الإسلام في اليابان

يوم في حياة مسلم صائم في اليابان

مجتمع ثقافة لايف ستايل

يوجد في اليابان العديد من المسلمين والعرب الذين يعيشون ويعملون جنبا إلى جنب مع أقرانهم اليابانيين. ورغم الاختلافات الثقافية والدينية إلا أن هناك الكثير من الأمثلة الناجحة التي استطاعت الخروج بسلاسة من ضيق الاختلافات لتجد براحا يتسع لجميع البشر. في هذا اللقاء نلقي نظرة فاحصة على حياة مسلم عربي يعيش في طوكيو ويعمل بشركة يابانية عالمية من خلال استضافته لنا ليوم كامل منذ الصباح وحتى نهاية اليوم.

أبوشيبه بكر ABUSHIBA Bakuru

ولد بالمملكة العربية السعودية عام ١٩٨٢ لأب سوداني وأم مصرية. انتقل إلى مصر وأكمل دراسته الثانوية بمحافظة أسوان بجنوب مصر، بعد انتهائه من المرحلة الثانوية التحق بقسم اللغة اليابانية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة عام ١٩٩٩، والذي تخرج منه عام ٢٠٠٣ كأول الدفعة ليحل في ترتيب الأوائل على كلية الآداب وجامعة القاهرة بشكل عام. جاء إلى اليابان عام ٢٠٠٤ بمنحة من وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا كباحث ليدرس الماجيستير في التاريخ والسياسة والعلوم الإجتماعية. حصل على درجة الماجستير عام ٢٠٠٨، التحق بشركة توشيبا في نفس العام وهو يشغل الآن منصب نائب مدير قسم التسويق والمبيعات الدولية بالشركة.

يعيش أبوشيبه في اليابان منذ ١٢ عاما ما بين الدراسة والعمل، وقد استطاع خلال تلك الفترة التغلب على العديد من الصعاب التي واجهته في المجتمع الياباني من اختلافات ثقافية وعادات اجتماعية ليست موجودة بالعالم العربي. الآن يعمل أبوشيبه بشركة توشيبا العالمية في طوكيو كنائب مدير قسم التسويق والمبيعات الدولية. وقد التقيناه ليوم كامل في الشركة والمنزل وحدثنا باستفاضة عن تجربته في اليابان بشكل عام وكيف يقضي رمضان دون أن يؤثر على العمل.

الانتقال إلى اليابان

بدأت قصة أبوشيبه مع اللغة اليابانية منذ مرحلة الشباب، ”لقد كنت أعشق دراسة اللغات الأجنبية وبارع فيها أيضا منذ كنت في المرحلة الثانوية، لذلك فكرت في دراسة إحدى اللغات الأجنبية في المرحلة الجامعية. وقد اخترت اللغة اليابانية لأتخصص في دراستها كونها لغة نادرة، عكس اللغات الأوربية الشهيرة التي يجيدها الكثير من المصريين لقرب المسافة والتقارب الثقافي بين دول البحر المتوسط بشكل عام“.

”لقد جئت إلى اليابان بعد أن حصلت على منحة من وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم لأستكمل دراستي الأكاديمية، لكن جامعتي لم تكن في طوكيو بل في مدينة هيروساكي بمحافظة أوموري بشمال اليابان (حوالي ٧٠٠ كم عن طوكيو). وهي مدينة صغيرة يسكنها عدد محدود من الناس يقل عن ٢٠٠ ألف نسمة، ولديهم لهجة خاصة بهم تختلف تماما عن لهجة طوكيو التي درست بها في قسم اللغة اليابانية وهو ما فاجئني حيث لم أفهم شيئا مما يقولونه في بداية الأمر ! وبدأت أشك في قدراتي اللغوية من فرط الصدمة. لكن مع مرور الوقت تحسنت الأمور شيئا فشيئا وبدأت أفهم لهجة المنطقة بشكل جيد، لكن كنت دائما متيقظا ومنتبها حتى لا أتأثر بها وتصبح لغتي اليابانية ممزوجة بلهجة تلك المنطقة وأنسى لهجة العاصمة التي درستها“.

”كانت أول مرة في حياتي أرى فيها تساقطا للثلوج، حيث أنني لم أره من قبل سوى في الأفلام السينمائية. وقد خدعني صديق لي قائلا ”عندما يحل فصل الشتاء لن تستطيع الخروج من المنزل“ لذلك ظنت أنه عليّ شراء مخزون من الأطعمة للشتاء، لكنني اكتشفت بعد ذلك أنه كان يمزح معي. وربما يعود تصديقي له كوني لم أعش في تلك الأجواء من قبل. لكن بعد أن تعودت على الأجواء استمتعت برياضات الشتاء من تزحلق على الجليد وغيرها في أوموري“.

رمضان في اليابان بين الوحدة والصبر

وقد تطرقنا في خضم حديثنا عن رمضان في اليابان حيث الأجواء المختلفة تماما عن العالم الإسلامي بشكل عام والوطن العربي بشكل خاص، خاصة أول رمضان بعيد عن الديار ربما هو الأصعب من الناحية النفسية على أي شخص.

”لقد كانت فترة صعبة وأيام موحشة ذقت فيها طعم الوحدة والمرارة لا تزال صورتها أمامي حتى الآن بعد مرور أكثر من ١٠ سنوات. وقتها لم يكن هناك عربي ومسلم غيري في الجامعة، كنت أنا فقط أصوم رمضان في الجامعة وحيدا، ولم يكن أحد ممن حولي يعلم شيئا عن رمضان أو الصوم. وربما كانت لحظة الإفطار التي يسعد بها الناس في كافة أرجاء المعمورة هي نفس اللحظة التي كنت أشعر فيها بالوحدة والوحشة“.

اجتماع عمل داخل الشركة.

تختلف الحياة في طوكيو بطبيعة الحال عن المدن البعيدة والمناطق الريفية حيث الصخب والزحام وتكتل غالبية الجاليات بها أو حولها. لذلك اختلف الحال بالنسبة لأبوشيبه عبد مجيئه إلى طوكيو فقلّت الوحدة التي عانى منها بفضل وجود الأصدقاء من الجاليات العربية المختلفة، وتحسنت الأمور لشكل أقرب لما عليه الحال في الوطن بعد الزواج والشعور بالدفء العائلي.

يقول أبوشيبه عن روتينه اليومي في رمضان ”بعد أن أتناول السحور أصلي الفجر حاضرا ثم أنام حتى ميعاد العمل، فأستيقظ في الصباح لأستقل القطار وسط الزحام لمدة ٤٠ دقيقة أغير خلالها القطار ٣ مرات مختلفة حتى أصل لمقر الشركة بمنطقة كاواساكي. بالطبع يختلف الوضع عن الدول العربية والاسلامية فوقت العمل لا يقل بسبب رمضان بل يجب عليّ أن أعمل بنفس الكفاءة في رمضان، لكن لدينا في شركة توشيبا نظام مرن خاص بالحضور والانصراف“.

ويضيف قائلا ”بعد أن أصل للشركة أقوم بروتين العمل اليومي من اجتماعات، كتابة التقارير، عمل لقاءات عبر الفيديو كونفرانس مع عملاء الشركة، وأحيانا أذهب في رحلات عمل خارج اليابان. عندما أكون في طوكيو أحاول جاهدا اللحاق بموعد الإفطار في المنزل مع زوجتي، لكن إن لم تسعفني الظروف أقوم بأكل بضع حبات من التمر وشرب الماء حتى أصل للمنزل وتناول الإفطار“.

تفهم الشركة وتعاون الزملاء

من الصعب مقارنة ظروف العمل أثناء رمضان في الدول الإسلامية وغيرها من الدول خاصة فيما يتعلق بالصلاة خلال الشهر الكريم، لكن شركة توشيبا لم تترك الأمر هكذا وتتخلى عن مسؤوليتها تجاه موظفيها حتى وإن كان عددهم قليل. يقول أبوشيبه ”عندما التحقت بالشرة قالوا لي ”نحن نعد مكانا خاصا للصلاة لذلك نرجو منك الصبر حتى ننتهي منه“ وهو ما مثل مفاجأة سارة بالنسبة لي كون الشركة فكرت من جانبها القيام بمثل هذا الأمر دون طلب أو تدخل مني“.

وأضاف أبوشيبه بخصوص الأجواء داخل الشركة أثناء رمضان ”أتلقى الدعم من زملائي في العمل أثناء رمضان خاصة وأنهم لديهم معرفة عن الصيام كون عملائنا أحيانا يكونون من دول إسلامية. ويسألونني عن ساعات الصيام وما إذا كان الأمر مرهقا أم لا“.

صلاة الظهر بمصلى الشركة.

يقول السيد ناغاإيه رئيس أبوشيبه في العمل ومدير قسم التسويق والمبيعات الدولية بالشركة ”إن شركة توشيبا تقوم بتعيين موظفيين من كافة أنحاء العالم ومن بينهم بطبيعة الحال موظفين مسلمين، لذلك فقد قامت الشركة من جانبها بتخصيص مكان للصلاة وإقامة الشعائر الدينية الخاصة بالمسلمين بمقر الشركة“.

السيد ناغاإيه مدير قسم التسويق والمبيعات الدولية

وأضاف ”لقد عشت حوالي ٨ أعوام في دولة الإمارات العربية المتحدة ولدي معرفة عن شهر رمضان حتى أني قمت بتجربة الصيام أنا وزوجتي أتناء وجودي هناك. لذلك عندما يحل شهر رمضان أنبّه على الموظفين ألاّ يتناولوا الطعام أمام أبوشيبه في المكتب أثناء راحة الغداء مراعاة لشعوره. كما نعمل داخل فريق العمل جاهدين حتى يستطيع أبوشيبه أن يذهب للمنزل قبل ميعاد الإفطار. وهذا أمر ليس بتعليمات صادرة عن الشركة لكن هو نوع من التعاون بيننا كفريق عمل واحد“.

الحنين للطقوس الرمضانية الغائبة

السيدة هديل زوجة أبوشيبه

تحدثنا مع زوجة أبوشيبه السيدة هديل وبطبيعة الحال بدأ الكلام عن مدى صعوبة اللغة اليابانية والكانجي خاصة وأنها جاءت إلى طوكيو وهي لا تعرف كلمة يابانية واحدة ! لكنها ورغم معانتها مع اللغة اليابانية بدت مصممة على تخطي هذا التحدي بشكل أو بآخر. ليس عائق اللغة فقط هو ما يشغل بال السيدة هديل بل كيفية التعامل مع الاختلاف في طريقة التعبير عن المشاعر، واختلاف الشخصية اليابانية عن العربية في كونها لا تبوح بكل ما يجول في خاطرها. فالتواصل بين اليابانيون بعضهم البعض يعتمد على قراءة ما بين السطور أو تخمين فيما يفكر الطرف الثاني، وهنا تكمن صعوبة الثقافة اليابانية.

ثم تطرقنا للحديث عن أول رمضان لها في طوكيو فقالت ”لقد كان صعبا للغاية، فرمضان بالذات له طقوس خاصة لدينا في البيت من اجتماع الأهل والأصدقاء على المائدة قبل الإفطار في انتظار أذان المغرب، لكن هنا في اليابان لا توجد أي طقوس رمضانية بتاتا. لذلك كان رمضانا حزينا جدا في السنة الماضية“ وأضافت ”في السودان كنت أذهب مع والدتي يوميا مباشرة بعد الإفطار للمسجد لنصلي التراويح كما جرت العادة في رمضان، لكن هنا في اليابان من الصعب الحفاظ على مثل تلك الطقوس الروحانية لقلة عدد المساجد الموجودة في طوكيو واختلاف شكل الحياة عما تعودت عليه بشكل كبير. لكن على كل حال أتمنى الحفاظ على إقامة صلاة التراويح قدر الإمكان“.

وقد أعربت السيدة هديل عن سعادتها لرجوع زوجها مبكرا من العمل في رمضان بفضل تقدير الشركة لظروف الشهر الكريم، لكن في الأيام العادية ربما تمتد أوقات العمل حتى ساعات متأخرة من الليبل وهو أمر قد اعتادت عليه بمرور الوقت. لكنها لا تزال تشعر بالوحدة عندما يذهب زوجها في رحلة عمل خارجية. وفي سياق الحديث علقت على الدور العظيم الذي تقوم به المرأة اليابانية في إدارة البيت وتربية الأولاد لأن الزوج يعود للمنزل متأخرا من العمل كما هو الحال عند غالبية اليابانيين.

أبوشيبه وزوجته يتناولان وجبة الإفطار في المنزل.

أحلام المستقبل

قبل نهاية المقابلة شرح حكاية اسمه ”أبوشيبه“ أصل الاسم الذي يظهر لمن يسمعه لأول مرة وكأنه مشتق من اسم شركة ”توشيبا“.

”لقد غيرت اسمي بعد أن حصلت على الجنسية اليابانية عام ٢٠١٢، واسمي الأصلي هو أبوبكر محمد الفاتح. وأثناء إجراءات الحصول على الجنسية اليابانية قررت الاحتفاظ بالجزء الثاني من اسمي الذي اعتاد أصدقائي ندائي به وهو ”بكر“، وحيث أنني أعمل بشركة توشيبا وكنت أسكن بجوار حي ”شيبا“ قررت أن يكون الاسم ”أبوشيبه بكر“. ”وقد حصلت على الجنسية اليابانية لأنني أود الاستمرار بالعمل والمعيشة باليابان.“

أبوشيبه في مدخل شركة توشيبا بطوكيو.

وقد أثرت الحياة الطويلة في اليابان على أبوشيبه وتعلم الكثير سواء من الثقافة اليابانية والاحتكاك اليومي على مستوى العمل أو من خلال حياته وحده لفترة طويلة في الغربة.

”لقد تعلمت كيفية التعبير عن آرائي وأفكاري المختلفة وفي نفس الوقت احترام آراء وأفكار الآخرين حتى نصل لنتيجة جيدة من أجل مصلحة فريق العمل كافة، لكن من ناحية أخرى عدم الاعتماد على الآخرين وإنجاز عملي بنفسي، حيث أدرك جيدا مسؤولية الفريق ومسوؤليتي الفردية وأعمل عليهم بشكل متوازن.“

”أتمنى أن أصبح مسؤول توشيبا في الشرق الأوسط في المستقبل إن شاء الله حتى أستطيع نقل خبرتي حول طريقة العمل اليابانية للعالم العربي، وأكون جسرا للتقريب بين الثقافتين اليابانية والعربية“.

انتهى اللقاء مع أبوشيبه لكن لم تنتهي أحلامه التي طاردها حتى اليابان، ولم يضعف عزيمته شيئا في رحلة الإصرار والعزيمة والكفاح، سواء وحدته في أجواء مختلفة عن وطنه الأم أو المصاعب الحياتية لاختلاف العادات والتقاليد، فكما يقول أبو الطيب المتنبي ”علي قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم“.

(تم صياغة المقالة بناء على مقابلة أجريت يومي ١٦ و٢٣ يونيو/ حزيران ٢٠١٦. أجرى المقابلة كاتو ميغومي ومحمد حسن من قسم اللغات، المصور أوتاني كيّوهيدى.)

▼مقالات ذات صلة

رمضان في اليابان قبل الحرب العالمية الثانية

مسلم رمضان توشيبا