الطريق إلى اليابان

«كيودو»... فن الرماية الياباني بالقوس والسهم

مجتمع ثقافة رياضة

كيودو، وهو فن قتالي ياباني يستخدم القوس والسهم، يتميز عن غيره من أنواع الرماية بتركيزه على جوانب أكثر عمقًا من مجرد إصابة الهدف. بدلاً من ذلك، يتم التركيز في كيودو على تحقيق وضعية جسدية صحيحة وتوازن داخلي ووعي تام بالذات. تعبّر الروحية في كيودو عنها كلمة ”موشين“، والتي تعني خلو القلب من الأفكار أو التشويش. للوصول إلى هذه الحالة الذهنية، يتطلب كيودو تمرينًا مستمرًا وتركيزًا عميقًا، حيث يُمنح في المنافسات أهمية كبيرة لوضعية الجسم السليمة والسكينة الروحية بدلاً من مجرد إصابة الأهداف. على الرغم من أن النقاط تحتسب بناءً على إصابة الأهداف، إلا أن الحكام يولون اهتمامًا خاصًا للتوازن الداخلي والروحية للمتنافسين. بفضل تركيزه على الجوانب الروحية والداخلية، يُقارن كيودو في كثير من الأحيان بتأملات زن، حيث يسعى الممارسون إلى تحقيق التوازن والسكينة الداخلية بين الجسد والعقل والروح.

 تمرين العقل والجسد 

إن ”الرماية بالقوس والسهم“، التي كانت في السابق تستخدم في الصيد والحروب، أصبحت اليوم واحدة من الرياضات التنافسية المعروفة باسم ”كيودو“، وتعني حرفيًا ”طريق القوس“ في اللغة اليابانية.

تتميز رياضة الكيودو بأنها ليست مجرد رياضة تنافسية، بل تعتبر أيضًا فنًا وطريقة حياة. تهدف إلى تنمية قوة التركيز وتمرين العقل والجسد من خلال عملية رمي الأسهم في اللحظة المناسبة للنفس. يتطلب تحقيق النجاح في هذه الرياضة السيطرة على التوتر والتركيز العالي والوعي التام بالذات.

يتألف التدريب في الكيودو من مجموعة متنوعة من الأنشطة، بما في ذلك التمارين البدنية لتقوية العضلات وتحسين المرونة، إلى جانب التدريب على تقنيات الرماية بالقوس والسهم. يتميز هذا النوع من التدريب بتركيزه على الدقة والتحكم في الحركة، بالإضافة إلى السيطرة على التنفس وتنمية السلام الداخلي.

يعد الكيودو فنًا يابانيًا تمتاز بقيمه الأخلاقية والروحية، حيث يؤمن ممارسوها بأهمية الانضباط والاحترام والتواضع. ومن الملاحظ انتشار هذا الفن في العديد من الدول حول العالم، حيث يجذب المشاركين بتعاليمه العميقة وفوائده الصحية والنفسية.

تاريخ القوس والسهم في اليابان يعود إلى العصور القديمة، حيث يعتقد أنه يرجع إلى العصر الحجري. تطور استخدام القوس فيما بعد ليصبح جزءًا لا يتجزأ من المراسيم والشعائر المختلفة والمناسبات الثقافية في اليابان، بما في ذلك الاحتفالات في القصر الإمبراطوري وفي بيوت محاربي الساموراي.

خلال عصر كاماكورا (1185-1333 م)، بدأ التدريب على استخدام القوس والسهم كجزء من تدريب الساموراي على فنون القتال والتمارين الروحية والبدنية. لكن مع انتشار بندقية الفتيل في القرن السادس عشر، بدأ دور القوس والسهم في الحروب يتضاءل، وتحول استخدامهما إلى تمارين روحية أكثر من كونهما أسلحة فعالة في الميدان.

خلال عصر إيدو (1603-1868 م)، أصدرت الحكومة الشوغونية قائمة تضم 18 فناً قتالياً أساسياً يجب على المحاربين الساموراي تعلمها، وكان فن الرماية بالقوس والسهم من بين هذه الفنون الأساسية.

نادي الكيودو في المدارس.

الحركات الثمانية الأساسية في الكيودو

توجد مجموعة من 8 حركات متصلة لا تتجزأ وتعتبر أساسية في عملية الرمي بالسهام، ويُطلق عليها ”شاهو هاسّيتسو“. تُعرف هذه الحركات بأنها كأنها وجود ٨ عقول في قصبة خيزران واحدة، وتتمثل في الآتي:

1. أشي بومي (خطوة القدم): تباعد القدمين وتحديد مكان الوقوف.
2. دو زوكوري (إتحاذ الوضعية): وضع وزن الجسم بشكل متساوي على كلا القدمين وتحقيق الوضعية السليمة للجسم.
3. يومي غامايه (تجهيز القوس): تجهيز القوس بالسهم ووضع الأصابع على وتر القوس.
4. أوتش أوكوشي (رفع القوس): رفع القوس والسهم إلى الأعلى.
5. هيكي واكي (الدفع والسحب): دفع القوس إلى الأمام وسحب الوتر إلى الخلف بشكل متماثل.
6. كاي (اكتمال الاستعداد): قياس مدى التناغم والتوحد بين العقل والجسد والانتظار للحظة الإطلاق.
7. هاناري (الإطلاق): التركيز على لحظة الإطلاق، حيث ينطلق السهم تلقائيا عندما تصل الروح والقوة إلى قمة الاستعداد.
8. زانشين (الروح أو الجسم المتبقي): وقفة الجسم بعد إطلاق السهم، والتركيز على التوازن والتركيز الداخلي.

المبادئ الثلاثة 

هناك نوعان من التحدي لإصابة الأهداف في رياضة الكيودو وهما ”تحدي المسافات القريبة“ و”تحدي المسافات البعيدة“. في ”تحدي المسافات القريبة“، تكون المنافسة على إصابة هدف بقطر 36 سنتيمترًا من على مسافة 28 مترًا. أما في ”تحدي المسافات البعيدة“، يكون الرمي من على مسافة 60 مترًا لإصابة هدف قطره مترًا واحدًا، وتُحصل النقاط الأعلى كلما كانت الإصابة أقرب من نقطة المركز، أي منتصف الهدف، وتكون المنافسة هنا على تحقيق أعلى النقاط.

يُقال إنه إذا تم التقابل مع القوس بالحركات السليمة مع الحفاظ على الهدوء والرزانة، وكذلك الاهتمام بطقوس وآداب الرمي والتقيد بها، فإن السهم سيصيب الهدف المراد في اللحظة المناسبة. إن تولية الأهمية والأولوية بالآداب والتقاليد الخاصة بممارسة الرمي بالسهام والالتزام بالتعاليم التي تحددها مدارس الكيودو كمدرسة أوغاساوارا-ريو أو مدرسة هيكي-ريو وإتمام عملية سحب القوس ورمي السهام وفقًا لقواعد الرمي هذه هو ما يحقق الخاصية الفنية في رياضة الكيودو اليابانية.

يرتدي لاعب الكيودو الزي الخاص برياضة الكيودو، والمكون من رداء أبيض اللون في الجزء العلوي من الجسم يسمى ”تسوتسوسودي“، بالإضافة إلى سروال أسود يغطي الجزء السفلي من الجسم ويسمى ”هاكاما“. تكتمل الزي بجوارب بيضاء تسمى ”تابي“، وهي جوارب يابانية تقليدية للأقدام تحتوي على فاصل واحد يفصل بين الإبهام وباقي الأصابع. ويتم استخدام قفازات خاصة من الجلد لحماية اليدين، بالإضافة إلى وضع شيء محدد في بعض الحالات لحماية منطقة الصدر بالنسبة للاعبات.

وفي 31 مارس / آذار عام 2014، بلغ عدد لاعبي الكيودو 139،560 لاعبًا، حيث كان هناك 73،774 رجلاً و65،776 امرأة. (هذا هو مجموع أعضاء اتحاد الكيودو الياباني في جميع أنحاء اليابان).

القوس الياباني 

يُطلق على الأدوات المستخدمة في الكيودو أو الرماية اليابانية بالقوس والسهم اسم ”واكيو“. ورغم أن القوس الأفرنجي يتراوح طوله تقريبا 160 سنتيمترًا، إلا أن الطول القياسي للقوس الياباني يكون حوالي 221 سنتيمترًا، وهو الأطول على مستوى العالم. القوس الياباني يُمسك من الجزء الأسفل قليلاً إذا نظرنا من المركز، حيث أنه غير متماثل في الطول بين الجزء العلوي والأسفل، وهو عبارة عن تصميم بسيط بوصلة واحدة تمتد من الأسفل وحتى الأعلى.

يوجد 3 أنواع من الأقواس التي تستخدم في رياضة الكيودو الحديثة:
1. القوس التقليدي ”تاكي يومي“ أو ”أقواس الخيزران“ وهي عبارة عن شرائح من الخيزران (أشجار البامبو) تُلصق فوق بعضها ويستخدم كمادة أساسية في الصنع مزيج من أشجار الـ”هازي نو كي“ أي أشجار الشمع اليابانية (أحد أنواع أشجار السماق) مع عصيان رقيقة تصنع من حرق الخيزران.
2. ”أقواس الخيزران والكربون“ وهي أقواس من شرائح الخيزران والخشب ويدخل الكربون كمادة أساسية في الصنع.
3. أقواس يستخدم في صنعها الألياف الكربونية أو الألياف الزجاجية كمواد بديلة للخيزران. وهذا النوع الأخير يمكن إنتاجه بكميات أكبر مقارنة بالأقواس المصنوعة من الخيزران، لذا تكون أسعاره معقولة وسهل العناية به، ولهذا ينتشر استخدامه بالأخص بين الطلاب والمبتدئين.

في المعبد البوذي ”سانجوسان غيندو“ بكيوتو، كان ينتافس محاربو الساموراي على رمي السهام من الطرف الجنوبي إلى الطرف الشمالي لممره الخارجي على مسافة تمتد إلى ٢١٠ متر فيما يسمى بـ منافسة ”توشي يا“. أما الآن فيقام في رأس العام الجديد (شهر يناير/كانون الثاني) احتفالية ”أوماتو تايكاي“ وهي احتفالية على مستوى البلاد للاعبي الكيودو من المحترفين الحاصلين على مرتبة ”دان“ من البالغين على رأسهم من أصبحوا سن الرشد حديثا (سن العشرين) وتجد الجميع في أزهى الملابس وهم يقدموا عرض رمي السهام في الساحة وهذا الاحتفال يكون مفتوحا للجمهور من العامة.

 مشاهدة فن الرماية 

فن الرماية بالقوس والسهام من على صهوة الخيل يُطلق عليه في اليابانية ”يابوسامي“، وهو الفن الذي يتضمن رمي السهام أثناء ركوب الخيل وإصابة الأهداف بدقة أثناء الحركة. يشتهر هذا الفن بكونه جزءًا من الشعائر الدينية الشنتوية ويُعتبر تحديًا للرماية التقليدية في اليابان.

تشهد هذه الفعاليات سحب الأقواس الكبيرة وإطلاق السهام بشكل متواصل وإصابة الأهداف المتحركة أثناء سير الخيول بسرعة. يمكن للمهتمين بالمشاهدة التمتع برؤية مثل هذه المنافسات خلال فصلي الربيع والخريف في مختلف مناطق اليابان، بدءًا من هوكايدو في الشمال وصولًا إلى كيوشو في الجنوب. تُقام هذه المسابقات ضمن مهرجانات مختلفة في معابد مثل ”نيكّو توشوغو“ و”تسوروغاأوكا هاتشي مان غو“، بالإضافة إلى مهرجان الرماية اليابانية التقليدية في نهر سوميدا بحي أساكوسا، وفي معبد شيموغامو جينجا في كيوتو، وغيرها من الأماكن.

تُعتبر هذه التجارب فرصة للانغماس في جو من الأجواء القديمة وتجربة الإثارة والتوتر الذي كان يسود أرض المعركة خلال الحروب القديمة وحقبة الفرسان.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، االصور مقدمة من:نادي الكيودو في المدارس Matthew Bednarikمعبد بوذي ”سانجوسان غيندو“ بكيوتو (الصورة من اليمين) Doran Thai)

الرياضة