اليابانيون والساكورا

رموز لتبادل العلاقات اليابانية - الأمريكية على نهر بوتوماك

سياسة ثقافة

للاحتفاء بطقوس فصل الربيع لأزهار الكرز نظيره في واشنطن فأشجار الكرز المصفوفة التي أهدتها طوكيو لواشنطن قبل مائة عام تقف مزهوة على ضفاف نهر بوتوماك حيث يقام مهرجاناً ورديّ اللون في شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان يحظى بشعبية كبيرة بين السكان والسياح على السواء. كما تُذكر الأزهار مرونة العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان.

يستقطب مهرجان أزهار الكرز الوطني بواشنطن العاصمة أكثر من ٧٠٠ ألف زائر سنويا ويأتي السياح للاستمتاع بمشاهدة أزهار الكرز ”ساكورا“ ولرؤية مجريات أحداث عديدة متعلقة بها حينما تتفتح أزهار الكرز وتجدر الإشارة أن مسؤولية تخطيط وإدارة المهرجان أصبحت في السنوات الأخيرة تقع على عاتق مؤسسة غير ربحية مهرجان أزهار الكرز الوطني، تضم في إدارتها ممثلين من منظمات القطاعين العام والخاص.

”سوميييوشينو“

لعل النجم في حفل مشاهدة الزهور في واشنطن العاصمة، كما هو الحال في اليابان، يتركز على صنف هجيني ”سوميييوشينو“ (اسمه العلمي: Prunus x yedoensis). سيما وأن هناك علاقة وثيقة بين أشجار الكرز سوميييوشينو ذات الأزهار الوردية الفاتحة من جانب وحلول موسم تفتح أشجار الكرز، والتي تمثل نسبة كبيرة من أغلبية الأشجار في واشنطن. من جانب آخر صف الأشجار يشمل أيضا مئات من أشجار ”كانزان“ (اسمه العلمي: Prunus serrulata) التي تتفتح أزهارها بعد مرور أسبوعين من تفتح زهور أشجار سوميييوشينو، إضافة إلى أصناف أخرى منها شجرة الكرز اليابانية ذات الغصون المُتدليّة (اسمه العلمي: Prunus subhirtella var. pendula)، التي تتفتح أزهارها بعد أسبوع من نظيرتها على أشجار سوميييوشينو.

في عام ١٩١٠، أهدت طوكيو حوالي ٢٠٠٠ شجرة كرز للولايات المتحدة الأمريكية. وتبين بعد معاينتها، أن تلك الأشجار تحمل حشرات مؤذية وبعض الأمراض، فأمر الرئيس الأمريكي، ويليام هوارد تافت (١٨٥٧-١٩٣٠، ورئيساً من ١٩٠٩-١٩١٣) بحرقها لحماية الزراعة في الولايات المتحدة. وفي عام ١٩١٢، تلتها هدية أخرى من طوكيو وكانت أكثر من ٣٠٠٠ شجرة. حيث تم تطعيم تلك الأشجار بغصون من شتلات الكرز من ضفتين نهر أراكاوا بطوكيو في بساتين مدينة إيتامي بمحافظة هيوغو - أي ما يعرف أسلوب ”الازدراع“.

وقد جذبت هذه الأشجار المصفوفة على طول نهر بوتوماك وحافظت على مودة سكان واشنطن والسياح. وكانت تلك المودة عميقة بدرجة جعل من تلك الأشجار تحظى برعاية تغمرها المحبة حتى في أحلك الأوقات إبان أيام الحرب العالمية الثانية.

تأخر قدوم الربيع إلى المهرجان

لقد أتيحت لي الفرصة لزيارة واشنطن في ربيع عام ٢٠١٥ وكان ذلك ما تمنيتّه وهو أن يكون خلال موسم تفتح أزهار الكرز. ولكن برد الشتاء وتساقط الثلوج قد أخّرَ المشهد. وغطى الجليد مساحات واسعة من نهر بوتوماك، وبالتالي أخفت أشجار الكرز على طول ضفافه كل المؤشرات التي تدل على تفتح الأزهار. لكن الجو كان مليئا بحس الترقب.

شهد نهر بوتوماك تراكم الجليد والثلوج الذي كان السبب في تأخر تفتح الأزهار عام ٢٠١٥.

في عام ٢٠١٥، احتفلنا بالذكرى السنوية السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية. وقد كرست السفارة اليابانية والجمعية اليابانية الأمريكية بواشنطن، وكذلك منظمات يابانية من القطاعين العام والخاص اهتماما أكبر من المعتاد للمهرجان الوطني لأزهار الكرز. وانصبّ الاهتمام الرئيسي على مهرجان عروض الشوارع السنوي ”ساكورا ماتسوري“.

وهناك تركيز آخر على مشاركة اليابان في المهرجان الوطني لأزهار الكرز وهو حفل الافتتاح الرسمي الذي أقيم في ٢١ مارس/آذار ٢٠١٥، ولغرض التسلية تم اختيار مزيج ممتاز من فنانين موسيقيين أمريكيين ويابانيين وبشكل خاص الصوت العاطفي لديبورا بوند، عازف البيانو لموسيقى الجاز موريتا مانامي، والعازفون اليابانيون الفولكلوريون لـ AUN-J الأوركسترا الكلاسيكية، وكذلك مغنية البوب واتانابي ميساتو، حيث سادت أصدائها المميزة أجواء الحفل.

والمهرجان الوطني لأزهار الكرز مليء أيضا بمواضيع ترتبط بأحداث أخرى في اليابان. حيث يمكن للسياح التعرف على تذوق أطعمة السوشي ومشروب الساكي، إضافة لزيارة معارض الرسوم المتحركة اليابانية والتصوير الفوتوغرافي، وكذلك حضور عروض أزياء الكيمونو، والتمتع برواية القصص الكوميدية ”راكوغو“، أو حتى المشاركة في بطولة الطائرات الورقية.

ظلت أشجار الكرز على ضفاف نهر بوتوماك تُخفي مفاتنها طي الكتمان في منتصف مارس/ آذار ٢٠١٥،

حضانة لمدة ربع قرن

إن موضوع زراعة أشجار الكرز بواشنطن هو فكرة جاءت من كاتبة الرحلات اليزا سكيدمور (١٨٥٦-١٩٢٨). فمن خلال مؤلفاتها أيضا من مقالات وكتب عديدة، أصبحت سكيدمور أول امرأة عضو في مجلس المديرين لإدارة الجمعية الجغرافية الوطنية. وقد عشقت أزهار الكرز خلال زيارة لها لليابان عام ١٨٨٥. وعند رجوعها للولايات المتحدة، اقترحت زراعتها في واشنطن فوق أراضٍ صالحة للزراعة على طول نهر بوتوماك. وعلى الرغم من إصرارها، إلا أنها فشلت في إقناع الجيش الأمريكي، الذي كان يتولى مسؤولية إدارة الأراضي والمرافق العامة في العاصمة.

وقد تطلب اقتراح سكيدمور فترة حضانة قاربت ٢٤ عاما لكي يؤتي في النهاية بثماره وبمساعدة القنصل العام الياباني بنيويورك، ميزونو كوكيتشي (١٨٧٣-١٩١٤). وكذلك بفضل جهود السفير الياباني السابق لدى الولايات المتحدة، فوجيساكي إيتشيرو (مواليد ١٩٤٧، سفير لدى الولايات المتحدة ٢٠٠٨-٢٠١٢). وقد تزامنت فترة ولاية فوجيساكي كسفيرٍ لبلاده في الولايات المتحدة مع حلول الذكرى المئوية لزراعة الأشجار الأصلية في واشنطن والتي قُدمت آنذاك كهدية من طوكيو.

ووفقا لفوجيساكي، فإن الأعمال البطولية لميزونو كدبلوماسي، شملت المشاركة في تنسيق الهجوم على القاعدة البحرية الروسية في بورت آرثر وفي تأمين سلامة المواطنين اليابانيين في المنطقة. فقد استأجرت روسيا حينئذٍ قاعدة بورت آرثر من الحكومة الصينية المعروفة الآن بحي لوشونكو بمدينة داليان لمقاطعة لياونينغ. وشهد الهجوم الياباني على القاعدة بداية الحرب الروسية اليابانية (١٩٠٤-١٩٠٥)، التي انتهت بتوقيع معاهدة بورتسموث في سبتمبر/أيلول ١٩٠٥، والتي كان للحكومة الأمريكية يد في توقيع هذه المعاهدة، ولذا فقد كان يتملك ميزونو شعورا قويا بالامتنان تجاه الولايات المتحدة.

وعندما التقت سكيدمور بـ ميزونو كان الأخير يشغل منصب القنصل العام لليابان في نيويورك، وشرحت فكرتها لزراعة أشجار الكرز اليابانية في واشنطن العاصمة. وقد اعتبر ميزونو الفكرة وسيلة ممتازة لإظهار التقدير الياباني تجاه الولايات المتحدة، واعتبرها أيضا وسيلة قيمة للمساعدة في الحيلولة دون تصعيد مشاعر العداء في الولايات المتحدة تجاه المهاجرين اليابانيين. ثم تحولت الفكرة خلال هذا اللقاء إلى خطوة كبيرة للتنفيذ. في أبريل/ نيسان عام ١٩٠٩ حيث قابل كل من ميزونو وسكيدمور الكيميائي تاكاميني جوكيتشي (١٨٥٤-١٩٢٢) في واشنطن.

حقق تاكاميني ثروة كبيرة من خلال نجاحه في عزل إنزيم تاكا ديستاس، الذي أصبح وصفة علاجية بشكلٍ واسع للمساعدة على الهضم. ثم هاجر بعد ذلك إلى الولايات المتحدة، وأنشأ معملا للأبحاث في نيويورك. وفي عام ١٩٠١، اكتسب مزيداً من الشهرة بعد عزل هرمون الأدرينالين بنجاح. وأصبح القائد الفعلي للمجتمع الياباني في نيويورك.

وقد شرح ميزونو وسكيدمور فكرة زرع الكرز لتاكاميني. وشارك تاكاميني قلق ميزونو حول تنامي المشاعر المعادية لليابان في الولايات المتحدة، واتفق على أن أشجار الكرز يمكن أن تكون حلا سديدا لذلك. وخلال المناقشة، ذكرت سكيدمور أنها أيدت الفكرة لدى هيلين زوجة الرئيس تافت (١٨٦١-١٩٤٣)، وأن السيدة الأولى كانت متقبلة للفكرة بشكل تام. وحينها، عمل الثلاثة على حل مسألة تأمين التعاون مع الحكومة اليابانية.

تجاوز بداية كادت أن تكون بداية ميمونة

لقد وجه ميزونو الاقتراح عبر وزارة الخارجية، وطلب وزير الخارجية كومورو جوتارو (١٨٥٥-١٩١١، والذي كان وزيراً للخارجية ١٩٠١-١٩٠٦) مساعدة عمدة طوكيو أوزاكي يوكيو (١٨٥٨-١٩٥٤، عمدة طوكيو ١٩٠٣-١٩١٢). في هذا الصدد سيما وأن أوزاكي كان يُبدي دوماً منظوراً دولياً طوال حياته المهنية، وقال إنه يشارك ميزونو وتاكاميني في الشعور بالامتنان تجاه الولايات المتحدة لإنجاز معاهدة بورتسموث. وقد حصل على الفور على ميزانية لإعداد وشحن ٢٠٠٠ شتلة كرز إلى واشنطن العاصمة. وتّم في يناير/ كانون الثاني عام ١٩١٠ شحن الشتلات ولكن تعرض معظمها إلى حشرات مؤذية وأمراض أثناء الرحلة البحرية الطويلة ولذلك استلزم الأمر حرق البضائع بعد وصولها إلى الولايات المتحدة.

وقد فزع أوزاكي، فأصدر تعليمات للتوصل بسرعة إلى حماية الشتلات من الحشرات والأمراض. وتوصل المختصون بزراعة الغابات والعناية بها إلى إيجاد الحلول المناسبة، وكما ذكر أعلاه، تم تطعيم الازدراع المستلم من صفوف الكرز على طول نهر أراكاوا في طوكيو لشتلات من مدينة إيتامي، وبعد ذلك حافظوا على المزيد من الشحن عن طريق تبخير الشتلات بغاز سيانيد الهيدروجين.

أزهار الكرز على ضفة نهر بوتوماك في ذروة زهوتها في أبريل/ نيسان ٢٠١٤ على حوض المد والجزر في واشنطن. وفي الخلفية النصب التذكاري لجيفرسون.

سحر المَرّة الثانية

في فبراير/ شباط من عام١٩١٢، غادرت ميناء يوكوهاما ثاني شحنة لأشجار الكرز اليابانية، واحتوت هذه الأخيرة على ٣٠٢٠ شتلة من ١٢ نوعا، وقد أثبتت الاحتياطات المتخذة وإجراءات الحذر فعاليتها، حيث وصلت الشحنة آمنة وسليمة دون أن تمسها حشرات وبلا أي أمراض على الإطلاق.

وفي يوم ٢٧ مارس/ آذار، جرت مراسم الحفل التذكاري للغرس بحضور لسيدة الأولى هيلين تافت وغيرها من كبار الشخصيات، وسرعان ما أينعت الأشجار في صفوف لتصبح اليوم من أشهر الأماكن الرائعة، ولتمتد صفوف الشجر إلى شرق بوتوماك بارك حول حوض المد والجزر ونصب جيفرسون التذكاري.

ومن المثير للاهتمام، إنه تم إرجاع إحدى أشجار الكرز في واشنطن إلى مدينة إيتامي حيث تتمثل بحي هيغاشينو كـ”ساتوغايري زاكورا (الكرز الذي عاد للوطن)“. وقد وصلت تلك الشجرة كشتلة عام ٢٠٠٣ بمثابة هدية من العاصمة الأمريكية بمناسبة حلول الذكرى التسعين لأول غرس.

ملاحظة: اعتراضات من الدول الآسيوية المجاورة لليابان

يبدو أنّ شعبية المهرجان الوطني لأزهار الكرز والإيحاءات اليابانية فتحت مجالاً للانتقاد من الصين، وكوريا الجنوبية ودول آسيوية أخرى. حيث دعت الدول المجاورة لليابان إلى إعادة إدراج هذا الحدث تحت مسمى احتفالات عموم آسيا وذلك في ضمن جدول مناسبات فصل الربيع في واشنطن.

تجدر الإشارة إلى أن اعتراض كوريا الجنوبية على المهرجان مرتبط بمظالم نباتية وتاريخية. على السواء فقد ادعت الحكومة الكورية أن الكرز يوشينو نشأ في كوريا وليس في اليابان. والسبب وراء ذلك يكمن في عدم رضا الكوريين عن شروط معاهدة بورتسموث، التي اعترفت بالهيمنة اليابانية على شبه الجزيرة الكورية. ولكن مهما كانت المطالبات الكورية مستحقة، فإنها على ما يبدو على خلاف مع أهداف إليزا سكيدمور وهيلين تافت حول مسائل التشجير وتداعيتها.

(النص الأصلي باللغة اليابانية بقلم هارونو جوجي من nippon.com، ونشر في ٢٥ مارس/ آذار ٢٠١٥. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: أشجار الكرز في كامل زهوتها وتُحيط بأبهتها بحوض المد والجزر في العاصمة الأمريكية واشنطن، أبريل/ نيسان ٢٠١٤.)

واشنطن شجرة الكرز ساكورا