لماذا يعود العاملون الأجانب في مجال رعاية المسنين إلى بلدانهم؟

مجتمع هو وهي

تعتزم اليابان تسهيل إجراءات الهجرة هذا العام بهدف تعويض العجز المتوقع في اليد العاملة في مجال رعاية المسنين. تعتمد خبيرة علم الاجتماع الطبي على أبحاث موسعة لكي تنتقد أسلوب الحكومة في التعامل مع المشكلة الذي يتسم بعدم بُعد النظر والاعتماد على القطاع الخاص بشكل أساسي، داعية إلى بذل مزيد من الجهود لدعم وتصدير نظام أعمال الرعاية الياباني المتطور خارج البلاد أيضا.

فتح الباب لمساعدة ضرورية

يزداد الطلب على العاملين في مجال رعاية كبار السن في اليابان، حيث وصلت نسبة الشيخوخة فيها إلى مستوى لم تصل إليه غيرها من دول العالم حتى الآن. ووفقاً لوزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية، يوجد حاليا في اليابان نحو ١.۸ مليون شخص مؤهل لتقديم الرعاية للمسنين. وتقدر الوزارة باستثناء بعض التغيرات الكبيرة بأنّ البلاد في حاجة إلى ٣٨٠ ألف عامل في مجال رعاية المسنين بحلول عام ٢٠٢٥، حين يصل مواليد جيل ”فترة طفرة المواليد“ بعد الحرب العالمية الثانية إلى سن ٧٥ أو أكثر.

مع أخذ هذه التحذيرات بعين الاعتبار، قام مُشَرّعو القوانين في اليابان خلال الخريف الماضي باتخاذ عدة خطوات تهدف لتسهيل إجراءات هجرة العاملين الأجانب في مجال رعاية المسنين إلى اليابان. حيث قاموا على وجه التحديد بتمرير قوانين تقضي بتوسيع نطاق برنامج التدريب التقني الياباني للمتدربين الأجانب ليشمل أيضاً مجال رعاية المسنين، وذلك بالإضافة إلى تعديل قانون الهجرة الياباني من خلال استحداث فئة جديدة من فئات الإقامة القانونية وبما يسمى ”أعمال رعاية المسنين“ أو تأشيرة ”كايغو“.

ولعل الهدف الظاهر من وراء إنشاء برنامج التدريب التقني الياباني للمتدربين الأجانب هو نقل المهارات التقنية للبلدان النامية، والسماح للرعايا الأجانب الذين كانوا لولاه سيصبحون غير مؤهلين للإقامة في اليابان والعمل لفترات طويلة بصفة ”متدربين“ تحت إشراف التعاونيات الزراعية أو السَمَكية أو المصانع والشركات الصغيرة. ولذا جاء التغيير الذي طرأ مؤخرا ليوّسع نطاق برامج مثل هذه الصناعات كالزراعة، وصيد الأسماك والبناء، والصناعات الغذائية إضافة إلى مجال الرعاية، مع الحرص على تحقيق الهدف الأساسي المتمثل في جلب المتدربين إلى قوة العمل اليابانية. وهكذا أصبح الهدف من تغيير قانون الهجرة يكمن في تعويض العجز المتوقع في الأيدي العاملة، والسماح بتدريب الطلاب الأجانب في منشآت رعاية المسنين اليابانية لمدة سنتين واجتياز اختبار المجلس الوطني للعيش والعمل في اليابان إلى أجل غير مسمى في ظل إقامة ”كايغو“ التي استحدثت مؤخراً.

إصلاحات قصيرة المدى

منذ عام  ٢٠٠٨ وبموجب اتفاقات الشراكة الاقتصادية (EPA) مع كل من إندونيسيا، والفلبين وفيتنام، سمحت اليابان باستقدام عدد محدود من المتدربين في مجال التمريض ورعاية المسنين من جنوب شرق آسيا. وبصفتي باحثة درست هذا البرنامج والمشاركين فيه منذ البداية، وهذا ما دفعني لكي أشعر بخيبة أمل عميقة من فشل الحكومة اليابانية في استخدام تخطيط استراتيجي طويل المدى مع قضايا العمل في قطاع رعاية المسنين في اليابان. فعلى سبيل المثال، تعتبر الخطط الأحدث مثل اتفاقات الشراكة الاقتصادية قصيرة المدى، حيث يتركز الاهتمام على تأمين العاملين الأجانب في هذا القطاع. وهذا ما يفسر فشل الحكومة في إنشاء كيان مستقل للإشراف على برنامج التدريب الذي يقوده القطاع الخاص أو وضع إجراءات لمنع استغلال المتدربين في مجال رعاية المسنين من قبل بعض وكالات التوظيف منعدمة الضمير، وهي مشكلة كثيراً ما ظهرت في الماضي.

وتتطلب مهن التمريض ورعاية المسنين مستوىً عالٍ من ”الذكاء العاطفي في العمل“، بمعنى القدرة على التحكم في العواطف الشخصية وضبط الأحاسيس لضمان التأثير الشخصي المناسب على الآخرين ولهذا السبب لا يمكن تعويض النقص في الأيدي العاملة في هذا القطاع عن طريق الزيادة الآلية في أعداد العمال الأجانب، بنفس الطريقة التي تتخذها الشركات المصنعة في زيادة عدد القوى العاملة التابعة لها لتلبية أهداف الإنتاج.

فكما يظهر الأمر لنا، يجب أن نلاحظ أنه لا يوجد الكثير مما يبعث على التفاؤل فيما يخص قدرة اليابان على جذب الأيدي العاملة من بلدان أخرى من آسيا والحفاظ عليها. حاليا ومع هبوط نجم الاقتصاد الياباني، لا سيما بالمقارنة مع الصين وغيرها من بلدان المنطقة التي تنمو صناعياً بشكل سريع، فإنه لا بد من تطوير رؤية بعيدة المدى لإعادة تشكيل هجرة موضوعية من أجل ضمان بقاء اليابان في المجتمع العالمي.

لماذا يعود العاملون في مجال رعاية المسنين إلى بلدانهم

كما ذكر سابقا، فإن اليابان بالفعل تمتلك نظاماً لتدريب وتوظيف الممرضين الأجانب والعاملين في مجال رعاية المسنين تحت مظلة اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الثنائية (EPA) مع ثلاثة بلدان في المنطقة هي إندونيسيا، والفلبين، وفيتنام. وقد اُطلق هذا البرنامج عام ٢٠٠٨ وسط ضجة كبيرة، مقدماً دروساً مهمة لنا للمضي قدما.

لكن في إطار اتفاقيات الشراكة الاقتصادية، يحصل مقدمو الطلبات من المؤهلين على تدريب في اللغة اليابانية، بالإضافة إلى تدريب مهني في مركز طبي أو مركز للرعاية اليابانية. بعد اجتياز اختبار المجلس الوطني، ليصبحوا بذلك مؤهلين للعمل في اليابان إلى أجل غير مسمى، ويتم تجديد إقامتهم كل ثلاث سنوات. علماً ان المرشحين يستثمرون قدرا كبيرا من الوقت والجهد لإكمال تدريبهم وكسب الترخيص، وكذلك المرافق التي تتولى تدريبهم. فلماذا إذن يقرر حوالي ١٦٪ -٣۸٪ من الذين اجتازوا اختبار المجلس الوطني العودة إلى ديارهم بدلا من البقاء في اليابان؟

ذكر العديد من العاملين في مجال رعاية المسنين أسباب تركهم للمهنة ومغادرتهم اليابان، والمتمثلة في ظروف العمل الصعبة وساعات العمل الطويلة التي تعيق تحقيق التوازن بين العمل والأسرة والتي ثبت أنها تضر بصحتهم. وهذه هي نفس الأسباب التي دفعت الممرضين ومقدمي الرعاية من اليابانيين إلى ترك هذه المهنة. وبعبارة أخرى، فقد تضرر المتدربون من جنوب شرق آسيا من نفس الظروف القاسية التي دفعت باليابانيين من نساء ورجال إلى التخلي عن هذه المهنة. ومن ذلك نستنتج إذن أن أهم شرط لتأمين العاملين في مجال رعاية المسنين في اليابان هو تحسين ظروف عملهم بغَضِّ النظر عن جنسيتهم.

حاضر اليابان ومستقبل إندونيسيا

كما تجدر الإشارة إلى أن العديد من الممرضات من برنامج الشراكة الاقتصادية والعاملين المرخصين في مجال رعاية المسنين العائدين من الذين قابلتهم في إندونيسيا أكدوا على استفادتهم من البرنامج من وجهة نظرهم. حيث لم يشيروا إلى المال الذي اكتسبوه أو ادخروا كمتدربين بأجر مدفوع فقط وإنما إلى فرص الاتصال المباشر مع قطاع تمريض المسنين أيضا وكذلك خدمات رعاية كبار السن في اليابان. هذا ولا تملك حاليا أيٌّ من دول جنوب شرق آسيا المُشاركة مع اليابان في اتفاقات الشراكة الاقتصادية (EPA) برنامج توثيق موجه للمتخصصين في مجال رعاية كبار السن، مثل برنامج اليابان الوطني للعاملين المرخصين في قطاع رعاية المسنين. ويعود ذلك لأسباب عدة مثل الاختلاف الثقافي والتركيبة السكانية ومتوسط العمر المتوقع ونوع القضايا الصحية التي تواجه الناس، فرعاية كبار السن في تلك الدول هي مسؤولية العائلة في المقام الأول.

وقد أخبرني العائدون من برنامج الشراكة الاقتصادية ممن تحدثت إليهم أنه لا شيء مما تعلموه في مدرسة التمريض في بلادهم أسهم بشكلٍ أو بآخر في إعدادهم للتجربة التي خاضوها في اليابان، حيث تعلموا أن يعاملوا مرضاهم كما لو كانوا والديهم. وقالت ممرضة إندونيسية: ”إن تأمينات الرعاية طويلة الأجل في اليابان نظام رائع“. وقالت أيضا: ”قريبا سوف تواجه إندونيسيا نفس تحديات مجتمع الشيخوخة، وأود أن أشارك في تصميم نظاماً تأمينياً للرعاية طويلة الأجل هنا“. وقد تحدثت موظفة الرعاية الإندونيسية التي حصلت على الترخيص الوطني بحماس عن الرعاية المنزلية في اليابان كونها نموذجاً واعداً لإندونيسيا، لأن مثل هذه الخدمات تكاد تكون منعدمة في الوقت الحاضر.

كانت معظم التعليقات التي أبداها المتدربون الذين أكملوا دراستهم في مدرسة التمريض في إندونيسيا قبل مجيئهم إلى اليابان في نفس هذا السياق. فقد زادوا من احتمال أن تكون خبرة أمثال هؤلاء المتدربين بمثابة رأس الحربة التي ستساعد على دمج الأسلوب الياباني في رعاية كبار السن إلى مجال رعاية المسنين الجديد في إندونيسيا. وقالت لي ممرضة كانت قد حصلت على الرخصة الوطنية في اليابان إنها تريد إنشاء مدرسة لإعداد المرشحين الإندونيسيين لخوض تدريب رعاية المسنين في اليابان. فبعد أن أتيحت لها الفرصة للعمل على الخطوط الأمامية للمجتمع الياباني الذي يعاني من شيخوخة مفرطة، قد تمكن هؤلاء المتدربون من رؤية ما يخبئه المستقبل لإندونيسيا. هم الآن في موضع ممتاز يتيح لهم نقل خبراتهم إلى الأجيال القادمة من المتدربين بعد أن تسلحوا بمعرفة اللغة والثقافة اليابانية إضافة إلى عادات العمل.

تحدي اللغة

إن تأسيس العاملين في مجال رعاية المسنين كفئة جديدة بتأشيرة تثبت إقامتهم القانونية بموجب قانون الهجرة اليابانية سيفتح الباب بلا شك لتدفق عدد كبير من المهاجرين من مختلف أنحاء المنطقة. ولكن كم من بين هؤلاء المهاجرين سيأتي مجهزاً بمهارات أساسية وخلفية تعليمية مناسبة وبالحالة المزاجية المطلوبة لتقديم الخدمات على المستوى الذي نتوقعه من العاملين في مجال رعاية المسنين لدينا في اليابان؟ من الصعب أن نتوقع منهم تحقيق كل هذه المعايير في سياق برنامج مدته سنتين، إلا إذا تم اختبارهم مسبقا في اُطُر إتقان اللغة اليابانية، والمعارف الأساسية في الطب، بالإضافة إلى الاستعداد للذكاء العاطفي في العمل.

على سبيل المثال، يعد اجتياز المستوى الثالث من اختبار إجادة اللغة اليابانية (من بين المستويات الخمسة التي يشتمل عليها هذا الاختبار) أمراً ضرورياً لاجتياز اختبار المجلس الوطني لمقدمي الرعاية. تجري الآن مناقشة أن تكون قدرات اللغة اليابانية متوافقة مع المستوى الرابع (القدرة على فهم أساسيات اللغة اليابانية) للتقديم على برنامج تدريب المتدربين التقنيين. لكن لم يتم تطبيق أي شرط من شروط إجادة اللغة لدخول الطلاب الأجانب إلى البلاد بقصد الحصول على إقامة ”كايغو“ بموجب القانون الذي صدر في الخريف الماضي. هذا يزيد من احتمال دخول عدد كبير من المرشحين إلى البلاد من دون تحقيق الحد الأدنى من مستوى إجادة اللغة اليابانية المطلوب للنجاح في اختبار المجلس الوطني.

ويمكن أن يساعد العائدون من برنامج الشراكة الاقتصادية على حل هذه المشكلة، لأنهم يلعبون دورا رئيسيا في نقل الخبرة اليابانية في رعاية المسنين والتكنولوجيا لكن لابد أوّلاً من أن يحصلوا على وظائف كمدربين على مستوى عالٍ في مدارس التمريض في بلدانهم. وبعد ذلك، يصبح بإمكانهم المساعدة في تطوير وتدريس المناهج الدراسية الموجهة لامتحان المجلس القومي في اليابان، بما فيها دورات في اللغة والثقافة اليابانية، وأساسيات التمريض ورعاية كبار السن. ولعل خريجين بمثل هذه المؤهلات يمكنهم بعدئذٍ دخول برنامج التدريب التقني الياباني للمتدربين الأجانب في مجال رعاية المسنين أو تقديم طلب تأشيرة الطلاب الأجانب مع نية الحصول على تأشيرة ”كايغو“ بصفة دائمة في المستقبل، بعد تجهيزهم بالمستوى المطلوب من مهارات اللغة والمعرفة الطبية اللازمة لتحقيق النجاح.

بالطبع، لن يكون لزاماً على كل خريجي هذه الدورات أن يهاجروا إلى اليابان. فقد يختار البعض البقاء ومساعدة بلدانهم في الاستعداد لمجتمع الشيخوخة في المستقبل، كتقديم التوجيه لمقدمي الرعاية الأسرية وتحسين الجودة الشاملة لرعاية كبار السن في المجتمع الذي يعيشون فيه.

بناء العَلامة ”كَايغو“

وأما هنا في اليابان فينبغي علينا في نفس الوقت العمل على بناء العلامة ”كايغو“ كمرادف للرعاية عالية الجودة والموحدة بدعم من نظام التأمين الياباني للرعاية طويلة الأمد. مما يجعل هذا الحل الأنسب لجذب الموهوبين في المهنة على نحو مستمر، كما يجب علينا تطوير الأساليب لمساعدة العائدين من برنامج الشراكة الاقتصادية وبرنامج التدريب التقني للمتدربين على ملائمة الأنظمة والممارسات اليابانية مع ظروف بلدانهم، بما في ذلك الأوبئة، وأنظمة رعاية المسنين، وأوضاع العمل. ولعل مثل هذا النموذج يستحق التصدير إلى جميع دول جنوب شرق آسيا، وخاصة سنغافورة وتايلاند، حيث ترتفع نسبة المسنين فيها بوتيرة عالية، مع التعجيل بنشر المعرفة والتكنولوجيا اليابانية المتقدمة في هذا المجال، و بالتالي فسوف تساعد هذه المبادرة في توفير فرص عمل جديدة في جميع أنحاء المنطقة.

تعد أعمال رعاية المسنين من المجالات التي عملت اليابان على تعزيز أنشطة البحث والتطوير التقني فيها. مع الأخذ بعين الاعتبار حاجتنا إلى تحقيق التوازن بين الجهود المبذولة لجلب العاملين الأجانب في مجال رعاية المسنين إلى اليابان من جانب والسياسات الرامية في رعاية ونشر الخبرة التي نمتلكها من جانب آخر. وهذا يعني تكريس الوقت والاهتمام الكافي لتدريب العاملين الأجانب، مع الحفاظ في نفس الوقت على نوع بيئة العمل الداخلية اللازمة والرامية للمحافظة على صورة وواقع العمل في مجال رعاية المسنين اليابانية باعتباره عملا لائقا. كما ينبغي علينا أيضاً أن نستمر في تقديم المساعدة والخدمات التقنية للمتدربين بعد عودتهم إلى ديارهم سيما وأن نقل الخبرة التقنية هو أحد الأساليب الهامة التي يمكن لليابان أن تشارك بها في السنوات المقبلة لدعم المجتمعات المسنة.

(النص الأصلي باللغة اليابانية بتاريخ ١٧ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٧ – الترجمة من الإنكليزية - صورة العنوان: مُمَرِّضُون متدربون من إندونيسيا في مؤسسة لرعاية كبار السن في إيتامي، بمحافظة هيوغو، في ١٠ فبراير/ شباط ٢٠٠٩. جيجي برس.)

المجتمع المسن صحة كبار السن أجانب العاملون الأجانب الرعاية