لأصحاب القلوب القوية...جزيرة الرعب ترحب بكم !

ثقافة سياحة وسفر

كانت غونكان ـ جيما في أيامها الذهبية أكثر المناطق ازدحاماً من حيث الكثافة السكانية. أما اليوم وبعد مضي ١٤ عاماً على إغلاق مناجم الفحم لم يبقَ سوى أطلال مهجورة تعكس وجوهاً متباينة عن الماضي الحزين لكنها جذبت أنظار العالم من جديد. وقد سلطت عليها أضواء الشهرة العالمية خاصة بعد أن أصبحت نموذجاً للجزيرة التي ظهرت في الجزء الأخير من سلسلة أفلام جيمس بوند "سكاي فول". وسنقدم لكم هنا بعض اللقطات الحصرية لبعض أماكن الجزيرة المحظور دخولها.

لعل كل ما يصنعه الإنسان لابد له أن يزول ويفنى يوماً ما، وغونكان ـ جيما هي مثال حي على ذلك، فهي تجمع بين أطلالها المتهالكة الجمال والحزن في آن واحد وهذا باعتقادي هو ما يجذب الناس إليها بشدة. وقد وصل المصور أوهاشي هيروشي إلى الجزيرة قبيل إغلاق مناجم الفحم الحجري حيث أمضى فيها من خريف عام ١٩٧٢ مدة تقرب من نصف عام من أيام شبابه. وسيحدثنا أوهاشي عن سر شعبية هذه الجزيرة وتعلقه الشديد بها.

إن الاسم الحقيقي لغونكان ـ جيما هو هاشيما وهي تابعة لمحافظة ناجازاكي وتقع على بعد حوالي ١٨٫٥ كم جنوب غرب ميناء ناجازاكي. ونظراً لشبه هذه الجزيرة بـ ”السفينة الحربية أي غونكان باليابانية“ أصبح الناس في عصر تايشو يطلقون عليها هذا الإسم.

وقد جرى اكتشاف الفحم لأول مرة على هذه الجزيرة عام ١٨١٠ وكانت مساحتها آنذاك ثلث ماهي عليه الآن وكما كانت أرضها قاحلة بور لا ينمو عليها أي نبات، فقد تم القيام بعمليات الطمر والردم لزيادة مساحة الجزيرة فأدى ذلك إلى زيادة مساحتها وذلك بنحو ٤٨٠ م على طول الخط الشمالي الجنوبي وحوالي ١٩٠ م على طول الخط الشرقي الغربي، فأصبحت مساحتها الكلية ٦٫٣ هكتار وبلغ محيطها ١٢٠٠ م.

هوائي التلفاز الذي كان يملأ أسطح الأبنية في الماضي لم يعد له وجود الآن.

ثم بدأت عملية استخراج الفحم من المناجم بشكل فعلي مباشرة بعد استحواذ شركة ميتسوبيشي حق ملكية الجزيرة والمناجم فيها عام ١٨٩٠.وكان الفحم الذي يستخرج من الجزيرة آنذاك ذو نوعية فاخرة وكان يستخدم بشكل رئيسي في مصنع هاتشيما (في محافظة فوكوكا، مدينة كيتا كيوشو). حيث اصبحت تلك المناجم بالإضافة إلى مناجم تاكاشيما المجاورة من الدعائم الأساسية التي ساهمت في جعل اليابان من الدول المتقدمة. وفي عام ١٩١٦ تم بناء ”برج رقم ٣٠“ وهو أول مبنى معزز بالاسمنت في اليابان وأصبح هذا النمط من البناء من مميزات غونكان ـ جيما حيث انتشرت مثل هذه المباني في أنحاء الجزيرة.

واستطاعت هذه الجزيرة تحقيق نمو سريع نتيجة لزيادة صادراتها من الفحم، وفي أوج عصرها الذهبي عام ١٩٦٠ كان يعيش فيها حوالي ٥٣٠٠ شخص، فبلغت كثافتها السكانية ما يعادل ٩ أضعاف مدينة طوكيو. وتواجدت في الجزيرة المدارس والمستشفيات فضلاً عن دور السينما والملاهي ومطاعم الوجبات الخفيفة.

يقول السيد أوهاشي: ”عندما كنت أعيش على الجزيرة كان هناك حوالي ٢٠٠٠ شخص حسب اعتقادي. وكان فيها محطة لتوليد الكهرباء تعمل على الفحم الحجري المستخرج من الجزيرة، لذلك كانت الكهرباء بالمجان لسكان الجزيرة. ولذلك عاش سكانها حياة عصرية حيث كان يوجد في كل بيت أجهزة كهربائية عديدة كالتلفاز والأفران الكهربائية وغيرها. وإذا أرادوا الاستمتاع أكثر أو كان ينقصهم بعض الحاجيات كانوا يركبون السفينة في يوم الإجازة لقضاء تلك الأمور في مدينة ناجازاكي. فقد كانت الحياة على تلك الجزيرة سهلة وممتعة للغاية“.

الرجال وهم يعملون على الجزيرة. أزيلت الرافعة الموجودة في الخلفية بعد إغلاق مناجم الفحم.

نهاية غونكان ـ جيما

في ديسمبر/ كانون الأول ١٩٦٥ بلغ إنتاج الجزيرة من الفحم الحجري ٣٥٠٠٠ طن. ولكن سرعان ما تناقص إنتاجها بسبب استبدال الفحم بالنفط كمصدر للطاقة. وفي يناير/ كانون الثاني من عام ١٩٧٤ أغلق المنجم وفي أبريل/ نيسان من نفس السنة تم تعليق الرحلات بين غونكان ـ جيما وتاكاشيما. فأصبحت الجزيرة مهجورةً خاويةً على عروشها. هذا ويبدي أوهاشي تعلقاً شديداً بهذه الجزيرة علی الرغم من أن الفترة التي قضاها فيها لا تتعدى الستة أشهر. حيث يقول: ”إن النجوم التي تتلألأ في سماء الجزيرة كانت مذهلة، فالنظر إلى تلك النجوم يبعث في القلب الطمأنينة والراحة بعد يوم طويل من العمل. أما اليوم فهي مكان لهواة التاريخ والآثار ولكنها ستظل بالنسبة لي موطناً قريبا إلى قلبي. لقد قضيت نصف شهر وأنا أعمل كمتعهد لأعمال البناء، وإنه لمن المحزن أن يصبح جزء من شبابي أثراً من الماضي. إن بعض ساكني هذه الجزيرة قطنوا فيها على مدى ثلاثة أجيال، لذلك أعتقد أن تعلقهم بالجزيرة متأصل فيهم أكثر مني بكثير“.

الأشخاص الذين عملوا مع أوهاشي في عام ١٩٧٢. كانت الجزيرة موطناً للرجال والنساء سواء كانوا شبابا أم كباراً في السن.

وفي أغسطس/ آب ٢٠٠٥ سمح لبعض الإعلاميين الدخول إلى الجزيرة. ولقد حازت الصور المميزة التي قاموا بالتقاطها على انتباه منقطع النظير. وفي ٥ يناير/ كانون الثاني ٢٠٠٩ تم إدراج الجزيرة على اللائحة المؤقتة لمواقع الإرث الصناعي المعاصر. وقد قررت مدينة ناجازاكي السماح لعامة الناس بزيارة أجزاء محددة من الجزيرة لمدة أربعة أعوام، فزارها خلال تلك الأعوام حوالي ثلاثة ملايين وستمائة ألف شخص، وقد أسهم ذلك في تنمية الإقتصاد المحلي بما يقدر بـ ٦٫٥ مليار ين.

رافق المصور سوميزي طاقم العمل المصور للفيديو

ولقد تم تسليط الضوء مجدداً على الجزيرة وجذبت الإهتمام العالمي بعد أن أصبحت نموذجاً استوحي منه مواقع تصوير اخرى لأجزاء من سلسلة أفلام جيمس بوند ”سكاي فول“ عام ٢٠١٢. حيث اتخذ من الجزيرة مقراً للممثل الإسباني الشهير خافيير باردم الذي لعب دور الشرير في الفيلم. ولقد تم استخدام تقنية عين الطائر لتصوير مناطق الجزيرة المحظور دخولها وكذلك ظهرت تلك المشاهد في دعاية لكاميرا سونيSony Action Cam HDR-AS15. كما أنها متوفرة على موقع غوغل للخرائط.

يعتقد أوهاشي أن غونكان ـ جيما ستلعب دوراً هاماً في المستقبل ويقول ”يصعب عليّ حتى الآن تصديق تحول هذا المكان الذي عشت فيه إلى مجرد مزار سياحي، لكني أتمنى على كل حال أن تترك الزيارة انطباعاً عميقاً في نفوس زوارها وأتمنى أن يحملوا في قلوبهم جزءا من هذه الجزيرة حتى لا يتم نسيانها. في النهاية لقد هجرت الجزيرة بسبب مشاكل الطاقة، لذلك علينا أن نتعلم من هذه التجربة ونستنتج أن كل شيء يصنعه البشر مصيره الزوال“.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية)

السياحة التراث العالمي