منتجات يابانية

أجراس جديدة ذات أصوات عريقة: أويغو سيئيساكوشو

اقتصاد علوم تكنولوجيا

دأبت شركة أويغو سيئيساكوشو على إنتاج أجراس للمعابد البوذية على مدى قرنين ونَيّف من الزمن. وتشكل منتجاتها اليوم ما يقارب من ٧٠٪ من إجمالي الأجراس المصنوعة في اليابان.

تقليد عريق متواصل

بعض الأجراس المعروضة في مدخل شركة أويغو سيئيساكوشو.

لعل هنالك شعورٌ ما يراود المرء وهو أنه في أعقاب قرع جرس معبد بوذي بقضيب خشبي طويل، فإن صدى ذلك الرنين العميق المدوي يمكن أن يُسمع في مختلف أنحاء اليابان.

ويبعث هذا الصوت الذي يُعتقد أنه تعبير قوى الخير لبوذا - شعورا بالسلام في قلوب الناس. وفي هذا السياق، فهذا الرنين المهيب يتباين إلى حد ما مع أصوات أجراس الكنائس التي تدعو الناس للصلاة وتنقل لهم شعورا بالامتنان والأمل والابتهاج. وبالإضافة إلى أن أجراس المعابد تُقرع بصورة منتظمة معلنة التوقيت في النهار على مدار السنة، فهي تُقرع أيضا في اليابان خلال احتفال ”جويا نو كانيه“ في آخر يوم في العام حتى تستقبل عاما جديدا. حيث يرمز رنين الأجراس إلى التخلص من أهواء وشهوات تراكمت على مدى عام مضى وإلى الرغبة في بدء عام جديد بقلب نقي وصافٍ.

وربما تكوّن أجراس المعابد رمزاً لتقليدٍ أزلي عريق إلاّ أنّها لا تزال تُصَنع حتى يومنا هذا. حيث أنّ الشركة التي تشتهر بصنع هذه الأجراس يدويا تقع في مدينة تاكاؤوكا بمحافظة توياما وتعرف باسم أويغو سيئيساكوشو ويترأسها أويغو شوهيي. وقد كانت المنطقة المحيطة بتاكاؤوكا مزدهرة اشتهرت بصناعة المنتجات النحاسية خلال فترة إيدو (١٦٠٣-١٨٦٨)، وكان العمل يتم في هذه المنطقة برعاية مقاطعة كاغا. وكان ذلك المكان الذي بدأ فيه أسلاف هذه الشركة نشاطاتهم بإنتاج الأجراس النحاسية لأوَّل مَّرة.

أحد ”أجرس السلام“ في هيروشيما (الصورة مقدمة من شركة أويغو سيئيساكوشو).

لقد زودت الشركة أجراسا للمعابد في جميع أنحاء اليابان، حيث أنتجت ما مجموعه حوالي ٢٠٠٠٠ جرس من جميع الأحجام. وما يلفت النظر هو أن الشركة تنتج نحو ٧٠٪ من إجمالي السوق المحلية من الأجراس. ومن بين عملاء الشركة بعضٌ من أقدم وأقدس المعابد بما فيها معبدان وهُمَا نيشي هونغان وسانجوسانغيندو في كيوتو، وكذلك كل من معبد ناريتاسان شينشو في ناريتا ومعبد إيكيغامي هونمون في طوكيو. كما أن ”أجراس السلام“ في هيروشيما هي من صنع شركة أويغو سيئيساكوشو.

ويعود إنتاج أجراس المعابد في اليابان إلى فترة أسوكا (٥٩٣-٧١٠)، أي عندما وصلت الديانة البوذية لأول مرة إلى اليابان. وقد وصل إنتاج الأجراس إلى ذروته في فترة إيدو. وخلال تلك الفترة أخذت الأجراس المظهر والرنين الفريدين المعروفين في الوقت الحالي. وبالرغم من وجود أجراس معابد مشابهة في الصين وكوريا، إﻻ أن الرنين العميق والمتواصل للأجراس اليابانية هو شيء فريد من نوعه. سيما وأن إحدى أكثر السطور شهرة في الأدب الياباني تكمن في افتتاحية ”حكاية هييكي“ التي تروي قصة قبيلة الساموراي تايرا المنكوبة حيث جاء فيها: ”إن صوت أجراس غيون شوجا تعكس عدم الدوام في كل شيء (الحياة ﻻ تدوم)“. فقد كان صوت الأجراس دوماً متداخلا مع مفهوم بوذي حول عدم الثبات.

رنين يبعث على الراحة

ولإلقاء نظرة أكثر عمقا عن الأهمية الثقافية لأجراس المعابد، يقوم موتوي هيديهارو المدير العام لشركة أويغو سيئيساكوشو بتقديم بعض المعلومات:

ويقول ”تشترك عدة عوامل في إنتاج الصوت الصادر عن كل جرس بعينه، ومن هذه العوامل الشكل، والتوازن بين أجزائه، ونسبة النحاس إلى القصدير، ودرجة الحرارة التي تُصب عندها المعادن، والخشب المستخدم في صناعة قضيب القرع، وموقع المعبد. كما تتميز أجراس المعابد اليابانية بأن لها رنينا منخفض التردد. وهذا يتطابق مع مفهوم ”وابي سابي“ الجمالي لكثير من مفردات الثقافة اليابانية. ونحن نسعى إلى إنتاج هذا الصوت في أجراسنا.“

ويضيف موتوي أن باحثين توصلوا مؤخرا إلى أدلة علمية تثبت التأثير المهدئ للتردد المنخفض للأجراس. ويؤكد: ”لقد اتضح أن رنين الأجراس يعطي الناس شعورا بالراحة والسعادة، تماما مثل صوت خرير الماء من جدول أو صوت تغريد العصافير. ولذا فإنه ليس من قبيل المصادفة أن بكون في وسع أصوات الأجراس أن تبعث بدورها الراحة في قلوب الناس“.

يتم صهر معدنيّ النحاس والقصدير في فرن غازيّ ثم يُصبان بعدئذٍ في قالب لتشكيل الجرس.

وكلما كان القطر الخارجي لفتحة الجرس أكبر، كلما كان الرنين أكثر انخفاضا. وإذا كان الجرس رقيق الجدران بشكل كبير، فسيكون عُرضةً لأخطار الكسر عندما يُقرع.

تشمل المرحلة الأولى من الإنتاج خطوات متتالية وهي صنع قالب للجرس من خلال مزج رمل وصلصال. ثم يتم استخدام فرن غازي لصَهر كل من النحاس والقصدير. ومِن ثم يتم سكب المعدن المنصهر في القالب وبمجرد أن يبرد المعدن يتم إزالة الجرس من القالب ويطلى بالأسود. ثم يلي ذلك عملية الإنهاء.

عامل في شركة أويغو سيئيساكوشو يصقل جرسا تمت إزالته من قالبه وخلفه عامل آخر يعمل على صنع تمثال.

كل جرس هو حالة فريدة من نوعها. ومن أجل إنتاج رنين وصوت مميزين، يتبع الحرفيون طريقة الإنتاج المتوارثة منذ فترة نارا (٧١٠-٧٩٤). سيما وأنّ إيلاء عناية فائقة لأدق التفاصيل خلال جميع مراحل الإنتاج يعني أن إنتاج الجرس الواحد قد يستغرق ثلاثة أو أربعة أشهر على الأقل. وفي بعض الأحيان تتلقى شركة أويغو سيئيساكوشو طلبات لصنع أجراس كبيرة للغاية. وكان من بينها الجرس الذي صُنع لمعبد فاغو شان في تايبيه وهو أكبر جرس في تايوان يصل وزنه إلى ٢٥ طنا. كما أنتجت الشركة جرسا لمعبد في محافظة هيوغو وزنه ٤٨ طنا وهو الأكبر في اليابان. ولعل القدرة على إنتاج مثل هذه الأجراس الضخمة جعلت شركة أويغو سيئيساكوشو تتميز عن منافسيها.

الجرس الذي تمت صناعته لمعبد في تايبيه ويبلغ وزنه ٢٥ طنا (على اليسار)، جرس بوزن ٤٨ طنا تم تسليمه لمعبد في محافظة هيوغو (على اليمين). (الصورتان مقدمتان من شركة أويغو سيئيساكوشو).

طفرة ما بعد الحرب

حدث أن جرى في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية تجريد كثير من المعابد من أجراسها، حيث تم صهرها لصنع أسلحة، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على الأجراس بعد أن وضعت الحرب أوزارها. وبعد مرور ٥٠ عاما فقط، رجع عدد أجراس المعابد في اليابان إلى نفس المستوى الذي كان عليه في القرن التاسع عشر وكانت فترة ما بعد الحرب حقبة لا مثيل لها في إنتاج الأجراس.

وفي السنوات التي تلت الحرب، كانت شركة أويغو سيئيساكوشو أول من أدخل المكننة في عملية الإنتاج. وبذلك استطاعت الشركة إنتاج أجراس بمواصفات قياسية، واكتسب حرفيو الشركة خبرة واسعة والتي مكّنتهم من الانتقال من التصنيع على نطاق صغير إلى نطاقات أوسع مما جعل الشركة قادرة على تلبية الطلبات على الأجراس وتوسيع حصتها في السوق.

ومع ذلك فإن الأجراس المعدنية ستبقى دائما سوقاً مميزا والصناعة في هذا المجال ليست سهلة. ففي السنوات الأخيرة اضطرت شركتان كانتا منافستين باستمرار لأويغو إلى إيقاف أعمالهما. وهناك حاليا خمس شركات فقط تنتج الأجراس في اليابان. وقد بدأ الطلب على الأجراس بالتراجع. وفي حين كانت شركة أويغو سيئيساكوشو تتلقى طلبات بتصنيع حوالي ٢٠٠ جرسا سنويا، انخفض هذا الرقم حاليا إلى حوالي ٤٠ جرسا.

سوق في الخارج

يقول موتوي إن معدل أسعار الأجراس يقارب قيمة سيارة باهظة الثمن (حوالي ٤ إلى ٥ مليون ين). ولكن الأجراس على خلاف السيارة يمكن أن يتواصل استخدامها لنحوِ ألف عام. ولا يزال جرس معبد ميوشين في كيوتو قيد الاستخدام وهو أقدم معبد في اليابان، ويعتقد أن عمره حوالي ١٣٠٠ عام.

كما يُقدر بأنّ مبيعات الشركة سنويا تتراوح بين ٤٠٠ و٥٠٠ مليون ين حيث يشكل إنتاج الأجراس حوالي ثلث هذه المبيعات. كما تقوم الشركة بإنتاج وبيع تماثيل وأشياء دينية أخرى متعلقة بالنذور وكذلك بالنُصُبَ التذكارية حيث تساهم هذه المنتجات الإضافية في دعم صافي دخل الشركة.

وعلى الرغم من التراجع الأخير في الطلب على الأجراس، إلا أنه لا يزال كبيرا ومن المعتاد أن يتم استبدال الأجراس وأبراجها كلما يجري تجديد أحد المعابد أو تغيير رئيس الكهنة.

يقول موتوي إنه ”بطريقة ما، فإنَّ كل جرس من بين الأجراس التي أنتجناها في أنحاء اليابان يشكل نوعا ما من عينّات منتجاتنا. وفي كثير من الأحيان يأتينا زبائنٌ بعد سماعهم رنين أحد الأجراس التي أنتجناها“. كما أن تداول الأحاديث حولها يلعب دورا مهما أيضاً وبعض الناس يتعرفون عن الشركة من خلال البحث عبر شبكة الإنترنت.

ولربما من المدهش أن للشركة أيضا عددٌ من الزبائن في الخارج. ففي صيف عام ٢٠١٣، زارت مجموعة من الناس من تايوان الشركة للتفاوض على شراء جرس. ويشهد مثل هذا النوع من الطلبات ارتفاعا في وقتنا الحالي وذلك مع تراجع قيمة الين الياباني مقابل العملات الأخرى بموجب سياسة شينزو آبي الاقتصادية المعرفة بآبينوميكس، مما يجعل ثمنها رخيصا نسبيا للزبائن من الخارج لشراء جرس من صنع اليابان. وعلى الرغم من أن الشركة لم تبذل أي مجهود لتوسيع نطاق أعمالها في الخارج، إلا أنها أنتجت بالفعل أجراسا لزبائن في كل من الصين والبرازيل وأستراليا ونيوزيلاندا وفي دول أخرى.

بعض الأجراس المميزة

في أعقاب زلزال شرق اليابان الكبير الذي حدث في مارس/آذار عام ٢٠١١، استلمت شركة أويغو سيئيساكوشو طلبا من منظمة أهلية في مدينة كامايشي بمحافظة إيواتي التي دمرتها الكارثة يتضمن صنع ”جرس إعادة الإعمار“ للتعبير عن عزم المجتمع على إعادة إعمار المنطقة. وكذلك كي يلعب الجرس دورا في تخليد ذكريات الكارثة وذكرى أولئك الذين توفوا في الكارثة. وهو بنفس حجم جرس السلام في هيروشيما ويتدلى الآن بكبرياء أمام محطة قطار كامايشي. كما أكملت الشركة صناعة ”جرس قداس الحب“ للمنطقة الساحلية في مدينة أوفوناتو بمحافظة إيواتي، وهي مدينة أخرى تضررت بشدة جراء أمواج التسونامي. وأضحى ذلك الجرس يُقرع كل يوم عند الساعة ٢:٤٦ بعد الظهيرة وهو نفس توقيت حدوث الزلزال.

”جرس إعادة الإعمار“ في كامايشي (على اليسار) و”جرس قداس الحب“ في أوفوناتا (كلتا الصورتان مقدمتان من شركة أويغو سيئيساكوشو).

انخرط موتوي في إنتاج الأجراس على مدى سنوات عديدة، لكنه يقول إن الأمر لا يزال يبعث على الإثارة في كل مرة يسمع فيها أحد الزبائن أصوات قرع جرس لأول مرة. ومؤكّداً بأنّ الشركة ستواصل السَعيَ في تأمين مستقبل جديد لأجراس المعابد في السنوات المقبلة، علماً بأنّ التمسك بالتقاليد هو أمرٌ تعتز به أجيال من الحرفيين.

بيانات الشركة: اسم الشركة: Oigo Seisakusho K.K العنوان: Takaoka Dōki Dannchinai, 47-1 Toidesakaemachi, Takaoka, Toyama Prefecture, 939-1118 ممثل الشركة: أويغو شوهيي، الرئيس/ الرئيس التنفيذي للشركة (الرئيس الـ١٣ من أفراد الأسرة الذي يترأس الشركة). الأعمال: تصنيع وبيع أجراس، تماثيل، أشياء دينية، فوانيس تقليدية (تورو)، إلخ. رأس المال: ١٢.٥ مليون ين. عدد الموظفين: ٢٥ رقم الهاتف: 6336-63-0766 الموقع الالكتروني: http://www.oigo.jp

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بقلم هارادا كازويوشي بتاريخ ٢٦ يوليو/تموز ٢٠١٣. الترجمة من الإنكليزية).

هيروشيما