دراسة اللغة اليابانية

كيف تعلمت اليابانية: التلفزيون والمانغا

ثقافة لايف ستايل مانغا وأنيمي

وصلت شرين نزمافي Shirin Nezammafi الإيرانية الأصل إلى اليابان عام ١٩٩٩ حيث فازت بأول جائزة لها للرواية اليابانية بعد سبع سنوات. تعترف في هذا المقال على امتنانها لمعلمين مهمي: التلفزيون والمانغا.

اللغة تتنفس وتتطور مثل الكائنات الحية تماماً. لذلك فهي تعبر عن تغير العصور وتثير مشاعر جديدة. وبما أن اللغة في تحول وتغير مستمر لتلبية احتياجات مستخدميها في كل عصر، لا يمكن لأحد القول أنه قد أتقن حقاً اللغة في مجملها حتى ولو كان أستاذاً متمرساً في اللغة. وهذا ينطبق على اللغة الأصلية واللغات الأجنبية على حد سواء.

فالنسبة لي، لغتي الأم هي الفارسية، ورغم أنه ليس لدي أي مشكلة في قراءة الكتب والمجلات أو التحدث بالفارسية، إلا أنه عندما أبدأ بقراءة الشعر سرعان ما تصبح الألفاظ والكلمات بالنسبة لي غامضة وغير مفهومة، وأشعر بإحباط عميق إزاء عدم قدرتي على فهم معاني الكلمات المكتوبة بلغتي الأم.

وبالإضافة إلى كون اللغات في حالة تغير وتبدل دائمة، فلها أيضاً وجوهاً عديدة. فإذا تحدثنا مثلاً عن وجوه اللغة اليابانية، نجد أن هناك لغة أدبية كلاسيكية بالإضافة إلى اللغة العامية الحديثة التي تستعملها بنات المدارس اليابانية، الأمثال بأربعة أحرف التي يرجع أصلها إلى اللغة الصينية الكلاسيكية، ومجموعة كبيرة من الكلمات المستعارة وكلمات جديدة مستمدة من اللغة الإنجليزية، إضافة إلى أشكال الخطاب المؤدب والتلاعب بالألفاظ. وكل واحدِ من هذه الأنواع هو لغة حية وغنية في حد ذاته، ويشكل إتقان أي منها تحدياً كبيراً.

فلهذا السبب لا يمكنني الإدعاء بأنني أتقن اللغة اليابانية. وبالمقابل، تعلمت كيفية إيصال تفكيري وأفكاري إلى الآخرين بدقة باستخدام اليابانية كلغتي الثانية. وأود أن أكتب هنا عن الأسباب التي ساعدتني أكثر في تحقيق ذلك.

التلفزيون معلميلعب التلفزيون دوراً كبيراً في تعليمي التواصل اللفظي. ولم أستفد فقط من الدراما أو البرامج الوثائقية، ولا نشرات الأخبارا كما استفدت من الكوميديا والمنوعات اليابانية بمزاحها غير الرسمي المستمر بين الكوميديين والشخصيات الأخرى، والتي تجري غالباً في إطار التنافس في مسابقات الألغاز أو أشكال تنافسية الأخرى.

كما تتميز المنوعات اليابانية بعدد من المزايا الفريدة، وليس أقلها التفاعل الهزلي الرائع بين شخصيتي التسكومي/Tsukkomi والبوكي/ Boke التقليدية، أي ”الرجل المستقيم“ و ”الرجل المضحك“. ومع ذلك، فبالنسبة لي فإن الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في هذه البرامج هو ظهور ما يقوله الفنانين أو المتسابقين على الشاشة كما هو باللغة اليابانية. وقد دُهشت بديناميكية فكرة استخدام التعليق باليابانية في برامج المنوعات المبتكرة لأنني كنت أعتقد دائماً أن الترجمة على الشاشة شيء يستخدم في الأفلام الناطقة باللغة الأجنبية فقط. لقد استمتعت في البداية بهذه الترجمة كما يقدر المرء الفنون الجديدة والمثيرة للاهتمام، ولكنني أدركت في وقت لاحق ما تركته عليّ هذه الترجمة الملحقة من آثار.

فقد لاحظت أن ألوان، وأشكال، وحركات تلك الترجمة تتناسب مع ردود أفعال وأمزجة مختلفة مثل الفرحة، خيبة الأمل، الضحك، وهكذا دواليك. وبفضل ذلك، فقد أعطتني برامج المنوعات اليابانية نظرة ثاقبة على ردود الفعل وكيفية عرض العواطف في اليابان حيث كان ذلك غير مألوفاً في ثقافتي.

لم يكن ذهني في تلك المرحلة قادراً على فهم اللغة اليابانية بشكل صحيح. فكان في أول الأمر رد فعل بصري من خلال ملاحظة التغيرات البصرية في التسميات التوضيحية. ثم اتبع ذلك أن سجلت أذاني الأصوات، منتبهة إلى لهجة المتحدث. وفي نهاية المطاف، كان عقلي قادراً على جمع كل هذه الدلائل مع بعضها البعض بحيث أصبحت قادرة على فهم أي ظرف قد يؤدي إلى ظهور بعض الكلمات المعينة. ويمكن للتعليق أيضاً أن يستعمل بنطاق واسع لتوضيح معاني الكلمات المنطوقة كونه مكتوباً بحروف الكانجي. إن اليابانية تحتوي على عدد كبير من الألفاظ المتجانسة والتي يصعب تمييز بعضها عن البعض من خلال الصوت وحده.

غير أن اللغة المكتوبة تستخدم أيديوغرامات أو صوراً لها معناها الخاص تمكننا من التمييز بوضوح بين كلمات لها نفس النطق. ومع مرور الوقت كنت قادرة على حفظ قدر كبير من المفردات اليابانية عبر برامج المنوعات من خلال رؤية الكانجي في التسميات التوضيحية أولاً، ثم مطابقة الكانجي مع ردود فعل الحاضرين في العرض. لقد تعلمت كلمات وتعابير لا تعد ولا تحصى بهذه الطريقة، بما في ذلك عدد غير قليل من العبارات الساخرة مما جعلني أبدو وكأني مقدمة برامج تلفزيونية. وبفضل تصحيحات أصدقائي ومعارفي اليابانيين المتكررة، وصل فهمي للتفكير الياباني السليم تدريجياً بمرور الوقت إلى مستوى توسعت فيه مفرداتي بشكل كبير لم أكن أتوقعه.

هذا ويجعل الكانجي في الواقع بمجرد أن تعرفه كل شيء سلساً وأسهل للفهم. كما تصبح القراءة أسرع لأنه يمكنك فهم المعنى بصرياً بدلاً من القراءة حرفاً بحرف. وهذا ما يمكننا من العبور بمتجر ياباني والحصول على الفور على كل ما نحتاجه من معلومات عبر لافتات تُعُّلق بالخارج ومُحلقة في الهواء، وإعلانات عروض نصف السعر على الحليب أو الأرز أو البيض. وبما أن الذاكرة البصرية أقوى بكثير من الذاكرة السمعية، فمن المنطقي أن المنوعات التي تظهر التعليقات بالكانجي ذات قدرة فعالة للغاية من أجل تعلم اللغات بشكل عام.

عشق المانغا

لعب التلفزيون دوراً رئيسياً في تعليمي كيفية التعبيرعن نفسي وفهم ما يقوله الآخرون باللغة اليابانية. ولكن فيما يخص القراءة والكتابة، فإن أهم المساعدات التي تلقيتها كانت من المانغا. حيث تخلق المانغا بمزيجها الفريد من الصور، الكلمات، والخيال، عالماً خاصاً ذو جاذبية وتكاد لا تقاوم في معظم الأحيان. كما أن المانغا أيضاً أداة تعليمية قوية ومفيدة للغاية. لقد عشقت القصص المصورة منذ طفولتي، كما كنت أحب مشاهدة برامج ومسلسلات الرسوم المتحركة ”الأنيمي“ التي تعرض على شاشة التلفزيون. ولم تكن القصص التي كنت ​​أقرأها على مستوى جودة قصص متحف المانغا الياباني برسوماتها الفتانة، التصوير الحي للحركة، التنوع، والتصميمات المبتكرة.

فالجزء الأكبر من قصصي كان كتباً مصورة أوروبية، تميزت برسوماتها البسيطة ولكن بقصص مثيرة ومشوقة للغاية. وقد كونت تلك الكتب جزءاً لا يتجزأ من تجربتي في القراءة في مرحلة الطفولة. وتضمنت الكتب التي قرأتها السلسلة الكاملة من مغامرات تان تان، لرسام الكاريكاتير البلجيكي جورج ريمي/ Georges Remi، وأستريكس/ Asterix، السلسلة الفرنسية التي كتبها رينيه غوسيني/ René Goscinny والتي زودت برسوم ألبرت أودرزو/ Albert Uderzo. وقد ازداد عشقي للمانغا حتى صارت علاقة غرامية بعد أن وصلت مرحلة طالبة في اليابان، العاصمة العالمية للمانغا. وكثيراً ما زرت مقاهي المانغا لتصفح إحداها وانتهى بي الأمر بالبقاء هنالك ثماني ساعات لإنهاء سلسلة كاملة. بتقنيتها ​​الماهرة في عرض القصص، وديناميكيتها، والحرص على أدق التفاصيل، والروح المرحة (بما في ذلك استخدام رسوم كاريكاتورية تتخللها رسوم أكثر واقعية)، مما سرعان ما أوقعتني المانغا اليابانية في عشقها.

في حين أضاءت لي الشرائط السينمائية في برامج المنوعات اليابانية الطريق إلى اتصال لفظي فعال، فقد تصرفت المانغا مثل الساحرة التي وجهتني إلى عالم الخيال والسحر الياباني. وكانت عملية تعلم اليابانية تجربة مثيرة وممتعة للغاية من كل النواحي ومليئة بالاكتشافات الجديدة التي قُدمت لي من قبل بعض المعلمين غير التقليديين.

( المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، ٧ مايو/ أيار ٢٠١٣، الصورة في الأعلى لرجل بين رفوف المانغا من أفلو Aflo)

مانغا إيران اليابانية