الجانب الخفي وراء عقوبة الإعدام في اليابان

مجتمع

اليابان واحدة من قلائل الدول المتقدمة التي لا تزال تبقي على عقوبة الإعدام. كاتب مقالتنا اليوم وهو مخرج أفلام وثائقية قام بعمل العديد من التغطيات لهذا الموضوع، ولكنه غير مقتنع بهذا الوضع حيث أن ٨٠٪ من الشعب الياباني يدعمون الإبقاء على عقوبة الإعدام، ويطرح علينا إشكاليات حول هذا النظام.

النظام القائم بعملية ”فرز الأرواح“

وقعت جريمة شنعاء في شهر يوليو/ تموز ٢٠١٦ بمرفق لذوي الاحتياجات الخاصة بمدينة ساغاميهارا قتل فيها ١٩ شخصاً وكان لهذا الحادث أثر كبير على المجتمع الياباني. وبالإضافة إلى ذلك، وضحت الحقيقة وضوح الشمس في خطاب كان قد أرسله الفاعل بالبريد قبل الجريمة بوقت قليل كتب فيه ”من أجل اليابان وسلام العالم“ ”قتل ذوي الإعاقة من شأنه ردع الشقاء إلى أبعد الحدود“ وما إلى ذلك، فقام الكثيرون بالتنديد قائلين ”إنه فكر تحسين النسل“ ”ليس هناك من معنى لحياته“ ”لا يمكن فرز الأرواح“.

فكل روح غالية ولا يمكن تفضيل واحدة على الأخرى. ولا يمكن بأي حال من الأحوال التمييز بين الأرواح. وأنا أتفق تماماً مع ذلك. ولكن إذا صرف المجتمع الياباني نظره ولا سيما في هذه اللحظة عن النظام الفكري لتحسين النسل ”بمعنى ما“ الذي يقدم العلاج عن طريق فرز الأرواح، فلا أجد مفراً من الإشارة إلى ذلك النظام ”نظام عقوبة الإعدام“.

عقوبة الإعدام هي نظام القضاء بطريقة صناعية على حياة قضت المحكمة بأن ليس لها معنى أو قيمة في الحياة أكثر من ذلك. وهناك أكثر من ٨٠٪ من الشعب الياباني يدعمون هذا النظام.

والنقطة الهامة هنا ليست مسألة عقوبة الإعدام، بل صرف الكثير من الناس نظرهم عن هذه الحقيقة. فالجميع يعرفون نظام عقوبة الإعدام بلا شك. ولكنهم لا يفكرون فيما هو أعمق من ذلك. وقلة قليلة ممن تفكر في حياتها اليومية عن كيفية إعدام السجين، وفيمَ يفكر في ذلك الوقت، وكيف يقضي وقته حتى تنفيذ العقوبة، وما هو معنى الإعدام في الأصل.

المحكوم عليهم بالإعدام من جماعة أوم شينريكيو

أنا أيضاً كأحد العامة من اليابانيين، لم يكن لدي اهتمام كبير بعقوبة الإعدام حتى سنوات قليلة. الشخص الذي ارتكب جريمة خطيرة، كقتل شخص أو ما إلى ذلك، يكن عقابه الإعدام. فهذا أمر طبيعي نظراً لأنه قتل هو الآخر ... فيصل الأمر إلى هذا الحد باعتباره مسألة وعي. ولكن من خلال تصوير فيلم وثائقي عن جماعة أوم شينريكيو، وبينما كنت ألتقي في السجن مع القادة الستة المحكوم عليهم بالإعدام، كنت في حيرة من أمري. حيث أدركت أنني الآن، أعني في ذلك الوقت، ”أتحدث مع أشخاص سيقتلون في وقت قريب.“

بالطبع كل الناس سيموتون. سواء في حادث، أو بمرض، أو بالشيخوخة. ولكن الآن، من أتحدث معهم عبر لوحة أكريليك شفافة لن ”يموتوا“ في حادث أو بمرض، بل ”سيقتلون“. وبطريقة مشروعة.

كانوا نادمين على أخطائهم وعلى تحمّسهم الديني. ومنهم من كانوا يقولون باكيين إنهم إذا فكروا في مشاعر الأسر المفجوعة، فمن الطبيعي أن يٌقتلوا. التقيت معهم عدة مرات. وتبادلنا الخطابات. لم يكن ندمًا طوال الوقت، بل كان هناك أيضًا لحظات تبسُّم على شيء مضحك. بل كان هناك لحظات غضب نوعًا ما عندما يتم التعرض لتفسير تفاصيل الحادث قائلين ”أنت مخطئ يا سيد موري“. فمن هناك هم أشخاص عاديون. بل اعتمادًا كذلك على وجهة نظر، هم أشخاص صالحون، نقاة، يتسمون بالطيبة فوق العادة. لذلك أصبحت مضطربا. الإنسان يجب ألاّ يقتل إنسانا آخر. فقد خالفوا القانون. لذا فقتلهم يعد أمراً قانونياً. لم أكن أدرك معنى هذا المنطق. لماذا يقتلون! ولماذا يعتقد هذا المجتمع بأن هذا هو طبيعة الحال!

وبعد ذلك، بدأت في جمع مادة حول موضوع الإعدام، والتقيت بكثير من الناس، وفكرت كثيراً وكثيراً، وبدأت أبحث. وكتبت في كتاب كل ما بحثت عنه وما اكتسبته من هذه التجربة التي امتدت إلى أكثر من عامين (”عقوبة الإعدام“ حاليًا يصدر من دار كادوكاوا للنشر).

إذا كنت أكتب من الاستنتاج، ليس هناك اتساق منطقي في دعم نظام عقوبة الإعدام. فالكثير من اليابانيين يرجع سبب دعمهم نظام عقوبة الإعدام إلى رغبتهم في ردع الجرائم، ولكن إذا كانت عقوبة الإعدام بالفعل لها فعالية في منع الجرائم، فمن المفترض أن يكون الوضع الأمني في ثلثي دول العالم التي أبطلت هذا النظام في سوء. ولكن، ليس هناك إحصاءات لذلك. ومن ناحية علم الاجتماع، فإن ”نظام عقوبة الإعدام ليس له وظيفة ذات معنى في ردع الجريمة“ وأصبح ذلك بالفعل من الأمور المسلم بها.

كثير ممن يطالبون بإبطال عقوبة الإعدام يشيرون إلى احتمالية الاتهام الكاذب أو التهمة الباطلة. أما من يوافقون على بقاء عقوبة الإعدام يردون بأن ذلك الاحتمال لا يقتصر فقط على عقوبة الإعدام. لأن هناك خطر من الاتهامات الباطلة في كل عقاب، فإذا كانت التهم الكاذبة سببًا في إبطال عقوبة الإعدام، فسيتم اعتبار هذا منطقًا لنفي العقوبة في حد ذاتها.

ولكن، ويعد ذلك خطأ. جميع العقوبات إلا عقوبة الإعدام هي ”السجن“. فيتم فرض العقوبة وقياس مدى التأهيل من خلال تقييد الحريات. ولكن عقوبة الإعدام هي ”عقوبة سلب حق الحياة“. فتُسلب الحياة. فعقوبة كسر الذراع ردًا على كسر ذراع الشخص ”قانون حامورابي“ تتعارض مع روح العدالة الحديثة. ولكن فقط في نظام عقوبة الإعدام يتم الثأر بنفس قدر الضرر الواقع. إذاً، فيختلف معنى الاتهام الكاذب تمامًا عن العقوبات الأخرى أيضًا. باختصار، لا يوجد إصلاح.

إدراك مشاعر الأسر المفجوعة

الكثير ممن يؤيدون عقوبة الإعدام تعد أسبابهم التي يعتمدون عليها في ذلك غير منطقية. وفي كل مرة يقع فيها حادث كبير، تتناول وسائل الإعلام الاستياء والكراهية من قبل أسرة الضحية على نطاق واسع. وفي ظل هذه التغطيات فإن الكثير من الناس سيعتقدون أنهم إذا قتل لهم أحد من أسرتهم، فسوف يكون لديهم نفس المشاعر. وأن نظام عقوبة الإعدام ضروري من أجل أسرة الضحية. لا يوجد أي منطق هنا. فهي تتحدث عن مشاعر القصاص لضحايا الأسر المفجوعة. بطبيعة الحال، فإن أسرة الفقيد في مواجهة العنف الوحشي، يجب إغاثتهم من هذا قدر الإمكان. فإن التحدي لا يزال كبيرًا كما هو الحال في الكفالة الاجتماعية والرعاية وغيرها. ولكن لا تستوِ الإغاثة والثأر من الفاعل. وسنجد وجهات نظر تقول بأن هذا البلد لم يصل بعد إلى تلك المرحلة، إذا تم اعتبار تفضيل المنطق بهدوء هنا أمرًا ناضجًا.

كثيراً ما يتم الاعتراض على إدّعائي ”هل ستقول الشيء ذاته حتى لو تم قتل طفلك؟“. ففي كل مرة تكون إجابتي ”ليس فقط طلب عقوبة الإعدام فحسب، بل قد أرغب في قتل هذا المجرم بيديّ“ بعد وضع المقدمة ”لا يمكن تصور هذا الوضع بصورة صحيحة، ولكن“. يقع الكثيرون في حيرة من أمرهم إثر تلك الإجابة. هناك من يثور غضبًا اعتقادًا في أنني أكيل بمكيالين. في هذا الحال أجيب قائلاً ”أمرٌ طبيعي أن أُكِل بمكيالين. نظراً لأنني سأصبح الطرف المعني في لحظة قتل ابني“.

من المهم أن نتصور مشاعر الضحايا وأسرهم. ولكن طالما لست طرفًا معنيًا، فمن المهم أيضا أن نعِر الانتباه إلى أننا لا يمكننا إحساس بما يشعرون به بالضبط. فكثير من أسر الضحايا المفجوعة الذين التقيت بهم، في حين أن لديهم مشاعر انتقام قوية تجاه مرتكب الجريمة، يلومون أنفسهم في الوقت نفسه، فمثلًا ”لماذا لم أمنعه من الخروج في ذلك الوقت.“ و”لمَ غاب نظري عنه.“ وما إلى ذلك. كانوا يتقدمون بالاعتذارات للضحايا أمام المذبح البوذي باستمرار. أعتقد أن هذا جحيم المعاناة. ولكن الكثير ممن يؤيدون عقوبة الإعدام، لا يتشاركون في مثل هذا الفكر. بل يتبادلون فقط مشاعر الانتقام السطحية، وتتعالى أصواتهم منادية بمعرفة مشاعر أسرة الفقيد.

أكثر من نصف حوادث القتل باليابان هي جرائم من الأقارب تجاه الأقارب. فالعديد من أسر الضحايا المفجوعة في كثير من الحالات هي عائلة الجاني نفسها. هذه الأسر المكلومة يصعب عليها التأوّه على الملأ. لذلك لا تغطيها وسائل الإعلام أيضًا. وهكذا أكثر من نصف الحوادث غير مرئية. فلن يتصور أي شخصٍ وجود مثل تلك الأسر المفجوعة.

بادئ ذي بدء، إن كان مشاعر الأسر المفجوعة في الأساس سببًا هامًا لبقاء نظام عقوبة الإعدام، ستكفي العقوبة الخفيفة على ذلك المجرم في حال قتل شخص وحيد لا أقارب له. لا يعد ذلك منطقًا على الإطلاق. تقع هذه الحالات على أرض الواقع. إذًا تنهار المباديء الجنائية التي تعد أهم مبادئ العدالة الحديثة. فينهار المنطق أمام المشاعر. وكنتيجة لهذا تنتج العديد من المتناقضات. ولكن أكثر من ٨٠ بالمئة من هذا الشعب لا يعي ذلك. يصرفون نظرهم. هذا هو الوضع الحالي لليابان التي تلتف حول نظام عقوبة الإعدام.

فرنسا أبطلت نظام عقوبة الإعدام

هناك نظرية تقول بأن اليابان هي بلد منشأ المنتجات الأكثر مبيعا والأعلى ذيوعا للصيت في العالم. فباختصار من السهل إضفاء لونٌ واحدٌ عليها. والانسياق الجماعي المبالغ فيه. وكذلك النزعة القوية إلى اتباع قرارات السلطات السياسية. فسمات شعب هكذا ليس من الغريب على الإطلاق ألّا يزال غير قادر على العدول عن نظام عقوبة الإعدام.

تعد فرنسا نموذجاً باعتبارها الدولة الأخيرة بين دول أوروبا التي أبطلت عقوبة الإعدام، ولكن قبل الإبطال كان هناك العديد ممن يؤيدون نظام عقوبة الإعدام على الأحرى في الرأي العام. ولكن السياسة قادت إلى إبطال نظام عقوبة الإعدام بعد الضغط على الرأي العام. حيث يتم تغيير وعي الشعب فيما بعد. وهذا لأن ذلك لن يُصِب الوضع الأمني بسوء حتى بعد إبطال نظام عقوبة الإعدام. فقد قامت العديد من الدول بذلك وبالفعل أبطلت نظام عقوبة الإعدام. باختصار قامت بتفضيل المنطق على حساب المشاعر. ولكن ذلك أمرًا صعبًا في اليابان. ذلك لأن هناك الكثيرون من السادة نواب البرلمان ممن يخشون من عدم فوزهم في الانتخابات المقبلة إذا قاموا بإدعاء مسألة إبطال نظام عقوبة الإعدام.

تعد مبادئ السوق ”الشعبوية“ لهذا البلد قوية. ويتجلى ذلك أيضًا في وسائل الإعلام. فمن أجل إسعاد الكثيرين تقوم وسائل الإعلام بانتقاء وفرز الأخبار. أو معالجتها. فما إن وقع حادث حتى نجدها تشدد وتركز على غضب واستياء أسر الضحايا المفجوعة. وذلك كي تزيد من أعداد المشاهدين والمستمعين والقراء لها. ما له الأولوية هو سهولة الفهم. فيتم تهميش المنطق الصعب باعتباره فتات، والاستمرار في زيادة الغالبية العظمى باستغلال المشاعر كوسيط. وهكذا تصبح عقوبة الإعدام عدلًا.

هل هو أمر حسن أن يبقَ الحال كما هو دون نقاش، دون مشاركة معلوماتية ؟

ففي اليابان في الأصل هناك قلة قليلة من المعلومات حول عقوبة الإعدام. فتعتبر كلًا من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية من البلاد المتقدمة ذات الأوضاع الخاصة استثنائيا ولكن هناك فروق كبيرة في أوضاع كلٍ منهما. فالولايات المتحدة الأمريكية تنشر معلوماتها. وحين تنفذ عقوبة الإعدام كثير من الولايات حتى تسمح بحضور السادة من وسائل الإعلام بالإضافة إلى أسر الضحايا المفجوعة وأهالي الجناة. ويزداد عدد الولايات التي تقرر إبطال عقوبة الإعدام أو بإيقاف تنفيذها باستمرار. ولكن في اليابان لا يمكن تصور حضور الأسر أو وسائل الإعلام في التنفيذ.

لهذا السبب لا تتغير طريقة تنفيذ حكم الإعدام في اليابان حتى الآن منذ أن تم إقرارها في عام ١٨٧٣ أن يتم الإعدام شنقاً. ولم يهتم أحد بشأن السجناء ممن يتم تنفيذ حكم الإعدام فيهم حيث أن العديد منهم يستغرقون دقائق حتى يموتون متألمون ولا يموتون على الفور. أما الولايات المتحدة الأمريكية فتذخر بالتغيرات في طرق الإعدام من الإعدام شنقاً إلى الإعدام صعقاً على الكرسي الكهربائي، والإعدام بالحقن القاتلة. وذلك لأنها تقوم بنشر المعلومات. وبسبب الجدال على المستوى الشعبي خصيصاً، لا زال الأمر يتأرجح حتى الآن بين الإبطال والإبقاء.

من المفترض في الأصل قيام وسائل الإعلام اليابانية بطلب نشر المعلومات من وزارة العدل ولكن نظرًا لأن الشعب لا يطلب تلك المعلومات فبالتالي لا تقوم وسائل الإعلام بالسعي في ذلك. ويستمر هذا الوضع دائماً.

أولاً مشاركة المعلومات حول الإعدام. هذا من الأمور المسلم بها. وعليه تتم عملية النقاش. أليس هناك خلل بالنظام؟ إلى أي مدى تكمن المخاطرة. فيمَ يفكر السجناء ممن يتم تنفيذ حكم الإعدام فيهم. أي نوع من الآثار الجانبية يقع في نظام الإعدام.

إن قام هذا البلد بإقرار وجود نظام الإعدام بناءً على هكذا نقاشات، لن أتفوّه بكلمة بعد. ولكنني سأستمر في القول الآن. نظام الإعدام في هذا البلد مشوّه بشكل كبير، وموضوع في جانب غير مرئي.

(المقالة كتبت في ١٩ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٦. صورة العنوان: غرفة الأزرار داخل ”غرفة الإعدام“ من أجل تنفيذ أحكام الإعدام المنصوص عليها داخل سجون طوكيو. فعند الضغط على الزر يقوم الباب السفلي الذي يقف عليه السجين من يتم تنفيذ حكم الإعدام فيه بالفتح حيث يتم إعدامه شنقاً. يتم تثبيت ٣ أزرار بالوضع في الاعتبار عدم تحديد زر ضابط السجن الذي سيقوم بفتح الباب السفلي الذي يقف عليه السجين من يتم تنفيذ حكم الإعدام فيه. الصور مقدمة من : وزارة العدل/ رويترز/ أفرو.)

جريمة جماعة أوم شينريكيو عقوبة الإعدام