الطريق إلى اليابان

حرفة صناعة الورق التقليدي الياباني ”الواشي“ يضم إلى قائمة اليونسكو

مجتمع ثقافة

الورق الياباني التقليدي ”واشي“، يدوي الصنع، قوي الخامة وجميل الشكل، توارثت ونقلت حرفة صناعته في جميع أنحاء البلاد. وفي عام ٢٠١٤، قُيمت التقنية اليدوية لصناعة الورق الياباني ومنظومة صناعته المتوارثة في ٣ مناطق لتم إدراجه من قبل اليونسكو على قائمة التراث الثقافي غير المادي.

”واشي“ صناعة يابانية ”يدوية“ ... قوة ومتانة وتحمل لأمد طويل

لقد كان الرسام الهولندي رامبرانت يستخدم الورق الياباني التقليدي في الطباعة التصويرية بالخشب حوالي عام ١٦٥٠ وذلك قبل ازدهار حركة تأثر أوروبا بالفنون اليابانية والتي يطلق عليها ”جابونيزم“. وانبهر الرسام الإسباني بيكاسو والرسام الروسي مارك شاغال بالورق الياباني، كما يقال إنه لم يكن ليتم ترميم لوحات الفريسك بالفاتيكان لو لا وجود الورق الياباني.

لوحة إكييو إي طبعت على الورق الياباني ”واشي“.. ”بيجين غا (لوحة الجميلة)“ للفنان كيتاغاوا أوتامارو

يطلق على الورق الذي يُصنّع بالطرق اليابانية التقليدية اسم ”واشي“. ويتميّز ليس فقط بالرونق الخاص ونعومة الملمس وإنما بخاصية إمتصاص الرطوبة والمتانة والتحمل لأمد طويل، ولذلك فإنه يستخدم ليس في الكتابة والرسم فحسب بل في صناعة الأثاث والديكورات الداخلية كـستائر”شوجي (ستائر منزلقة من الورق والقضبان الخشبية)“ وأدوات الإنارة، وفي الأدوات الحياتية المختلفة مثل المصابيح الورقية التي تعلق في أكشاك الطعام في الشوارع، والمظلات، والمراوح اليدوية وغيرها. كما كان رواج اللوحات الخشبية ”أوكييو إي“ في عصر إيدو (١٦٠٣-١٨٦٨) تابعا لانتشار الورق الياباني التقليدي اليدوي والمميز بدرجة عالية من المتانة. وفي الآونة الأخيرة، تشتهر تصميمات الأقمشة المستخدم فيها الورق الياباني لِمصمم الأزياء إسّيه ميياكي.

في البداية، وصلت التقنية اليدوية لصناعة الورق إلى اليابان من الصين مع دخول تعاليم الديانة البوذية. وانتشرت صناعة الورق مع قيام الأمير شوتوكو تايشي (٥٧٤-٦٢٢) بنشر البوذية في أنحاء البلاد، وفي عصر هييآن (٧٩٤-١١٨٥) ولدت التقنية اليابانية الفريدة ويطلق عليها ”ناغاشي-زوكي Nagashi-zuki“. وهي طريقة صنع الورق عن طريق حركة هز لوعاء غير عميق يسمى ”سوكِغيتا“ والذي يكون موضوعا به المادة الخام من الألياف النباتية وذلك في داخل صهريج مليء بالماء. حيث أن الحركة الإهتزازية تعمل على ترابط الألياف مما جعل من الممكن صُنع ورق يتميز بخاصية المتانة وصعوبة التمزق سواء بالطول أو بالعرض.

بينما الورق الياباني الحديث الذي يصنع باستخدام الآلات أصبح مناسب للكتابة بالحبر والطباعة، إلا أنه يفتقر إلى المتانة ومن السهل تغير لونه بالمقارنة بالورق المصنوع بالطريقة اليدوية.

الورق الياباني التقليدي ”واشي“ (فيديو)

الورق الياباني في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي

هناك ٣ أنواع من الخامات الطبيعية الأساسية في صناعة الورق الياباني يطلق عليهم ”كووزو“، و”ميتسوماتا“، و”غانبي“. وتختلف كل ورقة باختلاف نوع الخام المستخدم ومكان الصنع، وإذا كانت الصناعة يدوية فإن كل ورقة تخرج لها شكل فريد ومختلف عن الأخرى.

ويحرص على استخدام خامة الـ”كووزو“ المُنتجة محليا وتمتاز عن باقي الخامات بطول الألياف وتعطي رونق بعد الصنع، في صناعة كل من ورق ”سيكيشو بانشي“ الذي يُصنَع في محافظة شيماني، وورق ”هون مينو شي“ في محافظة غيفو، وورق ”هوسوكاوا شي“ الخاص بمحافظة سايتاما، وهي الأنواع والمناطق الثلاثة التي تم إدراجها في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي عام ٢٠١٤. كذلك تمتاز هذه الأنواع الثلاثة بعدم استخدام أية مواد كيميائية مثل المواد المبيضة وغيرها. حيث أن من خصائص الورق الياباني الذي لا يدخل في تصنيعه مواد كيميائية، عدم إصفرار لونه حتى مع تعرضه للشمس بالأولى ازدياده بياضا تدريجيا مع تعرضه للأشعة الفوق بنفسجية. وقد قُدّرت وقُيمت هذه التقنية الشعبية إلى جانب منظومة نقلها وتوارثها عبر الأجيال في هذه المناطق فسجلت في قائمة التراث الثقافي غير المادي.

غانبي (على اليمين)، ميتسوماتا (في المنتصف)، كووزو (على اليسار)

الورق الياباني في فن الأوريغامي والشرائط اللاصقة والمشاهد الفنية

ويستخدم الورق الياباني المصنوع من الكووزو بشكل عام في ورق الطباعة التصويرية بالخشب وستائر الشوجي، وفي ورق تغليف الهدايا. ولكن تبعا للاستخدامات تضاف المعالجات في التصنيع. فمثلا هناك ”كيوسي شي“ وهو ورق من الكووزو مقوى بشكل إضافي يستخدم في المشغولات الصناعية وتجليد الكتب، و”تشييو غامي“ و”يوزين غامي“ وهو ورق ياباني يُطبِّع عليه منقوشات وتصاميم الكيمونو باستخدام اللوحات الخشبية ويستخدم الآن كورق تغليف للهدايا وفي فن طي الورق الأوريغامي.

مجموعة إيسامو نوغوتشي للإنارة ”AKARI

كذلك يدخل الورق الياباني في الشرائط اللاصقة. وفي الآونة الأخيرة أصبح هناك شرائط لاصقة ليست فقط بأشكالها الغير مصورة المعتادة التي تستخدم في الأعمال الصناعية وإنما يوجد في الأسواق الكثير من الرسومات والتصاميم الملونة. تناسب هذه الشرائظ المزينة في تزيين جداول المواعيد وتصميم بطاقات المعايدة بذوق الشخص الخاص ولها شعبية كبيرة بين الشباب كإحدى الأدوات المكتبية الظريفة الجذابة. وتباع الشرائط اللاصقة يابانية الصنع في أمريكا وأوروبا وتعرف بـ”الشرائط اللاصقة من الورق الياباني Washi Masking Tape“.

تتصدر قائمة المبيعات لفترة طويلة مجموعة إيسامو نوغوتشي للإنارة ”AKARI“ المستخدم بها الورق الياباني والتي تتعدى ٢٠٠ نوع. كما يقوم المخرج ديفيد لينش المعروف بأفلامه مثل ”توين بيكس Twin peaks“، و”طريق مولهولاند Mulholland Drive“ بطلبيات خاصة للورق الياباني اليدوي لعمل الصور المطبوعة بطريقة الطباعة الحجرية للمشاهد.

إن التقنية اليدوية لصناعة الورق الياباني تناقلت واستمرت على مدار أكثر من ١٢٠٠ سنة، ولكن لم تكن لتنمو كصناعة إذا لم يُوجد من يستخدمها ويحافظ عليها. وقد قُدِّرت تحركات وسعي أهل الأقاليم لخلق منظومة متوارثة بشكل متواصل لهذه الحرفة رغم قلة عدد السكان وانخفاض الكثافة السكانية بها. مما يجعلنا نلتفت لحالة بذل للجهود كبيرة وواسعة الآفاق تحدي بها الورق الياباني التقليدي ”واشي“ بقوته تجاه الماء ليتمكن من عبور البحار والانتشار في جميع أنحاء العالم.

روابط متعلقة بالموضوع

قائمة بمتاجر بيع الورق الياباني ”واشي“

اليونسكو أوريغامي