الأحياء العرقية في اليابان

الحي الصيني الجديد بطوكيو ... إيكيبوكورو

مجتمع ثقافة

الأحياء الصينية هي أحياء عرقية يرجع تاريخها الطويل إلى منتصف القرن الـ ١٩ أي منذ أن فتحت اليابان أبوابها على العالم وبعدما ظلت معزولة نوعاً ما باستثناء التجارة مع بعض الدول لأكثر من ٢٠٠ سنة. ولكن في الآونة الأخيرة ونظرا لتعمق العلاقات اليابانية الصينية في المجالات الاقتصادية وقد وُجِد هناك حي صيني جديد آخذ في النمو في إيكيبوكورو بالعاصمة طوكيو. فلنتعرف عليه عن قرب.

أكبر ثلاث أحياء صينية في اليابان... يوكوهاما، كوبي، ناغاساكي

تتواجد الأحياء الصينية في اليابان في عدد من المدن الساحلية منها يوكوهاما وكوبي وناغاساكي والتي تم افتتاح موانئ دولية بها في السنوات الأخيرة من فترة إيدو. ثم تطورت تلك الأحياء الصينية الثلاث الكبرى في اليابان كمناطق سياحية رئيسية. ويجدر القول بأنّ الحي الصيني في الأساس هو مجموعة مطاعم للمأكولات الصينية تجمّع بجوارها العديد من المتاجر الصينية الأخرى مثل تلك التي تبيع البضائع الصينية التقليدية وأدوات الطعام الصينية والحلوى الصينية والشاي الصيني وغيرها ممن خلقت عالما صينيا عجيبا ومذهلا في تلك الأحياء.

وعلى الرغم من توتر العلاقات بين اليابان والصين في الآونة الأخيرة، فإننا إذا ما قمنا بزيارة الحي الصيني في يوكوهاما في نهاية الأسبوع فسوف نجده مزدحما تماما على غرار ساعات الذروة في وسط المدينة. ويقال إن هذا ليس فقط لأن اليابانيين يحبون المأكولات الصينية فحسب، بل لأن هناك أيضاً اهتمام كبير بالثقافة الصينية.

زيادة عدد المهاجرين الجدد من الصينيين

ولا بد من التنويه إلى أن أعداد الصينيين الذين يهاجرون من بلادهم متجهين إلى جميع أنحاء العالم بغرض العمل أو الدراسة قد ازداد مؤخراً وذلك مع تعزيز سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين حيث تُطلق عليهم تسمية ”المهاجرين الجدد“ مقابل اسم ”المهاجرين القدامى“ وهم الذين كانوا قد عبروا وهاجروا إلى خارج البلاد فيما قبل سياسة الإصلاح والانفتاح.

وينطبق كذلك في اليابان أيضا حيث ازداد عدد المهاجرين الجدد من الصينيين منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي والذين يدخلون اليابان عن طريق الحصول على تأشيرة خاصة للدراسة والتي تمنح للطلاب الدارسين في مدارس تعليم اللغة اليابانية أو المدارس المهنية المختلفة. ووفقا لإحصائية وزارة العدل عن عدد الأجانب المقيمين في اليابان، فإن عدد الصينيين (الذين يحملون الجنسية الصينية) في عام ١٩٨٠ كان ٥٢ ألف و٨٩٦ شخصا، وازداد هذا العدد بسرعة كبيرة منذ نهاية الثمانينات ليصل في عام ١٩٩٠ إلى ١٥٠ ألف و٣٣٩ شخصا، وفي عام ٢٠٠٠ أصبح ٣٣٥ ألف و٥٧٥ شخصا، ثم تضاعف عام ٢٠١٠ إلى ٦٨٧ ألف و١٥٨ شخصا. أما في عام ٢٠١١ فقد ازداد عدد الصينيين الذين عادوا إلى بلادهم بشكل مؤقت إثرَ كارثة زلزال شرق اليابان الكبير، ولكن في نهاية عام ٢٠١٤ أصبح عدد الصينيين المقيمين في اليابان ٦٥٤ ألف و٧٧٧ شخصا.

وقد قمت شخصيا منذ السبعينات بدراسة الأحياء الصينية الموجودة في اليابان وفي جميع أنحاء العالم ولاحظت أن تكوّن أحياء صينية جديدة بواسطة المهاجرين الجدد في أمريكا الشمالية وأوروبا وأوقيانوسيا بما فيها جزر المحيط الهادئ. وكما ذكرت سابقا فإن المهاجرين القدامى الذين عبروا من الصين إلى اليابان هم الذين ساهموا في إقامة الأحياء الصينية الثلاث الكبرى في اليابان وعلى مدى تاريخ طويل من الاختلاط والتمازج مع المجتمع الياباني.

وبما أن المهاجرين القدامى قد كوّنوا الثلاث أحياء الصينية الكبرى في اليابان لذا فليس من المعقول ألّا يشكل المهاجرون الجدد كذلك أحياءً صينية جديدة في اليابان، ولعل هذا هو التساؤل الذي طالما كان وما زال يشغل تفكيري.

تكوّن الحي الصيني في إيكيبوكورو

لقد وجدت حل هذا اللغز في الكلمات التالية للطلاب الصينيين المغتربين في اليابان. فقد تحدث معي أحد الطلبة في أواخر التسعينات وقال ”إن إيكيبوكورو تعتبر مكانا مريحا ومناسبا بالنسبة للصينيين حيث تتوافر أماكن للأعمال الإضافية أو الدوام الجزئي لنا كطلبة كما أنه يباع في إيكيبوكورو جميع الأشياء والمستلزمات الضرورية التي قد يحتاجها الصينيون“.

المخرج الشمالي لمحطة إيكيبوكورو

ومنذ ذلك الحين، وجدت عند التجول في المنطقة المجاورة للمخرج الشرقي والمخرج الغربي لمحطة إيكيبوكورو أنه قد تجمعت متاجر افتتحها المهاجرون الجدد من مطاعم صينية وسوبر ماركت خاص ببضائع صينية ومحل كتب صينية ومقهى للإنترنت (النت كافيه) وشركة سياحة وما شابهها وذلك في المنطقة المحيطة بالمخرج الشمالي لمحطة إيكيبوكورو. كما أنني اقتنعت وتأكدت من أن المنطقة المحيطة بالمخرج الشمالي هذه هي بالفعل ميلاد لأحد الأحياء الصينية الجديدة مثل التي رأيتها في الخارج. وبعد ذلك وفي عام ٢٠٠٣ أُطلقَ على هذه المنطقة اسم ”حي إيكيبوكورو الصيني (Ikebukuro China Town)“. وفي البداية عند البحث عن ”حي إيكيبوكورو الصيني“ على الإنترنت كان لا يظهر سوى الموقع الخاص بي، أما الآن فنجد أنه أصبح يظهر أكثر من ١٠٠ ألف موقع. كما أن ذلك هذا الاسم أصبح يتداول في التليفزيون والجرائد والمجلات، وأصبح الكثيرون يعرفون ويدركون وجود حي صيني في إيكيبوكورو.

ووفقا للإحصاء الذي قمت به في شهر يونيو/حزيران ٢٠١٥ ففقد تّبين إنه يوجد حوالي ٢١٠ منشأة لها علاقة بالصين من بينها حوالي ٧٠ مطعما للمأكولات الصينية في الجانب الغربي لمحطة إيكيبوكورو وهي المنطقة المتمركزة عند المخرج الشمالي للمحطة.

مدارس تعليم اللغة اليابانية وشقق رخيصة في إيكيبوكورو

ويمكن ذكر ثلاثة أسباب رئيسية لتجمع وتمركز متاجر المغتربين الجدد من الصينيين في إيكيبوكورو. السبب الأول هو أن هناك العديد من مدارس تعليم اللغة اليابانية تقع في منطقة إيكيبوكورو. ففي النصف الثاني من الثمانينات، تجمعت العديد من مدارس تعليم اللغة اليابانية بطوكيو وتم بناء الكثير منها بالأخص في منطقتي إيكيبوكورو وشينجوكو. أما السبب الثاني، فهو كثرة الشقق القديمة المتهالكة التي تستأجر بسعر زهيد في نطاق يبعد عن محطة إيكيبوكورو نحو ٥ إلى ١٠ دقائق سيرا على الأقدام. والسبب الثالث، أنه في منطقة إيكيبوكورو وهي إحدى أبرز مناطق التسوق الحيوية في طوكيو يسهل على حتى الطلاب الصينيين القادمين حديثا لليابان ولغتهم اليابانية لا تزال ركيكة أن يجدوا أعمالاً إضافية بدوام جزئي مثل غسل الصحون في المطاعم أو تنظيف البنايات وغير ذلك.

وفي وسط هذا المشهد، كان افتتاح سوبر ماركت ”تشي إن للمنتجات الغذائية الصينية“ عام ١٩٩١ بالقرب من المخرج الشمالي لمحطة إيكيبوكورو والذي سرعان ما أصبح الفرصة أو الانطلاقة الهامة. فمن خلالها أخذ العديد من المتاجر الصينية التي يديرها المهاجرون الجدد يتجمع في هذه المنطقة. وأصبحت منطقة المخرج الشمالي لمحطة إيكيبوكورو اسما لمنطقة تجارية شهيرة يتطلع إليها المهاجرين الجدد الطامحين في بدأ أعمال أو مشروعات جديدة.

التجول في حي إيكيبوكورو الصيني

يعتبر المخرج الشمالي لمحطة إيكيبوكورو بوابة دخول الحي الصيني بإيكيبوكورو. وتجد هناك الكثير من الصينيين ممن اتفق على اللقاء عند المخرج. وعلى بعد بضع خطوات سيراً على الأقدام من مخرج المحطة ولفترة زمنية لا تتجاوز دقيقة واحدة توجد لافتة حمراء يغلب عليها الطابع الصيني وهي لسوبر ماركت يعلوه اسم ”يانغ غوانغ تشيئنغ (قلعة الشمس المشرقة)“ للمنتجات الغذائية الصينية. وهو يُعَّد رمزا من رموز الحي الصيني بإيكيبوكورو. وفي الجهة المقابلة في الطابق الرابع لبناية تجمع عدداً من النشاطات التجارية المختلفة يديرها المستأجرون، يوجد ”متجر يويي شانغ ديان للمواد الغذائية الصينية“ وبه يتجمع كل ما يتعلق بالأطعمة الصينية ومكوناتها وهو يأتي خلفاً لسوبر ماركت ”تشي إن للمنتجات الغذائية الصينية“. كما يوجد في نفس المبنى بالطابق الثاني محل لبيع الكتب الصينية ”مكتبة وين شينغ تانغ“.

وتختلف الكثير من المتاجر والمحلات الخاصة بالصين في حي إيكيبوكورو الصيني عن الأحياء الصينية الثلاث الكبرى في اليابان في كونها متواجدة في الطوابق العليا أو تحت الأرض داخل البنايات التجارية متعددة المستأجرين. وذلك لأن في هناك الكثير من سلاسل المتاجر والمطاعم اليابانية الطوابق الأولى والتي تعمل منذ زمن طويل كما وأنه حتى إذا أراد المهاجرون الجدد استئجار محلات في الطوابق الأولى فسوف يكون من الصعب إيجاد أماكن شاغرة. لذا فإن مهارة التجول والتجوال في الحي الصيني بإيكيبوكورو تكمنان في السير مع النظر للأعلى.

مطعم ”يونغ شوانغ شينغ جيان غوان“ مطعم خاص لكرات الشورونبو المقلية

ولعله لأمر صعب بالنسبة للكثير من اليابانيين دخول المطاعم الصينية الموجودة بالمباني التجارية في الطابق تحت الأرض أو الطوابق العليا. لذا فإنه من الأفضل في هذه الحالة الذهاب في وقت الغذاء. وفي غالبية المطاعم الصينية تكون هناك قائمة خاصة لوجبات الغذاء سيما وأنه إلى جانب الوجبة اليومية الخاصة لكل يوم توجد وجبات التوفو في الصلصة الحارة واللحم المفروم ”مابو دوفو“، وشرائح اللحم المشوي مع الفلفل ”تشينجاو روسو“، وقطع لحم الخنزير المحمر بصلصة الخل المحلى ”سوبوتا“، والجمبري الحار ”إيبي تشيلي“ وغالبا ما يقدم مع هذه الوجبات طبق حلوى ”أنين توفو“ وجميع هذه الوجبات يمكن تناولها بأسعار تتراوح ما بين ٦٨٠-٨٠٠ ين. ويأتي الكثير من الموظفين والطلبة اليابانيين في وقت الغذاء. وبالطبع توجد قائمة طعام باللغة اليابانية كما يتحدث العاملون بالمطعم اللغة اليابانية أيضاً.

وبالقرب من المخرج الشمالي لمحطة إيكيبوكورو يوجد مطعم ”يونغ شوانغ شينغ جيان غوان“ وهو مطعم متخصص في كرات الشورونبو الصينية المشوية وهي إحدى المأكولات التي تشتهر بها مدينة شنغهاي في الصين (٤ كرات بـ٤٠٠ ين) ويصطف أمامه أيضا الكثير من اليابانيين.

كما يُعَّد الحي الصيني بإيكيبوكورو الحي الأقرب للصين في اليابان. وأُريد من حتى اليابانيين الذين قد تراودهم مشاعر امتعاض أو ربما كراهية أو تحيّز تجاه تجربة كل ما هو صيني، أن يقوموا بزيارة حي إيكيبوكورو الصيني. وقبل أي شيء توجهوا أولاً إلى المخرج الشمالي لمحطة إيكيبوكورو وجربوا تذوق الطعم الأصلي للأكل الصيني.

(المقال الأصلي باللغة اليابانية نُشر بتاريخ ٣ أغسطس/آب، ٢٠١٥. صورة العنوان: سوبر ماركت للمنتجات الغذائية الصينية في إيكيبوكورو ”يانغ غوانغ تشيئنغ“)

طوكيو اليابان العلاقات اليابانية الصينية إقامة دراسة مقيم