مستقبل التحالف الياباني الأمريكي في ظل رئاسة ترامب

سياسة

نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تهدئة حدة المخاوف اليابانية حول القضايا الأمنية خلال زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى الولايات المتحدة في شهر فبراير/ شباط الماضي. ولكن الباحث السياسي ناكاياما توشيهيرو يحذر من أن النهج الذي يتبعه ترامب والمتمثل في ”أمريكا أولا“ قد يقوض الأسس التي بنت عليها الولايات المتحدة واليابان شراكتهما الأمنية الثنائية.

تراجع مستوى القلق العام إلى حد ما بعد نحو ۱۰ أسابيع من رئاسة دونالد ترامب، إلا أن حالة الغموض لا تزال ماثلة. وبالنسبة لليابانيين فإن أهم فترة خلال تلك الشهور الأولى تمثلت بلا ريب في زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في منتصف شهر فبراير/ شباط إلى واشنطن دي سي وبالم بيتش في فلوريدا. وخلال المحادثات الرسمية والمقابلة غير الرسمية في البيت الأبيض ومنتجع مارا لاغو الخاص بترامب في بالم بيتش، نجح آبي في تهدئة مخاوف اليابان الأكثر ملحة المتعلقة بمستقبل العلاقة الثنائية وخصوصا القضايا الأمنية.

لقد كانت هناك حاجة ماسة لإعادة الطمأنينة. وبينما أطلق فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية تحذيرات في أنحاء العالم، فإنه يمكن اعتبار قلة من الدول شعرت بقلق من الإدارة الجديدة تجاوز مخاوف اليابان وذلك بالنظر إلى فحوى تصريحات ترامب خلال الحملة الانتخابية وأهمية الولايات المتحدة لليابان. وبدا التحالف الياباني الأمريكي الذي يعتبر حجر الزاوية بالنسبة للأمن الياباني، فجأة يقف على أرضية رخوة.

وقد ساورت الناسَ في اليابان شكوكٌ مماثلة. وفي كل مكان أتحدث فيه يسألني الناس ما إذا كانت اليابان تستطيع مواصلة اعتمادها على الولايات المتحدة. وقد غدا عدم الثقة بدونالد ترامب سببا رئيسيا لـ”سياسة الدفاع المستقل“ عند جناحي اليمين واليسار. وبالطبع فما يقصده المرء بسياسة الدفاع المستقل يعتمد إلى حد بعيد على طيفه السياسي الذي ينتمي له. والأمر الذي تجدر الإشارة إليه هو أن اليمين واليسار متحدان أكثر من أي وقت سابق في عدم ثقتهم بواشنطن.

ولكن بتنحية الشعارات الصاخبة جانبا، فإن التحالف مع الولايات المتحدة يبقى الخيار الأمني الواقعي الوحيد لليابان، وقد ولدت هذه المعلومة شعورا بإحباط لا يخدم القضية. وقد أثار الوضع الحالي في الداخل الياباني حقيقة أن اليابان هي دولة تفتقر إلى الخيارات الأمنية.

أوباما وآبي و”تحالف الأمل“

ولكن بالطبع فهذه هي ليست المرة الأولى التي يتزعزع فيها إيمان اليابان بالتحالف الياباني الأمريكي. فقد كانت هناك على الدوام حالة من الانزعاج المخفي لا يبرز إلى العلن. ففي بداية تسعينيات القرن العشرين، وفي أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي – والذي كان العدو الافتراضي لهذا التحالف – كان بعض الخبراء يشيرون إلى أن المعاهدة الأمنية بين اليابان والولايات المتحدة قد فقدت جميع أسباب وجودها.

ولكن بحلول النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين بدأ التحالف بأخذ معنى جديد، فلم يعد ببساطة مجرد ضمان أمام تهديد أمني محتمل ولكن غدا مهمة جديدة لشريكين من أجل بناء والحفاظ على النظام في شرق آسيا استنادا إلى القيم الديمقراطية التقدمية التي يتقاسمها البلدان.

والتحالف الياباني الأمريكي الذي يعتبر موضوعيا، لم يكن متوازنا حيث تعتمد اليابان على الولايات المتحدة بشكل غير متناسب. وقد أثار عدم المساواة في العلاقة الأمنية على الدوام حُنق اليابانيين. ولكن عندما نعرّف التحالف بشكل أوسع من كونه التزاما بين شريكين يتقاسمان قيما مشتركة إلى دعم نظام إقليمي وعالمي، يصبح من الممكن لليابان أن تنظر إلى نفسها باعتبارها مساوية للولايات المتحدة فيما يتعلق بقوة هذا الالتزام، حتى وإن كانت القدرات التي يمكن أن تكرسها لهذه المهمة متباينة جوهريا بين الدولتين.

وبهذا المعنى، فإن استخدام طوكيو لتعابير مثل ”تحالف القيم“ و”تحالف الأمل“ لوصف العلاقات اليابانية الأمريكية في السنوات الأخيرة يميل لأن يكون خطابا فارغا. وقد ساعدت مثل هذه اللغة في إنجاز وظيفة سياسية حيوية تمثلت في شرح أسباب وجود تحالف ياباني أمريكي في القرن الحادي والعشرين. وقد نضجت العلاقة وتعمقت – بفضل ذلك الخطاب – في ظل قيادة آبي والرئيس باراك أوباما. وقد وافق المسؤولون من كلا البلدين المطلين على المحيط الهادئ على أن وضع التحالف كان في أفضل أحواله على الإطلاق.

وفيما يتعلق بالنتائج الاستراتيجية، فإنه يمكن توجيه الانتقادات لسياسة أوباما الخارجية. ولكن أحد الإنجازات البارزة لتلك السياسة تمثل في إعادة التحالف الياباني الأمريكي بثبات إلى مساره وتعزيز العلاقات الأمنية الثنائية.

آمال متقطعة

وفيما يتعلق بالبناء على هذا الإرث، كانت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون بلا ريب أفضل أمل لليابان. وليس من مجافاة الحقيقة القول إن اليابان – مثل بقية دول العالم – كانت تعوّل بشكل كبير على فوز كلينتون في الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني ۲۰۱٦. وقد افترض قادة اليابان أن كلينتون ستواصل سياسة أوباما المتمثلة في إعادة التوازن إلى آسيا. وكان لديهم سبب للاعتقاد بأن السياسة الخارجية الأمريكية في ظل رئاسة كلينتون ستعود إلى دبلوماسية العصى الغليظة الأساسية التقليدية الخاصة بالولايات المتحدة في أعقاب سنوات أوباما التي سادت فيها عقلانية سامية. وفي ذات الوقت، توقعوا التزاما بتعاون متعدد الأطراف، وذلك على خلاف التفرد الذي كان السمة التي ميزت السياسة الخارجية للرئيس جورج دبليو بوش. وباختصار كانت كل الأسباب حاضرة لتوقع تعميق العلاقات الثنائية بشكل أكبر والتي استعادت عافيتها في عهد آبي وأوباما.

وقد صُدم اليابانيون كما هو الحال في بقية العالم بخيار الناخبين الأمريكيين. فقد أظهر ترامب افتقارا نادرا للمعرفة وللرؤية بشأن السياسة الخارجية والشؤون الأمنية. وقد بدا خلال الحملة الانتخابية حقيقة وكأنه يتجنب التطرق إلى السياسة الخارجية والأمن الأمريكيين.

وعلى جميع الأحوال، فإن وجهة نظر ترامب الأساسية نحو العالم بسيطة وثابتة وتتمثل في ”أمريكا أولا“. وكانت العناصر الأساسية لوجهة النظر تلك موجودة قبل ترشح ترامب للرئاسة بفترة طويلة. وهي تتكون من نزعة نحو التوجه المحافظ والانعزالية والاستبعاد، أو – في حال بدا الاستبعاد نوعا ما قاسيا – فدعونا نقول بأنها نزعة للإعراب علنا وبشكل غير قابل للاعتذار عن الغرائز الدفينة الكارهة للأجانب والتي يكتمها بحكمة معظم الناس المثقفين. وأنا أستخدم كلمة نزعة عمدا، لأن تفكير ترامب ليس محددا أو يتمتع بعقلانية صلبة إلى حد كاف لوصفه بأنه أيديولوجيا.

وقد أعلن ترامب خلال حملته الانتخابية عن توجهه المتمثل بأمريكا أولا بشكل جلي جدا، وواصل فعل ذلك بعد انتخابه رئيسا. والرسالة هي أنه إدارة ترامب لن تضيع وقتها بقضايا مثل دعم الأعراف الدولية أو بناء نظام عالمي. وبدلا من ذلك فإنها ستركز على التعامل مع التهديدات المباشرة للأمن الأمريكي والسعي بدون تردد وراء المصالح القومية والتي يمكن للمرء أن يصفها بأنها مادية. وخلال خطابه في مراسم تنصيبه بتاريخ ۲۰ يناير/ كانون الثاني، بعث ترامب رسالة ”أمريكا أولا“ إلى العالم بأسره.

تقويض الأساس الأخلاقي للتحالف

لا مجال للشك بأن الولايات المتحدة سعت على الدوام وراء مصالحها الخاصة. ولكنها سعت ورائها عن طريق دمجها بالأنظمة والأعراف العالمية التي بنتها وحافظت عليها من خلال قوتها الخاصة ووضعتها حيز التنفيذ على المستوى الإقليمي في التعاون مع حلفائها. وبالتأكيد فإنها في بعض الأوقات كانت مخطئة لاتباعها معايير مزدوجة. إلا أنه لا تزال الأنظمة والأعراف التي حافظت عليها الولايات المتحدة بالشراكة مع حلفائها تشكل أساس النظام الدولي الليبرالي والذي استفاد منه عدد لا حصر له من الدول حول العالم. واليابان هي واحدة من أكثر الدول استفادة منه.

تخلت اليابان بموجب دستور البلاد الذي وضع بعد الحرب العالمية الثانية عن ذلك النوع من القوة المفرطة التي كانت تحتاجها الدول على نحو تقليدي إذا أرادت خلق بيئة دولية تعمل لصالحها. وبافتقارها لتلك القوة، اعتمدت اليابان فوق كل شيء على استقرار الأنظمة والأعراف الدولية التي تحدد وتنظم سلوك الدول الأفراد. وبدون مثل ذلك الاستقرار، يكون من شبه المستحيل التنبؤ والاستجابة للتطورات في بيئة دولية مرنة ومتذبذبة.

إن تخلي اليابان عن القوة المفرطة واعتمادها على النظام الدولي الليبرالي يوضح لماذا كان التحالف الياباني الأمريكي الخيار الأمني الوحيد لها منذ البداية، ولماذا – بغض النظر عن الأسئلة العرضية المتصلة بالاعتماد على الولايات المتحدة – بقي الخيار الأفضل لنا على الدوام. وقد أدرك الجزء الأكبر من اليابانيين حقيقة الحياة تلك بشكل فطري، وهذا ما يفسر سبب بقاء القوى المناوئة لأمريكا والتي تعارض الاتفاقيات الأمنية الثنائية، هامدة نسبيا منذ تجديد المعاهدة الأمنية اليابانية الأمريكية عام ۱٩٧۰.

وعلى جميع الأحوال، فإن شيطنة ترامب لليابان خلال الحملة الانتخابية ووجهة نظر ”أمريكا أولا“ التي تمسك بها منذ توليه المنصب قد أجبرت الكثيرين في اليابان بأن يحلموا بمستقبل لا يعتمد فيه أمنهم بعد الآن على التحالف الياباني الأمريكي. إن الخطاب المتعلق بالمصلحة الشخصية الضيقة والذي يستبدل لغة الشراكة والقيم المشتركة، يهدد بتقويض الأساس الأخلاقي لهذا التحالف.

واقعية آبي المجردة من العواطف

بالرغم من القلق العميق الناجم عن خطاب ترامب، فإننا لم نرَ بعد علامات على ارتفاع كبير في المشاعر المعادية لواشنطن على المستوى السياسي. وبينما يشعر القادة اليابانيون بالقلق الشديد من أسلوب ترامب، إلا أن رد فعلهم اتسم بالتحلي بالكثير من ضبط النفس مقارنة بما حدث في الكثير من الدول الأوروبية.

وتفسير الناس لهذا السلوك سيعتمد بلا ريب على انتمائهم السياسي. فبعضهم سيصفه بأنه إظهار للواقعية والمرونة اليابانية، بينما سيعزو آخرون ذلك إلى أسلوب معتاد يتمثل في الخضوع للأسياد الغربيين. ولكن بالتأكيد هناك شيء يجب قوله من أجل تهدئة الوضع وهو وجهة النظر الواقعية والتي لا نستطيع نحن في اليابان القيام بأي شيء حيال من يختاره الأمريكيون للرئاسة غير العمل لبناء شراكة ثنائية وصحية بأكبر قدر ممكن، بغض النظر عن مشاعرنا الشخصية بشأن ذلك الاختيار. ومع أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، فإن رئيس الوزراء آبي انسجم بسعادة مع البرنامج في البيت الأبيض ومارا لاغو ونجح في كسب استحسان ترامب.

والحقيقة هي أنه بالرغم من الضجيج على طرفي المحيط الهادئ، يجب الانتظار لرؤية كيف ستنفتح إدارة ترامب على اليابان. وصف البعض القصف الأخير لسوريا بأنه تنصل من مبدأ أمريكا أولا، ولكن هنا أيضا من المبكر جدا الحكم على ذلك. إن المبالغة في رد الفعل على كل تطور جديد لا تصب في مصلحتنا. وبالنتيجة يبدو أن المسار الأكثر حكمة في هذه المرحلة هو اتباع سياسة انتظار وترقب.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ ٨ مايو/ أيار ۲۰۱٧. الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يرحب بحرارة برئيس الوزراء الياباني شينزو آبي قبيل المؤتمر الصحفي للزعيمين في البيت الأبيض بتاريخ ۱۰ فبراير/ شباط ۲۰۱٧. الصورة من رويترز/أفلو.)

شينزو آبي دونالد ترامب التحالف الياباني الأمريكي الأمن القومي