الطريق إلى اليابان

«الزواج المرتب»... اختيار شريك الحياة المناسب في اليابان

مجتمع ثقافة هو وهي

التحول من الزواج المُدبر إلى الزواج عن حب في اليابان يعكس تغيرات اجتماعية وثقافية عميقة داخل المجتمع الياباني. ”أوميأي“ كان يُعتبر تقليدًا مهمًا في الماضي، حيث كان الوسطاء يقومون بترتيب لقاءات بين الرجال والنساء الذين يبحثون عن شريك الحياة، معتمدين في ذلك على التوافق الاجتماعي والاقتصادي والشخصي بين العائلتين. مع تقدم الزمن وتغير الأجيال، بدأ الأفراد في اليابان يفضلون اختيار شركاء حياتهم بأنفسهم، مما أدى إلى زيادة الزواج عن حب. هذا النوع من الزواج يعتمد على العلاقات الشخصية والعاطفية بين الطرفين بدلاً من الترتيبات والتوافقات التي يُفترض بها أن تضمن استقرار ونجاح الزواج.

البحث عن شريك الزواج 

الزواج المرتب كان وما زال جزءًا من العديد من الثقافات حول العالم، بما في ذلك اليابان. في المجتمعات التقليدية، كان الزواج يُنظر إليه ليس فقط كاتحاد بين فردين، بل كاتحاد بين عائلتين، وكان له دور مهم في تعزيز الروابط الاجتماعية والاقتصادية. الخاطبة، أو ”الناكودو“ في اليابان، كانت تلعب دورًا مهمًا في هذه العملية، حيث كانت تساعد في البحث عن شريك مناسب وترتيب المقابلات الأولية بين العائلتين.

مع تغيرات المجتمع وتطوره، بدأ الأفراد يميلون أكثر نحو الزواج عن حب، حيث يختارون شركاءهم بأنفسهم بناءً على العلاقات الشخصية والعاطفية. هذا التحول لم يكن محصورًا باليابان فقط، بل يعكس توجهًا عالميًا نحو إعطاء الأولوية للمشاعر الشخصية والاختيار الفردي في اتخاذ قرارات الزواج.

مع ذلك، لا يزال الزواج المرتب يحظى ببعض الشعبية في اليابان، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على القيم التقليدية أو عندما يجد الأفراد صعوبة في العثور على شريك مناسب بمفردهم. في السنوات الأخيرة، تطورت الطريقة التي تجرى بها هذه الزيجات، حيث أصبحت الخدمات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي تلعب دور الوسيط الحديث في بعض الحالات، مما يسهل العثور على شريك حياة متوافق من خلال معايير محددة وبيانات مفصلة.

على الرغم من التغييرات الثقافية والاجتماعية، يبدو أن الزواج المرتب، بشكله التقليدي أو الحديث، سيظل جزءًا من المشهد الاجتماعي في اليابان وغيرها من المجتمعات، معبرًا عن تنوع الطرق التي يمكن من خلالها بناء العلاقات الزوجية.

تاريخ الزواج المرتب في اليابان والعملية المتبعة فيه يعكس التطور الاجتماعي والثقافي الذي مرت به البلاد على مر العصور. بدأت هذه العادة في عصر كاماكورا كممارسة بين العائلات الأرستقراطية لضمان الزيجات التي تخدم الأغراض السياسية والاجتماعية. مع مرور الوقت، وخاصة في عصر إيدو، بدأت هذه الممارسة تنتشر بين الطبقات العادية من الناس، وأصبحت جزءًا من الثقافة الشعبية.

عملية التعارف في الزواج المرتب تبدأ عادةً بإعداد ”تسوريغاكي“، وهو ملف التعريف الذي يشمل معلومات شخصية وصورة للمرشح أو المرشحة للزواج. هذا الملف يعتبر أداة مهمة في العملية، حيث يساعد في تقديم الشخص للطرف الآخر قبل اللقاء المباشر.

الخاطبة أو وسيط الزواج يلعب دورًا حيويًا في هذه العملية، حيث يقوم بالبحث والتنسيق بين العائلات والأفراد المهتمين بالزواج. يتم عرض الملفات والصور على كلا الطرفين لتقييم الاهتمام المتبادل وتحديد ما إذا كان هناك رغبة في المضي قدمًا نحو الخطوة التالية، وهي ترتيب اللقاء الأول.

هذا اللقاء الأول يعتبر فرصة للطرفين للتعارف بشكل أفضل وتقييم التوافق بينهما. يمكن أن يشمل اللقاء الأهل والعائلة في بعض الحالات، خاصةً في الزيجات التي تحمل طابعًا أكثر تقليديةً ورسميةً.

من المهم ملاحظة أن الزواج المرتب، على الرغم من تقلص شعبيته في العصر الحديث مع تزايد الاختيار الشخصي والزواج عن حب، لا يزال يحظى ببعض الاهتمام كوسيلة للعثور على شريك الحياة، خاصة بين الأفراد الذين يبحثون عن شريك يشاركهم نفس القيم والخلفية الثقافية.

عملية ”أوميأي“ أو مقابلة التعارف الأولى تعتبر خطوة هامة في عملية الزواج المرتب في الثقافة اليابانية. يتم تنظيم هذه المقابلة بعناية من قبل الوسيط لضمان أنها تجري في بيئة مريحة ومناسبة لكلا الطرفين.

عادة ما يتم اختيار مكان للمقابلة يعكس الرقي والأناقة، مثل الفنادق الفاخرة أو المطاعم اليابانية الراقية. يهدف ذلك إلى خلق جو مناسب للتعارف وتبادل المحادثات بين الطرفين.

يبدأ الوسيط أولاً بتقديم الطرفين لبعضهما والتعريف ببعض التفاصيل الشخصية مثل العائلة والمهنة والهوايات، مما يساعد على كسر الجليد وبدء المحادثة. بعد ذلك، ينسحب الوسيط ويترك المجال للطرفين للتفاهم والتواصل بشكل مباشر.

تعتبر نتيجة المقابلة الأولى محورية، حيث يتم اتخاذ القرار بشأن ما إذا كانت هناك رغبة في مواصلة التواصل وبدء علاقة جدية أم لا. في حالة وجود اتفاق متبادل، يتم تحديد الخطوات التالية للعلاقة، وغالباً ما ينتهي الأمر باتفاق على الزواج وتحديد التفاصيل المتعلقة بالزفاف.

في الحالات التي لا تؤدي فيها المقابلة إلى نتيجة ناجحة، يتم توضيح ذلك بشكل مهذب ومباشر، وعادة ما يتم تقديم الاعتذار من قبل أحد الطرفين إذا لم يكن هناك اهتمام متبادل. تُعتبر هذه الخطوة جزءًا من البروتوكول الاجتماعي وتظهر احترام الطرفين لبعضهما البعض ولقواعد العملية.

في الحالات التي تؤدي فيها المقابلة إلى الزواج، يُدفع عادة مبلغ مالي كمكافأة للوسيط أو الخاطبة من قبل الطرفين كتعبير عن الامتنان على الجهود التي بذلوها في تنظيم العملية وتسهيل الزواج.

وساطة الزواج تتحول إلى مجال عمل مربح

التحول في نمط الزواج باليابان من الزواج المدبر إلى زواج الحب يعكس التغيرات الاجتماعية والثقافية العميقة التي شهدتها البلاد خلال القرن العشرين وما بعده. هذا التحول يسلط الضوء على كيفية تأثير العولمة، التحديث، والتغيرات في القيم الاجتماعية على العادات والتقاليد الزوجية.

الانخفاض الكبير في نسبة الزيجات التي تتم عن طريق الوساطة من 69% في عام 1930 إلى 5.2% فقط في عام 2015 يظهر بوضوح اتجاه الأفراد نحو تفضيل الاختيار الشخصي والحرية في انتقاء شريك الحياة. هذا يعكس أيضًا تغييرات في البنية الاجتماعية، بما في ذلك زيادة التعليم والمشاركة في القوى العاملة للنساء، مما يعزز الاستقلال الشخصي والمالي لكل من الرجال والنساء.

مع ذلك، الحاجة للبحث عن شريك الحياة لم تختف، ولكن تغيرت الوسائل لتلبية هذه الحاجة. ظهور ”أعمال وساطة الزواج“ كبديل للزواج المدبر التقليدي يشير إلى تطور في كيفية التقاء الناس وبناء العلاقات. هذه الخدمات تقدم منهجية أكثر تنظيمًا وفاعلية تتناسب مع الحياة المعاصرة، حيث يمكن للأفراد استخدام التكنولوجيا وخدمات المطابقة المهنية للبحث عن شريك متوافق دون الحاجة للإعتماد على الوساطة التقليدية.

تتضمن هذه الخدمات عادة استخدام الإنترنت والتطبيقات الموجهة للزواج، مما يسهل على الأفراد التعرف على مجموعة أوسع من المرشحين المحتملين بما يتناسب مع تفضيلاتهم ومعاييرهم الشخصية. هذا النهج يعزز فرصة إيجاد علاقات مبنية على التوافق والاختيار الشخصي بدلاً من الالتزامات العائلية أو الاجتماعية.

هذه التغييرات تعكس تحولات أوسع في المجتمع الياباني وتشير إلى البحث عن توازن بين الحفاظ على بعض التقاليد والتكيف مع المتطلبات والتوقعات الجديدة للأجيال الحديثة.

نظام وساطة الزواج في اليابان الذي تقدمه الشركات المتخصصة يعد مثالًا على كيفية تكيف الخدمات التقليدية مع العصر الحديث وتطوراته. العملية تبدأ بدفع رسوم الاشتراك وتسجيل المعلومات الشخصية والتفضيلات، مما يتيح لهذه الشركات استخدام بيانات مفصلة لتعريف الأشخاص ببعضهم البعض بناءً على معايير الطلبات الشخصية والتوافق المحتمل.

هذه الطريقة تعكس التقدم في استخدام التكنولوجيا والبيانات الضخمة لتسهيل العثور على شريك الحياة، بما يختلف كليًا عن الطرق التقليدية القديمة التي كانت تعتمد بشكل أساسي على الوساطة الشخصية والعلاقات الاجتماعية. هذا التطور يوفر فرصة أكبر للأفراد للتعرف على شركاء محتملين من خلفيات ومناطق جغرافية متنوعة، مما يزيد من احتمالات العثور على الشريك المناسب.

الأنظمة الأجورية المتبعة تختلف من شركة لأخرى، لكنها عمومًا تتضمن دفع رسوم نجاح في حالة انتهاء العملية بزواج، وهذه الرسوم يمكن أن تكون مرتفعة نسبيًا وتصل إلى بضع مئات ألوف من الين الياباني. هذا النموذج الاقتصادي يعكس قيمة الخدمة المقدمة والجهد المبذول في عملية التوفيق والترتيب للمقابلات.

بالنسبة للشركات الكبرى التي تقدم هذه الخدمات على نطاق واسع، فإن إمكانية الاختيار تصبح أوسع بكثير، حيث يمكن للمشتركين الاختيار من بين عشرات الآلاف من المرشحين المحتملين. هذا يزيد من فرص التوافق ويسمح بتحديد الشريك المثالي بدقة أكبر، بناءً على مجموعة واسعة من المعايير والتفضيلات الشخصية.

في النهاية، هذه الخدمات تعكس تحولات مجتمعية وثقافية عميقة تجاه الزواج والعلاقات الشخصية في اليابان، مع تقدير متزايد للأهمية الشخصية والتوافق في اختيار شريك الحياة.

(النص الاصلي باللغة اليابانية)

زواج فندق خاطبة أوميأي