رواد العلوم

تطوير أدوية رخيصة الثمن باستخدام دودة القز المعدلة وراثياً!

علوم تكنولوجيا مجتمع لايف ستايل

نحن الآن على أعتاب مرحلة جديدة في مجال تربية دودة القز العريقة، حيث تُجرى أبحاث متقدمة باستخدام ديدان الحرير المعدلة وراثيًا، مما يمكن من خلق أصناف جديدة من المنتجات الطبية وتحسين صناعة الحرير أيضًا. يُعَدّ المعهد الوطني لعلوم نمو وتغذية النبات في تسوكوبا، محافظة إباراكي، من بين أبرز المراكز التي تركز على هذا النوع من الأبحاث الابتكارية.

تسخير ديدان الحرير في إنتاج البروتين

يكاثر المعهد الوطني لعلوم نمو وتغذية النبات عدة أنواع من ديدان الحرير، مما يُعطي فائدتين في آن واحد، وهما البحث والحفاظ على أنواع الديدان.

يعد المعهد الوطني لعلوم نمو وتغذية النبات يُعتبر واحدًا من الهيئات التقنية الحيوية الرئيسية في اليابان، تأسس في عام 2001. يُركز العلماء في أحد مشاريعه الرئيسية على استغلال قدرات ديدان الحرير المذهلة لإنتاج بروتينات غير معتادة من خلال تحفيزها للإنتاج البروتيني الذي لا يحدث بشكل طبيعي. لقد تم طرح مستحضرات تجميل تحتوي على بروتينات معدلة وراثيًا من ديدان الحرير في الأسواق، والتركيز الآن يتجه نحو استخدام دودة القز لتصنيع منتجات طبية آمنة وبتكلفة معقولة.

نشأت تربية دودة الحرير في الصين، حيث يُعرف أيضًا بدودة القز، لإنتاج الحرير في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وانتقلت إلى اليابان في القرن الثاني تقريبًا. في بداية القرن العشرين، كانت اليابان الرائدة عالميًا في إنتاج الحرير، ولكن تطوير الألياف الاصطناعية وارتفاع التصنيع جعلت المنافسة صعبة على المنتجين اليابانيين الصغار. حاليًا، تُعد الصين والهند وتايلاند الدول الرئيسية في تصنيع الحرير.

يتواجد في اليابان أكثر من 600 نوع من ديدان الحرير من بينها الأنواع المعدلة وراثياً. ولعل احدى الخصائص المشتركة لدى جميع أنواع ديدان الحرير هي عدم تطويرها القدرة على الطيران وذلك مُغاير للحشرات الأخرى، حتى بعد نضوج اليرقات وبزوغها من شرانقها.

يتم تكاثر ديدان الحرير بشكل انتقائي أو ”تدجن“ وذلك على مدى أكثر من عدة آلاف من أجيال الديدان، وهذا ما أصبح ميزة رئيسية في جهود جعل ديدان الحرير المعدلة وراثياً منتجاً تجارياً وبشكل يماثل جميع الكائنات الحية المعدلة وراثياً بحيث تخضع ديدان الحرير المعدلة وراثياً إلى تحكم صارم وإلى قيود بروتوكول كارتاجينا (القانون الياباني ذي الصلة هو قانون: ”الحفاظ والاستخدام الدائم للتنوع الحيوي عبر اللوائح المتعلقة باستخدام الكائنات الحية المعدلة وراثيا“. كما تم سن قانون في فبراير/ شباط 2004 للتحكم بتأثير الكائنات الحية المعدلة وراثيا على النباتات والحيوانات في البرية). فحقيقة أن ديدان الحريرلا تستطيع الطيران تضمن عدم فرار أيٍّا من هذه الأنواع المعدلة وراثياً إلى البرية وبالتالي عدم اختلاطها مع الأنواع الطبيعية.

تضع ديدان الحرير ٣٠٠-٤٠٠ بيضة في المرة الواحدة. يبلغ حجم البيضة الواحدة بعد الفقس مباشرة حجم قطعة صغيرة من خيط الحرير، ولكن بعد الانسلاخ أربع مرات يزداد وزن جسمها بأكثر من ١٠٠٠٠ ضعف.

تصنع ديدان الحرير شرانقها بعد الفقس بحوالي الشهر، وتنتج تلك الديدان كميات كبيرة من البروتينات تستخدم كمواد خام في تصنيع الشرانق. حيث يتم إنتاج أنواع مختلفة من البروتينات في أماكن مختلفة من غدة الحرير.

فعلى سبيل المثال ينتج بروتين الفيبروين في الجزء الخلفي من الغدة بينما ينتج بروتين سيريسين في الجزء المتوسط من الغدة. يتشكل خيط الحرير من مزيج من هذين البروتينين: حوالي 25٪ سيريسين و75٪ فيبروين. وجدير بالذكر إن بروتين سيريسين اللزج قابل للذوبان في الماء وبالتالي فإن غلي الشرانق في الماء يسمح بعزل بروتين فيبروين ذو الشكل الليفي وحده كخيوط حرير.

تقنية التعديل الوراثي

يبلغ قطر بيوض دودة الحرير حوالي ١مم. ولهذا تتطلب عملية حقن الجزء الذي سيتمايز إلى خلايا تناسلية من البيوض بـ DNA مهارات كبيرة (الصورة في الأعلى). يقوم رئيس الباحثين أوتشينو كيئرو بحقن DNA داخل البيوض تحت المجهر(الصورة في الأسفل).

يتم في المعهد الوطني لعلوم نمو وتغذية النبات تعديل ديدان الحرير وراثياً عبر حقن سلسلتين من DNA في بيوض الديدان لخلق ديدان معدلة وراثياً وهكذا تكون إحدى هاتين السلستين هي DNA الناقل (تحقن جينات أجنبية وهي عبارة عن الحمض الريبي النووي منقوص الأوكسجين (DNA) في خلال ديدان الحرير) الذي يحتوي على جينات خارجية غير جينات الديدان الأصلية تقوم بتصنيع بروتينات خاصة يطلق عليها اسم خميرة معدّلة وراثياً تستطيع تغيير موقعها على الجينوم. والسلسلة الأخرى هي DNA المساعد والذي يحوي على خمائر أيّ أنزيمات تساعد في عملية نقل DNA إلى بيوض الديدان. يتم حقن سلسلتي DNA في البيوض ويسمح للبيوض بأن تفقس بشكل عادي. وبعد ذلك يتم انتخاب الأنسال اللاحقة بحيث يتم اختيار ديدان الحرير المعدلة وراثياً والقابلة للاستخدام.

هذا ويقول رئيس الباحثين أوتشينو كيئرو: ”عندما نحقن DNA فإننا بذلك نستهدف الجزء من البيضة الذي يمكنه أن يتمايز إلى خلايا تناسلية، وذلك ما يسمح بانتقال ميزات خاصة إلى الأنسال اللاحقة. وهنا تكمن التقنية التي جعلت من إنتاج كميات كبيرة من ديدان الحرير المعدلة وراثياً أمراً ممكناً“.

وقد طور المعهد الوطني لعلوم نمو وتغذية النبات منذ تسع سنوات تقنية جديدة تسمح للباحثين بالتحكم بمكان ظهور خصائص الجينات الخارجية. ولعل اختيار الجزء الخلفي من غدة الحرير الذي ينتج بروتين فبروين الذي يشبه الألياف جعل من الممكن تغيير خصائص الحرير المنتج. سيما وانه قد نجح الباحثون في ذلك المعهد في استخدام هذه التقنية لتطوير خيوط حرير بألوان فلورية متألقة.

الدكتور ماتشي هيروئيكي مدير مركز بحوث الكائنات الحية المعدلة وراثيا.

وعندما يتم نسخ الجزء المتوسط من غدة الحرير (المكان الذي ينتج فيه بروتين سيريسين اللزج)، فإن البروتين الناتج يستهدف البنية الداخلية للصمغ اللزج. وبما أن سيريسين ينحل في الماء، فإنه من السهل جداً أن يتم استخلاص البروتينات المنتجة بهذه الطريقة. يقول الدكتور ماتشي هيروآكي رئيس مركز بحوث الكائنات الحية المعدلة وراثياً: ”لقد طورنا أنواعاً من ديدان الحرير يشكل سيريسين 98٪ من البروتينات المنتجة وبدمج تلك الأنواع مع بعضها يمكن الحصول على عدد أكبر من البروتينات“.

هذا ويتعاون المعهد الوطني للعلوم ونمو وتغذية النبات مع كل من مركز غونما لتقنية القِزَازَة ومع جمعية مايئباشي التعاونية الزراعية لإنتاج ديدان الحرير المعدلة وراثياً ومع مجموعة من شركات القطاع الخاص. ويعرب الدكتور ماتشي عن شعوره بالتفاؤل تجاه المستقبل قائلاً: ”تواجه صناعة القزازة في اليابان حالياً أوقاتاً عصيبة، ولكن هنالك أمل حقيقي بأن تساعد ديدان الحرير المعدلة وراثياً في نهوض تلك الصناعة على قدميها مرة أخرى“.

من مستحضرات التجميل إلى تطوير الأدوية

نجحت شركة معامل المناعة البيولوجية ومقرها بلدة  فوجي أوكا في محافظة غونما بإنتاج دودة حرير معدلة وراثياً بإنتاج ألياف الكولاجين البشرية (كولاجين هو بروتين يدخل في تركيب نسج مثل الجلد والغضاريف. يعتقد بأن هنالك أنواع كثيرة من كولاجين الإنسان فقط. يستخلص عادة الكولاجين المستخدم في الصناعة من الماشية والخنازير والأسماك وأنواع أخرى من الحيوانات) وذلك بمساعدة تقنية من المعهد الوطني للعلوم ونمو وتغذية النبات، وقد استخدمت ألياف الكولاجين تلك في صناعة مستحضرات تجميل وتم طرحها في الأسواق.

وفي الماضي كان من الصعوبة استخلاص الكولاجين من مصادر طبيعية لكن الآن ومع هذه التقنية الجديدة يمكن إنتاج نحو 10 مليغرامات من الكولاجين من شرنقة واحدة. وللحصول على ذلك المقدار الضئيل من الكولاجين يتم إذابة الشرنقة في الماء ومن ثم تنقيتها من الألياف عبر الفلترة. ولكن ما قد يصاحب تلك العملية حصول بعض المشاكل مثل مَيل بروتين سيريسين اللزج للالتصاق بشبكة الفلتر مما يؤدي الى صعوبة في عمليات الفلترة. وتوصل أخيرا توميتا ماساهيرو مدير قسم هندسة البروتين في شركة معامل المناعة البيولوجية، إلى طريقةٍ تُمكنّه من الحصول على 6-7 ميليغرام من الكولاجين من كل 10 مليغرامات كولاجين تم إنتاجها.

وقد سبق وأن استخدمت شركة معامل المناعة البيولوجية الكولاجين البشري في إنتاج مستحضرات التجميل ومنتجات أخرى حيث يُستخدم في معظم مستحضرات التجميل التقليدية كولاجين مستخرج من السمك، لكنه يؤدي إلى حساسية لدى بعض الأشخاص، وقد حل استخدام الكولاجين البشري هذه المشكلة. وهنالك ميزة أخرى للكولاجين البشري وهي تعزيز الصورة التي من المرجح الحصول عليها من خلال إيجاد العلاقة مع الحرير والشرانق.

عند إدخال موادٍ جديدة إلى أسواق تحوي منتجات مماثلة، فإن القدرة التنافسية للتكلفة لا تقل أهمية عن الجودة. يعتقد الباحثون في شركة مخابر المناعة الحيوية بأنَّ البروتينات المستخرجة من ديدان الحرير المعدلة وراثيا تجعل من بعض المنتجات الصيدلانية أقل تكلفة.

يقول الدكتور توميتا ”نريد أن ننتج في المستقبل سلسلة من منتجات صيدلانية وأدوية لا تحتاج إلى وصفات طبية. فعلى سبيل المثال، تعتمد العديد من مواد التشخيص على استخدام الأجسام المضادة المُنتَجة في مزارع الخلايا أو في الفئران. ومن وجهة نظر الرفق بالحيوان، فمن الأفضل التقليل من اعتمادنا على الفئران. كما أن استخدام تلك المزارع ليس مثاليا أيضاً نظراً لتكاليف الإنتاج المرتفعة وبالتالي فإن النتاج النهائي سيكون أكثر كلفة. ولكن يمكن حل جميع هذه المشاكل إذا استطعنا صنع أجسام مضادة من ديدان الحرير المعدلة وراثيا بدلا من مزارع الخلايا والفئران. ففي نهاية الأمر، ليست الأجسام المضادة سوى نوع من البروتين. لذا يساورنا الأمل بأن نتمكن في المستقبل من صنع منتجات صيدلانية آمنة وبأسعار معقولة بهذه الطريقة“.

وقد أولى الناس جمال وملمس الحرير قيمة كبيرة منذ آلاف السنين. ولربما تستخدم البروتينات المنتجة من قبل ديدان الحرير المعدلة وراثيا قريبا في صنع أدوية آمنة وغير مكلفة لتساعدنا على البقاء بصحة جيدة. وهذا سبب آخر قد يُثير مشاعر الناس قريبا لتوجيه الامتنان لدودة القز.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بقلم هاياشي آيكو، الترجمة من الإنكليزية، المصور: هانس سوتير)

تكنولوجيا الحرير