الطريق إلى اليابان

«سادو»... طقوس تقديم الشاي في اليابان

ثقافة

المراسم التقليدية المعروفة باسم ”سادو“ في اللغة اليابانية تشير إلى فن إعداد وتحضير وتقديم الشاي، وهي عبارة عن مجموعة من الطقوس المتبعة والتي تستند إلى فلسفة خاصة. يُعتبر السادو فنًا شاملاً يتضمن جوانب الإبداع الفني والتواصل مع الطبيعة والتأثيرات الدينية والتفاعل الاجتماعي. في عصرنا الحالي، أصبحت هذه الطقوس هواية محببة في اليابان وحول العالم. يقوم بعض اليابانيين المهتمين بثقافتهم بحضور دروس خصوصية في فن السادو. وقد وصلت شعبية هذا الفن إلى الدول العربية، حيث قام الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، بحضور عرض للمراسم التقليدية لفن الشاي.

أصل فن السادو

فن تشادو، المعروف أيضًا باسم سادو، يشير إلى فن تحضير وتقديم الشاي في الثقافة اليابانية. يعني ”تشادو“ حرفيًا ”طريق الشاي”، ويُلقب أيضًا بـ”تشا نو يو“، أو “ماء ساخن للشاي”. يستند هذا الفن إلى تعاليم مذهب الزن في البوذية، حيث يُعتبر الشاي فرصة للتواصل الروحي والتأمل في جمال اللحظة الحاضرة.

يتميز ”تشادو“ بروحانية وتأمل، ويعكس فلسفة البوذية في التوازن والانسجام بين الجسد والروح والطبيعة. يستخدم عشاق ”تشادو“ أدوات خاصة لتحضير الشاي، مع التركيز على التفاصيل والجودة. يُعتبر تقديم الشاي للضيوف في إطار ”تشادو“ تعبيرًا عن الضيافة والاحترام.

يُعتبر هذا الفن جزءًا لا يتجزأ من التراث الياباني، حيث يجسد قيمًا من الوقار والانضباط. يشكل ”تشادو“ لحظات تواصل اجتماعي وثقافي، وقد انتشرت شعبيته إلى الدول العربية، حيث أظهر الشيخ محمد بن زايد اهتمامًا به وحضر عرضًا للمراسم التقليدية لفن الشاي”.

تناول الشاي على الطريقة اليابانية يرتبط بطقوس ومظاهر خاصة تجسد التقاليد اليابانية، حيث يتم تحضير الشاي وفقًا لطقوس معينة تعلم في معاهد متخصصة تقدم تعليمًا حول احتفالات تقديم الشاي. وفي الوقت الحالي، يُعتبر تناول الشاي وإجراء هذه الطقوس هواية محبوبة في اليابان وحول العالم.

دخل الشاي الأخضر إلى اليابان للمرة الأولى حوالي القرن الثامن قادمًا من الصين. وفي عصر كاماكورا (1185-1333)، عاد الكاهن إيساي، التابع لطائفة زين البوذية، من الصين وجلب معه طريقة تحضير وشرب الشاي الأخضر. انتشرت عادة شرب الشاي الأخضر بشكل رئيسي داخل المعابد في جميع أنحاء اليابان.

في عصر موروماتشي (1336-1573)، أصبحت طقوس تقديم الشاي ”تشاكاي“ أو ”حفل الشاي“ شائعة في البلاط الإمبراطوري وبين عائلات الساموراي. كانت هذه الحفلات في البداية مظهرًا للرفاهية، حيث كان يستخدم مسحوق الشاي الأخضر الفاخر من الصين، ويتم تزيين المكان بلوحات فنية وتحف ثمينة، ويتأنق الحاضرين بالملابس الزاهية. ومع ذلك، في حكومة الشوغون الثامن في عهد موروماتشي، قام معلم السادو موراتا جووكو (1422-1502) بفرض قوانين تحظر المقامرة وشرب الخمر في حفلات الشاي، وأكد على أهمية التواصل الروحي بين المضيف والضيوف. كما أسس أسلوبًا جديدًا لتقديم الشاي يُعرف باسم ”وابيتشا“.

لاحقًا، جاء معلم السادو ”سين نو ريكيو (1521-1591)“ وقام بتطوير فلسفة لقاءات أو حفلات الشاي فيما يُعرف بـ ”واكيه سيجاكو“. يعني هذا التعبير الانسجام والاحترام في أجواء من السكينة والهدوء بين المضيف والضيوف. يؤكد هذا الفكر على أهمية التواضع وعدم التكلف.

يعتبر السادو مجموعة من الطقوس المتعلقة بإعداد وتقديم شاي الماتشا، وتمتد جذور هذه الطقوس لأكثر من ألف عام، حيث تأثرت بشكل كبير بتعاليم مذهب الزِن. تتميز طقوس السادو بأنها لا تركز فقط على شرب الشاي بحد ذاته، ولكن يكمن التركيز الأساسي في عمليات الإعداد والتحضير والتقديم. كل حركة، حتى البسيطة، مُصممة بعناية فائقة. حتى ترتيب الجلوس للأشخاص يتم بعناية فائقة. ولذا، هناك العديد من القواعد والسلوكيات التي يجب معرفتها جيدًا. لا يوجد داعٍ للقلق، فالموجه أو المرشد سيقدم لك النصائح والإرشادات اللازمة لتعلم هذه القواعد والسلوكيات بشكل جيد.

من الأيسر:وعاء تقديم الشاي الأخضر ”تشاوان“، فرشة تقليب وتزويب مسحوق الشاي ”تشاسين“، وعاء ”ناتسوميه“ بمعنى التمر سمي بذلك بسبب شكله والذي يوضع فيه مسحوق الشاي الأخضر الخالص ”ماتشا“، وفوقه توضع مِغرفة الشاي وتسمى ”تشاشاكو“.

فن تقديم الشاي الياباني 

إن فلسفة السادو أو فن تقديم الشاي، كما وضعها المعلم سين نو ريكيو، المعروفة بـ ”وابي“ و”سابي“، تتمحور حول ”الجمال الذي يمكن لمسه من أبسط الأشياء“. يتجلى هذا النهج في غرفة الشاي الخاصة المخصصة لإقامة حفل الشاي، حيث يتم التخلص من كل العناصر غير الضرورية، ويسعى المعلم لإيجاد أجواء روحانية.

تتمثل غرفة الشاي لدى المعلم سين نو ريكيو في مساحة صغيرة جداً تتسع لحوالي 3 حصائر تاتامي (حوالي 5 متر مربع) أو حصيرتين (حوالي 3.3 متر مربع). يكون المدخل عبارة عن فتحة صغيرة يمكن المرور من خلالها بزحف على الركبتين، ويستخدم المعلم تشاوان بسيطة لتقديم الشاي، دون أن تكون ثمينة أو مكلفة.

تمتاز حديقة غرفة الشاي، المعروفة باسم ”روجي“، بمظهر يشبه حدائق المعابد الواقعة على سفوح الجبال، حيث يتم ترتيبها بشكل يعزز الراحة والاسترخاء للضيوف. يُبرز تصميم غرفة الشاي الذي وضعه سين نو ريكيو، من حيث الإضاءة وترتيب الغرفة، بالخلو من القيود والمنطقية، مما جعل له تأثيرًا كبيرًا في ميدان المعمار الحديث.

هكذا توارثت تعاليم وفن تقديم الشاي، الذي نشأ بفضل جهود المعلم سين نو ريكيو، عبر الأجيال واستمرت حتى اليوم من خلال ثلاث مدارس رئيسية، وهي مدرسة أوموتي-سينكي، ومدرسة أورا-سينكي، ومدرسة موشانوكوجي-سينكي. وعلى الرغم من أنها تنحدر جميعها من نفس الأصل، إلا أنه في الوقت الحاضر، يوجد بعض الاختلافات في طرق تحضير مسحوق الشاي والأدوات المستخدمة في كل مدرسة.

تُعتبر هذه المدارس مهمة لأنها تحمل في طياتها ليس فقط تقاليد فن تقديم الشاي بل وفلسفة وقيم خاصة. تشكل هذه الاختلافات التفصيلية في الطرق والأساليب جزءًا من التنوع الثقافي للسادو وتسهم في إثراء تجربة الشاي للعديد من الأشخاص.

روجي؛ حديقة غرفة الشاي.

أصول حضور حفلات الشاي

عادةً، يمكن تعلم فن السادو من خلال التمرن في أي من الفصول المعتمدة من إحدى المدارس. يقوم الفصل بتوفير وعاء تقديم الشاي الأخضر ”تشاوان“ والغلاية المخصصة لتحضير الماء الساخن، بالإضافة إلى أدوات الإعداد الأساسية. وفي حالة دعوتك كضيف، يكون من الأفضل أن تحضر معك الورق الذي يستخدم بدلاً من الأطباق عند تناول الحلوى ”كايشي“، وكذلك عيدان تناول الحلوى ”يووجي“ والحاوية الخاصة بها ”يووجي إيري“.

إذا كنت تعتزم البدء في التمرن، يتعين عليك على الأقل إحضار قطعة القماش الحرير التي تستخدم لحمل ومسح طقم الأدوات ”فوكوسا“، والمروحة اليدوية المطوية التي تستخدم عند تقديم التحية ”سينسو“، بالإضافة إلى الحقيبة الصغيرة التي يتم وضع كل هذه الأشياء فيها، ويُفضل أن تكون من القماش الياباني التقليدي وتُعرف بـ ”فوكوسا باسامي“. يمكن بسهولة الحصول على هذه الأدوات الأساسية المستخدمة في تعلم فن تقديم الشاي وشرائها عبر الإنترنت.

سينسو، مروحة اليد المطوية.

فوكوسا، قطعة من قماش الحرير الياباني تستخدم في حمل ومسح الأدوات.

يستخدم عود خشبي رفيع يشبه خلة الأسنان ”يووجي“ لتناول قطعة الحلوى اليابانية ”واغاشي“ والتي توضع على ورق ياباني خاص ”كايشي“ بدلاً من الأطباق.

تناول أحد أنواع الشاي الأخضر ”أوسوتشا“.

إذا كنت مدعوًا إلى حفل الشاي، فإنه ليس من الضروري ارتداء ملابس معينة مثل الكيمونو الياباني التقليدي أو البدلة، ولكن يجب الانتباه إلى شكل الملابس التي سترتديها، مثل اختيار الألوان الهادئة والبسيطة، وتجنب الإكسسوارات الزائدة وساعة اليد التي قد تلحق ضررًا بوعاء تقديم الشاي، كما ينبغي تجنب استخدام العطور التي قد تؤثر على رائحة الشاي.

يُعتبر ارتداء جوارب بيضاء اللون ضروريًا، سواء كانت جوارب عادية عند ارتداء الملابس الغربية أو جوارب تابي اليابانية التقليدية عند ارتداء الملابس التقليدية اليابانية. ولتجنب حمل أي أوساخ داخل غرفة الشاي، يُعتبر من الطبيعي جلب جوارب نظيفة وارتداؤها مباشرةً قبل الدخول.

إقبال الأجانب على فن السادو 

هناك العديد من الأشخاص الذين يتعلمون فن السادو، ومن بينهم الذين يستكشفون مذهب الزِن البوذي. انتشر تقدير فن السادو بشكل كبير، وأصبح للشاي الأخضر الياباني شعبية كبيرة بين الأجانب. يُلاحظ أيضًا ازدياد شهرة المشروبات والكيك التي تحمل طعم الشاي الأخضر ”ماتشا“.

تقام فعاليات ”لقاء الشاي الأخضر الدولي“ سنويًا في مدينة كيوتو، حيث يشهد إقبالًا متزايدًا، وزاد عدد المشاركين بشكل ملحوظ في عام 2014 مقارنةً بالأعوام السابقة. تقدم العديد من الأماكن دورات تجريبية لتعليم فن السادو، ويقدم القائمون على هذه الدورات خدمات باللغة الإنجليزية والصينية لتلبية احتياجات السياح الأجانب. بعض الأماكن تسمح للزوار بارتداء الكيمونو والتقاط الصور التذكارية.

وتقدم مدرسة ”ميدوري كاي Midori kai“ دورة لتعليم فن السادو للأجانب في المدرسة التخصصية للسادو التابعة لمذهب مدرسة أورا-سينكي لفن تقديم الشاي، والتي تقبل أيضًا الطلاب المبتعثين. في المدن السياحية مثل كيوتو وكاماكورا، هناك العديد من الأماكن التي تقدم الشاي الأخضر في المعابد والفنادق والحدائق والمقاهي.

أماكن لتجربة طقوس حفل الشاي والاستمتاع بفن تقديم الشاي في اليابان:

 WHERE TO EXPERIENCE A TEA CEREMONY

(النص الأصلي باللغة الإنكليزية)

سين نو ريكيو سادو ماتشا الشاي