيرة للخارجية، دعمت كلينتون اتفاقية التجارة الشراكة عبر المحيط الهادئ، ولكن خلال الانتخابات التمهيدية ظهرت ضد الصفقة بصيغتها الحالية. ولم يُعر بعض المراقبين اليابانيين أهمية لهذا التغيير، باعتبار أن هيلاري كلينتون ستعود إلى موقفها السابق إذا أصبحت رئيسا، ولكن احتمال مثل هذه ”العودة“ هو بأي حال غير مؤكد. ومع ذلك، فإن تطور موقف كلينتون حول الـ TPP أثناء وبعد الانتخابات العامة يجب أن يُرصده عن كثب كونه مقياساُ للتوجه السياسي لإدارة كلينتون المستقبلية.

عقيدة ترامب

إذا كانت هناك مفاجأة حقيقية، فهي ترامب ذاته ففي حين اكتسب سمعة سيئة لانفعالاته في قضايا السياسة الداخلية، أدلى أيضا بنصيبه من تعليقات مشينة حول علاقات الولايات المتحدة مع دول أخرى، وكانت اليابان هدفا واضحاً نسبياً. واقترح ترامب أن اليابان يجب عليها تسليح نفسها بأسلحة نووية، وألمح إلى وضع حد للتحالف بين اليابان والولايات المتحدة، واقترح تعريفات مرتفعة جداً على السيارات اليابانية التي تباع في الولايات المتحدة (على الرغم من أن معظمها يتم تصنيعه محلياً من قبل عمال أمريكيون). ومنذ وقت ليس ببعيد، كان خبراء يابانيون يتساءلون إلى حد بائس عما إذا كان سيتم ذكر اليابان على الإطلاق في حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية. وأصبح المرء الآن يتذكر المثل القائل: ”كن حذرا مما ترغب فيه“.

وقد وصف معلقون أميركيون ترامب ”بالمرشح ما بعد السياسة“ وذلك في إشارة إلى افتقاره شبه التام لأفكار سياسية متماسكة. فاذا كان هناك أي مواضيع متسقة بالسياسة الخارجية تمر عبر تصريحاته ، فإنها يجب أن تكون مبسطة، عبارة عن حسابات على نهج أي رجل أعمال للعلاقات الدولية والذي يُبدي انزعاجاً عميقاُ من أي شيء غير مألوف ولعل قضايا كبرى مثل الحاجة إلى الدفاع عن النظام الدولي فضلا عن دعم المعايير الدولية لا تُثير اهتمامه على الإطلاق ولكن هل يمكننا ببساطة رفض كل هذه الثرثرة من شخص بعيد كل البعد عن الواقع؟

ويبدو أن نخبة السياسة الخارجية في واشنطن تتعامل مع تصريحات ترامب باعتبارها لا تستحق مناقشة جادة. لكن أفكاره تلقى صدىً بشكل واضح على قطاع معين من المجتمع لا سيما السكان البيض في منتصف العمر ممن يعيشون في وسط أميركا، والذين وجدوا أنفسهم بلا عمل عندما انتقلت المصانع التي يعملون بها إلى المكسيك. وبالنسبة لأولئك الأمريكيين فالحديث عن ”التجارة الحرة“ وعن ”المعايير الدولية“ مجرد كلام فارغ لا معنى له كما أن التزام أمريكا تجاه حلفائها ليست سوى عبء مالي.

كما وقع أكثر من ١٠٠ خبير في السياسة الخارجية الأمريكية ممن ينتابهم القلق من أفكار ترامب المتهورة رسالة مفتوحة قائلين فيها إنهم لن يخدموا في إدارة ترامب في حال أصبح رئيسا وقد يبدو هذا مبالغة أو خطوة غير كافية للاعتماد حسب وجهة نظرك ولكن في أي حال، فإن غياب الوجوه المألوفة بين مستشاري السياسة الخارجية في فريق ترامب هو من أحد الفروق الأكثر وضوحا إذا ما قورن مع فريق كلينتون.

الشعور تجاه ترامب

الحقيقة هي أن لا أحد منا حتى اليوم متأكد تماما ما ينبغي التفكير به حيال ترامب. هل هو نوع من السخرية الشعبوية التي ولدت من منطقة تتسم بالالتباسات والغموض والفوضى حيث تتداخل فيها السياسة والترفيه؟ أم هو غوغائي خطير حقا يُجسّد أزمة حقيقية في السياسة الأمريكية؟ وأنا شخصياً أميل نحو التقييم الأخير، وربما لهذا السبب بالذات فإنني أقرب إلى الاعتقاد بأن فوز ترامب في الانتخابات العامة غير محتمل .لكن في الوقت نفسه فإنّ حقيقة وصول مثل هذا المرشح إلى ما هو عليه اليوم يجبرنا على الاعتراف بأن الوضع السياسي في أمريكا هو أبعد من قدرتنا على الفهم أو التنبؤ. مما يجعل هزيمة ترامب غير مؤكدة. بأي حال من الأحوال

ولا أُخفِيكم القول بأنّي قلق بشأن ردود الأفعال في اليابان حال حدوث ما لا يمكن تصوره حيال مشاعر عدم ثقة والعداء تجاه واشنطن والتي من المرجح أن تصل إلى مستويات جديدة. لكن ما يتعلق بخيارات السياسة الخارجية الواقعية فإنه ليس لدى اليابان خيارا سوى التمسك بالتحالف الثنائي، ولكن سرعان ما تفقد هذه الحجة فعاليتها إذا ما استمر ترامب في خطابه على هذا المنوال الحالي حيث انَ مثل هذه الخطابات تمنح ذخيرة لقوات مكافحة التحالف على الطرفين السياسيين – اليمين الذي يريد من اليابان تطوير قدرات دفاعية مستقلة من جانب، واليسار، الذي أكد دائما أن واشنطن لا يمكن الاتكال عليها في تلك المرحلة، من جانب آخر فهل سنظل قادرين على التأكيد عن قناعة بأن الولايات المتحدة هي أفضل خيار لدينا؟

وحتى لو لم يأت منه أيّ شيء آخر، فقد أعطى ترشح دونالد ترامب اليابانيين فرصة للتفكير بشكل مغاير نوعا ما.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بتاريخ ٢٣ مايو/أيار، ٢٠١٦. صورة العنوان: المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون (AP/Aflo)، والمرشح الجمهوري دونالد ترامب (رويترز/Aflo) خلال حملة الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية. الترجمة من الإنكليزية.)

الرئيس الأمريكي