الطريق إلى اليابان

اللهجات المحلية... جذورها التاريخية في المجتمعات اليابانية

مجتمع ثقافة اللغة اليابانية

اليابان لديها مجموعة من اللهجات المحلية المتميزة. وتتنوع وتختلف تلك اللهجات حول اليابان بشكل كبير وفريد، خاصة وأن اليابان عبارة عن جزيرة تمتد على طول ٣ آلاف كيلومتر شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وهو ما جعل لكل منطقة اللهجة الخاصة بها. في هذا الموضوع نتطرق للهجات المحلية في اليابان.

لهجات مختلفة لا تفهم حتى داخل نفس البلد !

في منطقة كانساي حيث توجد أوساكا التي تعد ثاني أكبر مدن اليابان، يستخدمون الكثير من الكلمات والمصطلحات المختلفة تماما عن اللغة اليابانية المتعارف عليها، فيقولون مثلا ”ookini“ بدلاً من ”arigato“ والتي تعني ”شكرًا“، و”akan“ بدلاً من ”dame“ والتي تعنى ”غير نافع أو غير ممكن“، كما يطلقون على لحم الدجاج ”kashiwa“ بدلاً من ”toriniku“.

إن اللغة اليابانية في العصر الحالي هي اللغة الخاصة بدولة اليابان وهي اللغة الرسمية للدولة. ولكن نظراً لأن الطبيعة الجغرافية لليابان وامتداد جزرها على مسافة تبلغ حوالي ٣ آلاف كيلو متر وما ترتب على ذلك من خضوع الدولة تحت النظام الإقطاعي لفترة طويلة، فقد ظلت اليابان مقسمة حتى ١٥٠ سنة ماضية إلى حكومات محلية أو ما يطلق عليه إقطاعيات (٣٠٠ حاكم إقطاعي)، وقد نمى لكل منها ثقافة وطابع فريد خاص بها. كما أن مركز السياسة والحكم وكذلك الاقتصاد والثقافة في البلاد كان في الأصل في المنطقة الغربية وتعرف بمنطقة كينكي أو منطقة كانساي ثم انتقل في العصر الحديث إلى المنطقة الشرقية أو منطقة كانتو، وهو ما ساهم مع غيره من العوامل في خلق وتشكيل تنوع لغوي كبير واختلافات شاسعة في اللغة حول اليابان.

وفي نهاية العصر الإقطاعي حوالي عام ١٨٦٠، يقال إنه قد وصل الأمر إلى أن الناس في مقاطعة تسوغارو (محافظة أوياما حالياً) وهي في الأطراف الشمالية لم يستطيعوا التواصل لغوياً مع الناس في مقاطعة ساتسوما (محافظة كاغوشيما حالياً) في الأطراف الجنوبية!

التحدث باللهجة المحلية أكثر دفئا وألفة

اللهجات تتواجد في كل مكان حول اليابان. ففي مقابل اللغة اليابانية المتعارف عليها والتي تعرف بـ”اللغة القياسية“، هناك لهجة منطقة توهوكو، وهي منطقة الشمال الشرقي من جزيرة هونشو الرئيسية، وتسمى ”توهوكو-بين“ أي ”لهجة توهوكو“، ولهجة منطقة الكانساي ”كانساي-بين“ وهي لهجة خاصة بغرب اليابان (تضم لهجات مدينة أوساكا وكيوتو وغيرها من مدن غرب اليابان) وتختلف تماما عن اللغة اليابانية القياسية في طريقة تنغيم وتلحين الكلام وفِي طريقة تصريف نهايات الكلمات. وفِي الحقيقة هناك أيضاً اختلافات طفيفة داخل نفس النطاق واللهجة الواحدة تميز بين لهجات أهالي كل مدينة، فنجد مثلا لهجة الكانساي التي تنقسم بدورها إلى لهجة مدينة كيوتو وتعرف بـ”كيو-كوتوبا“ ولهجة ”كاواتشي- بين“ التي تستخدم في منطقة شرق مدينة أوساكا إلى آخره.

وقد بدأت عملية توحيد اللغة تتسع مع مرور السنوات وأخذ استخدام اللهجة المحلية يضعف ويقل داخل نفس الإقليم بين الأجيال الجديدة مقارنة بالأجيال الأكبر السابقة. ومع انتشار التلفزيون والإنترنت وتوغل اللغة القياسية إلى الأقاليم، ظهرت كذلك وبشكل ملحوظ التغييرات في اللهجات المحلية التي يستخدمها كل جيل. وبينما اللغة القياسية هي اللغة اليابانية الأكثر عملية حيث يمكن التواصل بها وفهمها أينما تكون، إلا أنها تخلو من الدفء والألفة الذي تتميز به اللهجة المحلية.

وقد قررت الحكومة القيام بتوحيد اللغة بعد فترة إصلاحات ميجي لتأسيس اليابان الحديثة، وكانت اللهجة التي استخدمت لتكون هي الأساس أو المقياس للغة اليابانية حينها هي اللغة الدارجة لأهل منطقة ”يامانوتي“ بطوكيو (وهي تقع في الجزء المرتفع غرب القصر الإمبراطوري حيث كان يوجد هناك مساكن للساموراي، وهي في مقابل منطقة ”شيتاماتشي“ وتشير إلى المنطقة المنخفضة شرق القصر الإمبراطوري). وقد جاء انتشار هذه ”اللغة القياسية“ في البداية مع تطوير نظام التعليم في المدارس كلغة القراءة والكتابة، ولكن الانتشار الحقيقي لها كلغة للحديث في جميع أنحاء اليابان جاء من خلال البث الإذاعي لهيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية NHK بالإضافة للبث التليفزيوني بعد ذلك. ولهذا السبب، اللغة اليابانية القياسية، أو ما أصبح يطلق عليها أيضا بعد الحرب العالمية ”kyōtsu-go“ أو ”اللغة المتداولة“، تعرف كذلك بـ ”NHK-kotoba“ أو ”لغة NHK“.

ومؤخرا ظهر عدد من البرامج التطبيقية تستطيع من خلالها التغيير من اللغة اليابانية القياسية إلى ما يقابلها من اللهجات المختلفة. فيمكنك الاستمتاع بتغير الكلام إلى لهجة أوساكا أو لهجة هيروشيما أو أوكيناوا وربما تستخدمه في المزاح أو لتبدو أحيانا أكثر لطفا. ومن أمثلة هذه التطبيقات، ”Monjiro“ و”moji henkou namo“.

على سبيل المثال، في لهجة أهل أوكيناوا يقال ”haisai“ بدلا من ”?genki“ أي ”كيف الحال؟“، ويقال ”mensōre“ بدلا من ”yōkosō“ وتعني ”أهلاً وسهلاً“، وهناك العبارة الشهير ”ichariba chōde“ وتعني باللغة اليابانية القياسية ”deattara mina kyōdai“ أي ”إذا تقابلنا مرةٌ، فنصبح أصدقاءً“ أو ”أصبح بيننا خبز وملح!“.

نفس الكلمة ولكن المعنى مختلف

اليابان عبارة عن سلسلة مكونة من أكثر من ٧ آلاف جزيرة منها الكبير والصغير جدا تمتد على شكل قوس من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، وهي في العصر الحالي مقسمة إداريا إلى ٤٧ محافظة. وتبعا لكل محافظة تختلف اللغة اليابانية التي يتحدث بها أهلها ليس فقط في طريقة نطق الكلمات أو التنبير وفي قواعد صرف نهايات الكلمات كما ذكرنا من قبل، وإنما توجد حالات يختلف فيها تماما معني الكلمات نفسها أو تستخدم كلمات منفردة تماما لم تستخدم أو تسمع في أي مكان آخر وبالتالي كثير من الأحيان لا يستطيع فهم المقصود بالحديث إلا من كان من أهل هذه المنطقة.

مثال على ذلك، كلمة ”erai“. وتعني في اللغة القياسية ”رائع أو عظيم“، وإنما تستخدم في لهجات غرب اليابان بمعني ”مُرهق أو متعب“. كذلك كلمة ”dandan“ وتعني في اليابانية القياسية ”بالتدريج أو شيئا فشيئا“ ولكن تستخدم في محافظة شيماني بجزيرة هونشو غرب اليابان كتحية بمعنى ”شكراً“...

وجديرا بالذكر أنه مؤخرا قد انتشرت لهجة غرب اليابان ”كانساي-بين“ مثلها مثل اللغة القياسية بشكل واسع حول البلاد حيث أصبح هناك الكثير من المشاهير الذين يتحدثون بها في التلفاز. فالتلفاز له تأثير هائل ويتيح الفرصة للتعرف على اللهجات المحلية المختلفة، فنجد مثلا كلمة ”je je je“ وهي طريقة التعبير على المفاجئة في لهجة محافظة إواتي في منطقة توهوكو (الشمال الشرقي) والتي تعرّف عليها الجميع من خلال أحد المسلسلات الدرامية القصيرة التي تبث في قناة NHK حول البلاد كل صباح ونالت إعجاب الكثيرون حين عرضها. وهناك كلمة ”kopitto“ بمعنى ”shikkari“ أي ”بقوة أو كما ينبغي“ بلهجة محافظة ياماناشي غرب طوكيو، وكذلك لهجة محافظة ياماغاتا في الشمال ”ياماغاتا-بين“ التي يتحدثها بطلاقة دانيال كال أحد النجوم الأجانب الذي يظهر في التلفاز الياباني وغيرها الكثير من الأمثلة.

ينتقل الناس من المحليات ومن الطبيعي أنهم يعيشون ويتعاملون باللغة اليابانية القياسية أينما ذهبوا حول اليابان، وإنما هناك الكثير ممن يحافظ على التحدث بلهجته كلما عاد إلى بلدته التي ولد وتربي فيها أو حينما يقابل أحد الأقارب أو الأصدقاء من أهل بلدته. وإنه لمن العجيب والمشوق أن ترى كيف يتغير الحديث تماما بتغير اللهجة بل ويتغير حتى هذا الشخص نفسه !

توجد حلقات مسلسل على اليوتيوب ”方言彼女。2 (هي واللهجات ٢)“ تتحدث فيها مجموعة من الفتيات في المرحلة الثانوية بلهجات مختلفة. ويمكن التعرف من خلالها على اللهجات المختلفة لمحافظات اليابان في شكل قصص قصيرة.

فيديو يوتيوب: 方言彼女。2

(صورة العنوان: لافتة الترحيب بمطار ناها بجزيرة أوكيناوا وقد كتب عليها بلهجة أوكيناوا ”مينسووري mensōre“ بمعنى أهلاً وسهلاً أو ”يوكوسو yōkosō“ باللغة اليابانية القياسية. صورة العنوان: Nemo's great uncle)

اللغة اليابانية