إنفوغرافيك اليابان

هل يمكن نزع الأشواك من طريق العلاقات اليابانية الأمريكية ؟

سياسة

سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية تشارك في حفل هيروشيما التذكاري للسلام هذا العام في الذكرى ٦٩ للقصف الذرّي. ولعلَّنا أصبحنا على بعد خطوات قليلة فاصلة من حل تلك القضية التاريخية والمتعلقة برؤية كل طرف لمسألة القصف الذرّي لكل من هيروشيما وناغاساكي.

مشاركة سفير الولايات المتحدة الامريكية للمرة الرابعة في حفل هيروشيما التذكاري للسلام

في اليوم المصادف ٦ أغسطس/آب ٢٠١٤، شاركت السيدة ”كارولين كينيدي“ سفيرة للولايات المتحدة في مراسم حفل هيروشيما التذكاري للسلام الذي أقيم بمناسبة حلول الذكرى الـ ٦٩ لقصف مدينة هيروشيما بالقنبلة الذرّية كما حضرت حفل ناغاساكي التذكاري للسلام الذي جرى يوم ٩ من نفس الشهر حيث أقيمت مراسم التأبين الرسمية التذكارية حداداً على أرواح ضحايا القصف النووي. وقد كانت تلك المشاركة الأولى للسيدة ”كينيدي“ منذ تعيينها سفيرة للولايات المتحدة لدى اليابان في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. وقد زارت السيدة ”كينيدي“ مدينة ناغاساكي بعد توليها مهام منصبها مباشرة في ديسمبر/كانون الأول، ووضعت إكليلاً من الزهور على النصب التذكاري للسلام حِداداً على ضحايا القصف الذرّي. وتعد مشاركة سفيرة الولايات المتحدة الحالية في يوميَّ اسقاط القنابل الذرّية على كل من هيروشيما وناغاساكي أمراً مستحدثاً في السنوات الأخيرة، فقد كان السفير السابق جون روس أول سفير للولايات المتحدة يشارك في مثل تلك المراسم الرمزية، وكان ذلك عام ٢٠١٠. وتعد المشاركة هذا العام هي الرابعة بالنسبة لمدينة هيروشيما، وقد حضر السفير روس الحفل في ناغاساكي عامي ٢٠١٢ و٢٠١٣ على التوالي. وقد أصبح مشهد قيام سفير الولايات المتحدة التي أسقطت القنبلة الذرّية على اليابان بالمشاركة في إحياء ذكرى ضحايا القصف الذرّي في كُلٍّ من هيروشيما و ناغاساكي أمراً مألوفاً، لكن قبل ١٠ أو ٢٠ عاماً من الآن كان أمراً لا يمكن حتى تخيله أو حتى التفكير به. حيث توجد هناك فجوة واضحة في تقدير كلي البلدين بخصوص قضية القصف الذرّي لليابان، وهو ما يعد العائق الأكبر في تقدم العلاقات اليابانية الأمريكية بالمقارنة مع الدول الأوربية التي كانت تتقدم فيها تسويات ما بعد الحرب العالمية في نفس الفترة والتي بدأت بعد نهاية الحرب. وقد ظهر هذا التباين في وجهات النظر جلياً في بداية عام ١٩٩٥.

سطوع درسدن وأُفول سميثسونيان

وجاء عام ١٩٩٥ ليوافق الذكرى الـ٥٠ لانتهاء الحرب العالمية الثانية. حيث خطط المتحف الوطني للطيران والفضاء بالولايات المتحدة الأمريكية لتنظيم ”المعرض الخاص بمناسبة الذكرى الـ ٥٠ لإينولا غاي“ بهدف تسليط الضوء وإبراز قضية استخدام الإنسان للسلاح النووي لأول مرة ولغاية انتشار الأسلحة النووية خلال الحرب الباردة. ولكن على العكس مما كان مخطط له فقد قام تنظيم المحاربين القدامى، والكونغرس، والمنظمات المدنية بمعارضة واسعة النطاق تجاه هذا المخطط، مما أدى إلى إلغاء المعرض في نهاية المطاف. وقد اضطر مدير المتحف أيضا لتقديم استقالته بسبب الضغوط التي تعرض لها.
وبعد أسبوعين، أقيمت مراسم ”إحياء الذكرى الـ ٥٠ لقصف درسدن“ بمدينة درسدن الألمانية والتي تم استهدافها وقصفها بشكل عشوائي وعلى نطاق واسع من قبل الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وخَلفَّ القصف ورائه آلاف الضحايا. وقد شارك في تلك المراسم شخصيات مرموقة عديدة ليس من ألمانيا فَحَسب، بل حضرها أيضاً دوق ”كينت نيابة“ عن ملكة بريطانيا ”إليزابيث الثانية“، والمارشال ”بيتر إنجي“، و”جون شاليكاشفيلي“ رئيس هيئة الأركان المشتركة للولايات المتحدة الأمريكية.
فمن أين جاء هذا الاختلاف في المواقف بين أمريكا وأوروبا يا تُرى؟

نعم لإحياء الذكرى و كّلا للاعتذار

يقال إن أكثر ما مس قلوب المعترضين على مشروع معرض سميثسونيان على وجه الخصوص هو استعراض عدد ضحايا هيروشيما و ناغاساكي. وكان هناك اعتراضات قوية بسبب وجود إمكانية تفسير الموضوع بأن جيش الولايات المتحدة الأمريكية أقدم على ارتكاب عملية إبادة جماعية لمواطنين مدنيين، أو أن يتم تفسيرها على هذا النحو. سيما وأنه يوجد هناك رأي سائد وعلى نطاق كبير حتى الآن في الولايات المتحدة الأمريكية مفاده بأن الحرب مع اليابان كانت حرباً عادلة، وأن قصف هيروشيما و ناغاساكي كان أمراً ضرورياً لإنقاذ حياة أعداد وفيرة مُحتملة من الضحايا من قوات الحلفاء التي ستكون مهددة أثناء عملية انزال القوات البرمائية على اليابان والتي كان من المخطط القيام بها بعد القصف النووي مباشرة. من ناحية أخرى، هناك أصوات قوية داخل اليابان من جماعات السلام وحتى التيارات المحافظة تطالب باعتبار القصف النووي لليابان جريمة حرب. أما في أوروبا، فقد برز مفهوم بعدما أعيد توحيد ألمانيا يقضي بتعزيز تطبيع العلاقات مع بلدان الشرق، بحيث تتم تسوية سلمية بعد الحرب بغض النظر عن الدول المنتصرة والمهزومة في إطار يعترف بوجود ضحايا الحرب وتُقام مراسم الحِداد عليهم. وفي نفس الوقت الاستمرار في متابعة موضوع المسؤولية عن الحرب دون تراجع. ولعل ما عُرف بـ”تسوية درسدن“ مثال واضح على ذلك، حيث لم يقم ممثلو الولايات المتحدة وبريطانيا بالاعتذار للدول المهزومة في الحرب، ولم تطلب ألمانيا ذلك أيضاً، بل اكتفوا بالقيام سوياً بإداء مراسم الحداد على الضحايا كل على حِدة. وحاولوا المضي قدماً نحو مستقبل أفضل وطريق محفوف بالأشواك نتيجة تلك المشاعر الصعبة.

الطريق إلى المصالحة يلوح في الأفق

ولكن حتى بين اليابان والولايات المتحدة بدأت على ما يبدو بعد ذلك حركة للتسوية والوفاق بين الدولتين بخطى بطيئة بخصوص هيروشيما وناغاساكي. ففي يناير/كانون الثاني ٢٠٠٤، قام ”هوارد بيكر“ سفير الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك بزيارة هيروشيما، ووضع إكليلا من الزهور على النصب التذكاري لضحايا القصف النووي. وقبل شهر من ذلك، قامت اليابان بإرسال جزء من قوات الدفاع الذاتي البرية للأراضي العراقية، وهذا ما يرمز إلى وصول العلاقات بين الدولتين لأقصى درجات التقارب وكان ذلك في عهد كل من ”كويزومي“ و”بوش“، بعدما كانت العلاقة بين البلدين في تسعينيات القرن الماضي وبشكل مؤقت في وضعٍ يطلق عليه وضع ”الانجراف“. وبعد هذا في وقت لاحق برزت أصوات في اليابان تنادي باقتراح تسوية على غرار ”درسدن“. وذلك وفقاً لـ”ماتسو فميؤ“ المدير السابق لمكتب وكالة ”كيودو نيوز“ بواشنطن الذي اقترح على الزعيمين وضع أكاليل من الزهور بالتبادل على كل من النصب التذكارية في هيروشيما و ناغاساكي وكذلك على نصب أريزونا التذكاري الموجود بميناء بيرل هاربر بجزر هاواي الأمريكية، وقد أبدت إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك ”بوش“ تأييداً نسبياً لتلك الفكرة. وفي مؤتمر صحفي قبل قمة ”توياكو“ التي عقدت في هوكايدو عام ٢٠٠٨ صرح الرئيس بوش عندما سئل حول هذه المسألة بأنه أمر ”مثير للاهتمام“. وذلك بالمقارنة مع الوقت الذي أثيرت به ضجة ”سميثسونيان“ مما يدل على أن هناك تبدّل بالمشاعر مع مرور الزمن كما قامت السيدة ”نانسي بيلوسي“ رئيسة مجلس النواب في الكونغرس الأمريكي بزيارة هيروشيما لحضور اجتماع رؤساء مجالس نواب دول مجموعة الثمانية (G8) ثم وضعت إكليلاً من الزهور على النصب التذكاري الخاص بضحايا القصف النووي بعد اقتراح من نظيرها ”السيد كونو يوهي“ رئيس مجلس النواب الياباني (الدايت). وبعد ذلك قام ”كونو“ بدوره بالرد على تلك الزيارة بزيارت نصب ”أريزونا“ التذكاري الموجود بميناء ”بيرل هاربر“ بجزر هاواي الأمريكية. ويمثل رئيس مجلس النواب لكل دولة المرتبة الثالثة من حيث البروتوكول الدبلوماسي المتعارف عليه ففي الولايات المتحدة يأتي الترتيب بها كالتالي، الرئيس، رئيس مجلس الشيوخ الذي يعادله منصب نائب الرئيس، رئيس مجلس النواب، أما اليابان فالترتيب بها يشمل الإمبراطور، رئيس الوزراء، رئيس مجلس النواب الدايت). وقد وصلنا إلى نقطة تُمَكِّننُا من أن نوَّجِّه الأمور للأمام في الاتجاه الصحيح في العلاقات بين اليابان والولايات المتحدة.

ماذا يعني أن الوقت سابق لأوانه ؟

عندما زار الرئيس الأمريكي ”باراك أوباما“ اليابان لأول مرة عام ٢٠٠٩، سئل في المؤتمر الصحفي الذي عقد وقتها بخصوص إمكانية زيارته للمدن التي تعرضت للقصف النووي، وقد رد قائلاً ”يشرفني القيام بذلك إذا كان هناك فرصة“.
وفي الواقع، يبدو أنه تم مناقشة إمكانية استغلال فرصة زيارة الرئيس الأمريكي لليابان والقيام بزيارة مدينة هيروشيما أثناء زيارته لليابان على مستوى مكاتب، لكن وكيل وزارة الخارجية الياباني كان له حكم أخر حيث قال ”لا يوجد أمل في أن تنجح فكرة زيارة هيروشيما للاعتذار عن إسقاط القنبلة النووية. وأعتقد أن إضافة مثل هذا البرنامج في أول زيارة للرئيس أوباما لليابان هو أمر سابق لأوانه“، وظل الموضوع طي الكتمان. وقد أثير الموضوع في مجلس النواب الياباني في عهد رئيس الوزراء السابق ”نودا“، ولكن لم تنشر التفاصيل كون القضية تمس العلاقات الخارجية لليابان مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، هناك أصوات داخل اليابان في الوقت الراهن من أقصى اليمين حتى أقصى اليسار تطالب بـ”المسؤولية“ و ”الاعتذار“، وهو ما يعني أن الوصول لصيغة تسوية ومصالحة على غرار تسوية درسدن أيّ ”الحداد على الضحايا دون تفريق“ وهو أمر بعيد المنال ويصعب تحقيقه على أرض الواقع. فقد قال السيد ”ماتسو“ وهو من دعاة التسوية على غرار درسدن بالنظر للوضع السياسي لإدارة أوباما المحاصرة داخليا“ أصبح من الصعب أن يقوم الرئيس الأمريكي بزيارة المدن التي تم قصفها بالقنبلة النووية أثناء وجوده في منصبه الحالي. لكن بعد زيارة أوباما الأولى لليابان استمرت مشاركات سفراء الولايات المتحدة في حفل المراسم التذكارية للسلام، فهل يمكننا يا ترى أن نعتبر أن عملية نزع الأشواك من الطريق لأجل التسوية لفترة ما بعد الحرب بين اليابان والولايات المتحدة ما زالت مستمرة.

 التسلسل الزمني لـ ٢٠ عاماً نحو تسوية قضية هيروشيما و ناغاساكي بين اليابان والولايات المتحدة

٣٠ يناير/كانون الثاني ١٩٩٥ عقد حفل تأبين الذكرى الـ ٥٠ لقصف درسدن.
١٣ فبراير/شباط ١٩٩٥ قرار بإلغاء المعرض الخاص بمناسبة الذكرى الـ ٥٠ ”لإينولا غاي“ بمتحف ”سميثسونيان“ الوطني للطيران والفضاء.
١٥ ديسمبر/كانون الأول ٢٠٠٣ إرسال جزء من قوات الدفاع الذاتي البرية اليابانية للعراق.
٢٩ يناير/كانون الثاني ٢٠٠٤ زيارة السفير الأمريكي لدى اليابان ”هوارد بيكر“ لهيروشيما ووضع إكليلاً من الزهور على النصب التذكاري لضحايا القصف الذرّي.
٢ سبتمبر/أيلول ٢٠٠٨ زيارة ”نانسي بيلوسي“ رئيسة مجلس النواب في الكونغرس الأمريكي لمدينة هيروشيما لحضور اجتماع رؤساء مجالس نواب مجموعة دول الثمانية (G٨) ووضعت إكليلاً من الزهور على النصب التذكاري الخاص بضحايا القصف الذرّي.
٢٩ ديسمبر/كانون الثاني ٢٠٠٨ زيارة ”كونو يوهي“ رئيس مجلس النواب الياباني (الدايت) نصب أريزونا التذكاري الموجود بميناء ”بيرل هاربر“ بجزر هاواي الأمريكية.
١٣ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠٠٩ زيارة الرئيس ”باراك أوباما“ الأولى لليابان .وقَول ”أوباما“ في المؤتمر الصحفي المشترك بعد اجتماع القمة بين اليابان والولايات المتحدة ”يشرفني القيام بزيارة الأماكن التي تعرضت للقصف إذا كان هناك فرصة“.
٦ أغسطس/آب ٢٠١٠ حضور ”جون روس“ سفير الولايات المتحدة لدى اليابان مراسم حفل هيروشيما التذكاري للسلام.
٦ أغسطس/آب ٢٠١٢ حضور ”جون روس“ سفير الولايات المتحدة لدى اليابان مراسم حفل هيروشيما التذكاري للسلام.
٩ أغسطس/آب ٢٠١٢ حضور ”جون روس“ سفير الولايات المتحدة لدى اليابان مراسم حفل ناغاساكي التذكاري للسلام.
٦ أغسطس/آب ٢٠١٣ حضور ”جون روس“ سفير الولايات المتحدة لدى اليابان مراسم حفل هيروشيما التذكاري للسلام.
٩ أغسطس/آب ٢٠١٣ حضور ”جون روس“ سفير الولايات المتحدة لدى اليابان مراسم حفل ناغاساكي التذكاري للسلام.
١٠ ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٣ زيارة ”كارولين كينيدي“ سفيرة للولايات المتحدة لدى اليابان لمدينة ناغاساكي ووضعت إكليلا من الزهور على النصب التذكاري لضحايا القصف النووي.
٦ أغسطس/آب ٢٠١٤ حضور ”كارولين كينيدي“ سفيرة للولايات المتحدة لدى اليابان مراسم حفل هيروشيما التذكاري للسلام.
٩ أغسطس/آب ٢٠١٤ حضور ”كارولين كينيدي“ سفيرة للولايات المتحدة لدى اليابان مراسم حفل ناغاساكي التذكاري للسلام.

(النص الأصلي باللغة اليابانية بتاريخ ۷ اغسطس/آب ٢٠١٤. التُقطت الصورة أثناء حضور السيدة ”كارولين كينيدي“ سفيرة للولايات المتحدة لدى اليابان مراسم حفل هيروشيما التذكاري للسلام)

هيروشيما أوباما ناغاساكي كينيدي