الطريق إلى اليابان

أجواء عيد الميلاد على الطريقة اليابانية

مجتمع ثقافة

بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح اليابانيون من عشاق احتفالات عيد الميلاد ”الكريسماس“. وعلى الرغم من أن الجانب الديني لدى اليابانيين الخاص بهذا الاحتفال ضعيفا، إلا أن روح احتفالات عيد الميلاد تغمر البيوت والشوارع في عشية عيد الميلاد مع قدوم ”سانتا كلوز“.

الاحتفال بعيد الميلاد من منطلق الاستمتاع بشعور الاحتفالات والأعياد

في الصغر، كنا نصدّق أنه ”إذا أحسنّا السلوك وكنا أطفالا مهذبين فسيأتي ”سانتا كلوز (بابا نُويل)“ ويجلب الهدايا لنا في عشية عيد الميلاد“ وفي صباح يوم ٢٥ تكون الفرحة بالعثور على هذه الهدايا موضوعة بجانب السرير. وفي كم من العمر تقريبا حين ندرك أن الوالدين هما في الحقيقة من قد حضّرا وجاءا بالهدايا ووضعاها من أجلنا !

في اليابان، ولسبب ما يكون حماس احتفالات عيد الميلاد، أو ما يعرف بالكريسماس، أعلى وأكبر في يوم ٢٤ وهو يوم عشية عيد الميلاد منه في يوم عيد الميلاد نفسه وهو يوم ٢٥ ديسمبر/كانون الأول. ونجد تصدر أغنية الحب ”كريسماس إيف“ للمغني ياماشيتا تاتسورو قوائم أفضل الأغاني على مدار ٢٩ سنة متتالية. أما في التلفاز، فتحتله العروض الخاصة باحتفالات عيد الميلاد وتعرض الأفلام التي تتضمن أسمائها كلمة ”كريسماس“. كما تمتلئ ملاهي ديزني لاند وديزني سي في طوكيو ويونيفرسال ستوديوز اليابان في أوساكا بالعروض والخدمات الخاصة والتي تكون لفترة محدودة خلال هذه الاحتفالات.

وعلى الرغم من أن الناس في اليابان يتطلعون إلى احتفالات عيد الميلاد في اليابان كما في الدول المسيحية تماما، إلا أن احتفالات عيد الميلاد في اليابان في الغالب ليست لها أي صلة أو معنى ديني، وإنما الكثير من الناس يستمتعون فقط بالشعور بروح الأعياد والاحتفالات. فالأمر في اليابان لا علاقة له بميلاد المسيح عيسى أو بالإنجيل، كما يكون الذهاب للقداس في الكنائس في الغالب مقتصرا فقط على من هم مسيحيون بالفعل.

ويبلغ عدد المؤمنين بالديانة المسيحية في اليابان حوالي مليون و٩٠٠ ألف شخص ويقال إنهم فقط يمثلون أكثر بشئ بسيط من نسبة ١٪‏ من إجمالي المؤمنين بالديانات المختلفة (وذلك طبقا لـ”كتاب الإحصائيات السنوي للأديان لعام ٢٠١٣“ من إعداد وكالة الثقافة). ولكن وعلى الرغم من ذلك فالجميع يعشق احتفال عيد الميلاد. وقد بدأ الاحتفال بعيد الميلاد في اليابان في سنة ١٩٠٤، ويقال إن بداية الأمر كانت عندما قام متجر للمنتجات الغذائية راقي المستوى اسمه ”ميجي يا“ في حي جينزا بعرض شجرة عيد الميلاد مزينا بها مدخل المتجر. عندما يحل شهر ديسمبر/كانون الأول، تزين البيوت بشجرة عيد الميلاد وبزينة الأضواء كما تمتلئ المدينة بمنتجات احتفال عيد الميلاد المختلفة. وتضئ الزينات المضيئة لتكتسي المدينة بأكملها بألوان وأجواء الاحتفال بعيد الميلاد.

فتاة تزيّن شجرة عيد الميلاد

عشية عيد الميلاد ليلة رومانسية!

في الديانة المسيحية، كثيرا ما يُقضى يوم عيد الميلاد في المنزل مع العائلة، أما في اليابان فإن تقضية احتفال رأس السنة الجديدة ”شوغاتسو Shogatsu“ هو ما يكون بشكل عام مع العائلة والأقارب.

فعلى الأصح، إدراك اليابانيين لاحتفال عيد الميلاد يكون قويا كحدث أو مناسبة، ففي حالة إذا كان الشخص أعزب فالأغلب أن يقوم بمواعدة الحبيب أو قضاء اليوم مع الأصدقاء. ويبدو أن هناك الكثير من الأشخاص الذين لديهم انطباع بأن عشية عيد الميلاد ”ليلة الكريسماس“ هي ”الأكثر رومانسية“ من عيد الميلاد نفسه. وفي الغالب تكون الهدايا مقدمة من الآباء للأبناء أو تتبادل بين العشاق لبعضهم. وبالنسبة للأزواج أو العشاق فيتساوى احتفال الكريسماس بأعياد الميلاد أو الاحتفال بذكرى يوم خاص ويتعاملون معه كيوم ومناسبة هامة. أما المتاجر والمحلات فتعرض وتتنافس في بيع المنتجات والهدايا الخاصة بالاحتفال، وتتغير قوائم الطعام في المطاعم إلى الأصناف الخاصة بالاحتفال أيضا. وتقيم الفنادق الشهيرة عروض عشاء عيد الميلاد والتي يقدمها الفنانون وتصل قيمتها لأكثر من ٤٠-٥٠ ألف ين، كما تمتلئ الفنادق والنزل اليابانية ريوكان بحجوزات المبيت.

التزيين بالأضواء، منطقة مارونوأوشي بطوكيو

الكعكات المزينة والغنية بكريمة القشطة الطازجة

الدجاج المشوي والكعكة المزينة.

إن عشاء عيد الميلاد النموذجي في البيوت اليابانية لا يكون الديك الرومي وإنما هو الدجاج المشوي. ولأن طلبات وجبات عشاء عيد الميلاد تنهمر وتزدحم على المحلات في يوم الاحتفال نفسه، فيقوم الناس بالتحضير قبلها بعدة أيام ويحجزون وجباتهم من بين القوائم الخاصة المقتصرة على احتفال عيد الميلاد من مطاعم الوجبات السريعة أو السوبر ماركت.

وبالحديث عن احتفالات عيد الميلاد في اليابان فلا بد من ذكر ”كعكة عيد الميلاد“ والتي يطلق عليها ”ديكوريشان كيك (الكعكة المزينة)“ فلا غنى عنها حيث يتم تناول الكعكة المزينة وهي عبارة عن الكيك الإسفنجي المزين والمغطى بوفرة بكريمة القشطة البيضاء أو كريمة الشيكولاتة. وفوق الكريمة تزين الكعكة كذلك بالفراولة والشوكولاتة أو بأشكال سانتا كروز وشجرة عيد الميلاد التي تصنع يدوياً من السكر واللوز ”حلوى المارزيبان“. ويعتبر احتفال عيد الميلاد (كريسماس) وعيد الحب (فالانتاين) هما موسم صناعة وبيع الحلويات.

ويقال إن انتشار مثل تلك العادات والممارسات في اليابان يرجع بشكل كبير إلى مخيلة الاستراتيجية التجارية في إعلانات مطاعم الوجبات السريعة ومتاجر الكومبيني ومحلات بيع الحلوى والكعك.

التحول بين ليلة وضحاها من احتفال عيد الميلاد لتحضيرات احتفال ”شوغاتسو“

”شوغاتسو“ هو تقليد ياباني منذ قديم الزمان للاحتفال بقدوم السنة الجديدة ويقال على الفترة من أول يوم في السنة الجديدة يوم ١ من شهر يناير/كانون الثاني وحتى يوم ٧ أو ١٥ من نفس الشهر.
في اليابان، وبشكل عام بعدما يستمتع بأجواء وروح احتفالات عيد الميلاد، بمجرد مرور ليلة واحدة ليصبح يوم ٢٦ ديسمبر/كانون الأول، تتحول الأوضاع في جميع أنحاء البلاد في نفس الوقت إلى أجواء الاحتفال بقدوم السنة الجديدة ”شوغاتسو“. فتتبدل زينة إكليل عيد الميلاد المعلقة على مدخل المنزل بزينة ”شيميكازاري“ الخاصة بالشوغاتسو، كذلك تتغير زينة وترتيب نافذات العرض في المتاجر والمحلات بشكل كامل ومفاجئ. وهكذا تستمر احتفالات وأعياد موسمية نحو احتفالات ليلة رأس السنة ”أوميسوكا“ ثم احتفالات ”شوغاتسو“ إلى آخره...

صورة العنوان: ”كعكة مزينة“ غُطت بالشوكولاتة والفراولة فوق طبقات غنية من كريمة القشطة

▼مقالات ذات صلة
اليابانيون والأديان….لماذا لا يؤمن اليابانيون بأي دين ؟ القديس فرنسيس كسفاريوس وجذور المسيحية في اليابان

الكريسماس احتفال